ومحكمة الجزاء الدولية القائمة، والتي تمارس عملها بالفعل، في مدينة لاهاي الهولندية، لها صلاحية النظر والبت في جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب المرتكبة بعد الأول من يوليو، 2002، وذلك في حالة عدم قدرة، أو عدم رغبة نظام العدالة التابع لدولة من الدول الموقعة على الاتفاقية في العمل، أو اتخاذ الإجراءات المناسبة. وعلى الرغم من أن ما يدور الآن في دارفور يقع في نطاق اختصاص المحكمة، إلا أن الولاياتالمتحدة، قالت إنها ستلاحق الذين ارتكبوا الفظائع في دارفور، من خلال إنشاء محكمة خاصة في \"أروشا\"- بتنزانيا، على الرغم من أن مثل هذه المحاكم المؤقتة، والتي يتم إنشاؤها لغرض معين، تحتاج إلى وقت لتنظيمها، وإلى تكلفة عالية لإدارتها. وفي هذا السياق قال \"بروسبر\" في محاولة واضحة لوضع نصف الكرة الجنوبي مواجهة مع نصفه الشمالي:\"لا نريد أن نجد أنفسنا في وضع يتم فيه تصدير موضوع العدالة الأفريقية إلى الخارج، أو تكليف جهة أخرى بأدائه بالنيابة عنها\". \r\n \r\n بيد أن الرأي الأفريقي أكثر تعقيدا من ذلك. فالواقع أن محكمة الجزاء الدولية قد كسبت بالفعل دعما واسع النطاق بين الأفارقة، خصوصا إذا ما عرفنا أن هناك 27 دولة من بين ال 98 دولة الموقعة على معاهدة روما، هي من دول القارة. ويذكر في هذا السياق أن هناك أربع دول أفريقية، قد دعت المحكمة بالفعل للتحقيق في الفظائع المرتكبة داخل حدودها وهي: أوغندا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وساحل العاج. وكل دولة من تلك الدول تتطلع إلى المحكمة، كي تمدها بالمساعدة في المجالات التي أخفق فيها نظامها القضائي، أو قصّر عن أداء المهمة الملقاة على عاتقه. \r\n \r\n ونظرا لأنها أول محكمة دائمة تتمتع بصلاحيات تغطي مختلف أنحاء العالم، فقد تم تصميم محكمة الجزاء الدولية، بحيث تكون لديها القدرة على الحيلولة دون ظهور حكام طغاة وقتلة من طراز بول بوت، وبينوشيه. وسيكون عام 2005 الحالي عاما حاسما في تاريخ المحكمة، خصوصا وأن أول تحقيقين تقوم بهما في أوغندا والكونغو يمضيان قدما في الوقت الراهن. وعلى الرغم من معارضة الولاياتالمتحدة، فإننا نجد أن هناك دعما قويا في مجلس الأمن الدولي لإحالة الوضع في دارفور إلى المحكمة، كما أن هناك مناقشات حامية تدور الآن فيها بهذا الخصوص، وهي التي ستحدد النتيجة. \r\n \r\n وسيقوم موظفو المحكمة قريبا بأول جولة من جولات الإدانة في أوغندا وذلك ضد القادة الرئيسيين، لجيش المقاومة المعروف باسم \"جيش الرب\" والذي قام بشن حرب على الحكومة، من خلال استهداف المدنيين في الشمال. وقد أسفرت تلك الحرب عن اختطاف 20 ألف طفل، وتشريد حوالي 1. 6 مليون نسمة من ديارهم، بالإضافة إلى قتل وإصابة عشرات الآلاف من السكان. \r\n \r\n ويشار إلى أن تحقيقات محكمة الجزاء الدولية قد شكلت المزيد من الضغط على الجانبين لإنهاء الصراع هناك، كما أنها ركزت الاهتمام الدولي على الانتهاكات التي يرتكبها الطرفان. وإذا ما تم تحديد الإدانات، و محاكمة كبار قادة \"جيش الرب\" أمام محكمة الجزاء الدولية، فإن ذلك لن يحول دون محاكمة الجناة الآخرين أمام محاكم تقليدية، كما أنه لن يعوق آليات التسوية والمصالحة المستخدمة في المحكمة ومن ضمنها ما يعرف باسم \"لجان الحقيقة\". \r\n \r\n وإدارة بوش تعارض محكمة الجزاء الدولية بقوة، وهو ما يرجع - على ما يبدو- لمخاوفها من قيام المحكمة بإجراء محاكمات سياسية علنية للجنود والمواطنين الأميركيين. وهذه المخاوف في الحقيقة في غير محلها، لأن الدول التي ستكون في دائرة اختصاص هذه المحكمة، هي الدول التي لن يستطيع نظامها القضائي -أو لن يقوم- بالنظر في القضايا التي تتضمن جرائم إبادة، أو جرائم حرب، أو جرائم ضد الإنسانية. \r\n \r\n أما إساءة استخدام المحكمة، وهو ما يخشاه بعض المسؤولين الأميركيين، فأمر يكاد يكون مستحيلا من الناحية العملية. فوجود نظام سليم من الضوابط والتوازنات، يحول دون إساءة استخدام إجراءات المحكمة. فالمحقق، على سبيل المثال، يجب أن يحصل على إذن من غرفة القضاة التي ستشكل قبل المحكمة، قبل أن يبدأ في إجراء التحقيقات، أو قبل أن يقوم بإصدار أحكام قاسية بالإدانة. \r\n \r\n علاوة على ذلك، فإن الدول المختلفة ستكون قادرة على استئناف تلك القرارات إذا ما كانت ترى أن محاكمها قد قامت بالنظر في القضايا، وإجرائها بشكل سليم. ونظرا لأن الولاياتالمتحدة لديها نظام قضائي عامل، ولديها القدرة على معالجة المزاعم المتعلقة بوقوع حالات إساءة استخدام صارخة، فإن مواطني الولاياتالمتحدة، لن يكون أمامهم في هذه الحالة ما يخشونه من محكمة الجزاء الدولية، وهو ما لا ينطبق بالطبع على الحكام الطغاة، والجيوش الفاسدة والمجموعات المسلحة، والدول الفاشلة. \r\n \r\n خلال الجزء الأكبر من تاريخها كانت الولاياتالمتحدة دائما في طليعة الدول التي تقوم بوضع الأعراف الديمقراطية والإنسانية. والأشخاص الذين تحدثت معهم خلال رحلة قمت بها في الآونة الأخيرة إلى نيجريا، تشجعوا عندما استشهدت بنتائج اقتراع قومي، تم إجراؤه من قبل \"مجلس شيكاغو للشؤون الخارجية\" تبين من خلاله أن 69 في المئة من الأميركيين، يساندون محكمة الجزاء الدولية. \r\n \r\n إن إدارة بوش، يجب أن تساير الشعب الأميركي، الذي يدرك أن عدم قيام بلاده بالانضمام إلى المحكمة، سيجعلها تقف ضد مسار التاريخ. يجب على الولاياتالمتحدة أن تقوم بعكس موقفها، ودعم محكمة الجزاء الدولية ومساندة المطالب الداعية إلى تحويل انتهاكات حقوق الإنسان في دارفور، إلى لاهاي. \r\n \r\n \r\n جوناثان إف. فانتون \r\n \r\n رئيس مؤسسة جون دي وكاثرين ثي. ماك آرثر- شيكاغو \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n \r\n