تعتبر عملية حصول اسرائيل على القنبلة الذرية واحدة من اكبر عمليات الخداع في التاريخ الحديث. وقد بدّلت اسرائيل كل ما في وسعها للابقاء على سرية برنامجها النووي الى حد التورط في فضائح عالمية مثل فضيحة اختطافها للعالم النووي الاسرائيلي مردخاي فعنونو في ثمانينات القرن الماضي والزج به في السجن الانفرادي لمدة 11 عاما. وكانت كل جريمة فعنونو الكشف عن وجود نشاط نووي للاسرائيليين. \r\n \r\n الخبر الجديد المتعلق بتواطؤ بريطانيا مع الاسرائيليين في مجال انتاج السلاح الذري جاء نتيجة العثور على وثائق سرية محفوظة في دائرة السجل العمومي البريطاني. \r\n \r\n سبب الكشف عن هذه الوثائق صدمة كبرى للمؤرخين والسياسيين البريطانيين. وعلى الرغم من ان معظم المعنيين بتلك الصفقة قد رحلوا عن عالمنا الارضي, فان احد المخضرمين وهو اللورد ايان جيلمور اعرب عن دهشته وقال ان الامر غير قابل للتصديق. وحاول اللورد ايان تبرئة رئيس الوزراء البريطاني في حينه هارولد مكميلان من العلم بأمر تلك الصفقة. \r\n \r\n ومن المعلوم ان قانون الاسرار الرسمية البريطاني كان في سنوات الحرب الباردة يحمي المسؤولين البريطانيين الرسميين من المساءلة امام مجلس النواب او الجمهور. وكان من ثمرات تلك الحرية التي يتمتع بها المسؤولون بيع 20 طنا من المياه الثقيلة لاسرائيل من دون اية شروط او تقييدات تمنع استخدام هذه المادة لاغراض عسكرية. \r\n \r\n يضاف الى ذلك ان البريطانيين امعنوا في اضفاء السرية على صفقتهم الى الحد الذي جعلهم يحتفظون بها بعيدا عن علم حلفائهم الامريكيين. \r\n \r\n كانت ادارة الرئيس الامريكي في حينه دوايت ديفيد ايزنهاور تعارض انتشار الاسلحة النووية خارج حدود الدول الثلاث التي امتلكتها وهي امريكا وبريطانيا والاتحاد السوفيتي ولم تكن فرنسا قد انضمت الى النادي النووي بعد, اما سبب اخفاء الامر عن الامريكيين, فهناك من يبرره الان بانه يعود الى الخوف من اصرار الامريكيين على فرض شروط قد تعيق تنفيذ الصفقة. لكن وثيقة من بين الوثائق المكتشفة حديثا تشير الى ان ديفيد بيرسون, امين منظمة الطاقة الذرية البريطانية, كان قد كتب رسالة يقول فيها انه يزمع البيع »من دون تعقيدات« الامر الذي يظهر ان الحكومة البريطانية, او بعض رجالاتها على الاقل, كانوا قد ناقشوا الامر. \r\n \r\n في عام 1958 كانت الجرافات الاسرائيلية قد بدأت في اعداد الموقع الذي تم اختياره لاقامة مفاعل ديمونا في صحراء النقب. وكان قد وصل الى ذلك الموقع فريق من الخبراء الفرنسيين احيطوا باقصى درجات السرية. وكانت مهمة اولئك الخبراء بناء المفاعل الذي ادعت فرنسا فيما بعد انها كانت تعتقد انه سيكون »مفاعلا صغيرا«. \r\n \r\n زودت فرنسا اسرائيل بكمية قليلة من المياه الثقيلة لم تتجاوز الاربعة اطنان. لكن حاجة اسرائيل كانت ستتعدى هذه الكمية كثيرا بالنظر لتوجهها نحو استخدامها في صناعة البلوتونيوم الصالح لانتاج القنبلة الذرية. \r\n \r\n في ايلول ,1958 عرضت اسرائيل على بريطانيا; عبر اشخاص نرويجيين, شراء 25 طنا من المياه الثقيلة الموجودة بحوزة بريطانيا. وقد قدم الطلب تحت ذريعة حاجة اسرائيل الى تلك المادة لاستخدامها في مشاريع ازالة ملوحة الماء اللازم لري المزارع التي تقيمها في صحراء النقب. \r\n \r\n كانت بريطانيا قد اشترت كميات من المياه الثقيلة من النرويج بمبلغ 1.5 مليون باوند لاستخدامها في مشروعها النووي. لكن تغييرا طرأ على التقنية البريطانية المستخدمة لانتاج السلاح النووي ادى الى الاستغناء عن هذه المادة لصالح استخدام الكرافيت كوسيط لاحداث التفاعل النووي. وقد طلبت بريطانيا من النرويج الغاء الصفقة لكن المسؤولين النرويجيين رفضوا ذلك, وهكذا جاءت الوساطة النرويجية لبيع الكمية المذكورة من المياه الثقيلة الى اسرائيل. وقد لزمت النرويج الصمت لحد الان ازاء هذا الدور, وخصوصا عندما كشف مردخاي فعنونو عن ان المياه الثقيلة التي اتاحت لاسرائيل انتاج قنبلتها النووية كانت من النرويج. \r\n \r\n نظمت الصفقة بصفتها صفقة اعادة بيع الى النرويج التي قامت بدورها ببيع الكمية الى اسرائيل وبهذه الطريقة اصبح بوسع المسؤولين البريطانيين التنصل من مسؤوليتهم في فرض التقييدات على بيع المادة. \r\n \r\n اما في الواقع, فان الشحنة الاولى من المياه الثقيلة والتي بلغت كميتها 10 اطنان غادرت احد الموانىء البريطانية على ظهر باخرة اسرائيلية ووجهتها المباشرة هي مفاعل ديمونا السري في صحراء النقب. كان ذلك في شهر حزيران ,1959 ثم ما لبثت الشحنة التالية ومقدارها 10 اطنان ايضا ان وصلت اسرائيل بالطريقة نفسها في حزيران التالي. \r\n \r\n التقطت طائرة تجسس امريكية صورا لنشاطات مثيرة للريبة تدور في صحراء النقب. اثارت الصور شكوك الاستخبارات الامريكية وقامت باستجواب السفير الاسرائيلي في واشنطن. \r\n \r\n في هذه الاثناء نشر احد المراسلين العسكريين في صحيفة »ديلي اكسبرس« تقريرا عن محاولات اسرائيل صناعة قنبلة نووية. نشر التقرير في كانون الاول عام 1960 ويمكن ان يعتبر نشره السبب في عدم حصول اسرائيل على الخمسة اطنان اخرى التي نصت عليها الصفقة في البداية. \r\n \r\n كان على المسؤولين البريطانيين ان يظهروا شجبهم لسعي اسرائيل لحيازة القنبلة الذرية. وقد وصل الى لندن في تلك الفترة رئيس الوزراء الاسرائيلي في حينه ديفيد بن غوريون. في مذكرة كتبها رئيس الوزراء البريطاني في ذلك الحين هارولد مكميلان وصدرها بكلمة »سري« يقول:»قابلت بن غوريون عصر اليوم وابلغته قلقنا بشأن المفاعل النووي الاسرائيلي في النقب. وقد اوضح لي بن غوريون ان الغرض من تلك المنشأة هو تدريب الافراد الذين يمكن ان يستخدموا في مشروع للطاقة الذرية تنوي اسرائيل اقامته بعد عشرة اعوام او خمسة عشر عاما ويهدف الى تحلية ماء البحر لري النقب. وقد سألت بن غوريون عما اذا كان بوسعه ان يقبل بتفتيش دولي.. فقال لي انه لا يعتقد ان بامكانه ذلك لان الامر يعني جلب الروس والعرب«. \r\n \r\n لا شك ان قلق بريطانيا جاء متأخرا جدا, حيث يعتقد ان لدى اسرائيل الان ترسانة سرية تضم 130 قذيفة نووية. \r\n