وبعد خمس سنوات من تحول ديفيد للاسلام في مسجد يقع في مدينة برايتون الساحلية البريطانية عام 1996، اعتنق الشقيقان الكثير من الأفكار الاساسية للشبكات الارهابية الاسلامية في أوروبا، ويقبع ديفيد، 28 عاما، في السجن حاليا، وفي أواخر يونيو (حزيران) الماضي سلم جيروم، 29 عاما، نفسه الى الشرطة في هولندا بعد أيام من ادانته من قبل المحكمة هناك بالانتماء الى جماعة ارهابية دولية. \r\n وكان كل من ديفيد وجيروم كورتيلر، يتنقلان بحرية عبر أوروبا بدون اثارة ذلك الانتباه الذي يتركز عادة على العرب، حتى بعد أن جرى اخطار السلطات الفرنسية بأن ديفيد شوهد وهو يغادر أفغانستان. \r\n والشقيقان كورتاليير جزء من جماعة متنامية وجدت ملاذا في الاسلام ثم انحرفوا الى التطرف، وهو ما يثير قلقا لدى المسؤولين عن مكافحة الارهاب على جانبي الأطلسي من أن «المعتنقين الجدد للاسلام» يمكن أن يكونوا «مقاتلين اسلاميين غربيين» يتمتعون بغطاء ينبع من تفاديهم المراقبة التي غالبا ما تتجه الى الشباب المتحدرين من أصول عربية واسيوية. وقد اعتقل أخيرا عدد من الغربيين بتهم تتعلق بالارهاب. وتخشى السلطات أن تؤذن تجاربهم الي حدوث مشكلة تتزايد فداحة. \r\n وقال جان لوك ماريت، الخبير بقضايا الارهاب في مؤسسة البحث الاستراتيجي في باريس ان «المعتنقين الجدد للاسلام سيستخدمون للمزيد من الضربات من جانب الأوساط المتطرفة. وقد استخدموا في الماضي لأغراض الاهتداء الى دين جديد، أو في الدعم اللوجستي، وهم الآن نافعون من ناحية العمليات». ويضيف «ان الاسلام هو الدين الأسرع نموا في أوروبا». ويقول كثير من الخبراء انه بينما لا توجد احصائيات يعتمد عليها فانهم يعتقدون ان عدد المعتنقين زاد منذ الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) 2001 بطرق كثيرة بسبب الحملة ضد الارهاب. \r\n وقال أنطوان صفير، الباحث الفرنسي الذي يؤلف كتابا حول هذا الموضوع ان عددا قليلا من المعتنقين للاسلام، الذين يعتبر الكثير منهم من الساخطين والذين يواجهون مشاكل، يرون الموجة الحالية من التطرف «نوعا من معركة ضد الأغنياء والأقوياء من جانب الفقراء في كوكبنا». \r\n ويتابع ان هناك «جزءا صغيرا» من المتحولين الغربيين الى الاسلام يتعاطفون مع الارهاب. وقدر تقرير أعدته وكالة المخابرات الداخلية في فرنسا العام الماضي، ونشرته صحيفة «لو فيجارو» الفرنسية ان هناك ما يتراوح بين 30 الى 50 ألفا من الذين اعتنقوا الاسلام في فرنسا. وعلى الرغم من صغر حجم المنجذبين منهم الى الارهاب، تركز الشرطة على هذه المجموعة باعتبارها تشكل تهديدا جديا ومتناميا. \r\n وقال التقرير ان «اعتناق الاسلام من جانب أشخاص يتسمون بالهشاشة يؤدي، بلا ريب، الى خطر التحول الى الارهاب»، مضيفا ان الجماعات المتطرفة قد جندت معتنقين جددا لأنهم يمكن أن يعبروا الحدود بسهولة أو يقوموا بمهمات من قبيل استئجار الأماكن أو توفير انماط أخرى من الدعم اللوجستي. \r\n * اتجاه عابر للحدود \r\n * وهذا الاتجاه لا يحدث في أوروبا فقط، فقد تحول جاك روشا، سائق سيارة الأجرة الأسترالي البريطاني المولد، الى الاسلام، وتدرب في افغانستان وعاد الى أستراليا، حيث حكم عليه أخيرا، بالسجن تسع سنوات لمحاولته تفجير السفارة الاسرائيلية في كانبيرا. وبينما كان يخطط للهجوم ويصور السفارة بالفيديو جرى استجوابه من جانب الحرس الذين ابلغهم بأنه مهتم بالعمارة في المنطقة. وسأل الحارس الذي بدا مصدقا في حديث مسجل على شريط الفيديو وقدم في المحاكمة «هل هذا كل ما في الأمر؟ لم اعتقد انك ستقوم بتفجير المكان». وفي الولاياتالمتحدة تحول جوزيه باديلا، الذي اعتقلته الحكومة الاميركية بسبب الاشتباه بتخطيطه لهجمات ارهابية، الى الاسلام عام 1992 عندما كان في سجن بولاية فلوريدا. \r\n وفي مقابلة معه قال مسؤول فرنسي في مجال مكافحة الارهاب ان كثيرا من المعتنقين الجدد للاسلام كانوا من النساء وهو ما يعقد الوضع المألوف. ويأتي المتحولون الى الاسلام بطرق عديدة، أبرزها الصلات مع المسلمين المتطرفين عندما يقضون وقتا في السجون الأوروبية، حيث يتزايد عدد المسلمين. وقد تحول البريطاني ريتشارد ريد، المشتبه في محاولته القيام بعمل ارهابي بعد هجمات سبتمبر، الى الاسلام في السجن. ويشكل المسلمون ما يزيد على 50 في المائة من نزلاء السجون في فرنسا. \r\n والباب الآخر للدخول الى الاسلام هو (جماعة التبليغ)، وهي جماعة دعوية بدأت في الهند قبل 75 عاما للدعوة للاسلام بوجه الهيمنة الهندوسية. وهي اكبر شبكة في العالم من معتنقي الاسلام. \r\n ويعتبر عدد من معتنقي الاسلام الغربيين من جماعة التبليغ وبينهم جون ووكر ليند، الأميركي الذي اعتقل وهو يحارب مع طالبان في أفغانستان عام 2002 وهيرفي لواسو الفرنسي الذي مات متجمدا عندما هرب من الهجوم الأميركي على تورا بورا في أفغانستان أواخر عام 2001. \r\n ومع أن فئة المعتنقين الجدد للإسلام سجلت حضورا بارزا منذ ظهور الجيل الأول من مقاتلي «القاعدة» بعد نهاية الحرب مع القوات السوفياتية أوائل الثمانينات، إلا أن حركة التجنيد تضاعفت هناك منذ دخول القوات الأميركية. وقد بدأ المقاتلون المخضرمون ل«القاعدة» في تجنيد جيل جديد من المقاتلين انطلاقا من المساجد في اوروبا ومن المجموعات المحلية المسلمة. وكان جيروم كورتاليير من ضمن تلك المجموعة، ومعه الرجلان الفرنسيان جوان بنتي، وجان مارك غراندفيزير. وقد اعتقل الرجال الثلاثة عام 2001 لعلاقتهم بمخطط تفجير السفارة الأميركية في باريس. وهو مخطط بدأ قبل هجمات 11 سبتمبر ولكن تقرر تنفيذه بعدها. \r\n واعتنق بونتي الإسلام أثناء فترة إقامته مع صهره جميل بيغال، الفرنسي من أصل جزائري، والذي اعترف بعضويته في «القاعدة»، عندما ذهب إليه في ليستر بانجلترا عام 1999. كما اعتنق جيروم كورتيلير الإسلام في ليستر أيضا وعلي يدي بييغال نفسه. والطريق الى اعتناق الإسلام ثم التحول الى التطرف، يمكن أن يكون قصيرا جدا، في نظر المحللين، لأن المعتنق الجديد للإسلام ليست لديه الأدوات الثقافية أو الخلفية الدينية التي يمكن أن تساعده على مقاومة التفسير الأصولي، كما أن الكثير من هؤلاء يعتنقون الإسلام وفي أذهانهم صور رومانسية عن الصراع بين الغرب والإسلام. وقال ستيفن سايمون، خبير الإرهاب بمؤسسة راند: «المشكلة هي أنه كلما قلت معرفتك بالإسلام عندما تعتنقه، يسهل على أي شخص أن يذكرك بفريضة الجهاد «الغائبة». \r\n فقد ذهب ديفيد كورتاليير إلى برايتون في بريطانيا عام 1996، وذلك للتحرر من إدمانه للمخدرات وقد دعمته في ذلك مجموعة من المسلمين الأصوليين. وقال محاميه فيلبرت ليبي: «بالنسبة إلى ديفيد كان الإسلام منظما لحياته الشخصية». وقال المحققون الاميركيون إنه سرعان ما ارتبط بصورة دائمة مع الأصوليين واستقر لبعض الوقت في شقة كان يقيم بها زكريا موساوي، والذي تجري محاكمته حاليا بالإسكندرية بولاية فيرجينيا لعلاقته بهجمات 11 سبتمبر. وفي شهادته أمام المحكمة قال ديفيد كورتاليير إن مجموعة من الأصدقاء عرضت عليه القيام برحلة إلى افغانستان لدراسة القرآن. فوافق على ذلك وأعطوه حوالي 2000 دولار نقدا، ورقم هاتف بإسلام اباد وتذكرة سفر بالطائرة إلى باكستان. وخلال عدة أيام من وصوله أخذوه بالسيارة في رحلة عبر ممر خيبر إلى معسكر «القاعدة» الشهير المسمى «الخالدون» وهو بالقرب من مدينة خوست الأفغانية. وقال كورتاليير إنه طلب التدريب على صناعة القنابل ولكن طلبه رفض لأن لغته العربية كانت ضعيفة. وقد تزامنت الفترة التي قضاها في معسكر «الخالدون» مع وجود الكثيرين من مقاتلي «القاعدة» ومن ضمنهم ريد وموساوي، فضلا عن أحمد رسام الذي أدين لدوره في مخطط عام 1999 لتفجير مطار لوس أنجليس الدولي. \r\n وعندما عاد كورتاليير إلى أوروبا عام 1998، قامت وكالة استخباراتية أميركية بإبلاغ الفرنسيين أنه وثلاثة آخرين من مقاتلي «القاعدة» في طريقهم إلى فرنسا. وبرغم ذلك التحذير تمكن كورتاليير من عبور الحدود من دون أن تتعرف عليه السلطات وكان ذلك في الغالب لكونه فرنسيا. \r\n وبناء على معلومات مسؤولي مكافحة الإرهاب الفرنسيين، فإن رجلا يقيم بلندن اسمه عمر دغياس، محتجزا الآن بمعسكر غوانتانامو بكوبا، أعطى كورتاليير أرقام تليفونات تخص إرهابيين في اسبانيا والمغرب، ومن ضمنهم أحد الذين اعتقلوا لدورهم في تفجيرات قطارات مدريد التي حدثت في مارس (اذار)، وآخر حكم عليه بالسجن 19 سنة، لدوره في الهجمات الانتحارية العام الماضي بالدار البيضاء في المغرب. \r\n وأقام كورتاليير مع ذلك الرجل في طنجة بالمغرب. ولم تنتبه السلطات الفرنسية لمكان وجوده، إلا بعد أن عاد إلى فرنسا بعد عدة أشهر وبعد أن اعتقل لسرقته حذاء في نورماندي بفرنسا. وقد اتهم بأنه على علاقة بمنظمات إرهابية وأطلق سراحه بضمان بعد سبعة أشهر من اعتقاله. \r\n واختفى كورتاليير مرة أخرى وسافر إلى بريطانيا، حيث قضى بعض الوقت في ليستر مع بيغال. وأثناء وجوده هناك لحق به شقيقه جيروم واعتنق الإسلام. ويعتقد المحققون حاليا أنه أثناء وجوده في بريطانيا عام 2000، ساعد ديفيد كورتاليير خلية إرهابية على وضع مخطط كبير للهجوم بالقنابل. وعثر المحققون على رخصة فرنسية مزورة باسمه، علاوة على كمية هائلة من المتفجرات بشقة ببيرمنغهام. \r\n ثم ذهب جيروم كورتاليير إلى روتردام بهولندا، وتمكنت السلطات الهولندية من أن تراقب محادثاته مع منظمات إرهابية، ومن ضمن هؤلاء لاعب كرة تونسي يسمى نزار طرابلسي، الذي اختير ليكون مقاتلا انتحاريا في مخطط الهجوم على السفارة الأميركية بفرنسا. ويعتقد كذلك أن يكون جيروم قد التقى مع موساوي، كما التقى ريد في رحلته إلى هولندا التي اشترى فيها الحذاء الذي حوله في النهاية إلى قنبلة. \r\n واعتقل جيروم كورتاليير بعد أيام من هجمات 11 سبتمبر (أيلول) لعلاقته بمخطط باريس. وقد وجدت عشرات الجوازات المزورة في شقته الهولندية فضلا عن أفلام فيديو من الشيشان، وعن الهجمات على السفارة الأميركية بكينيا وصور لأسامة بن لادن وايضا تعليمات لصنع القنابل. ويعتقد المحققون أنه هو المسؤول عن الجوازات البلجيكية المزورة التي استخدمها المهاجمان الإنتحاريان اللذان قتلا أحمد شاه مسعود، قائد التحالف الشمالي، بافغانستان يوم 9 سبتمبر 2001. \r\n وفي عام 2002 رفض قاض هولندي الاتهامات الموجهة إلى جيروم كورتاليير بانتمائه إلى منظمة إرهابية عالمية، لان الأدلة اعتمدت أساسا على محادثات سجلت بصورة غير شرعية. وقد عاش خلال العامين التاليين بالقرب من سانت بيير إنفوسيني، تحت المراقبة اليقظة للسلطات الفرنسية. وتقدم المدعي الهولندي باستئناف ضد حكم المحكمة. وأدين جيروم كورتاليير وحكم عليه بالسجن ست سنوات. وقد سلم نفسه في روتردام في 24 يونيو (حزيران). كما أدين ديفيد كورتاليير كذلك بالارتباط بالأصوليين بغرض تنفيذ هجوم إرهابي. وهو يقضي عقوبة بالسجن أربع سنوات، ولأنه قضى أكثر من عام قبل صدور الحكم وإذا لم تظهر اتهامات جديدة فإنه سيخرج من السجن بعد ستة أشهر. \r\n \r\n * خدمة «نيويورك تايمز»