\r\n \r\n \r\n \r\n لسبب وجيه، رفضت الحكومة البريطانية اقتراح روسيا القاضي بأن تقوم بريطانيا بتقديم الدلائل للادعاء العام الروسي. وبدلاً من ذلك، أعلن وزير الخارجية \"ديفيد ميليباند\" الاثنين الماضي عن طرد أربعة دبلوماسيين روس، وفرض قيود على منح المسؤولين الروس تأشيرات الدخول لبريطانيا. وهو ما ردت عليه روسيا يوم الخميس الماضي بطرد أربعة دبلوماسيين بريطانيين والإعلان عن قرارها تعليق إصدار التأشيرات للمسؤولين البريطانيين أو طلب تأشيرات بريطانية لدبلوماسيين روس. \r\n وفي تطور غريب قد يساهم في تفسير سبب لجوء البريطانيين إلى تكتيك من تكتيكات الحرب الباردة -طرد الدبلوماسيين- أكدت الشرطة البريطانية الخميس الماضي عن اعتقال رجل روسي في لندن الشهر الماضي للاشتباه في تخطيطه لقتل رجل الأعمال الروسي \"بوريس بيريزوفسكي\" الذي منح حق اللجوء في بريطانيا والمطلوب لدى روسيا بتهمة الاحتيال. ويذكر هنا أن \"بيريزوفسكي\" اشتهر بدعمه المالي لمعارضي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومنهم \"ليتفينينكو\". وبعد استنطاقه على مدى يومين، سُلم الرجل لإدارة الهجرة ورُحل. \r\n والواقع أن تصرف بريطانيا يترجم استياءها الرسمي من روسيا، غير أن عمليات الطرد وتعليق منح التأشيرات يمثل رداً فاتراً على قتل مواطن بريطاني، كما أنه لا يلقي الضوء على الجريمة في حد ذاتها. ولذلك، فالمطلوب من الحكومة البريطانية أن تكشف للرأي العام عن الأدلة التي تدعم اتهامها ل\"لوجوفوي\". كما أنه من المهم أيضاً أن تكشف عن أي دليل على الترخيص لعملية اغتيال \"ليتفينينكو\" وتنظيمها. \r\n الحقيقة أنه حتى قبل توجيه التهمة للوجوفوي، فإن التقارير الإخبارية أشارت إلى وجود دلائل مهمة على تورطه في الجريمة، إضافة إلى آخرين ربما. فمعلوم أن \"ليتفينينكو\" تعرض للتسمم بمادة \"البلونيوم-210\" في الأول من نوفمبر؛ غير أن المحققين الذين تعقبوا مسار \"ليتفينينكو\" ذاك اليوم وجدوا، حسبما يُقال، آثارا لإشعاع \"البلونيوم\" في حانة أحد فنادق لندن حيث التقى مع \"لوجوفوي\" وشريكه التجاري \"ديميتري كوفتون\"، وكذلك في إبريق شاي وفنجان هناك. \r\n كما وجدوا أيضاً، حسبما يتردد، آثاراً لهذه المادة في فندق آخر من فنادق لندن حيث كان يقيم \"لوجوفوي\" و\"كوفتون\" خلال زيارة قبل ذلك بأسبوعين؛ ومطعم حيث تناول \"لوجوفوي\" وجبة الغداء مع \"ليتفينينكو\" خلال تلك الزيارة؛ وفندق ثالث حيث أقام \"لوجوفوي\" والتقى مع \"ليتفينينكو\" خلال زيارة أخرى قبل أسبوع من اجتماع نوفمبر؛ وطائرتان تابعتان للخطوط الجوية البريطانية استعملتا في رحلات بين لندنوموسكو؛ إضافة إلى مواقع أخرى، ومنها مدنية هامبورغ الألمانية حيث توقف لبضعة أيام قبل أن يسافر إلى لندن من أجل اجتماع الأول من نوفمبر. \r\n وثمة سبب قوي كذلك للاشتباه في أن يكون جهاز المخابرات الروسي \"إف. إس. بي\" متورطاً في القضية. إذ يعد \"ليتفينينكو\"، وهو ضابط مخابرات سابق في ال\"كي. جي. بي\" و\"إف. إس. بي\" منح حق اللجوء من قبل بريطانيا في 2000، من أشد المنتقدين لكل من \"إف. إس. بي\" والرئيس بوتين، الذي اتهمه علنا بالمسؤولية عن مقتل الصحافية \"آنا بوليتكوفسكايا\" في أكتوبر الماضي، والتي اشتهرت بمعارضتها لبوتين والحرب في الشيشان. \r\n وعلاوة على ذلك، فإن التشريع الذي مرره البرلمان الروسي في يوليو الماضي يوسع تعريف \"النشاط المتطرف\" المحظور ليشمل الإساءة لسمعة الرئيس ومسؤولين حكوميين آخرين. ويذكر هنا أن محاربة التطرف السياسي تندرج في إطار مهام موظفي \"إف. إس. بي\"؛ وقد رخص التشريع لأجهزة المخابرات بمحاربة النشاط المتطرف حتى خارج حدود روسيا. \r\n ومعلوم أن \"ليتفينينكو\" سمم بمادة مشعة نادرة لا يمكن إنتاجها سوى في منشأة نووية. ويذكر هنا أن أزيد من 95 في المئة من البلونيوم الموجود في العالم مصدره محطة \"أفانجارد\"، التي تعد جزءا من المجمع النووي الروسي الكبير الواقع خارج مدينة \"ساروف\". والواقع أنه يصعب على المرء أن يتصور إمكانية الحصول على كمية \"البلونيوم\" التي استعملت في تسميم \"ليتفينينكو\" من دون أن يتم ذلك عبر القنوات الرسمية. \r\n وبالرغم من الاشتباه في تورط \"إف. إس. بي\"، فإنه لم يتم تقديم أي دليل قوي على ذلك حتى الآن. بالمقابل، تشي التدابير التي اتخذتها الحكومة البريطانية في إشارة إلى استيائها من موسكو على خلفية رفض هذه الأخيرة تسليمها \"لوجوفوي\" بأنها ربما تتوفر على دليل على تورط الحكومة الروسية في القتل، بشكل مباشر أو غير مباشر. \r\n ومما لا شك فيه أنه من غير المناسب بالنسبة لحكومة رئيس الوزراء البريطاني \"جوردون براون\" الجديدة أن تكشف عن الأدلة على اعتبار أنها ورثت عن الحكومة السابقة مفاوضات صعبة مع الروس حول تنقيب الشركات البريطانية عن النفط والغاز، وبرنامج إيران النووي، وكوسوفو، ومواضيع أخرى كثيرة. وعلاوة على ذلك، فهناك قدر كبير من التجارة والاستثمار وغيرهما من الأنشطة المالية بين البلدين. ولعل هذا ما يفسر لجوء بريطانيا إلى مثل هذه الخطوات الرمزية. ومع ذلك، فإذا كانت ثمة أدلة تثبت تورط \"لوجوفوي\" في مقتل \"ليتفينينكو\"، أو تورط الحكومة الروسية، فيتعين الكشف عنها للجميع. \r\n \r\n أستاذ العلوم السياسية بجامعة \"يل\" الأميركية \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n