\r\n ومع ذلك يسود نوع من القلق في العاصمة طهران في أوساط المسؤولين السابقين والمحللين السياسيين الذين يتهيبون من مناقشة الموضوع علنا في ظل منع التشكيك في أهداف \"حزب الله\" على صفحات الجرائد، أو التعرض له بالانتقاد. والواقع أنه كلما واصلت رحى الحرب دورانها في لبنان، كلما اختلط الأمر على المسؤولين الإيرانيين حول ما إذا كانت بلدهم ستبرز منتصرة، أم أن مكانتها الإقليمية ستضعف. فرغم ثقتهم الكبيرة في النصر الإيديولوجي للثورة الإيرانية، إلا أنهم لا يستطيعون إخفاء قلقهم من أن ضرب \"حزب الله\" يساهم في تقويض قوة مهمة للردع كانت تملكها طهران. \r\n وفي هذا الإطار يؤكد الخبراء الإيرانيون في السياسة الخارجية ومسؤولون سابقون بأن إيران تنظر إلى الهجوم الإسرائيلي الشامل على لبنان على أنه حرب بالوكالة تخوضها الدولة اليهودية بالنيابة عن الولاياتالمتحدة التي تريد أن تصفي حساباتها مع إيران ضمن الصراع المزمن بين واشنطنوطهران الذي بدأ منذ قيام الثورة الإيرانية. \"حميد رضا جلايبور\"، سوسيولوجي إيراني وأحد المسؤولين السابقين قال \"إن المسؤولين في طهران يخشون أن ما يحدث لحزب الله في لبنان هو جزء من حملة انتقامية تشنها الولاياتالمتحدة ضد إيران\". ويكتسب هذا الانتقام الأميركي ضد إيران حجة أكبر بالنظر إلى العلاقة الاستراتيجية والأيديولوجية التي تجمع بين \"حزب الله\" وإيران. فقد شكلت الثورة الإسلامية الإيرانية سنة 1979 فرصة لجمع المسلمين تحت مظلة واحدة تقودها طهران، حيث جاءت العلاقة مع شيعة لبنان كجزء من الجهود الإيرانية الرامية إلى توسيع نفوذها الأيديولوجي. \r\n بيد أن بناء إيران لنفوذها الأيديولوجي من خلال \"حزب الله\" في جنوب لبنان امتزج مع رغبة عملية في وضع قوة عسكرية على الحدود الشمالية لإسرائيل. ومهما كانت نتيجة الصراع الدائر حالياً في لبنان يرى العديد من الخبراء والمسؤولين الإيرانيين بأن قوة إيران الاستراتيجية التي كانت تعتمد عليها في جنوب لبنان تعرضت لضربة قاصمة. وحتى في حالة الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار ونجاح \"حزب الله\" في الاحتفاظ ببعض أسلحته لن توافق باقي مكونات الشعب اللبناني التواق إلى السلم إلى منح أي دور مستقبلي \"لحزب الله\" وستمارس ضغوطاً شديدة عليه. ويخشى المسؤولون الإيرانيون من أن تخرج إيران من هذه المواجهة ضعيفة بسبب اعتمادها في السابق على وجود \"حزب الله\" في جنوب لبنان ولعبه دور الرادع لأي هجوم إسرائيلي محتمل على إيران. هذه القوة العسكرية الرادعة معرضة لهزة قوية تحت الضربات الإسرائيلية وقد تصبح إيران مكشوفة أمام النيران الإسرائيلية بعدما أعطيت الضوء الأخضر لإضعاف \"حزب الله\". وفي هذا السياق يقول \"ناصر هديان\"، أستاذ العلوم السياسية بجامعة طهران، وأحد خبراء السياسة الخارجية الإيرانية \"كانت هذه المواجهة بمثابة هدية من الله إلى إسرائيل بعدما منحهم حزب الله الفرصة الذهبية للهجوم عليه\". \r\n ويتابع الخبير الإيراني أن طهران لا تملك القدرة العسكرية داخل أراضيها لشن حرب على إسرائيل من مسافة بعيدة، مشيراً إلى أن أداتها الوحيدة هي الصواريخ التي قد تصيب هدفها وقد تخطئه، فضلاً عن قدرتها التدميرية المحدودة. ويذهب بعض المحللين السياسيين في طهران إلى أنه طيلة الفترة السابقة كانت إيران تسعى إلى الاحتفاظ \"بحزب الله\" كقوة للردع ضد إسرائيل في المنطقة. وهناك من يقول بأن طهران نصحت الحزب بعدم كشف كامل قدراته العسكرية مرة واحدة وإبقاء إسرائيل في حالة غموض حول قوته الدفاعية. غير أن دخول الحزب في معارك شرسة يجعل من غير المناسب منع استخدامه لكامل قدراته العسكرية، فضلاً عن احتمال اختلاف الأجندات بين الطرفين. ولتخفيف الضغط السياسي على \"حزب الله\" بذلت إيران جهودا كبيرة لإقناع اللبنانيين والمسلمين في العالم بأن الحزب ليس مسؤولاً عن تدمير لبنان، وبأن ما قام به جزء أصيل ومشروع من مقاومة إسرائيل. وهي المحالات التي تسعى إيران من خلالها إلى الحفاظ على قوة الحزب في لبنان بعد انتهاء الحرب. \r\n لكن رغم المخاوف التي يبديها المسؤولون الإيرانيون إزاء المواجهات الحالية في لبنان ونتائجها المحتملة على مستقبل إيران في المنطقة، فإنهم لا يخفون غبطتهم من تحقيق نصر أيديولوجي إذا ما خرج \"حزب الله\" منتصراً من الحرب. ففي هذه الحالة سيتمدد نفوذ طهران في الشرق الأوسط وسيكون لزاماً على الأنظمة العربية التي وقفت ضد \"حزب الله\" في الحرب أن تتكلم مع إيران إذا أرادت التعامل مع \"حزب الله\". ويؤكد أحد المحللين السياسيين في هذا الصدد أنه إذا استمر \"حزب الله\" في إمطار إسرائيل بالصواريخ لفترة ستة أشهر أخرى فإن إيران ستبرز كقوة إقليمية يعتد بها في الشرق الأوسط. أما على الصعيد الداخلي فيعتقد الخبراء السياسيون أن نتائج الحرب ستؤثر بشكل مباشر على النقاش الداخلي الجاري حول بعض القضايا المهمة مثل البرنامج النووي والعلاقات الدبلوماسية مع الدول العربية. \r\n ويشار إلى أن السلطة في إيران ليست مركزة في يد واحدة حتى لو كانت يد المرشد الأعلى أية الله علي خمنئي، بل هي موزعة على مجموعة من مراكز القرار الأساسية في طهران. لذا فإن القضايا المهمة في إيران مثل البرنامج النووي غالبا ما تخضع لمشاورات مطولة بين جميع مستويات السلطة قبل اتخاذ القرار. ويسود اعتقاد واسع لدى المسؤولين الإيرانيين بأن الهجوم الإسرائيلي المفرط على لبنان كان مخططاً له منذ فترة طويلة، وأن أسر \"حزب الله\" للجنديين الإسرائيليين ليس في واقع الأمر سوى ذريعة اتخذتها الدولة العبرية لتحقيق مآربها. والأكثر من ذلك يعتقد العديد من الخبراء في إيران أن المستهدف الحقيقي من الهجوم الإسرائيلي كان هو إيران بمساعدة من الولاياتالمتحدة وتغطية من الحكومات العربية لتحجيم الذراع الإيراني في لبنان. \r\n \r\n مايكل سلاكمان \r\n مراسل \"نيويورك تايمز\" في طهران \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"نيويورك تايمز\" \r\n \r\n