يقول بطرس حرب، النائب في البرلمان اللبناني، معلقا على الحدث: \"إن الإفراج عن سمير جعجع يفتح صفحة جديدة في التعاون اللبناني المبني على مبادئ الاتحاد الوطني، والديمقراطية، والحرية، والسيادة، والرخاء الاجتماعي\". \r\n \r\n وسمير جعجع أحد القادة العسكريين المتمرسين، وكان من معارضي الوجود السوري في لبنان، كما أنه تحالف مع إسرائيل في فترة الحرب الأهلية التي استمرت من 1975 إلى 1990، ويُعد هو القائد العسكري الوحيد الذي تم الحكم عليه بالسجن بمجرد انتهاء الحرب. \r\n \r\n وفي حين استفاد قادة الميليشيات الآخرون من العفو العام عن الجرائم التي ارتكبت في فترة الحرب؛ مما مكن معظمهم من الوصول إلى مناصب سياسية بارزة، تلقى جعجع –53 عاما– قائد القوات اللبنانية ثلاثة أحكام بالسجن المؤبد عام 1994، بسبب عدة تهم بالقتل، من بينها قتل رئيس الوزراء الأسبق رشيد كرامي. \r\n \r\n وقد تسبب سجن جعجع، الذي استمر 11 عاما، في إحباطات للمجتمع المسيحي العريض، والذي تم تهميشه في فترة ما بعد الحرب التي تميزت باستمرار البقاء السوري في لبنان. \r\n \r\n وقد جاء العفو عنه عقب انتهاء الوجود السوري في الجارة لبنان، والذي استمر لمدة 29 عاما، وهو الانسحاب الذي أحدثته مظاهرات جماهيرية وضغط دولي في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري يوم 14 من فبراير. وقد تم إلقاء اللوم على دمشق في حادث القتل، لكنها أنكرت أي تورط في الحادث. \r\n \r\n وكان 100 من المشرعين قد وافقوا على إصدار قانون عفو عام عن جعجع في الأسبوع الماضي في البرلمان الجديد المشكل من 128 عضوا والذي تشكل فيه الكتلة المعارضة لسوريا أغلبيته، كما يوجد ستة أعضاء من اليسار من بينهم ستريدا زوجة جعجع. \r\n \r\n وقد صرح جعجع، الذي بدا هزيلا، قائلا: \"لقد تحررتم من سجن كبير، وهذا ما مكّنني من أن أتحرر من هذا السجن الصغير\"، وهو بهذا يشير إلى الوجود السوري. \r\n \r\n ومع اعترافه بأن سَجنه كان \"في غاية الصعوبة\" حث جعجع اللبنانيين على وضع عداوة الحرب خلف ظهورهم، وأن يقوموا بصياغة المستقبل سويا. \r\n \r\n وقال أضاف جعجع في خطابه: إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر. ولقد استجاب القدر\"، وأضاف أن لبنان في حاجة إلى \"تعاون روح مختلفة تماما عن تلك التي سادت في سنين الحرب\". \r\n \r\n وفي مطار بيروت تحدث جعجع، والذي يُلقب ب\"الحكيم\" بسبب دراسته للطب والتي لم تكتمل، أمام حشد من 350 شخصا من المهنئين، وقد ضم الحشد سياسيين وزعامات دينية. \r\n \r\n ومع هذا فقد كان من اللافت للنظر غياب الزعامات السنية والدرزية والمسيحية، والمتمثلة في سعد الحريري ووليد جنبلاط وميشيل عون، كما لم يحضر أي ممثل عن حزب الله. وقد عكس غيابهم الجدل الذي لا زال محيطا بالرجل الذي يُنظر إليه باعتباره بطلا بين أتباعه من المسيحيين الموارنة، بينما يُعتبر قاتلا متوحشا في نظر منتقديه. \r\n \r\n وفي صحيفة النهار اللبنانية قال رئيس تحريرها وعضو البرلمان جبران تويني مرحبا: \"لا حقد بعد اليوم، ولا عقد، ولا خوف، ولا غبن. إنها صفحة جديدة تُفتح أمام اللبنانيين ومعها فرصة ذهبية أخرى من أجل تكريس وحدتهم الوطنية التي، وحدها، تُحصّن نهائياً استقلالهم وسيادتهم\". \r\n \r\n وقد شارك جعجع تفاؤله الأعداد الضخمة من مؤيدي القوات اللبنانية الذي شوهدوا يحتفلون في شوارع بيروت. وفُتحت زجاجات الشمبانيا بينما ترددت أصوات الألعاب النارية طول اليوم والليلة بين الحشود السعيدة، الذين كان الكثير منهم صغارا لا يذكرون شيئا من سنوات الحرب. \r\n \r\n ومع هذا فإن آخرين من الذين تأثروا بعنف الحرب الأهلية فلم يكن لديهم إلا القليل ليفرحوا بشأنه. \r\n \r\n فقد قال رجل في الأربعينيات من عمره يعيش في أنتيلياس خارج بيروت: \"أنا مسيحي، لكنني لا أستطيع أن أؤيد جعجع؛ فكل قادة الميليشيات ارتكبوا أعمالا وحشية في الحرب، لكنه ارتكب أفظع هذه الجرائم، وأنا لن أسامحه على ما فعله، فقد أضر بالمسيحيين والمسلمين على السواء. لقد كان متعصبا، ولا أعتقد أنه قد تغير\". \r\n \r\n وكان طلال سلمان صاحب صحيفة السفير، ذات التوجه اليساري، من بين من أبدى رد فعل متعاطفا مع شعور القلق الذي شعر به بعض اللبنانيين، وهو ما أبرزه في مقالته الافتتاحية في الصفحة الأولى، وهي من المقالات القليلة التي حملت نغمة منتقدة لعملية إطلاق سراح جعجع. \r\n \r\n كتب طلال سلمان يقول: \"تهانينا لسمير جعجع على هذا الانتصار... الذي أسبغ عليه صفات لم يكن يحلم بها، صفات تتجاوز البطولة والقديسية، إلى موقع في النادي السياسي اللبناني. لكن اللبنانيين كانوا يأملون منه أن يكون على مستوى العفو الذي قدموه فيرتفع بنفسه، مهما كانت المرارة، لينطق بكلمة اعتذار إلى ضحاياه\". \r\n \r\n وكان جعجع، وهو مسيحي ماروني يميني متحمس، يرى أن مهمته إبان سنوات الحرب هي أن يقوم بحماية مجتمعه المسيحي في المنطقة المسلمة، فقاتل ضد الدروز والمسلمين والفلسطينيين، وكان يحمل آمالا بأن يجعل لبنان في النهاية فيدرالية تستطيع كل طائفة فيها ممارسة شئونها الخاصة بها. \r\n \r\n وقد تولى قيادة القوات اللبنانية في عام 1985 بعد عزل منافسه إيلي حبيقة، الذي كان قد وقع اتفاقية سلام مع جنبلاط ونبيه بري زعيم حركة أمل الشيعية، فجعل جعجع من القوات اللبنانية أقوى الميليشيات المسيحية في الحرب. \r\n \r\n وقد اختار جعجع فيما بعد أن يقوم بدعم اتفاق الطائف، الذي أقرّته سوريا، والذي أنهى الحرب الأهلية، في أعقاب معركة مدمرة مع قوات رئيس الوزراء اللبناني المسيحي ميشيل عون، والتي تسببت في ضربة شديدة للمناطق اللبنانية المسيحية. \r\n \r\n ولا زال المشهد في انتظار التأثير السياسي للإفراج عن جعجع، الذي لم يكشف أي تفاصيل تتعلق بطموحاته السياسية قبل أن يستقل طائرة إلى فرنسا في صحبة زوجته، حيث سيمكث هناك شهرا من أجل إجراء فحوص طبية وتمضية فترة نقاهة. ورغم أن خطابه أكد على المصالحة الوطنية إلا أن البعض لا زال غير مقتنع أنه قد غير من أسلوبه. \r\n \r\n فقد قال أحد رجال الأعمال الشيعة، 38 عاما، تعليقا على هذا: \"إن جعجع سيتجه نحو الاستقطاب بمجرد دخوله إلى المشهد السياسي، ولن يجد بدا من هذا؛ إذ إن هذا سيكون الطريقة الوحيدة التي يبرز بها نفسه؛ فلن يذهب هكذا للتعاون مع تحالف جنبلاط والحريري\". \r\n \r\n لكن آخرين يُعتبرون أكثر تفاؤلا بشأن الدور الذي يمكن أن يشقه لنفسه. \r\n \r\n يقول مايكل يونج محرر صفحة الآراء في ديلي ستار: \"إنني لست مقتنعا أنه سوف يسعى إلى الاستقطاب الطائفي، رغم أنه من المبكر جدا الحديث عن هذا. ولكن السؤال هو: كيف سيقوم بالاصطفاف في الخلاف السني–الشيعي الذي بدأ في الظهور؟ وهل سيتبع عون الذي وضع نفسه قريبا من الشيعة؟ إن خطابه أشار إلى أنه من المرجح أنه سيكون إلى جانب الحريري (أي السنّة). ولكني لا أعتقد أنه سيواجه عون في مزايدة من أجل اقتسام المسيحيين؛ فهذا لن يخدم مصالحه، فسوف يمضي بعدد أقل من المؤيدين. وإذا كان ثمة دور فإنني أعتقد أنه سيقوم بدور إقامة الجسور بين عون والحريري وجنبلاط. \r\n \r\n وسوف يخطو جعجع إلى مشهد سياسي لبناني لا زال يكافح ليقف على قدميه بعد عقود من النفوذ السوري. \r\n \r\n وتواجه مجلس الوزراء اللبناني بزعامة رئيس الوزراء فؤاد السنيورة –وهو المجلس الذي نجح في التشكل بعد أسابيع من المفاوضات والمحاولات الفاشلة– تواجهه تحديات هائلة على كل الأصعدة. \r\n \r\n فالعلاقات مع سوريا في أدنى مستوياتها، بإغلاق سوريا حدودها مع لبنان، وهو ما جعل المئات من سائقي الشاحنات اللبنانية معلقين على الحدود يحملون بضائع قابلة للتلف. وهذا الإغلاق يكلف لبنان ما يُقدر ب300 ألف دولار في اليوم. \r\n \r\n ويطالب السوريون جيرانهم باعتذار رسمي عن الإهانات التي تم توجيهها لسوريا في"انتفاضة التحرير" في هذا الربيع، وكذلك بتعويضات عن قتل 37 عاملا أثناء الصدامات المناهضة للسوريين التي أعقبت مقتل رفيق الحريري. \r\n \r\n ويُضاف إلى هذه البيئة المتوترة الضغط الدولي الذي تمارسه الولاياتالمتحدة في الأساس على الحكومة اللبنانية من أجل الالتزام بقرار الأممالمتحدة رقم 1559، الداعي إلى نزع سلاح الميليشيات المسلحة. وهذا الطلب يتعلق بالضرورة بحزب الله، والذي يُمثل في مجلس الوزراء لأول مرة، والذي لا زال متشبثا بأنه سيظل متمسكا بسلاحه حتى تُعيد إسرائيل المناطق اللبنانية التي لازالت محتفظة بها، ولم تعد تمثل تهديدا للبنان. \r\n \r\n وقد أشار زعماء حزب الله إلى أنهم لن يتراجعوا عن الدخول في مواجهة مسلحة في حالة القيام بأية محاولة لنزع سلاحهم. \r\n \r\n وفي غضون هذا تستمر بشكل منتظم حوادث التفجيرات والهجمات التي تستهدف الرموز الشعبية، وهو ما يشعل المخاوف بشأن المزيد من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد. \r\n \r\n ولا زال طريق لبنان نحو المصالحة الوطنية طريقا طويلا ووعرا.