في نهاية 2013 وبداية العام الجديد، من المهم طرح السؤال حول حال العلاقات المعقدة والمهمة بين الولاياتالمتحدةوالصين اليوم. فهذه العلاقات باتت واسعة إلى حد كبير، حيث تضاف مئات المواضيع الجديدة، من السياسات العامة، إلى الزراعة مروراً بعلم الحيوان، إلى ملف المصالح الأميركية الصينية. غير أنه حتى عندما ننظر إلى بعض الموضوعات الأساسية، فإننا لا نلاحظ أي نسق واضح ومقنع. فعلى الجبهة الأمنية، كان عام 2013 عاماً متفاوتاً بدون شك؛ حيث عملت واشنطن وبكين جنباً إلى جنب بخصوص المفاوضات حول برنامج إيران النووي، ودعمت الصين اتفاق ال6 أشهر المؤقت الذي شكل اختراقاً مهماً مع طهران. وبخصوص كوريا الشمالية، كان ثمة تفاهم أقل بين الولاياتالمتحدةوالصين مقارنة بالسنوات الماضية، غير أنه في سبتمبر الماضي، أعلنت الصين حظراً على تصدير قائمة طويلة من المعدات والمواد الكيماوية التي يمكن أن تستعمل في تصنيع الأسلحة إلى جارتها. كما حافظ التعاون الصيني- الأميركي اليومي بشأن القرصنة ومحاربة المخدرات على وتيرته، ولأول مرة، وافقت الصين على الانضمام إلى مناورات ال«ريمباك» التي تستضيفها الولاياتالمتحدة العام المقبل وتُعتبر أكبر مناورات بحرية دولية سنوية، مما يؤشر إلى رغبة جديدة من جانب الصين في التعاون مع جيوش أخرى وفق شروط لا تتحكم فيها كلياً. غير أن إعلان الصين غير المتوقع، في نوفمبر الماضي، عن منطقة دفاع جوي لم يلق صدى جيداً في واشنطن. والأكيد أن إقامة مثل هذه المناطق ليس أمراً مزعزعاً للاستقرار في حد ذاته، لكن حقيقة أن مناطق الدفاع الجوي التابعة للصين تتداخل مع نظيرتها اليابانية وتشمل جزر سينكاكو (دياويو) المتنازع عليها، وأن الصين لم تتشاور مع جيرانها أو الولاياتالمتحدة قبل الإعلان عنها، يعني أن السياسة الصينية الجديدة تؤجج التوترات في بحر شرق الصين. والحال أن «لا مفاجآت» يعتبر ركناً أساسياً من «النموذج الجديد» للعلاقات بين القوتين والذي تعهدت إدارتا أوباما وشي ببنائه في قمة سانيلاندز هذا الصيف. وعليه، يمكن القول إن الصين لم تحرز نقاطاً جيدة في هذا الاختبار المبكر. وبالمقابل، عرف المجال الاقتصادي تطورات تبعث على التفاؤل أكثر، حيث ختم المؤتمر الثالث للحزب الشيوعي الصيني أشغاله في نوفمبر الماضي بسلسلة مبهرة من الوعود بإحداث تغييرات هامة في السياسة الداخلية قريباً، لخّصتها الجملة الواردة في البيان الرسمي من أن السوق ينبغي أن يلعب دواراً أساسياً في توزيع الموارد في الاقتصاد. وفي حال طبقت هذه الإصلاحات بشكل كامل، فستعني أن الشركات المملوكة للدولة ستستفيد من امتيازات أقل وأن المستهلكين الصينيين سيصبحون محميين أكثر، وكلاهما تطوران إيجابيان بالنسبة للشركات الأميركية. وعلاوة على ذلك، فإن خطاب مستشارة الأمن القومي الأميركي، سوزان رايس، الأخير حول السياسة الأميركية تجاه آسيا فتح الباب بشكل صريح لانضمام الصين إلى «الشراكة العابرة للمحيط الهادئ» مستقبلا عندما تستوفي الصين المعايير العالية التي يتم وضعها حالياً من قبل البلدان ال 12 المفاوضة. وعلى ما يبدو، فإن المحللين الصينيين باتوا أكثر استعداداً اليوم لتصديق أن «الشراكة العابرة للمحيط الهادئ» ليست محاولة أميركية تروم احتواء بلدهم وإنما هي جهد حقيقي يهدف إلى تسهيل وتشجيع المبادلات الاقتصادية بين الدول، مع ضمان حماية العمالة والبيئة والملكية الفكرية في الوقت نفسه. ويشار هنا إلى أن المفاوضات بشأن اتفاقية الاستثمار الثنائي بين الولاياتالمتحدةوالصين مستمرة. أما في ما يخص المناخ والطاقة، فقد مثَّلت الاتفاقيةُ المهمة التي وقعت هذا العام بين الولاياتالمتحدةوالصين حول الإنهاء التدريجي لإنتاج مادة الهيدروفلوروكربون، التي تؤذي البيئة وتتسبب في الاحتباس الحراري، خطوةً أولى مهمة؛ غير أن إنجاز هذا الوعد سيتطلب قدراً كبيراً من العمل الإضافي. كما أن التعاون بشأن الطاقة النظيفة محدود، لكنه آخذ في الازدياد. أما مجال القيم، فقد كان مشحوناً وحافلا بالمشاكل في 2013. ذلك أن الصين لم تسجل تقدماً ملحوظاً بخصوص الحقوق الفردية؛ وواصلت قمعها للمحامين والأساتذة والنشطاء والكتاب الذين يحاولون محاسبتها وفق قوانينها ومعايير حقوق الإنسان الدولية. كما أنها استهدفت وسائل الإعلام الأجنبية على نحو متزايد، حيث لم يعد عدد من مراسلي «نيويورك تايمز» و«بلومبيرج» واثقين من أن تأشيراتهم ستُجدد. «الوثيقة 9» سيئة الصيت، التي صدرت عن أعلى مستوى في الحزب الشيوعي خلال أغسطس الماضي، دعت كل الكوادر إلى توخي الحذر من «الأخطار السبعة» للمثل والقيم الغربية من قبيل الديمقراطية الدستورية، واستقلال الإعلام، وحقوق الإنسان الكونية. غير أن اللافت هنا هو أن الحزب يأسف لانعدام الثقة في العلاقات الأميركية الصينية، لكنه يوجه في الوقت نفسه تعليمات لأعضائه بالحذر من تأثير القيم التي يعزها الأميركيون ويثمنونها. وعلى كل حال، فإن هذا الخليط من التوتر والأمل والتقدم والتخندق هو ما يمكن أن نتوقعه من العلاقات الأميركية الصينية الحالية. فالقوتان العظميان لديهما مصالح متباينة ولكن لديهما أيضاً اعتماد متبادل كبير. صحيح أن العمل معاً صعب ومخيب للآمال، غير أن عدم العمل معاً أدهى وأمر. وفي هذا الصدد، تمكن البلدان من تقسيم وفصل خلافاتهما، وذلك حتى يتسنى للتعاون في بعض المجالات تحقيق تقدم حقيقي. وبالنظر إلى الخلافات بين البلدين، يمكن القول إنه حتى هذه النجاحات المتواضعة التي تحققت تستحق الإشادة والتنويه. نوع المقال: سياسة دولية الولاياتالمتحدة الامريكية