أثار الحديث عن اشتراك وحدة خاصة إسرائيلية في عملية اقتحام أحد المراكز التجارية في العاصمة الكينية "نيروبي" التساؤل حول الدور الذي تلعبه تل أبيب في قلب القارة السمراء. السرعة التي تم بها الإعلان عن التدخل الإسرائيلي في عملية تحرير الرهائن والقضاء على عناصر حركة "شباب المجاهدين" الصومالية في نيروبي كانت هي الأخرى محل استغراب. لكن الحقيقة أن إسرائيل استغلت انشغال العالم العربي ومصر تحديدًا في شؤونها الداخلية وأزماتها المتصاعدة منذ بداية ثورات الربيع العربي في التوغل داخل أفريقيا وإنشاء حلف جديد لتطويق أكبر وأهم دولة عربية من جهة الجنوب وتهديد أمنها القومي والمائي. أفريقيا المسيحية صحيفة "معاريف" الإسرائيلية نشرت بتاريخ 17-11-2011 تقريرًا حمل عنوان "حرب أفريقيا وإسرائيل على الإسلام" استعرضت خلاله ملامح التعاون الإسرائيلي الأفريقي لاسيما مع الدول المسيحية، وإصرار حكومة نتنياهو على تعميق أواصر الصلة مع تلك الدول وإنشاء تحالفات جديدة خوفًا من انتشار نموذج الحكم الإسلامي، ومحاربة الجماعات الجهادية. وقالت الصحيفة في افتتاحية تقريرها آنذاك: "على خلفية المخاوف من صعود الإسلام المتطرف في شمال أفريقيا في أعقاب أحداث الربيع العربي، يعمل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على صناعة محور جديد مع عدد من دول القارة الأفريقية لتعميق التحالف بين إسرائيل ودول مسيحية في القارة السمراء". ونقلت "معاريف" عن مصدر سياسي إسرائيلي كبير قوله:" التغيرات التي شهدها شمال أفريقيا أثرت أيضا على باقي دول أفريقيا التي تخشى من تنامي قوى الإسلام المتشدد وتأثيره على القارة بأسرها. هذه هي الموضوعات التي تقلق الدول المسيحية وإسرائيل، التي تخشى أيضا من الإسلام المتشدد، لذلك هناك الكثير الذي يمكن اقتراحه في هذا التحالف". وأضاف المصدر أن التعاون مع دول أفريقية أخري سوف يتواصل مستقبلا، في ظل النظام العالمي الجديد، لافتًا إلى أن إحدى الأسباب التي دفعت إسرائيل إلى الإسراع بإنشاء تلك التحالفات هو محاولة إحباط الجهود الإيرانية لاسيما الاقتصادية في التوغل داخل القارة. تل أبيب ونيروبي رئيس الوزراء الكيني رايلا اأودينجا الذي كان يزور إسرائيل آنذاك طالب مساعدة إسرائيل في الحرب التي تخوضها نيروبي ضد الجماعات الصومالية المسلحة وقال: "تستطيع إسرائيل مساعدة كينيا في بناء منظومة لتحديد المسلحين، والكشف عن أسلحتهم والمساعدة في توجيه ضربة استباقية لهم". ولم يتأخر الرد الإسرائيلي على هذا المطلب إذ سرعان ما خرج الرئيس شمعون بيريز مبديًا موافقته، وقال مصدر قريب" الرئيس قال لضيوفه إن إسرائيل دولة قائدة في مجال الأمن القومي وسيكون من دواعي سرورها أن تتقاسم تلك الخبرة مع كينيا في مجال الحرب على الإرهاب". وبمجرد عودة الوفد الكيني إلى نيروبي سارع أودينجا إلى التأكيد على موافقة إسرائيل على تسليح وتدريب الجيش الكيني وقال: "وعد الرئيس بيريز بقيام إسرائيل بتزويد كينيا بكل ما يلزم لمساعدتها في تأمين حدودها بينما تحاول فرض النظام في الصومال وتواجه ضربات الإرهاب". بعد ذلك أكد الكينيون أيضًا تصديق نتنياهو على التحالف الجديد، مؤكدين أنه أخبرهم" أن أعداء كينيا هم أعداء إسرائيل، لذا يجب أن نقدم المساعدة فهذه فرصة لتقوية علاقاتنا". وربما يكشف ذلك لغز التواجد السريع للقوات الإسرائيلية داخل العاصمة ومشاركتها في عملية" ويست جيت" كون هذه القوات موجودة بالفعل داخل كينيا حيث تقوم بتدريب الجيش المحلي. اقتصاديا توغلت العشرات من الشركات الإسرائيلية وباتت تسيطر على الحياة الاقتصادية في كينيا مثل شركة "سوليل بونيه" التي تعمل في قطاعات تشييد المباني السكنية والحكومية، وشركة "أجريد أب"، وهي شركة متخصصة في مجال تطوير الزراعة، وشركة "كور" التي تقوم في إنتاج المعدات الإلكترونية والأجهزة الكهربائية والمعدنية. نشاط متصاعد ولا يقتصر الأمر على كينيا فقد شهد العامين الماضيين زيارات مكوكية لقيادات من دول مثل أوغندا وإثيوبيا وجنوب السودان، وإريتريا، وتم التنسيق في إطار الحلف الجديد على مد تلك الدول بالسلاح وتنفيذ خبراء إسرائيليين مشاريع زراعية وأخرى خاصة بالبني التحتية فيها، مع فتح أسواق جديدة لمنتجات المستوطنات في تلك الدول، وقد شهد عام 2011 تنفيذ إسرائيل 16 مشروعا تنمويا في أفريقيا تم تمويلها بشكل كامل من قبل الحكومة الإسرائيلية. كذلك وقعت إسرائيل صفقات عسكرية مع عدد من الدول مثل إثيوبيا ونيجيريا وأوغندا، ضمت طائرات من دون طيار لتنفيذ عمليات ضد الجماعات الإسلامية. ويعتبر رجل الأعمال وتاجر الماس الإسرائيلي "ليف لفيف" هو المفتاح الحقيقي لتوغل تل أبيب في القارة السمراء، إضافة إلى عدد من تجار السلاح من بينهم أركادي غايداماك المهاجر الروسي لإسرائيل والذي بنى إمبراطورية إعلامية مهمة ويركز نشاطه في أفريقيا على الألماس والسلاح، ومركزه الأقوى في القارة هو أنجولا. وتعمل في أفريقيا نحو 100 شركة إسرائيلية من بينها شركة" موتورولا" في مجال التكنولوجيا، وشركة " تهال" في مجال المياه، وشركات "شيخون" و"بينوي" في تنفيذ مشاريع البنى التحتية. ووقعت عدد من الشركات الإسرائيلية عقودا مع دول أفريقية لبناء السدود على نهر النيل للضغط على مصر في الشمال، حيث تعتبر تل أبيب أفريقيا مجالًا حيويًا لها لإدارة صراعها مع الدول العربية وخاصة مصر، الأمر الذي عبر عنه في ستينات القرن الماضي "دان أفني" نائب مدير دائرة أفريقيا في وزارة الخارجية الإسرائيلية، بقوله إن الصراع في أفريقيا "معركة حياة أو موت بالنسبة لنا".