\r\n لكنه ليس جون كيري، السناتور المعتدل والمتحضر من بوسطن، المدينة الأكثر ارستقراطية في الولاياتالمتحدة، من يثير هذا الانقسام الذي لا رجعة فيه.ولنكن واضحين فالأمر يتعلق بكراهية بوش وعدم القدرة الداخلية من جانب ملايين الأميركيين الذين يشعرون أنهم أبناء أرض الحرية على قبول تعصب بوش وفريقه وتشددهم، ووعيهم الحاد والمتنامي بأن إعادة انتخابه ستشكل في حال حدوثها كارثة للولايات المتحدة في المقام الأول وللغرب «الولاياتالمتحدة وأوروبا» والعالم عموماً. \r\n \r\n وأي مراقب يقظ لتظاهرة يوم الأحد الذي سبق انعقاد المؤتمر الجمهوري يمكنه إدراك ان واقعاً عميقاً جداً وغير مسبوق يمضي قدماً في الولاياتالمتحدة، وان هذا الواقع يتجسد في الانفجار الشعبي الذي يمقت بوش، ولا يطيق سياسته المحافظة الجديدة المرتبطة بشكل وثيق مع الأصولية الدينية، والأمر يتعلق بظاهرة واضحة للغاية، أساسها ان استراتيجية بوش في المؤتمر بينت بشكل مطلق الوضعية الدفاعية التي يتخذها. \r\n \r\n وقامت على حجب النظرات عن أقرب الناس إليه من المحافظين الجدد، واضعاً على المنبر خطباء جمهوريين أقل تعصباً في الجانب الديني وأكثر اعتدالاً من الناحية السياسية، مثل مايكل بلوبيرغ، عمدة نيويورك فاحش الثراء، وحاكم كاليفورنيا أرنولد شوارزنغر، وعمدة نيويورك السابق رودي جولياني، والسناتور المتردد وغير المتوقع جون ماكين، ولورا بوش.. الخ. \r\n \r\n أما القوة الصارمة للمحافظين الجدد، ابتداء من ديك تشيني ورونالد رامسفيلد ومنظري تيار المحافظين الجدد وكذلك بعض اليساريين السابقين المعروفين مثل بول ولفوويتز، وبيل كريستول، وريتشارد بيرل ورالف ريد «من الائتلاف المسيحي الأميركي».. الخ. أي الذين يمسكون بزمام السلطة، فلقد تلاشوا كالسحر، وبالطريقة ذاتها، تم تجاهل آخرين محروقين جراء تناقضات السلطة، مثل كولن باول أو كوندوليزا رايس. \r\n \r\n ترى هل يمكن ذكر دليل أكثر وضوحاً على وعي القائمين على حملة بوش الانتخابية وخوفهم أمام احتمال ان يجد الأميركيون أنفسهم في الطريق إلى التغيير والتحول بطريقة تعيد إلى الذاكرة نموذج التظاهرات السلمية الكبيرة، التي شهدتها بلادهم منذ أكثر من عشرين عاماً والتي أدت إلى سحب القوات الأميركية من فيتنام؟ \r\n \r\n الأمر الذي حدث بمجمله اثر وقوع خسائر عديدة غير مجدية في صفوف الطرفين كليهما وحدوث دمار كبير وعبثي في كنف حضارة موسعة والذي لم يجد نفعاً في نهاية المطاف إلا من أجل ترك سوء تفاهم كبير وحقد ووهن رهيب لما قامت عليه الولاياتالمتحدة. \r\n \r\n يبدو ان فوز الجمهوريين يصب في واقع «أمة تخوض الحرب» والدعوة إلى وطنية عمياء تقدم بوش كرجل قوي و«الرئيس المثالي لأوقات الحرب». لكن حرب ضد من وضد ماذا؟ وهل هي ضد صدام حسين الكريه الذي عبر إلى التاريخ بطريقة احتفالية اختفى معها الطغاة؟ أم أنها حرب ضد الإرهاب بشكل واضح علماً بأن الإرهاب أصبح أكثر قوة وقدرة على التهديد أكثر من أي وقت مضى؟ فلقد تحول العراق إلى ميدان واسع لتدريب إرهابيين جدد. \r\n \r\n وبعد اليوم الأول للمؤتمر، اعتقد بوش في احدى حماقاته المعتادة، أنه يصيب الهدف عندما تفوه بأنه: «لا يمكن كسب الحرب ضد الإرهاب»، مما اثار هلعاً في البيت الأبيض.ألا تساوي هذه الوقاحة المباغتة والصريحة مع الاعتراف بأن استراتيجية الحرب ضد الإرهاب، القائمة على «الحرب الاستباقية والمصممة من قبل إدارة بوش، كانت خاطئة بشكل كامل وكان من الممكن تجاوزها. \r\n \r\n ليس غريباً ان تتحدث أحدث استطلاعات الرأي عن تعادل تقني بين المرشحين، مع نقطتين أو ثلاث نقاط يتفوق بها بوش على كيري. لكن أكثر استطلاعات الرأي مصداقية تقدم صورة جامدة للوضع، علماً بأن الواقع الأميركي، كما هو معروف، ديناميكي إلى حد كبير.والولاياتالمتحدة في مجموعها الغني جداً بالوجوه والعناصر المختلفة، يمكن ان تظهر القليل من الحماس تجاه كيري، لكنها تظهر في الوقت نفسه وبصورة متزايدة معارضة لبوش وذلك في سياق أفضل تقليد ديمقراطي تتصف به ويضعها في الطليعة. \r\n \r\n وكما قال بيل كلينتون في مقابلة أجريت معه مؤخراً: «تفضل الولاياتالمتحدة السلام والتعاون على حرب أحادية الجانب، ولا تقبل برفض بوش لمعاهدة عدم الانتشار النووي ورفضه للمحكمة الجنائية الدولية ونقضه لمعاهدة «كيوتو» وهكذا على التوالي. السياسة الاقتصادية غير المستقرة تفضل انشاء «فقاعة تفوق أميركي»، كما يؤكد جورج سوروس في كتابه الاخير، «الأمر الذي يمكن ان ينفجر في شكل عواقب سلبية» في حال لم يتم تصحيح المسار في الوقت المناسب. \r\n \r\n وهذا سلبي جداً، اذا سمح لي أن أضيف، بالنسبة للولايات المتحدة والغرب على وجه الخصوص.لحسن الحظ ان الجامعات الأميركية وقاعدة وصفوة المثقفين تعارض بوش، وكذلك غالبية الفنانين والعاطلين عن العمل، الذين تتزايد أعدادهم، والكوادر التنفيذية، الذين يخشون الأزمة الاقتصادية والعجز الهائل الأميركيين، اللذين تقع مسئوليتهما على كاهل بوش، والأقليات العرقية والسواد الأعظم من المنحدرين من البلدان التي تتحدث اللغة الاسبانية والأفارقة الأميركيين والآسيويين والفقراء القلقين جراء الاقتطاعات في اطار سياسات المساعدة التعليمية والصحية والسكنية.. \r\n \r\n وآلاف المنظمات غير الحكومية التي تكافح من أجل حقوق الإنسان ومشجعي القضايا الإنسانية وأنصار البيئة والجمعيات النسائية والشاذين وأعداد المحاربين القدماء وبعض عائلات ضحايا احداث 11 سبتمبر والعراق، الذين تجاوزوا في العراق وحدة الألف ضحية، فضلاً عن الجرحى والمصابين والجماعات الدينية الخائفة من النزعة المتشددة لدى بوش ومن مرشديها وأنصار السلم وقبل كل شيء جميع أولئك الذين لديهم رؤية تقدمية للولايات المتحدة، القلقين بسبب عزلتهم وفقدان نفوذهم المتزايد في العالم إنهم أشخاص أكثر عملية. \r\n \r\n كما أشار مايكل مور، أحد منظمي تظاهرة نيويورك العظيمة، «متحدين من أجل السلام والعدالة» جنباً إلى جنب مع المحترم جيسي جاكسون وزعيمة الحركة ليسلي كاغان، الذين طرحوا شعار: «لا لمزيد من الدم» ونادوا بأميركا اخرى فضلاً عن المطالبة بعودة الجنود الأميركيين من العراق. \r\n \r\n لكن أكثر ما يبعث على القلق هو تصاعد النزعة الأصولية الدينية كعنصر لتوضيح الخيارات السياسية، مما يمثل تراجعاً لعدة قرون في مفاهيم الحضارة، لا يمكن التساهل معه، لأنه في حال نجاحه سيدمر جميع الطموحات الإنسانية التي يمكن ان يشهدها القرن الواحد والعشرون. \r\n \r\n ولقد أشارت افتتاحية صحيفة «لوموند» في عددها الصادر في 29 أغسطس الماضي تحت عنوان «أصوليات» الى أن «أي دمج بين الأصوليات الدينية المختلفة سيكون منافياً للعقل بشكل واضح فهناك فروقات عديدة بين الميليشيات التابعة لمقتدى الصدر، التي تدافع عن ضريح علي في النجف والأصوليين في جنوبالولاياتالمتحدة الذين يدافعون عن عقوبة الإعدام ويدعمون اسرائيل باسم الصهيونية المسيحية. \r\n \r\n ويقفون الى جانب اجتماع جميع اليهود في اسرائيل بهدف تحويلهم إلى صورة افضل مع الأخذ بعين الاعتبار ان الدعوات الدينية هذه قد تحولت إلى ذريعة لدى غالبية الحركات القومية والعرقية والسياسية اما بوش، فإنه يعظ بالإصلاح الأخلاقي لكن وزن الأصولية الإنجيلية بالنسبة لأعضاء المؤتمر الجمهوري والكونغرس والبيت الأبيض «يدعو الى القلق» وتختتم الافتتاحية بالقول إن «هذه الرؤية للدين يجب التخلي عنها لأنها تقوي النظرية الخطيرة لصدام الحضارات، الذي يمثل في العمق القانون الذي تتقاسمه جميع التيارات الأصولية بغض النظر عن اختلافاتها». \r\n \r\n لا يمكن ان يكون أكثر وضوحاً، اذ انه العنصر نفسه الموجود في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، فضلاً عن القضايا الكثيرة والمهمة الأخرى. إذن، لتحيا أميركا الأخرى، أميركا التي تمدنا بالأمل والسلام والحرية والعلمانية والتقدم للجميع، أميركا التضامن والعدالة! \r\n \r\n