\r\n ولا شك أن ما حدث خلال معالجة المنظمة الدولية لموضوع الحرب في العراق يعد سبباً رئيساً يحفز محاولات عنان. فلقد أثارت الولاياتالمتحدة نزاعاً عسكرياً خارج القواعد التي يحددها ميثاق الأممالمتحدة، متجاهلة بذلك اعتبارات واستحقاقات دولية جوهرية عدة. فإذا كانت واشنطن قد ربحت الحرب بسهولة، فإن الأحداث المستمرة منذ أكثر من 30 شهراً تبين الصعوبة التي تواجهها في تحقيق انتصار في مجال السلم من دون مساعدة خارجية، وبعبارة أخرى بدون مساندة المجموعة الدولية. \r\n \r\n إن كوفي عنان يسعى إلى الاستفادة من هذا الوضع، ليضع الهيئة الأممية من جديد في قلب الأحداث الدولية. فمن خلال تعديل الميثاق وتكييفه مع الحقائق الاستراتيجية في عام 2005 ( المختلفة تماماً عنها في عام 1945، تاريخ صياغته)، يأمل الأمين العام الأممي في أن يعطي منظمته شرعية جديدة. كما أنه يتمنى، من دون ذكر ذلك علناً، أن يؤدي الإخفاق الأمريكي في العراق إلى تسليط الضوء على فشل الأحادية الفكرية، وتأكيد حتمية اللجوء إلى المنظمة الدولية في الوقت ذاته. \r\n \r\n يأمل كوفي عنان أن يتوصل قبل حلول فصل الخريف إلى إجراء تعديل يتعلق بموضوع جوهري وحساس يتمثل في توسيع مجلس الأمن، الذي يمثل الجهاز الأساسي للمنظمة العالمية، لاسيما وأن الميثاق يمنحه المسؤولية الأولى في الحفاظ على السلام والأمن الدوليين. \r\n \r\n إن الولاياتالمتحدة لم تحترم هذه السيادة عندما أعلنت الحرب على العراق في الوقت الذي لم تحظ فيه سوى بمساندة 4 من أصل 15 عضواً يشكلون المجلس. \r\n \r\n الكل يتفق منذ زمن بعيد على أن مجلس الأمن الحالي ( 5 أعضاء دائمين: الولاياتالمتحدة، وروسيا، والصين، وفرنسا، وبريطانيا، و10 أعضاء يتم انتخابهم لمدة سنتين) لم يعد يتماشى مع الواقع الاستراتيجي اليوم. وإذا ما أريد لهذا المجلس أن يكون فعالاً، وأن يواصل القيام بدوره الحقيقي الذي يخوله له الميثاق، يتعين توسيعه ليتسنى له بالفعل التعبير عن التوازنات الاستراتيجية المعاصرة. \r\n \r\n فبعد العديد من الأعمال والنقاشات التي جرت على مستوى لجان الخبراء، تم التوصل إلى إجماع يؤكد مبدأ توسيع مجلس الأمن. إن الخيار الذي بدأ يتأكد والذي يدعو إليه الأمين العام حالياً يتمثل في إضافة 6 مقاعد لأعضاء دائمين جدد في مجلس الأمن؛ مقعد للأمريكتين (الشمالية والجنوبية)، وآخر لأوروبا، واثنان لآسيا، واثنان لإفريقيا. لكن المشكلات الحقيقية تبرز عندما يتعلق الأمر بتسمية الدول التي يمكنها أن تصبح عضواً دائماً في المجلس. فمن الصعب لإيطاليا مثلاً أن ترى ألمانيا تلتحق بمجلس الأمن، فيما تظهر هي كبلد أوروبي أقل شأناً. وكيف يمكن الاختيار بين البرازيل والمكسيك بالنسبة إلى أمريكا اللاتينية؟ أو بين جنوب إفريقيا ونيجريا والسنغال بالنسبة إلى إفريقيا؟ كما أن باكستان تتخوف من رؤية الهند عضواً دائماً في مجلس الأمن. \r\n \r\n وبعد المفاوضات المكثفة، يبدو أنه تم التوصل إلى قائمة تم تحديدها على أساس بعض المعايير الموضوعية التي تعزز فرص دولة ما في نيل العضوية الدائمة؛ مثل: المساهمات المالية، والمشاركة في عمليات حفظ السلام، والمساهمة في النشاطات التطوعية لمنظمة الأممالمتحدة، والمساعدة في مجالات التنمية الدولية. \r\n \r\n واستناداً إلى ذلك، فقد برزت قائمة متداولة في هذه الأوساط بطريقة غير رسمية، تفيد أن الأعضاء الدائمين الجدد هم كل من اليابان والهند بالنسبة إلى آسيا، والبرازيل عن أمريكا اللاتينية، وجنوب إفريقيا عن إفريقيا، وألمانيا عن أوروبا، ومصر التي تمثل القارة الإفريقية والعالم العربي في الوقت نفسه. وإلى وقت قريب بدا عنان متفائلاً بحظوظه في تحقيق أهدافه، غير أن تطورات عدة سدت الأفق أمامه. \r\n \r\n فقد كان من المفروض أن يتم إجراء تصويت على مستوى الجمعية العامة بأغلبية الثلثين بخصوص مبدأ توسيع مجلس الأمن. ثم يليه تصويت حول كل عضو من الأعضاء الجدد. وفي المرحلة الثالثة، يتم التصديق، الذي يتطلب موافقة ثلثي أعضاء الجمعية العامة، وموافقة الأعضاء الخمسة الدائمين. \r\n \r\n ولكن هذا لم يحدث. فالصين لم تتلق بارتياح كبير مسألة حصول اليابان على مقعد دائم في مجلس الأمن، وهذا ما يفسر التوترات القائمة حالياً بين البلدين، بحيث تم تنظيم العديد من التظاهرات في الصين، ضد اليابان، التي نشرت بها كتب تاريخية تقلل من شأن التجاوزات التي ارتكبها الجيش الياباني في الصين. إضافة إلى هذا، فإن بكين تبدو واعية بخطورة حصول اليابان على وضع العضو الدائم في مجلس الأمن، الأمر الذي يوسع مجال القوة الاستراتيجية لطوكيو ويحرمها من أفضلية نسبية تميزها في الوقت ذاته. \r\n \r\n وإلى جانب ذلك، تعترض بكين على إمكانية التحاق الهند بها في مجلس الأمن، ولكنها لا تستطيع الإفصاح عن ذلك، لأنها لا تمتلك حجة مقنعة في هذا المقام. فهل ستذهب بكين إلى حد ممارسة حق الفيتو حيال ترشح اليابان، بما ينطوي عليه هذا من إمكانية مخاطرتها بتعريض نفسها للعزلة الدولية؟ \r\n \r\n من جهة أخرى، فإن الولاياتالمتحدة التي لا تعترض على حصول اليابان على العضوية الدائمة في مجلس الأمن، كما لا تمانع في تحقيق الهند الهدف ذاته، لا تساند ترشح ألمانيا، \"معاقبة\" لها على رفضها حرب العراق. \r\n \r\n ومما سبق يتضح أن الاعتراض المزدوج للصين والولاياتالمتحدة على التعديل الطموح لتشكيل مجلس الأمن يمكن أن يجهض مشروع هذا التعديل. وبغض النظر عن الخلافات القائمة بينهما، فإن بكينوواشنطن تتفقان في نقطة واحدة تتمثل في العمل على عدم عرقلة سيادتهما الوطنية على حساب منظمة دولية أكثر فاعلية. ورغم أن حجج الرفض الصينية والأمريكية ليست واحدة، ورغم أن الدول التي تعترضان على حصولها على العضوية الدائمة ليست الدول ذاتها، فإن الاعتراض الأمريكي-الصيني المزدوج قد يكون حجر عثرة أمام إمكانية إجراء تغييرات في الأممالمتحدة، بسبب حرصهما المشترك على تحديد صلاحيات المنظمة الدولية. \r\n \r\n