\r\n واشتد التنافس على النفط إلى درجة أن اليابان عرضت تمويل خط الأنابيب الذي تبلغ تكلفته 5 مليارات دولار، واستثمار 7 مليارات دولار في تطوير حقول النفط السيبيرية مع ضخ ملياري دولار في \"المشاريع الاجتماعية\" الروسية - هذا على رغم وجود حقيقة مؤكدة ومفادها أن عدم فوز اليابان بالنفط الروسي سيعني أن العلاقات بين طوكيو وبكين ربما تهبط إلى أدنى، وأخطر (وهذا ممكن) مستوى لها منذ الحرب العالمية الثانية. \r\n \r\n وليست حرب آسيا النفطية غير المعلنة سوى أحدث تذكرة بأن \"أمن الطاقة\"، في اقتصاد عالمي يعتمد عموماً على وقود واحد هو النفط، يعني ما هو أكثر بكثير من تقوية مصافي النفط وخطوط الأنابيب ضد الهجمات الإرهابية. فعلى المستوى الأساسي، يكون معنى أمن الطاقة هو القدرة على إبقاء الماكينة العالمية في حالة عمل، أي على إنتاج الكهرباء والوقود بكميات كافية وأسعار مقبولة بحيث تتمكن كل أمة من إبقاء اقتصادها في حالة عمل ومن إطعام شعبها والدفاع عن حدودها. ويعني العجز في أمن الطاقة أن زخم التصنيع والحداثة سيتوقف. وبموجب هذا المقياس، نحن ماضون إلى الإصابة بالعجز والتقصير. \r\n \r\n ففي الولاياتالمتحدة وأوروبا، بات الطلب الجديد على الكهرباء يفوق مقدار الإمدادات الجديدة من الطاقة والغاز الطبيعي، كما بات يهدد بظهور شبح المزيد من انقطاعات التيار الكهربائي. وفي الاقتصادات \"الناشئة\" كالبرازيل والهند - والصين خصوصاً، يرتفع حجم الطلب على الطاقة بسرعة عالية تعني أنه سيتضاعف بحلول عام 2020. ويشير هذا أيضاً إلى أزمة الطاقة التي تواجه الدول النامية حيث لا يحصل مليارا إنسان على الكهرباء أو الوقود السائل، وحيث بات محكوماً عليهم بعيش حياة العصور الوسطى التي تفرّخ اليأس والاستياء ثم النزاعات في نهاية المطاف. \r\n \r\n ويعني ذلك أننا على حافة اندلاع نوع جديد من الحرب- ما بين الذين يمتلكون كميات كافية من الطاقة وأولئك الذين لا يملكون ذلك وباتوا أكثر استعداداً للانطلاق والحصول عليها. وعلى رغم أن الأمم تنافست دوماً على النفط، يبدو أن من المرجح أكثر فأكثر أن سباق الحصول على جزء من الاحتياطات الكبيرة الأخيرة من النفط والغاز سيهمين على الموضوع الجيوسياسي في القرن ال21، وهو سباق من الممكن الآن أن نرى ملامحه الرئيسية: الصين واليابان تتنافسان على نفط سيبيريا؛ وفي منطقة بحر قزوين تخوض شركات النفط والحكومات الصينية والروسية والأوروبية والأميركية معارك للحصول على حصة من حقول النفط الكبيرة في أذربيجان وكازاخستان. وفي أفريقيا، تبني الولاياتالمتحدة شبكة من القواعد العسكرية والبعثات الدبلوماسية لتحقيق غرض رئيسي هو حماية وصول الأميركيين إلى حقول النفط في مناطق متقلبة كنيجيريا والكاميرون وتشاد وجمهورية ساو تومي وبرينسيب الصغيرة- وكذلك لحرمان الصين والقوى العظمى الأخرى المتعطشة إلى النفط من إمكانية الوصول إلى نفط هذه المناطق. \r\n \r\n أمّا الصراعات الدبلوماسية فلا تشير إلاّ إلى ما سنشهده في الشرق الأوسط الذي يضم معظم ما تبقّى من نفط العالم. وعلى رغم كل الكلام عن الاكتشافات النفطية الكبيرة في روسيا وأفريقيا- وعن أن هذا الدفق الجديد سيحرّر أميركا والمستوردين الكبار من مكائد منظمة أوبك، فإن الحقائق الجيولوجية تقول كلاماً مختلفاً. فحتى بوجود النفط الروسي والأفريقي الجديد، لا يقوم إنتاج النفط خارج الشرق الأوسط إلاّ بتحقيق التواكب بين العرض والطلب. \r\n \r\n وفي فترة التحضير والحشد للحرب في العراق، اصطدمت كل من فرنساوروسيا تصادماً صاخباً مع الولاياتالمتحدة حول أحقية شركات كل منها في الحصول على النفط في عراق ما بعد صدّام. والمعلوم على نطاق أضيق هو الطريقة التي سعت بها الصين إلى بناء تحالفاتها النفطية الخاصة في الشرق الأوسط- وهي التي أثارت اعتراضات واشنطن في أكثر الأحيان. ففي عام 2000، قام مسؤولو قطاع النفط الصيني بزيارة إيران، البلد الذي يُحظر على الشركات الأميركية التعامل معه؛ إضافة إلى أن للصين أيضاً مصالح كبرى في نفط العراق. \r\n \r\n لكن المبادرة الصينية الأكثر إثارة للجدل كانت موجّهة إلى السعودية، البلد الذي اعتبرته أميركا ذات يوم حليفها النفطي الموثوق أكثر من أي حليف آخر. ففي السنوات القليلة الماضية، دأبت بكين على حشد تأييد الرياض للوصول إلى احتياطي النفط السعودي وهو الأكبر في العالم. وعرضت الصين في مقابل ذلك إعطاء السعودية موطأ قدم في ما سيكون أكبر سوق للطاقة في العالم، إضافة إلى أن الصينيين قدموا إلى السعوديين فوق ذلك عروضاً لتزويدهم بالأسلحة المتقدمة بما في ذلك الصواريخ الباليستية وأنواع أخرى من العتاد الحربي التي رفضت أوروبا والولاياتالمتحدة بيعها للسعودية. \r\n \r\n ومن الحقائق أن الولاياتالمتحدة بقوتها الاقتصادية والعسكرية الهائلة ستكسب أية حرب مباشرة و\"عنيفة\" حول النفط. لكن ما يثير قلقاً أشد بكثير هو أن السيناريو يقول إن تصاعد حدة التنافس بين الدول الأخرى المستهلكة الكبرى سيطلق شرارة نزاعات جديدة من الجائز أن تتطلب تدخلاً أميركياً وأن تزعزع بسهولة استقرار الاقتصاد العالمي الذي تعتمد عليه القوة الأميركية من حيث الأساس. \r\n \r\n وتتزايد حدة الطلب على النفط، ويستمر تباطؤ الإنتاج العالمي النفطي (وتتزايد زعزعة الاستقرار في بلدان منتجة كنيجيريا والسعودية)، ولذلك سيقدّم الصراع على تأمين موارد كافية من الطاقة تحديات وشكوكاً أكبر كما سيستهلك المزيد من الموارد والاهتمام السياسي. \r\n \r\n ولن يزيد التصعيد مخاطر وقوع نزاع فحسب، بل سيزيد على الحكومات صعوبة التركيز على تحديات الطاقة طويلة الأمد، كتجنب التغير المناخي وتطوير الوقود البديل وتخفيف حدة الفقر في العالم الثالث- وهي تحديات لها في حد ذاتها أهمية حرجة لأمن الطاقة على المدى الطويل، كما ستُعتبر سبباً لتحويل الاهتمام عن الحملة الحالية الهادفة إلى المحافظة على تدفق النفط. \r\n \r\n هذه من حيث الأساس هي المعضلة الحقيقية في أمن الطاقة. فكلما اتضح أكثر أن الاقتصاد الذي تهيمن عليه الطاقة هو اقتصاد غير آمن بحكم طبيعته المتأصلة، فسيكون من الصعب أكثر التحرك نحو شيء أبعد من النفط. \r\n \r\n \r\n \r\n بول روبرتس \r\n \r\n كاتب أميركي، ومؤلف كتاب \"نهاية النفط: على حافة عالم جديد محفوف بالمخاطر\" \r\n \r\n يُنشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n \r\n \r\n \r\n