ولكن في عالم اليوم لا يجب أن نتمسك بالحيادية كخيار أوحد ولا يجب أن يقتصر مبدأ السيادة على منح الدول الحق في أن تكون آمنة داخل حدودها فقط، بل يجب أن يتضمن هذا المبدأ إلقاء المسؤولية على عاتق هذه الدول ومحاسبتها فيما يتعلق بالمحافظة على أمن وكرامة مواطنيها. وكما نشهد الآن في إقليم دارفور بالسودان، حيث قامت الميليشيات المدعومة من قبل الحكومة بتشريد أكثر من مليون مواطن خلال الثمانية عشر شهراً الماضية فإن هذه الحكومات الفاسدة باتت تحول كامل أراضيها إلى مسرح للقتل والمعاناة.وفي دول مثل كمبوديا ونيجيريا وأثيوبيا ورواندا والبوسنة والهرسك لقي الملايين حتفهم وتم تشريد واغتصاب أعداد لا تحصى من الأشخاص فيما جلس العالم يراقب دون أن يقوى على فعل شيء. صحيح أن هذه الانتهاكات الوحشية لا تمثل تهديداً مباشراً لأمننا القومي ولكنها في حقيقة الأمر تنتقص من كرامتنا وإنسانيتنا. \r\n \r\n في هذا الشهر اجتمعت لجنة من 16 عضواً تمثل كبريات دول العالم تحت شعار \"التهديدات والتحديات والتغيير\" برعاية كوفي عنان الأمين العام لمنظمة الأممالمتحدة وهي تحث العالم على تحمل \"مسؤوليته في الحماية\". ومن أجل توفير الدعم لهذه المهمة طالبت اللجنة بضرورة توسيع سلطات مجلس الأمن بحيث يتمكن من حماية الأشخاص الذين تحف بهم المخاطر والتهديدات حتى بموجب حق التدخل العسكري متى ما كان ذلك ضرورياً. ومن الواضح أن توصيات هذه اللجنة قد استندت على مبادرة الحكومة الكندية التي خرجت بتقرير لافت في عام 2001 من قبل اللجنة الدولية للتدخل وسيادة الدول. وكلا التقريرين قد خلص إلى أن مبدأ السيادة وعدم التدخل يجب أن يفسح الطريق أمام أعمال الحماية في الظروف الطارئة. ولكن يجب اتخاذ مثل هذه الخطوات فقط في الحالات التي نواجه فيها خسائر هائلة في الأرواح أو عمليات تطهير عرقي أو أعمال إبادة جماعية بالطبع. ويتعين علينا أيضاً ألا نعمد إلى التدخل العسكري إلا بعد أن تبرهن جميع الوسائل الأخرى على عدم فعاليتها وجدواها. \r\n \r\n ومن الناحية النظرية فإنه يتوجب على مجلس الأمن الموافقة على هذا النوع من التدخل على الرغم من أن اللجنة قد أشارت أيضاً إلى ضرورة الاعتماد وتوفير الدعم اللازم للقوات الإقليمية القادرة على الاستجابة والانتشار بسرعة أكبر من قوات الأممالمتحدة. وكانت لجنة الأممالمتحدة قد ذكرت أن \"مسؤولية الحماية\" قد أصبحت نموذجاً سائداً في السنوات الأخيرة انعكس بشكل إيجابي في تدخل أستراليا في تيمور الشرقية وتدخل القوات البريطانية في سيراليون بالإضافة إلى تدخل قوات حلف الناتو في كوسوفو. بل إن القوات الإقليمية في غرب أفريقيا قد مارست هذا التدخل أكثر من مرة قبل أو بدلاً من قوات الأممالمتحدة، والآن فإن الاتحاد الأفريقي بالرغم من محدودية موارده لا يألو جهداً في إيقاف نزيف الدم في السودان. \r\n \r\n وغني عن القول إن التوصل إلى إجماع عالمي بشأن مسؤولية الحماية أمر يكتنفه العديد من الصعوبات. فما زال الحافز منعدماً لدى العديد من الحكومات المتنفذة في العالم من أجل التورط في مهام عسكرية تمثل خطراً على قواتها في الخارج وبخاصة عندما لا تمثل تلك الاضطرابات تهديداً مباشراً لأمنها القومي. إن صعوبة التوصل إلى هذا الإجماع تبدو واضحة في الانقسام الدولي الذي ما زال ماثلاً بشأن الحرب على العراق. ولكن هذا الإجماع لن يتم التوصل إليه دون جهود نشطة وشاقة تبذلها منظمة الأممالمتحدة. \r\n \r\n أولاً: يتعين على الولاياتالمتحدة الأميركية إعادة وضع أزمة دارفور مرة أخرى أمام مجلس الأمن وأن تستخدم مسؤولية الحماية كأساس لمشروع قانون يعمل على تعزيز مهمة الاتحاد الأفريقي ويتضمن تهديدات تتسم بالمصداقية بفرض عقوبات وتحديد جدول زمني قبل محاسبة أولئك الذين ارتكبوا جرائم الإبادة الجماعية. وثانياً: يتعين على مجلس الأمن المصادقة على قانون يحدد مسؤولية كل دولة في منع وقوع أية جرائم للإبادة الجماعية ضد مواطنيها ويؤكد على مسؤولية الحكومات الأخرى في التدخل حال فشل هذه الدولة في الاضطلاع بمسؤولياتها. ثالثاً: لقد حان الوقت لدراسة التوصل إلى اتفاقية دولية جديدة تنبني على اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 على أن تمنح المزيد من السلطات لمنع عمليات القتل الجماعي وارتكاب الفظائع في حق المواطنين المدنيين. رابعاً: إننا نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى التأكد من أن المنظمات الإقليمية قد أصبحت أكثر قدرة وتصميماً على التحرك بفعالية. لقد برهن الاتحاد الأفريقي على سبيل المثال على عزمه وإصراره على إنهاء المحنة في السودان. ولكن هذه المنظمات مثل الاتحاد الأفريقي إنما تحتاج إلى الكثير من المعينات مثل المزيد من التدريب على مهام حفظ وتعزيز السلام. ويجب على منظمة الأممالمتحدة أن تعمل على تخصيص صندوق مالي يتم رفده بمساهمات الأعضاء والاستفادة منه في الحالات الطارئة. \r\n \r\n إننا كمواطنين أميركيين لا نقبل لدولتنا بأن تسمح باستمرار عمليات الإبادة الجماعية، ولا يجب على حكوماتنا أن تقف مشلولة الأيدي عندما ترفض حكومة كالتي توجد في الخرطوم أن تنهي أعمال العنف والفظائع في حق مواطنيها. يتعين علينا الاضطلاع بمسؤوليتنا الأخلاقية وحث المجتمع الدولي على تقديم المساعدة اللازمة. إننا لن نضمن النجاح في هذا المسعى ولكن التاريخ لن يسامحنا إذا فشلنا في المحاولة. \r\n \r\n \r\n جون دي بوديستا \r\n \r\n رئيس الأركان في إدارة الرئيس كلينتون من عام 1998 إلى 2001، \r\n يعمل الآن كرئيس لمركز التقدم الأميركي \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز\" \r\n \r\n