\r\n استبعدت موضوع فلسطين عندما وصلت الى المكتب لمشاهدة برجي مركز التجارة وهما ينهران. كان الجميع ينظرون من النافذة، يتساءلون عما اذا كانت هناك طائرة في طريقها الى مكاتبنا في كناري وورف في واحد من اعلى المباني في اوروبا. \r\n ومنذ تلك اللحظة التي جلست فيها امام الكومبيوتر بعد ظهر ذلك اليوم الخريفي، فإن كل ما كتبته في صفحات «الديلي تلغراف» اصبح مرتبطا إما بطريقة مباشرة او غير مباشرة بمآسي نيويورك وواشنطن. \r\n ان سخف هؤلاء الذين تحدثوا ذات مرة عن نهاية التاريخ اصبح واضحا الان. اننا كصحافيين نجد انفسنا نكتب اول مسودات جزئية وغير متكاملة للتاريخ الجديد، بأسماء اماكن وتواريخ مسجلة بدماء لم تجف بعد بداية من كابل وبالي وممباسا وجنين وبغداد والفلوجة وابو غريب والنجف وانتهاء ببيسلان والكثير الكثير. \r\n ففي اليوم التالي على هجمات 11 سبتمبر، كتبت ان الاحداث ملحمية، ولكن لا أحد يعرف بعد التداعيات الكاملة لتوازن القوى في العالم. ولقد حدث الكثير في السنوات الثلاث التي اعقبت الهجمات، ولكن أي حكم لا يزال مؤقتا. لقد القيت الاوراق في الهواء، ولكن العديد منها يسقط في نفس المكان. \r\n لقد شكلت اميركا تحالفا واسع النطاق لعمل عسكري ضد افغانستان، ولكنها دمرت تقريبا هذه النوايا الحسنة الدولية بسبب الحرب في العراق. \r\n لقد تباينت مواقف اميركا وحلفائها في «اوروبا القديمة» وبصفة خاصة فرنسا وألمانيا، بخصوص العراق، ولكن تم التوصل الى صفقة عبر الاطلنطي بخصوص تقييد البرنامج النووي الايراني، وتلك من اكثر القضايا إلحاحا امام الرئيس الاميركي القادم. وهناك العمل المشترك بين اميركا وفرنسا معا من اجل استصدار قرار في الاممالمتحدة يدين التدخل السوري في الدستور اللبناني. \r\n وفي الوقت ذاته اصبح اعداء الحرب الباردة في الماضي، اميركا وروسيا، اكثر تقاربا، مع موافقة الرئيس فلاديمير بوتين للقوات الاميركية بالوجود في الاطراف الروسية في اسيا الوسطى. \r\n واجرت ليبيا نقلة شاملة من معاد للغرب الى صديق مخلص، فيما تعمق التباين في الموقف بين الولاياتالمتحدة والسعودية، ولكن التوازنات في الشرق الاوسط لم تتغير بصورة كبيرة. فآلام فلسطين مستمرة. والجميع ينتظرون ما اذا كان في امكان اميركا تحويل نجاحها العسكري بفرض «تغيير نظام» في كابل وبغداد الى سلام دائم في فلسطين. \r\n وبالرغم من انني لم ازر أيا من البلدين منذ الحرب، فإني على قناعة بأن من الممكن القول إن الامور في افغانستان افضل مما كانت عليه في ظل طالبان. اما في العراق، فإن معظم العراقيين سيقولون ان الامور ليست افضل، لأنها في حالات عديدة اسوأ. وبالرغم من وجود مزيد من الحرية في العراق، فهناك حرية القتل والتشويه والخطف، والسرقة والنهب. لقد استبدل العراقيون الخوف من صدام بالخوف من الفوضى، والعديد منهم غير متأكد بخصوص من هو الاسوأ. \r\n وبالرغم من الأكاذيب والتحريفات التي استخدمها كل من بوش وبلير، لتهدئة الرأي العالمي، فلا يجب على احد ان يذرف الدموع على نهاية صدام حسين. فقد كان حكمه حكم طاغية. ولا اعرف مكانا في العالم غير بغداد يرتعد فيه الناس خوفا عندما اقترب منهم لأسألهم سؤالا بسيطا مثل «ما هو سعر الطماطم اليوم؟» كما فعلت مع بائع في السوق، الذي رد علي والعرق يتصبب من جبهته «لا اعرف. لا يمكنني القول». \r\n والسؤال الحقيقي اليوم هو ما اذا كان سيتم استبدال صدام بزعيم افضل، وما اذا كان العراقيون سيتمكنون من الحياة بشكل طبيعي بعد ربع قرن من الحروب. وربما يحكم التاريخ على المغامرة الاميركية بما يحدث خلال وعقب انتخابات شهر يناير القادمة في العراق. \r\n وبالرغم من تعرضهما لكدمات وضربات في العراق، فمن المرجح اعادة انتخاب كل من بوش وبلير. لقد بلغ عدد ضحايا اميركا في العراق حتى الان الف جندي، ولكن تأثير العنف محدود في الولاياتالمتحدة. ومن الواضح ان أحد انجازات اسامة بن لادن هو تخليص اميركا من الخوف من اكياس الجثث في مرحلة ما بعد فيتنام. \r\n وعلى كل المستويات الأخرى فان حصيلة موازنة السنوات الثلاث الأخيرة هي أسوأ بكثير بالنسبة لابن لادن مما هي بالنسبة لبوش. فقد فقدت «القاعدة» قاعدة عملياتها في أفغانستان، وتلاحق مؤسسات المخابرات في عشرات من الدول في مختلف أنحاء العالم أعضاءها ومؤيديها وحلفاءها والمتعاطفين معها ومموليها. \r\n ويحتفظ المتطرفون الاسلاميون بالقابلية على إلحاق الكثير من الضرر، كما يظهر التفجير ضد السفارة الأسترالية في جاكارتا، ولكن في الوقت الحالي يبدو ان قدرتهم على تنفيذ هجوم آخر بمستوى الحادي عشر من سبتمبر تقلصت. \r\n لقد فتح بن لادن، بأفعاله الأبواب للقوات الأجنبية للدخول الى بغداد، عاصمة الخلافة العباسية، والى كابل. وعلى نحو مماثل، وفر مفجرو حماس الانتحاريون لاسرائيل فرصة ان تدمر حلم الاستقلال الفلسطيني، بينما أغرق «مقاتلو الحرية» في بيسلان الدعوة الى استقلال الشيشان بدماء أطفال المدارس الأبرياء. ويقف أرييل شارون وفلاديمير بوتين في موضع التقدير في «الحرب العالمية على الارهاب». \r\n وأخفقت اليقظة الاسلامية الكبرى التي كان ابن لادن يأمل في تحفيزها الى ذلك. فهناك في العالم الاسلامي لا مبالاة، وايمان بالقدر، ويأس يسبب العجز. وفي العالم غير الاسلامي ينظر الى المسلمين بمزيد من الشك والاستياء بل والكراهية. \r\n ويتعين على أولئك الذين ما زالوا يعبرون عن الاعجاب ب«الشيخ» أسامة أن يعيدوا النظر بمواقفهم. فانه واصدقاءه يفعلون المزيد لتدمير الثقافة الاسلامية أكثر مما يفعل «الصليبيون والصهاينة» الذين يلقى عليهم اللوم. \r\n لقد اعمى كثيرا من العرب والمسلمين الاحساس بالظلم الذي اقترفه الآخرون، بدرجة لم يعودوا فيها قادرين على رؤية الظلم الذي يقترفه بعض المسلمين. ولدى كل امرئ وجهة نظره الخاصة بشأن من هو ارهابي ومن هو مقاتل في سبيل الحرية، وما هو الاحتلال الأجنبي، وما هو بناء الأمة. ولست ممن يدينون باللاعنف، ولكن حتى في حرب عادلة هناك حدود أخلاقية لاستخدام القوة. \r\n واذا كانت الضحية الأولى للحرب هي الحقيقة، فان الضحية الثانية هي براءة المدنيين. فالكثير من الناس الأبرياء يقتلون إما لكونهم اهدافا مقصودة من جانب المفجرين الانتحاريين، أو يقتلون باعتبارهم «تدميرا ثانويا» من جانب القوات النظامية غير القادرة أو غير المستعدة للتمييز بين الصديق والعدو. \r\n ان حماية المدنيين قضية يتعين أن يسعى العالم، المسلم وغير المسلم على السواء، من أجل وجهة نظر مشتركة بشأنها. فليس هناك مجد أو شجاعة في قتل العزل. \r\n ان معاهدات جنيف وقواعد الحرب الأخرى التي جرى التوصل اليها لوضع ضوابط للقتال بين الدول والجيوش النظامية، يجب ان توسع رسميا وعلى نحو جلي، لتشمل النزاعات داخل الدول واية جماعات تحمل أسلحة. ومقابل ذلك فان مثل هذا التوسيع للقانون الدولي سيوسع حماية السجناء في أماكن مثل خليج غوانتانامو، حيث تزعم الولاياتالمتحدة بأن «المقاتلين الأعداء» لا تحميهم معاهدات جنيف. والى ذلك \r\n فالتضامن الذي عبر عنه زعماء المسلمين في فرنسا، مع الصحفيين المختطفين في العراق ، يقدم أملاً. \r\n ويحتاج العرب والمسلمون الى استعادة حضارتهم في العالم من أمثال اسامة بن لادن وصدام. وهنا يعتبر الاصلاح السياسي واقامة المجتمع المدني أمرين أساسيين. ولا يتعين النظر الى الديمقراطية باعتبارها تصرفا ضعيفا موجها لإرضاء أميركا، وانما فعل قوة لإرغام أميركا على الاصغاء الى المظالم الحقيقية بشأن فلسطين على الأقل. \r\n وأخيرا، فقد ناقشت أثناء غداء مع عفيف صافية في لندن يوم الحادي عشر من سبتمبر، كيف ان بوش قد فاز بالدعم الساحق من الأميركيين العرب، فيما اشار هو الى آمال الفلسطينيين من أن أميركا كانت على وشك ارغام الاسرائيليين على العودة الى طاولة المفاوضات. وبعد اسابيع قليلة من الحادي عشر من سبتمبر تحدث الرئيس بوش فعلا عن رؤيته لاقامة دولة فلسطينية. وبعد ثلاث سنوات يكون قد مضى وقت طويل في الطريق الى تحويل تلك الرؤية الى واقع. \r\n \r\n * المحرر الدبلوماسي لصحيفة «الديلي تلغراف» اللندنية خاص ب«الشرق الأوسط»