خاصة وقد بدأ هذا النشر يشيع مؤخرا على شبكة الفيسبوك، مصحوبا بتحريض على هؤلاء الأفراد بزعم أنهم اشتركوا في قتل المتظاهرين الأبرياء؟ الجواب: إن نشر هذه البيانات ومعها التحريض الضمني أو الصريح للانتقام من هؤلاء الأفراد، حرام شرعا ولا يجوز المشاركة فيه بأي شكل من الأشكال، وإليك التفصيل: أولا: لا شك أن مشاعر السخط من انتشار الظلم وأعمال القتل، وعدم وصول يد العدالة لقتلة الثوار على امتداد السنوات الثلاث الأخيرة، بل وصدور الأحكام المغلظة على مئات المتظاهرين (وصل بعضها إلى السجن مع الشغل لسبعة عشر عاما) وترك القتلة طلقاء بلا حساب ولا عقاب، ولا حتى تحقيق صوري في أغلب الأحوال، كل هذا يترك مرارات وشعورا بالظلم والقهر. كل هذا مقدر ولا يختلف عليه عاقلان، لكن الظلم لا يبرر الظلم. ثانيا: إن هذا النشر يتضمن تحريضا على الانتقام من هؤلاء الأفراد (وأحيانا من عائلاتهم !) وهذا يعني إعطاء حق إقامة الحدود للأفراد، وهذا ما لم يقل به أحد من علماء السلف والخلف في مثل هذا الحال، لأنه يترتب عليه إشاعة الفوضى والاضطراب، وفتن أعظم وأخطر من الفتنة الحالية. ثالثا: لم يُعرف في عصور دولة الإسلام على امتداد رقعتها المكانية والزمانية، أن قام آحاد الناس بتطبيق الحدود، بل كان أمرها موكولا دائما للحاكم أو من ينيبه من الولاة أو السلطات القضائية، مع وجود الخلل في إقامة تلك الحدود في كثير من البلاد وفي كثير من الأزمان. وقد أفتى أهل العلم بأنه حتى الوالد لا يحل له إقامة الحد على ولده إذا ارتكب جرما يستوجب حدا ، بحجة أن الولد في رعية والده ، والوالد مسئول عن رعيته، وأن هذا فقط من حق من له ولاية عامة أو من ينوب عنه. رابعا: إن من عنده غيرة على دين الله وعلى إقامة حدود الله ومنها القصاص من القتلة، لابد أن يُلزم نفسه – من باب أولى - حدود الله وألا يتهور بفعل يحاد به شريعة الله، ويؤدي إلى مزيد من الفتنة وأعمال القتل، بل ويؤدي إلى قتل الناس بالشبهة، ودونما تحقق، بل ويكون ذريعة للانتقام من الخصوم. والغالب أن هذا يفتح باب فساد الادعاء لكل من أراد أن يضر أحدا أن يدعي أنه شارك في قتل المتظاهرين، والغالب أيضا أن آحاد الناس قد لا يكونون مؤتمنين ولا عالمين بفقه إقامة الحدود، مما يشيع مزيدا من الفوضى وانتشار أعمال القتل على الهوية وهي أمور تصادم مقاصد الشريعة. خامسا: إننا عندما نندد بالظلم وغياب دولة الحق والعدل، لا ينبغي أن نقع فيما نندد به، وأول ما رأيناه الآن نشر صور وبيانات عائلات أفراد الشرطة من نساء وأطفال، وهؤلاء أبرياء قولا واحدا مما وقع من أعمال قتل أو غيرها، حتى لو رضوا بهذا. إن نصرة الله تعالى ترفع عنا إذا اشتركنا معهم في الظلم وإراقة الدماء دون سند من شريعة الله تعالى. سادسا: هذا لا يعني سلب حق الناس في الدفاع عن نفسها إذا ما اعتدي عليها، فهذا حق أصيل في الشرع والقانون والعرف، فواجب على المتظاهرين حماية أنفسهم ما استطاعوا ورد كل اعتداء يقع عليهم. سابعا: إن إقامة حدود الله بركة على الأمة كلها، وقد قال رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- «حدُّ يُقام في الأرض خير لأهل الأرض من أَن يُمطروا ثلاثين صباحا»، وقال عليه الصلاة والسلام «من حالت شفاعته دون حد من حدود اللَّه تعالى فقد ضادَّ اللَّه عز وجل... » الحديث، لكن هذا الخير متلازم مع إقامته من ولي الأمر أو من ينيب. ثامنا: قرأت لبعض الشباب شبهة مفادها أن الأمر بإقامة الحدود عام للأمة كلها، فإذا تقاعس الحاكم أو تواطأ، فالخطاب يلزمنا جميعا!. وهذا استنتاج خاطئ، فإن الخطاب فعلا للأمة، ومن لوازم الأمة نظام الحكم الذي يقضي بأن تكون إقامة الحدود للحاكم أو من ينوب عنه، وأن ترك هذا للأفراد مفسدة عظيمة. تاسعا: قد يقول البعض إن هذا النشر فقط لإخافة أفراد الشرطة، ومنعهم من التمادي في هذه المظالم العظيمة، وهذا أيضا مردود، لأن من يضمن لك أن يقف الأمر عند هذا الحد؟ ، بل الغالب أن يتعدى للانتقام منهم. ثم ما هي الوسيلة التي تضبط هذا؟ عاشرا: أعلم أن هذا قد يغضب كثيرا من الشباب، ولكني والله أرضى لهم ما أرضاه لنفسي، وهو أن نلقى الله تعالى وليس في صحائفنا دم حرام قد أصبناه أو شاركنا في إصابته، مهما نالنا من البطش والظلم. وإن ثقتنا بالله تبارك وتعالى ولطفه بنا، تجعلنا موقنين برحمته، وبأن ليل الظلم سينتهي، وأن دولة الظلم ستنتهي، وأن محاداة شرع الله تعالى قد تؤخر هذا أو تمنعه. والله تعالى أعلى وأعلم.