فالكيفية التي سوف تختارها الولاياتالمتحدة للتعامل مع هذه العمليات الديمقراطية الجارية في قلب العالم الاسلامي يمكن ان تقرر مستقبل العلاقة الامريكية بهذا العالم. \r\n \r\n لعل الرئيس جورج بوش قد اعلن ميلاد حقبة جديدة عندما تعهد اثناء خطاب التدشين الذي استهل به ولايته الرئاسية الثانية بالخروج عن السياسة الامريكية التقليدية التي تدعم الانظمة التسلطية في العالم الاسلامي. وقد وعد بوش بدعم الحركات الديمقراطية الاصيلة في الشرق الاوسط وغيره حتى لو تضمن ذلك ازاحة اصدقاء امريكا التقليديين وحلفائها. ومنذ ذلك الوقت وبوش يكرر القول بان قمع الدوافع والحقوق الديمقراطية هو المسؤول عن ظهور التطرف الاسلامي. \r\n \r\n ربما كانت الديمقراطية, فعلا, الدواء الشافي لغالبية المشاكل التي تواجه العالم الاسلامي. لكن السؤال الملح هو: هل تستطيع الولاياتالمتحدة ان تقدم على اتخاذ الخطوات الجريئة اللازمة لوضع وعودها موضع التطبيق? وهل تستطيع الولاياتالمتحدة ان تسمح للديمقراطية بان تأخذ مسارها الطبيعي في العالم الاسلامي في وقت تشهد فيه المنطقة من لبنان الى مصر ظهور الاسلاميين كقوة سياسية لا يستطيع الغرب تجاهلها? \r\n \r\n ان انتشار الديمقراطية في الدول الاسلامية يمكن ان يؤدي الى تمكين اللاعبين السياسيين البارزين الذين يستلهمون من الاسلام النهج والهداية في الحياة العامة. \r\n \r\n في وقت مبكر من الشهر الماضي اكتسح حزب الله, وهو حركة المقاومة الشيعية القوية التي تعتبرها واشنطن جماعة ارهابية, صناديق الاقتراع في الجنوب اللبناني. وفي الاراضي الفلسطينية, اضطر محمود عباس الى تأجيل الانتخابات التشريعية المقررة في هذا الشهر عندما ادركت فتح, وهي المنظمة التي ظلت الممثل السياسي الوحيد للشعب الفلسطيني على مدى نصف قرن, ان الاسلاميين في حركة حماس مصممون على ازاحتها من السلطة. \r\n \r\n وفي مصر صب الحزب الحاكم, المدفوع بضغوط من واشنطن الى اجراء انتخابات حرة ونزيهة, جام غضبه على جماعة الاخوان المسلمين. فقد تم استبعاد هذا التنظيم الاسلامي القوي ذي القاعدة الجماهيرية الواسعة في مصر وغيرها من الدول العربية من الانتخابات المقررة في ايلول المقبل خشية نجاحها في انتزاع السلطة من الحزب الحاكم. \r\n \r\n فلو ان بوش كان جادا في التزامه بالديمقراطية, لكان عليه ان يقول لاصدقائه في الشرق الاوسط ان يسمحوا باجراء انتخابات حرة ونزيهة حتى ولو ادى ذلك الى مجيء الاسلاميين الى الحكم. \r\n \r\n ومع تقدم الاسلاميين الى طليعة الحلبة السياسية في اجزاء كثيرة من العالم العربي, اصبح لزاما على الولاياتالمتحدة وبقية دول العالم الغربي ان تتقبل فكرة التعامل معهم بصفتهم ممثلين شرعيين للشعب. \r\n \r\n خلال نصف القرن الماضي, وقف الغرب الى جانب الطغاة المحليين في عملية اضطهادهم للاسلاميين. وقد تجاهل الغرب طوال تلك الفترة الانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان من قبل الانظمة المتعاقبة في المنطقة, وفي الجزائر, حال الجيش دون استلام جبهة الانقاذ الاسلامية للسلطة بعد فوزها في الانتخابات البرلمانية عام 1991 . وحظيت تلك الخطوة بمباركة الغرب الذي رأى في صعود الاسلاميين تهديدا لمصالحه. وكانت النتيجة عقدا داميا من الحرب الاهلية. \r\n \r\n وقد ظل الغرب يدير وجهه الى الطرف الاخر كلما تعرضت الديمقراطية للقمع والملاحقة في العالم الاسلامي. ولم يكن من المستغرب, والحالة هذه, ان يحمل الكثير من المسلمين الغرب مسؤولية المعاناة التي ينزلها بهم حكامهم الدكتاتوريون. \r\n \r\n ان موقف واشنطن المبني على اعتبار الجماعات الاسلامية مثل حزب الله وحماس والاخوان المسلمين منظمات ارهابية لم يعد يتماشى مع الحقائق الجديدة التي تشهدها المنطقة. فالارهابيون لا يشاركون في الانتخابات والعمليات السياسية, كما تفعل حماس وحزب الله. كما ان حركة الاخوان المسلمين تعتبر واحدة من اوسع الحركات الجماهيرية قاعدة في العالم العربي. \r\n \r\n فاذا كان بوش يرغب حقا في بدء حقبة جديدة من الديمقراطية والسلام في العالم الاسلامي فان عليه ان يكون مستعدا للتعامل مع المحتلين الحقيقيين والشرعيين للحركات الاسلامية. وسوف يحسن صنعا لو انه استطاع ان يدرك ان الاسلاميين في سبيلهم الى ان يكونوا لاعبين سياسيين مهمين في الشرق الاوسط وان يتعامل معهم على هذا الاساس. \r\n