ولذلك وحينما عقد شين اجتماع الحزب السنوي في دبلن لم يكن بإمكان غاري أدامز غض الطرف عن الهمسات حول موقف الجيش الجمهوري الأيرلندي في الشمال وعلى الحدود في جمهورية أيرلندا . لقد أدى موت ماكارتني إلى فتور الدعم للحركة وترك حزب أدامز أمام خيارات صعبة : إما البقاء منتميا لمنظمة خارجة على القانون وتعاني من تراجع مصداقيتها أو ترك تاريخ الجيش الجمهوري الدامي في الوراء ومحاولة الإنضمام إلى الساحة السياسية الديموقراطية . \r\n اختار أدامز طريقة درامية للتعبير عن الخيار الذي اختاره لنفسه . قام بدعوة إخوة ماك كارتني إلى حضور المؤتمر وسماع شجبه واستنكاره وإدانته لحادثة القتل . شعرت الأخوات بالحيرة والارتباك من الموقف وخيم السكوت على النواب الحاضرين . بعد ذلك بدأ أحد الأفراد في التصفيق. ثم انضم له آخرون دون أن يكون هناك حماس كبير خاصة وأن الموجودين في القاعة أقروا بقوة الشخصيات المدعوة للحضور . \r\n \r\n كان هذا المشهد عبارة عن مزيج بين الماضي والحاضر بين الماضي الدموي والمستقبل المجهول . منذ بداية التسعينيات انضم الجمهوريون الذين يشكل الكاثوليك أغلبيتهم إلى الساحة السياسية في شمال أيرلندا التي تخضع للحاكم البريطاني وأصبحوا جنبا إلى جنب مع جيرانهم في الجنوب في جمهورية أيرلندا وأغلبيتهم من البروتستانت . على الرغم من التنازلات العديدة إلا أنه لم تنته حول القيام إما بنزع أسلحة الجيش الجمهوري الأيرلندي أو العودة إلى الصراع الدموي الذي خلف ثلاثة آلاف قتيل على مدى 25 عاما . أظهر استفتاء تم اجراؤه في العديد من الدوائر الانتخابية بما فيها الدائرة التي ينتمي إليها اخوة ماك كارتني , وهو الاستفتاء الذي نظمته هيئة الإذاعة البريطانية وصحيفية بلفاست تلغرام , أن 59% من مؤيدي الشين فين يريدون من الجيش الجمهوري الأيرلندي أن يقوم بنزع أسلحته . \r\n \r\n واجهت مناطق عدة من العالم مثل هذا الخيار الصعب . في اسرائيل والأراضي المحتلة , يرغب المعتدلون أن يسود السلام والأمن الجانبين كي ينعم الجميع بالعيش في سلام ووئام وحتى لا يعودوا إلى مسلسل العنف والدم والقتل . في جنوب افريقيا , وافق البيض على أن يتنازلوا عن الحكم إلى الأغلبية السوداء بعد أن توصلوا إلى أن التمسك بالحكم سيكون على حساب خطط التنمية وتطوير المجتمع . واجهت دول مثل أوكرانيا ويوغوسلافيا والأرجنتين والدول الأخرى في أميركا اللاتينية صراعات مشابهة وحققت نجاحا بنسب متفاوتة . \r\n \r\n على أية حال , في معظم الحالات كانت المنظمات شبه العسكرية إما خاسرة أو رابحة . تجد منظمة الجيش الجمهوري الأيرلندي نفسها الآن في مواقف مختلفة فهى ليست رابحة وليست خاسرة في نفس الوقت ولذلك عليها أن تقوم بتحويل نفسها من كيان ثوري إلى جناح سياسي . وهناك أنماط يمكن اتباعها وهى كما يلي . \r\n ربما يكون الوقت قد تأخر . الرخاء قد تحقق فعلا في ايرلندا الشمالية لدرجة تجعل أسلوب معيشة الجيش الجمهوري الأيرلندي ينطوي على مقارفة تاريخية أكبر . فقد أصبح الهدوء والنشاط التجاري والحركة هى السمة المميزة لبلفاست بدلا من العنف ومشاهد الدم والمواجهات المسلحة . \r\n \r\n ولكن في الأجزاء التي يسيطر عليها الجيش الجمهوري الأيرلندي فالحياة باقية على ماهى عليه . ففي المنطقة التي عاش فيها روبرت ماك كارتني وإخوته على ضفاف نهر ليغان , ما زال الصراع موجودا . تخلت برلين عن أسوارها منذ فترة طويلة ولكن من سخرية القدر أن يتم تسمية هذا الجدار ( جدار السلام ) . على الرغم من أن الشرطة تقوم بعملية إصلاح وتحول واسع في بلفاست إلا أن الأحياء الفقيرة القريبة من بلفاست مازالت تبدو وكأنها سجن مفتوح وأقسام الشرطة تعج بأبراج المراقبة والكاميرات الأمنية وكأنها مخابئ تخضع لحراسات مشددة . \r\n حكم الجيش الجمهوري الأيرلندي والشين هذه المناطق لفترات طويلة قاموا خلالها بتوفير الحماية لأهالي المنطقة من القوات الأجنبية المعادية ولكنهم أخضعوهم لنظام صارم لا هوادة فيه وكأن البلد يخضع لنظام حزب شيوعي مثل حكم فيدل كاسترو في كوبا . الجيش الجمهوري الأيرلندي ليس فقط منظمة شبه عسكرية ولكنها أسلوب حياة كل شئ في الدولة بداية من مراكز رعاية الطفولة إلى الوظائف الحكومية إلى حفظ الأمن يقع تحت سيطرتهم ومن يخرج عن سيطرتهم يمكن أن يتم إعادته إلى الجادة أو طرده أو ضربه أو حتى إزهاق روحه . \r\n \r\n من السهل علينا أن ننسى أن ما أقدم عليه هذان الرجلين , اللذان عاشا فترة طويلة في الكفاح المسلح , كان تعبيرا عن شجاعتهم على المستوى الشخصى حيث نجحا في دفع الجيش الجمهوري الأيرلندي نحو وقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات مباشرة قبل عقد من الزمن . الفترة التي أعقبت تلك الفترة جاءت مخيبة لآمال كلا الجانبين في معظم الأوقات. تم اتهام الجيش الجمهوري الأيرلندي أنه يقوم بشن عمليات شبة عسكرية مثل نشر الجواسيس وتهريب الأسلحة وتدريب المقاتلين ( في كولومبيا ) والقيام بالجرائم المنظمة . المفاوضون الجمهوريون في المقابل كانوا يشتكون من أن نظرائهم البريطانيين يقدمون تنازلات كثيرة إلى المتشددين البروتستانت . مع هذا هناك حقيقة واضحة للعيان مفادها أنه على مدى السنوات الأخيرة اختفت حوادث العنف والقتل بصورة شبة تامة في واحدة من المناطق التي شهدت أعنف صراع طائفي في أوروبا . \r\n في الخريف الماضي , بدا أن حركة الجمهوريين مستعدة لأخذ خطوة نهائية وأن تقوم بنزع أسلحتها بشكل تام والدخول إلى ساحة السياسة والانخراط في المال والأعمال . هذا الاتفاق ذهب أدراج الرياح بعد أن طالب الاتحاديون الذين يقودهم إيان بايسلي بدليل مصور لنزع الأسلحة وتأكيد رسمي من الجيش الجمهوري الأيرلندي . بعد أسبوعين انهارت فرص السلام بين الجانبين بعد أن سطا مسلحون علىبنك في بلفاست وقامو بسرقة مبلغ 50 مليون دولار وهى العملية التي قالت الحكومة البريطانية إنها من تدبير الجيش الجمهوري الأيرلندي . \r\n \r\n السرقة أضرت كثيرا بشعبية الشين فين المتزايدة في جمهورية أيرلندا , الدولة الديموقراطية الحديثة التي لا يتم النظر فيها إلى جرائم سرقة البنوك والجرائم الأخرى على أنها بدافع الولاء والحماس للأيرلنديين حتى ولو كان الذي نفذها الجمهوريون . \r\n استجابة الجيش الجمهوري الأيرلندي للحادثة شابها الإضطراب وعدم الإنتظام في البداية طلبت المنظمة من الشهود الحضور و الإدلاء بشهادتهم ولكنهم أعلنوا أنهم سوف يدلون بشهاداتهم أمام طرف ثالث وليس الشرطة . بعد ذلك أعلنوا أنهم قاموا بطرد المسؤولين عن جريمة لم تقع. في الأسبوع الماضي أصدر الجيش الجمهوري الأيرلندي أغرب بيان حتى الآن جاء فيه أنها تستعد للقصاص من القتلة نيابة عن ماك كارتني . \r\n رفض أخوي ماك كارتني العرض . \r\n \r\n جاءت تعليقات مسؤولي كل من الحكومة البريطانية والأيرلنديين , اللذين خاب ظنهما لأن أدامز والجمهوريين لم يقوموا بالتخلي التام والنهائي عن الأسلحة ,. ثارت حفيظتهما لأن أدامز وماك غينيس كانا يتفاوضا على السلام في الوقت الذي كان الجيش الجمهوري الأيرلندي يضع اللمسات النهائية على خطة سرقة البنك . ولكن لا أحد يرغب في العودة إلى الأيام الماضية التي كان فيها العنف الطائفي على نطاق واسع . المسؤولون يتفهمون أنهم لا يستطيعون إجبار حركة الجمهوريين على أن تقوم بالقفزة النهائية . ربما تدفع حالة الحزن والغضب المحمود المتأجج في صدور إخوة ماك كارتني حركة الجمهوريين بالقيام بذلك . \r\n \r\n غلين فرانكيل \r\n مدير مكتب صحيفة الواشنطن بوست في لندن وكاتب في الشؤون الأيرلندية منذ عام 1989م . \r\n خدمة الواشنطن بوست - خاص ب(الوطن) .