خلال العقدين اللذين تليا واحدة من أسوأ كوارث العالم البيئية، تركز جل الاهتمام العالمي –ومعه المساعدات- على أوكرانيا حيث تقع محطة تشيرنوبل النووية. والحال أن معضلة روسيا البيضاء، التي سقط فيها نحو سبعين في المئة من الغبار المشع، أشد وأعظم وإن كانت غير معروفة كثيراً. ذلك أن أكثر من خمس مساحة البلاد ما زال يعتبر إلى اليوم مناطق ملوثة ومع ذلك يسكنها حوالى مليون ونصف المليون شخص، بعضهم، مثل أسرة \"مالينوفسكي\"، يعيشون في مناطق خطيرة قامت السلطات بتطويقها وتسييجها بالأسلاك الشائكة، ولكن يمكن الوصول إليها بالرغم من نقاط التفتيش الخاصة التي أقامتها الشرطة. \r\n \r\n وتدل العشرات من المنازل المغلقة والمهجورة الواقعة على طول الشارع الرئيسي ببلدة \"سفيتيلوفيتشي\" على أن العديد من السكان قد رحلوا نهائياً عن البلدة. غير أن آخرين، مثل \"مالينوفسكي\" وأسرته، يقولون إنهم لا يملكون مكاناً آخر يمكنهم الذهاب إليه. ولا يتوانى العديد من السكان هنا في تحميل الرئيس \"ألكسندر لوكاشينكو\" مسؤولية قلة الاهتمام الدولي بتركة روسيا البيضاء من الحادث النووي المأساوي. حيث تعاني روسيا البيضاء، خلافاً لأوكرانيا الديمقراطية والمنفتحة نسبياً، مصاعب جمة في تأمين المساعدات الدولية. \r\n \r\n وفي هذا السياق، يقول \"فاسيلي ياكوفينكو\"، رئيس \"اتحاد تشيرنوبل الاجتماعي الإيكولوجي\"، وهو جمعية أهلية مقرها العاصمة مينسك: \"لقد عمل لوكاشينكو على وضع حد للمساعدات الخارجية عبر وضع ما لا يحصى من القيود البيروقراطية\"، مضيفا: \"إنه لا يرغب في رؤية الأجانب هنا، ولذلك فإنه يعمل على إبقائهم بعيداً\". \r\n \r\n أما \"لوكاشينكو\" الذي يحكم البلاد منذ 1994، فيلقي المسؤولية على عاتق الدول الغربية، حيث قال للصحافيين بمناسبة إعادة انتخابه في مارس المنصرم في اقتراع اعتبره المراقبون الدوليون مغشوشاً: \"إن روسيا البيضاء لم تبن مفاعل تشيرنوبل، ولم تستغله، ولم تفجره. ولكننا كنا الأكثر تضرراً من الانفجار. هل باستطاعة روسيا البيضاء مواجهة هذا الأمر لوحدها؟ الواقع أنه بدلاً من إنفاق 100 مليار على الحرب، كان باستطاعة الولاياتالمتحدة مساعدتنا، ولكنها لا ترغب في ذلك\". \r\n \r\n ومما يجدر ذكره أن الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي فرضا في أواخر شهر مارس المنصرم عقوبات على روسيا البيضاء بسبب قمع \"لوكاشينكو\" للمعارضة السياسية. ويوم الثلاثاء الماضي، قال زعيم المعارضة \"ألكسندر ميلينكوفيتش\"، الذي زار عدة دول غربية بعد هزيمته الشهر الماضي، إن المسؤولين الذين التقاهم خلال زياراته إلى الخارج عبروا عن قلقهم إزاء عواقب حادث تشيرنوبل. وقال \"ميلينكوفيتش\" في مؤتمر نظمته المعارضة في \"غومل\"، التي تعد أقرب مدينة في روسيا البيضاء إلى محطة تشيرنوبل: \"إن الدول الديمقراطية قادرة على المساعدة، وهي مهتمة بتقديم العون لنا\"، قبل أن يضيف: \"ولكن من الصعب العمل معنا، فالمرور عبر جميع الوزارات قصة عذاب حقيقية\". \r\n \r\n ويرى المراقبون أن التعقيدات البيروقراطية تفسر التأخير المسجل على صعيد تنفيذ عدد من المشاريع، ومن بينها مبادرة البنك الدولي التي تبلغ قيمتها 50 مليون دولار والقاضية بجلب إمدادات الغاز الطبيعي إلى السكان في البلدات النائية والمعزولة بمنطقة الحظر. غير أن نائب رئيس \"لجنة تشيرنوبل\" الرسمية، \"فاليري سيفتشوك\"، يلقي مسؤولية التأخير على ما سماها ب\"المناورات السياسية\"، إذ يقول: \"إن موقف المنظمات الغربية نحو روسيا البيضاء يتسبب في وضع العقبات أمام تحقيق التعاون. فتشيرنوبل شيء، والسياسة ينبغي أن تكون شيئا آخر\". \r\n \r\n وحسب لجنة \"سيفتشوك\"، فإن روسيا البيضاء تنفق سنوياً نحو مليار دولار للتعاطي مع عواقب تشيرنوبل. وفي هذا الإطار يقول سيفتشوك \"الاستثمار الأجنبي بطيء جداً، ولذلك فإننا نضطر إلى تحمل معظم العبء بأنفسنا\". \r\n \r\n والحقيقة أن العديد من المنظمات غير الحكومية في روسيا البيضاء، التي تهتم بالقضايا ذات الصلة بتشيرنوبل، وجدت نفسها وسط عدد من المتاعب والتضييقات. وفي هذا السياق، يقول \"ياكوفينكو\" من \"اتحاد تشيرنوبل الاجتماعي الإيكولوجي\" إن تكثيف مراقبة الدولة للأنشطة المستقلة يعقد مهمة جمعيته، ويجعل من الصعب عليها تحقيق أي شيء. \r\n \r\n إلى ذلك، توجد مشكلة أخرى تتعلق بتحديد مدى الخطر الذي تشكله الإشعاعات على الصحة العامة، حيث أفاد تقرير أصدرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة العام الماضي أن 50 حالة وفاة فقط تعزى أسبابها إلى الحادث، متوقعا حدوث 4000 حالة أخرى في المقبل من الأعوام. غير أن حكومتي كل من أوكرانيا وروسيا البيضاء شككتا في صحة هذه الأرقام، معتبرتين أن معدل الوفيات كان أعلى بكثير وسط المليوني مواطن سوفييتي حينها، الذين صُنفوا رسمياً ك\"ضحايا تشيرنوبل\". \r\n \r\n وإلى ذلك، قامت السلطات في روسيا البيضاء بحل جمعية تضم عدداً من العلماء الذين حاولوا قياس التأثيرات بعيدة المدى الناجمة عن التعرض للإشعاعات على السكان منذ نحو أربع سنوات، فيما تم سجن زعماءها. وحسب تقرير أصدرته جمعية ياكوفينكو، فإن الجمعية- التي تضم في أعضائها خبراء يعملون ب\"معهد أمن الإشعاعات\" المستقل في مينسك– أثاروا غضب الحكومة حين نشروا أرقاماً حول حجم الإشعاعات في عدد من مناطق روسيا البيضاء، والتي فاقت بكثير الأرقام الرسمية. \r\n \r\n فريد وير \r\n \r\n مراسل \"كريستيان ساينس مونيتور\" في سفيتيلوفيتشي- روسيا البيضاء \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"كريستيان ساينس مونيتور\"