\r\n \r\n \r\n في هذه الأثناء عكف الرئيس الفرنسي جاك شيراك والمستشار الألماني غيرهارد شرودر على القيام بنقيض ما تفعله اليابان تماماً فهما يتحدثان بفخر عن قوة عسكرية أوروبية تنافس «الناتو»، ويشددان على أنهما لن يعمدا إلى تبني النموذج الأميركي لمعالجة الركود الاقتصادي في بلديهما. \r\n \r\n وبالطبع، فإننا رأينا هاتين المقاربتين المختلفتين على نحو ملحوظ حيال العلاقات مع الولاياتالمتحدة، خاصة فيما يتعلق بالحرب في العراق. فلقد قامت اليابان بإرسال الجنود على الفور، في حين تبنت كل من ألمانيا وفرنسا مواقف فعلية معارضة للمساعي الأميركية للإطاحة بصدام حسين . \r\n \r\n لكن اليابان لم تكن دافئة إلى هذه الدرجة، ولا أوروبا كانت باردة إلى هذه الدرجة، إزاء الولاياتالمتحدة. والمظاهر الحالية للواقع الاستراتيجي العالمي تفسر إلى حد بعيد سبب هذا الاختلاف الكبير في المواقف تجاه أميركا . \r\n \r\n ومثل العلاقة عبر الأطلسية، فإن الشراكة اليابانية الأميركية نشأت من رماد الحرب العالمية الثانية، وفي السبعينات والثمانينات كانت اليابان عرضة للتأثر بنوبات معاداة أميركا إلى الدرجة ذاتها التي تشهدها في أوروبا الآن . \r\n \r\n ضغط اليساريون اليابانيون ذات يوم لسحب القوات الأميركية من بلدهم. كما اعتاد اليمين في اليابان إلقاء المحاضرات على مسامعنا في شأن التفوق الصناعي الياباني، وكان يتفاخر ب «جيل جريء جديد» قادر على «أن يقول لا» للتذمر الأميركي المتواصل في شأن التجارة العادلة . \r\n \r\n وكان الغضب الياباني من وجود قواعدنا في جزيرة أوكيناوا يبدو دائماً أعظم من انزعاج الأوروبيين من وجود قوات أميركية في ألمانيا. كما أن أصداء الثقافة الأميركية في اليابان كانت أقل وقعاً بكثير مما كانت عليه في أوروبا . \r\n \r\n لماذا إذن أصبحت اليابان فجأة دافئة مع الولاياتالمتحدة فيما صارت أوروبا باردة؟ هل إدارة بوش تعمل بطريقة خرقاء مع برلين وبطريقة بارعة في طوكيو؟ \r\n \r\n لا، الإجابة تتمثل بالأحرى في نهضة الصين وانهيار الاتحاد السوفييتي. فالحكومة اليابانية ترى في الصين ونصيرتها النووية، كوريا الشمالية، أكثر من مجرد تهديدات نظرية. وفي الحقيقة أن اليابان تقع ضمن مجال الصواريخ التكتيكية للبلدين كليهما . \r\n \r\n وإذا كان الأوروبيون يحلمون بأن الرأسمالية الصينية التنافسية لا تعني شيئاً سوى فتح آفاق مغرية للمال والأعمال، فإن اليابانيين يخشون من أن مثل هذه الدينامية ستؤدي على الأرجح إلى تحرش جديد في فنائهم الخلفي. وإذا كانت اليابان قد عايشت في وقت من الأوقات نوبات متوالية من معاداة أميركا عندما كانت جارتها الصين تغط في نومها، فإن أوروبا كانت ودودة نسبياً معنا عندما كنا نبعد عن حدودها ثلاثمئة فرقة سوفييتية . \r\n \r\n ما المغزى من هذا كله؟ إن توجيه الانتقادات اللاذعة للولايات المتحدة قد يكون هواية ممتعة بالنسبة للبعض، عندما يختفي العدو الشيوعي الذي كان يرعبهم، لكن هذه الهواية لا تعود ممتعة بالنسبة لآخرين عندما يبدأ عدو شيوعي آخر مجاور لهم بالتكشير عن أنيابه . \r\n \r\n وبالطبع، فإن السياسة الداخلية والقضايا التجارية والدبلوماسية الأميركية الخرقاء كلها عوامل تساعد أيضاً في صياغة ملامح صورة الولاياتالمتحدة في الخارج. لكن مع ذلك فإن تبني أي حكومة خطاباً معادياً لأميركا يمكن التنبؤ به في أغلب الأحيان على أساس المصالح الذاتية المدركة لتلك الحكومة . \r\n \r\n وعلى الرغم من كل الضجيج المنبعث من طرح جورج بوش القائل «فلنقض عليهم» فإن هناك طيفاً عريضاً من العوامل التاريخية والجغرافية الخارجة عن نطاق سيطرتنا، والتي تحدد الشعبية النسبية لصورة الولاياتالمتحدة في الخارج . \r\n \r\n إن البلدين الصغيرين، الدانمارك وهولندا، تعرضا للغزو مرتين القرن الماضي من قبل الرايخ الناطق بالألمانية. وأوروبا الشرقية تم ابتلاعها وتعرضت للتدمير تقريباً على أيدي الجيران الروس، ولذلك فإن هذه الأماكن ستظل أكثر انفتاحاً على الولاياتالمتحدة من ألمانيا وفرنسا الأكبر والأكثر أمناً بعد الحرب الباردة . \r\n \r\n وفي هذه الأثناء تميل نيوزيلندا المتوارية بأمان خلف الدرع الأسترالية إلى تبني نزعة معاداة أميركا. لكن إذا واجهت نيوزيلندا خطر الصين الشيوعية، اندونيسيا وماليزيا الإسلاميتين وكوريا الشمالية النووية، عندها ربما تكون أكثر تقبلاً لزيارة القطع الحربية الأميركية . \r\n \r\n وفي الأوقات الأهدأ عندما رفعت كوريا الجنوبية شعار السياسة السلمية في التعامل مع جارتها الشمالية، انتشرت في البلد مشاعر معاداة أميركا كما كان متوقعاً . \r\n \r\n لكن بعد فشل سياسة التهدئة والكشف الذي أثار مشاعر الصدمة من جانب كوريا الشمالية عن مقدراتها النووية واللهجة المرعبة التي بدأ يتحدث بها كيم يونغ إيل، اختفت لغة انتقاد أميركا من سيؤول. وكان التغير المفاجئ في المسلك الكوري الجنوبي مفهوماً، عندما أعلنت الولاياتالمتحدة أنها بصدد نشر بعض الجنود الأميركيين بعيداً عن المنطقة منزوعة السلاح بين الكوريتين وإرسالهم إلى بوسان أو إعادتهم إلى الوطن . \r\n \r\n إن العالم في حالة تغير مستمر. وبنهوض قوى اقتصادية جديدة، كالصين والهند، والمخاوف العالمية في شأن الإرهاب ونزعة التشدد والإدراك الجماهيري لمدى ضعف الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في أوقات الشدائد، فإننا يمكننا أن نتوقع انحساراً سهلاً لموجة معاداة أميركا . \r\n \r\n خدمة «لوس أنجلوس تايمز » \r\n \r\n خاص ل «البيان »\r\n \r\n