الإدعاء بأن الزيت والسكر هو الذي يحسم الانتخابات في مصر ما هو إلا نظرية مؤامرة يستدعيها بعض السياسيون لتبرير فشلهم أو بمعنى أصح عجزهم عن بناء تنظيمات معارضة قوية لها وجود حقيقي في الشارع. توزيع الزيت والسكر وغيره من الخدمات الاجتماعية (والتي أعترض على ممارسة الأحزاب السياسية لها فهي ليست أدوارهم وفيها تغطية لعجزهم عن صياغة سياسات للإصلاح المنهجي لتلك المشاكل) لا يمكن اعتبارها بأي حال العامل الأساسي الذي يؤثر على نتائج الانتخابات خاصة وأنه لا يوجد ما يُلزم الناخب الحاصل على تلك الخدمات أن يدلي بصوته لمن يقدمها له، وأنه مهما كانت قدرات الأحزاب السياسية فلن تستطيع الوصول سوى لمئات الآلاف من هؤلاء الناخبين أو على أقصى تقدير ملايين محدودة لا تصل حتى ل 15% من إجمالي الكتلة التي تشارك في الانتخابات. الناخب المصري كأي ناخب في العالم، ينتخب الأكثر تنظيما والأقرب منه في الشارع والأكثر دعاية وتعريفا بنفسه، والأحرص على إشعاره بأنه يعرف مشاكله وسيوجه له رعاية وعناية. الناخب المصري ينتخب الذي يتواصل معه بشكل احترافي أيام الانتخابات ويدعوه بشكل مباشر وجها لوجه للتصويت للمرشح التابع له. والأهم من ذلك كله أن الناخب المصري مستعد لتغيير اختياراته وقناعاته الانتخابية بناء على تقييمه لأداء من انتخبهم. ((كم مرة التقيت بأشخاص انتخبوا الحرية والعدالة في مجلس الشعب وأخبروك لاحقا أنهم لن ينتخبوا ذلك الحزب في انتخابات مجلس الشعب القادمة بسبب سوء الأداء؟)) والآن مع بعض التحليلات البسيطة لنتائج الانتخابات: *** حصل حمدين صباحي على 4.8 مليون صوت في انتخابات الرئاسة. الشريحة الاجتماعية التي تستخدم بعض النخب السياسية الفاشلة التعميم بأنها تبيع أصواتها مقابل الزيت والسكر قد صوت الكثير منهم لحمدين صباحي الذي أقنعهم قبل أيام من الانتخابات بأنه المرشح القادر على تمثيلهم والشعوب بمشاكلهم وعلاجها. وحصل عبدالمنعم أبو الفتوح هو الآخر على أربعة ملايين صوت بالرغم من أن حملته هي الأخرى لم توزع زيت أو سكر! *** حصل حزب الحرية والعدالة في الانتخابات البرلمانية على 10 ملايين صوت من أصل 27 مليون صوت بنسبة 37% من أصوات الناخبين .. انخضفت هذه النسبة إلى 25% في المرحلة الأولى لانتخابات الرئاسة حيث لم يحصل المرشح سوى على 5.7 مليون صوت من أصل 23 مليون ناخب شاركوا في الانتخابات. فما هو تفسير انخفاض النسبة من 37% إلى 25% خاصة وأن الكثير من السلفيين ممن انتخبوا الأحزاب السلفية في انتخابات مجلس الشعب قد انتخبوا المرشح محمد مرسي في المرحلة الأولى من انتخابات الرئاسة. *** هل يُعبّر الفارق بين نسبة 18% للمصوتين ب "لا" في استفتاء مارس 2011 للتعديلات الدستورية ونسبة 36% للمصوتين ب "لا" في استفتاء الدستور في ديسمبر 2012 عن عجز لدى جماعة الإخوان المسلمين في توزيع أكياس الزيت والسكر لشراء أصوات الناخبين للتصويت بنعم؟ أم أن الأمر هو تغير جذري في مواقف الناخبين الذين صوتوا ب "لا" على الدستور؟ *** في محافظة الغربية، حصل حزبي النور والحرية والعدالة على 62% من أصوات الناخبين في انتخابات مجلس الشعب .. وبعد ذلك بعدة شهور .. حصل المرشح الرئاسي أحمد شفيق على 62% من أصوات الناخبين في المحافظة .. ثم رفض 52% من أهالي الغربية الدستور الذي كتبته جمعية تأسيسية أغلبيتها من الحرية والعدالة والنور. فهل نسي الإخوان توزيع الزيت والسكر في تلك المحافظة أثناء انتخابات الرئاسة واستفتاء الدستور؟ *** فاز المرشح الفردي د. عمرو الشوبكي في انتخابات مجلس الشعب أمام مرشح الإخوان والسلفيين في الإعادة د. عمرو دراج الأمين العام لحزب الحرية والعدالة في أمانة الجيزة في دائرة انتخابية كان مركزها هو منطقة امبابة. هل وزع عمرو الشوبكي أكياس الزيت والسكر في أحياء امبابة؟ أم أنه كان لديه حملة انتخابية احترافية أوصلت صوته لمواطني المنطقة امبابة وأكدت لهم جدارته بتمثيلهم؟ *** في كفر الشيخ، حصل حزبي الحرية والعدالة والنور على 64% من أصوات الناخبين في انتخابات مجلس الشعب، بينما حصل حمدين صباحي على 62% من أصوات الناخبين في المحافظة في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة بالرغم من دعوة الإخوان والسلفيين لانتخاب مرشحين آخرين. قد يقول قائل السبب أن حمدين من كفر الشيخ، وبالفعل كان هذا هو السبب .. ولكنه أكبر دليل أن الناس تنتخب من تثق فيه وتتواصل معه وتراه ممثلا لها! لأن حمدين كما ذكرت من قبل لم يوزع زيت ولا سكر ولا سمن ولا عسل. يمكن الاستمرار في هذه التحليلات للصباح .. ولكن يبقى أن تصل ثلاثة رسائل قصيرة للسياسيين: 1) الشعب المصري مستعد لتغيير اختياراته بحثا عن الأفضل. ولكن السياسيين غير مستعدين لتغيير منهجهم حتى يكونوا هم البديل الأفضل. 2) أغلب الناخبين يختارون الأقرب منهم والأكثر تنظيما وتواصلا والأقدر على إدارة حملة انتخابية احترافية تجعل رسالتهم واضحة. 3) البحث عن مبررات للفشل في الفوز بالانتخابات كلها متعلق بالمنافس لن يؤدي للنجاح، الاعتراف بالفشل والبدء في التنظيم والسعي لإصلاح الأخطاء هو السبيل.