بعد قيام ثورة 25 يناير، استعادت الأغنية الوطنية مكانتها من جديد لدى المصريين، وأصبح حب الوطن هو الدافع لظهور الجديد منها، بعد أن ظلت في السنوات الأخيرة لحكم مبارك مرتبطة بالرياضة. بل إن الثورة أعادت اكتشاف أغنيات كان نسيها الجمهور، أو لم يسمع بها من قبل، رغم أنها كانت قد ظهرت منذ عقود في مناسبات وطنية مختلفة. وإذا عدنا للماضي ستة عقود، فإننا نكون أمام ثورة 1952، والتي يرى النقاد والموسيقيون أنها خلقت أغنيات وطنية بحس وطني مختلف، بعد أن كان ما قبلها يتغنى بعظمة الملك وجلال القصر، ويذهب كثيرون إلى أن ما ظهر بعد 23 يوليو كان أداة في يد الضباط الأحرار، للترويج للثورة وأفكارهم، وبما يتناسب مع ميلاد الجمهورية المصرية. ولسنوات تالية، وفي حقبة الستينيات تحديدا، كان تاريخ "شخصنة" الأغنية الوطنية، حيث الأغنيات التي تمجد عبد الناصر القائد والزعيم والإنسان، "ريسنا ملاح ومعدينا.. عامل وفلاح من أهالينا.. ومنا فينا الموج والمركب.. والصحبة والريس والزينة"، وأغنيات تحمل اسمه مثل "ناصر كلنا بنحبك"، "يا جمال يا مثال الوطنية"، "يا جمال يا حبيب الملايين" و"عبد الناصر يا جمال"، "يا جمال النور والحرية"، ولا يفوتنا أن نذكر أوبريت "حبيبي الأكبر"، خصص كلمات لتمجيد ناصر "بعد ما شفت جمال الثورة"، و"كوبليه" غناه موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، رغم أن الأوبريت كاملا من المفترض أنه يتغنى بالعروبة والأمجاد العربية. وفي نهاية الستينيات مع نكسة 67 والهزيمة المفاجئة، اتجهت الأغنية الوطنية للبكاء ولتضميد جراح الشعب، ثم كانت فترة السبعينيات، وحرب أكتوبر 73، وهي الفترة التي يمكن أن نقول عنها إن الأغنية الوطنية "نضجت" فيها، وتغنت بالوطن وانتصاراته، وإن لم يختف منها تمجيد السلطة أيضا، والتغزل برأسها "عاش اللي قال للرجال عدوا القنال". وهو ما انتقل في بداية الثمانينيات إلى عصر مبارك، حيث كانت الأغنيات التي تخلق الديكتاتور، وتمجد أفعاله وتتملقه، "ومبارك يملاكي عمار"، "ويا مبارك يا حبيب الشعب"، ثم كانت الكارثة الغنائية، لترويج زيف تاريخي عن حرب أكتوبر، حيث الأغنيات التي تمجد الضربة الجوية وصاحبها، وكيف أنه لولاها ما "فتحت أبواب الحرية" ل"الأرض والأوطان وللأمة العربية"!! أما الثلث الأخير من عصر مبارك، فهو بامتياز عصر الأغنية "الوطنية الرياضية"، والتي استخدمت من جانب النظام للترويج لنفسه والتأثير على الشعب وكيف أن رأس الدولة هو صاحب الانتصارات الرياضية، وراعي الرياضة والرياضيين. ومع قيام ثورة يناير، التف الشعب المصري حول أغنية "إزاي" للفنان "محمد منير"، لأنه شعر بأن الأغنية لا تحمل نفاقا بل هي لمصر، ثم كان سيل من الأغنيات الوطنية، التي تسترضي الشعب والثورة، ولسان حالها "أنا أؤيد الثورة من كل قلبي"، ولذلك لم تنجح هذه الأغاني، ومن نجح هو من استطاع أن يعبر عن إحساس الشعب بصدق وأبرزها "يا بلادي" لعزيز الشافعي. "تسلم الأيادي" حديثا، لا تزال الأغنية تسير على درب تمجيد السلطة، منذ النجاح الذي استطاعت أغنية "تسلم الأيادي" تحقيقه، ولم تحقق أغنية "تسلم الأيادي" نجاحا فقط، بل إنها أثارت الجدل على نطاق واسع خاصة بعد أن أصبحت وكأنها "نشيد جمهوري" يقرر على الطلاب في المدارس، وفي الأفراح، وفي المواصلات العامة. والغريب أن الأغنية تواصل نجاحها الساحق، رغم تصريحات عدد من الفنانين مثل الفنان "إيمان البحر درويش"، وعدد من النقاد، والذين أفادوا بأن هذه الأغنية مسروقة الكلمات من أغنية للفنان "محمد الحلو"، ومسروقة الألحان حيث إنها لحن مكرر لأغنية "تم البدر بدري" والتي اعتاد الشعب المصري على سماعها على مدار سنوات طويلة كل عام في شهر رمضان. واستمر الجدل حينما قام الإخوان المسلمون بإصدار أغنية بعنوان "يسلم الزبادي" وتم إذاعتها على قناة الجزيرة، وهي أغنية ساخرة من أغنية "تسلم الأيادي"، وبسببها قرر الفنان "مصطفى كامل" رفع دعوى قضائية على قناة الجزيرة بسبب هذه الأغنية المقلدة. وعلى جانب آخر، فتحت "تسلم الأيادي" الباب للنجوم وأنصاف النجوم ومن هم في البدايات، لكي يتنافسوا فيما بينهم لإصدار أكبر عدد من الأغاني الوطنية، والمشاركة في أوبريتات غنائية وطنية، وأصبح المطربون جميعا يغنون لمصر وللجيش، وكأنها مادة مقررة على نجوم الغناء، فلا يوجد ألبوم حاليا بلا أغنية وطنية، إن لم يكن الألبوم وطني بالكامل، مثلما قرر الفنان الشاب شريف عبد المنعم (نجم برنامج صوت الحياة) أن يكون ألبومه الأول لا يضم إلا أغاني وطنية. وغيره من الفنانين أولوا اهتماما خاصا للأغنية الوطنية مثل الفنان "إيهاب توفيق" والذي شارك في أوبريت تسلم الأيادي، وأغنية ست ساعات، وأخيرا أوبريت "قد الدنيا" في احتفالات أكتوبر قبل أيام، وكذلك الفنانة غادة رجب، وهاني شاكر، وعاصي الحلاني الذي قرر تأجيل ألبومه ليضم له أغنية أو اثنان وطنيتان، وغيرهم الكثير من نجوم الغناء. "اللي تكسب بيه العب بيه" كما فجرت الأغنية سؤالا يتبادر إلى الأذهان، وهو هل بالفعل هذه الأغاني الوطنية تستطيع أن تثير روح الشباب الوطنية؟، وهل تعبر بالفعل عن مشاعر الفنانين الذين يقدمونها، أم أن السلطة الحاكمة هي من تتحكم في هذه الأغاني؟ وفي إطار الإجابة على هذه التساؤلات، أكد الناقد "طارق الشناوي" أنه قديما في عصر مبارك كانت الأغاني الوطنية جميعها تحمل داخلها مصالح صغيرة، وحاليا لا توجد أغاني وطنية، وما يتم تقديمه هو شيء يرتبط بالمطربين أنفسهم، فهم يعملون وفقا للمثل الشعبي الشهير "اللي تكسب بيه العب بيه"، وهم يطبقون دائما هذه القاعدة حتى وإن كان الوطن فسيلعبون به أيضا. وأشار إلى أنه لا يعتبر "تسلم الأيادي" أغنية وطنية، "فهي أغنية لحنها مسروق وكلماتها ضعيفة، ومازالت الأغاني القديمة هي الأغاني الوطنية التي تعبر عنا والتي ما زالت صالحة على مر الأزمنة والأحداث لكل مناسبة وطنية، وما زالت هي الأساس في ذكرى الاحتفال بحرب أكتوبر المجيدة، وغيرها من الأحداث الوطنية". "ركوب للموجة" واتفقت معه في الرأي الناقدة "ماجدة خير الله"، والتي أكدت أن ما يفعله الفنانون دائما على مدار العصور والأزمنة ما هو إلا "نفاق وتملق للسلطة"، وهذه الأغاني الوطنية وإن كانت بالفعل تعبر عن ما يشعر به الشعب حاليا وخاصة بعد زيادة انتمائه السياسي، إلا أنها لا تليق للتعبير عن مشاعر الشعب، لأنها لا تنبع من داخل الفنانين وإنما هي مجرد حالة "ركوب للموجة" مثلما حدث في ثورة يناير وغيرها. وعلى عكس منهم، أكد الفنان الشاب "شريف عبد المنعم"، أن الأغاني الوطنية ليست أداة في يد السلطة، وإنما هي تعبر عن مشاعر الفنان وعن مشاعر الشعب، وخاصة وأنها تصدر حاليا في فترة يحتاج فيها الشعب لإخراج روحه الوطنية. وأشار إلى أنه لا ينكر أن هناك فنانون يسعون لتقديم هذه الأغاني لمصالح شخصية، وآخرون لأنها أصبحت تحقق أعلى نسبة استماع ومشاهدة في وقتنا الحالي، وهناك من يقدمها لركوب الموجة وليتماشى مع ما يحدث، ولكن لا يمكن أن ننكر أن هناك مطربين فعلا يشعرون بالبلد ويتخذون من هذه الأغاني رسالة هامة يريدون توصيلها للشعب. وأضاف: "عندما قررت أن أجعل ألبومي الأول وطنيا بالكامل، جاء ذلك لأنني شعرت داخلي بأنني أريد أن أقدم هذا النوع من الغناء، وأن أظهر من خلاله وطنيتي ووجهة نظري فيما يحدث".