وزير الأوقاف يجتمع بمديري المديريات ويوجه بمتابعة جميع الأنشطة الدعوية والقرآنية    «شعبة الأسماك»: 50% ارتفاعًا بسعر الفسيخ عن العام الماضي.. والإقبال أقل من المتوقع    محافظ قنا يتفقد مزرعة الخراف لطرحها للبيع قبل عيد الأضحى    أبرز مستجدات إنشاء وتطوير الموانئ لتحويل مصر لمركز إقليمي للنقل وتجارة الترانزيت    الري تفتح الحدائق والمزارات أمام المواطنين في احتفالات شم النسيم    أحمد إمام يفوز بعضوية مجلس إدارة الاتحاد المصري لتمويل المشاريع المتوسطة والصغيرة    الأنباء الفرنسية: إسرائيل تقصف منطقتين طالبت بإخلائهما في رفح الفلسطينية    افتتاح دار واحة الرحمة في العاصمة الإدارية (صور)    نزوح أكثر من ألف أسرة بسبب الفيضانات في أفغانستان    باحث فلسطيني: صواريخ حماس على كرم أبو سالم عجّلت بعملية رفح الفلسطينية    رقم خرافي.. عرض قطري ضخم ل"علي معلول" يقربه من الرحيل عن الأهلي    فان دايك يكشف موقفه من الرحيل عن ليفربول نهاية الموسم    زياد السيسي يحقق ذهبية تاريخية لمصر في بطولة الجائزة الكبرى للسلاح    مع شم النسيم.. ضبط محل بحيازته سجائر أجنبية غير مصرح ببيعها بالإسكندرية    10 تعليمات من تعليم القاهرة لطلاب الصفين الأول والثاني الثانوي قبل الامتحانات    مصرع شخصين وإصابة 3 آخرين في حادث بالوادي الجديد    تعرف على إيرادات فيلم السرب ل أحمد السقا في خامس أيام عرضه    كيف دعم تركي آل الشيخ صديقه محمد عبده بعد إعلان إصابته بالسرطان؟    6 مشروبات مهمة يجب تناولها عقب وجبة الرنجة والفسيخ في شم النسيم    ختام فعاليات المؤتمر الرابع لجراحة العظام بطب قنا    معهد أمراض العيون: استقبال 31 ألف مريض وإجراء 7955 عملية خلال العام الماضي    حبس المتهمة بقتل زوجها بسبب إقامة والده معها في الإسكندرية    مصر تحقق الميدالية الذهبية فى بطولة الجائزة الكبرى للسيف بكوريا    وزير الشباب يشهد "المعسكر المجمع" لأبناء المحافظات الحدودية بمطروح    «الصحة»: إجراء 4095 عملية رمد متنوعة ضمن مبادرة إنهاء قوائم الانتظار    "دور المرأة في بناء الوعي".. موعد ومحاور المؤتمر الدول الأول للواعظات    متى يُغلق باب تلقي طلبات التصالح في مخالفات البناء؟ القانون يجيب    متروكة ومتهالكة في الشوارع.. رفع 37 سيارة ودراجة نارية بالقاهرة والجيزة    أسهلها الدفع أونلاين.. تعرف على طرق حجز تذاكر القطارات لكافة المحافظات (تفاصيل)    على مائدة إفطار.. البابا تواضروس يلتقي أحبار الكنيسة في دير السريان (صور)    5 ملفات تصدرت زيارة وفد العاملين بالنيابات والمحاكم إلى أنقرة    إيرادات علي ربيع تتراجع في دور العرض.. تعرف على إيرادات فيلم ع الماشي    "كبير عائلة ياسين مع السلامة".. رانيا محمود ياسين تنعى شقيق والدها    في ذكرى ميلادها.. محطات فنية بحياة ماجدة الصباحي (فيديو)    لماذا يتناول المصريون السمك المملح والبصل في شم النسيم؟.. أسباب أحدها عقائدي    مفاجأة.. فيلم نادر للفنان عمر الشريف في مهرجان الغردقة لسينما الشباب    وسيم السيسي: قصة انشقاق البحر الأحمر المنسوبة لسيدنا موسى غير صحيحة    زيادة قوائم المُحكمين.. تحديث النظام الإلكتروني لترقية أعضاء هيئة التدريس    طارق العشرى يُخطط لمفاجأة الأهلي في مواجهة الثلاثاء    جامعة أسيوط تنظيم أول مسابقة للتحكيم الصوري باللغة الإنجليزية على مستوى جامعات الصعيد (AUMT) 2024    الرئيس الصيني: نعتبر أوروبا شريكًا وتمثل أولوية في سياستنا الخارجية    هل أنت مدمن سكريات؟- 7 مشروبات تساعدك على التعافي    ضبط 156 كيلو لحوم وأسماك غير صالحة للاستهلاك الآدمي بالمنيا    التعليم تختتم بطولة الجمهورية للمدارس للألعاب الجماعية    الشرطة الأمريكية تقتل مريضًا نفسيًا بالرصاص    فشل في حمايتنا.. متظاهر يطالب باستقالة نتنياهو خلال مراسم إكليل المحرقة| فيديو    موعد عيد الأضحى لعام 2024: تحديدات الفلك والأهمية الدينية    مفاجأة عاجلة.. الأهلي يتفق مع النجم التونسي على الرحيل بنهاية الموسم الجاري    إزالة 9 حالات تعد على الأراضي الزراعية بمركز سمسطا في بني سويف    مقتل 6 أشخاص في هجوم بطائرة مسيرة أوكرانية على منطقة بيلجورود الروسية    ولو بكلمة أو نظرة.. الإفتاء: السخرية من الغير والإيذاء محرّم شرعًا    رئيس لجنة الدينية بمجلس النواب: طلب المدد من ال البيت أمر شرعي    "احنا مش بتوع كونفدرالية".. ميدو يفتح النار على جوميز ويطالبه بارتداء قناع السويسري    بالصور.. الأمطار تتساقط على كفر الشيخ في ليلة شم النسيم    أول تعليق من الأزهر على تشكيل مؤسسة تكوين الفكر العربي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 6-5-2024    قصر في الجنة لمن واظب على النوافل.. اعرف شروط الحصول على هذا الجزاء العظيم    البحوث الفلكية تكشف موعد غرة شهر ذي القعدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"سيناء جبهة جديدة".. دراسة اسرائيلية تحدد شبه الجزيرة منطقة للصراع المحتمل (1)
نشر في الشعب يوم 15 - 06 - 2013

الباحث: التعزيز التدريجى لتجارة التهريب سببه تخلى مصر عن تنمية سيناء
شبه الجزيرة ممر الجهاديين الساعين للتسلل إلى إسرائيل لتنفيذ الهجمات الاستشهادية
صعود الإخوان المسلمين للسلطة يثير المزيد من القلاقل لإسرائيل
بعد سيطرة "حماس" على غزة.. أصبح البدو أكثر تعاطفا مع القضية الفلسطينية وأكثر عداءً لإسرائيل
الدراسة تطالب باستخدام المساعدات الامريكية كورقة ضغط لحماية اسرائيل من سيناء
التعريف بالدراسة:
أعد إيهود يعارى الخبير الإسرائيلى فى شئون الشرق الأوسط دراسة تحت عنوان (سيناء: جبهة جديدة)، صدرت عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى وأعاد نشرها المركز الدولى لمكافحة الإرهاب التابع لمعهد هيرتزاليا الإسرائيلى المتعدد المجالات، مطلع شهر يناير 2012، وتتعلق الدراسة بتطورات الأوضاع فى سيناء والرؤية الإسرائيلية الخاصة لهذه التطورات وحاول خلالها تحديد إمكانيات التعامل الإسرائيلى خلال الفترة الراهنة مع التغيرات التى تشهدها مصر الآن.
التعريف بالكاتب:
إيهود يعارى: خبير فى شئون الشرق الأوسط ومعلق سياسى للقناة الثانية بالتليفزيون الإسرائيلى. والمرشح السابق لمنصب سفير إسرائيل بالقاهرة، وألف ثمانية كتب عن الصراع العربى – الإسرائيلى، وحاور العديد من القادة العرب مثل الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات والرئيس المصرى السابق حسنى مبارك والعاهل الأردنى الراحل الملك حسين ونجله الملك عبد الله والرئيس السورى بشار الأسد والرئيس الليبى الراحل مُعمر القذافى، بالإضافة إلى أغلب رؤساء وزراء إسرائيل منذ مناحم بيجين.
مقدمة عامة للدراسة:
يتناول الكاتب الأوضاع فى شبه جزيرة سيناء منذ انسحاب إسرائيل من قطاع غزة فى عام 2005 والثورة المصرية فى يناير 2011. ويقول الكاتب إن سيناء برزت –منذ هذا التوقيت– على أنها منطقة ساخنة جديدة للصراع العربى – الإسرائيلى المُعقد، مع وجود بنية تحتية مُوسعة فيها تجعلها جبهة أخرى لمواجهة محتملة.
كما يسلط الكاتب الضوء على المكانة التى يحتلها بدو سيناء فى الوقت الراهن لاستهلال أزمات لا تريدها إسرائيل ولا مصر، بينما يؤثرون أيضا على الصراع ضد حركة حماس.
ويلخص الكاتب أيضا الخطوات الضرورية للحيلولة دون الانهيار الكامل للأمن فى شبه جزيرة سيناء وما حولها، ولتجنب بروز دويلة بدوية مسلحة على نحو سريع، ولتقليص الخطر من انهيار معاهدة السلام الإسرائيلية – المصرية بضغوط من حدود سيناء غير الآمنة.
ملخص الدراسة:
استهل الكاتب دراسته بتناول تاريخ سيناء والحروب التى شهدتها فى أعوام 1956 و1967 و1973، وقبل وبعد حكم الرئيس المصرى حسنى مبارك، وبعد ذلك، يتناول الكاتب ما أسماه قضية بروز الإرهاب فى سيناء المتمثل فى "شبكات فلسطينية" وبدو مسلحين من الجهاديين السلفيين وعمليات تهريب، وبهذا تكون شبه الجزيرة قد تحولت إلى ملاذ آمن لمن يحملون أسلحة ثقيلة ومتقدمة ويعملون بقدر أكبر من الحرية.
كما يسلط الكاتب الضوء على السلطة المتنامية للبدو، خاصة عقب الإطاحة بمبارك، وإدراك السلطات المصرية للثمن المحتمل لأى تجدد للصدام مع القبائل البدوية فى سيناء فى حقبة ما بعد مبارك. ولهذا السبب، تحمست القاهرة إلى فتح حوار مع قادة البدو – على الرغم من أنه لم يسفر حتى الآن عن نتائج حقيقية.
وبالنسبة إلى سياسة مصر تجاه سيناء، يشير الكاتب إلى أن التعزيز التدريجى لتجارة التهريب كالدعامة الأساسية للنشاط الاقتصادى فى سيناء يعود إلى تخلى الحكومات المصرية المتعاقبة عن خططها الطموحة لتنمية شبه الجزيرة. فبعد أن وضعت مصر فى آخر عهد الرئيس الأسبق أنور السادات خططا لتوطين ملايين مواطنين فى سيناء وزراعة أراضى هناك وكذلك فى عهد مبارك؛ ورصدت لذلك ميزانية تقدر بالمليارات، تحولت القاهرة إلى مشروع توشكى فى جنوب مصر. وهذا يعنى أن مصر عاملت سيناء على أنها أرض مهملة – قبل وبعد الإطاحة بمبارك، وفيما يتعلق بالتحدى الذى تمثله سيناء بالنسبة إلى إسرائيل، يقول الكاتب فى دراسته إن إسرائيل مجبرة منذ عام على إجراء تقييما جديدا وشاملا للوضع على الحدود المصرية، وذلك بعد ثورة يناير 2011.
وتبنت إسرائيل إجراءات دفاعية جديدة على طول حدودها مع مصر، حيث عزز جيشها من انتشاره على طول حدود سيناء. كما أن صعود جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة فى مصر يثير المزيد من القلاقل بالنسبة إلى إسرائيل.
ويختتم الكاتب دراسته بتوصيات سياسية لحل المشكلات التى يشكلها الوضع الراهن فى سيناء. وتتضمن هذه التوصيات نشر الجيش المصرى على طول الحدود مع إسرائيل، وتعزيز التنسيق المصرى – الإسرائيلى، وتعديل دور القوة متعددة الجنسيات والمراقبين؛ وهى قوات دولية مسئولة عن حفظ السلام بين البلدين، بالإضافة إلى تغيير أولويات المساعدات الأمريكية للحيلولة دون تفجر الأوضاع فى سيناء.
الدراسة بالتفصيل:
شكلت شبه جزيرة سيناء الشاسعة والقاحلة –على مدار التاريخ وحتى وقت قريب– منطقة عازلة قوية بشكل أساسى بين حكام وادى النيل وأعدائهم الحاكمين للمشرق العربى وبلاد الرافدين. وفى الكتابات التاريخية المصرية الحديثة، غالبا ما يُشار للمنطقة على أنها "صندوق الرمال"، بينما وصف الكاتب الإستراتيجى الإسرائيلى إيغال ألون –فى كتاب له عام 1959 يصف المعادلة العسكرية الإقليمية– شبه جزيرة سيناء بأنها "شاشة الرمال".
وعلى الرغم من أن شبه جزيرة سيناء فى حد ذاتها لم تعتبر على الإطلاق جائزة مرغوبا فيها من جانب الجيوش الغازية، إلا أنها مثلت بالفعل طريقا لعبور قوات على طول الطريق القديم الذى كان يربط منطقة "الهلال الخصيب" بشمال إفريقيا. والاستثناءات الوحيدة كانت الغزو الإسرائيلى لسيناء فى عام 1956 –والذى انطوى على المحاولة القصيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق ديفيد بن جوريون لضم هذه المنطقة كجزء من "مملكة إسرائيل الثالثة"، وهى خطة أحبطها الرئيس الأمريكى الأسبق دوايت أيزنهاور– والمستوطنات الإسرائيلية التى تم إقامتها بعد حرب 1967 فى شمال شرق منطقة ياميت وعلى طول قطاع أوفيرا على ساحل خليج العقبة (وتم تفكيك جميع هذه المستوطنات فى أعقاب معاهدة السلام الإسرائيلية – المصرية فى عام 1979).
وقدّر محللون مصريون أن ما يقرب من 90% من الغزوات على مصر على مر العصور جاءت عبر سيناء. وغالبا ما يصف خبراء عسكريون مصريون هذه المنطقة على أنها "البوابة الشرقية" لمنطقة دلتا النيل. وعلى الرغم من وقوعها تحت سيطرة مصرية مُفترضة عبر أغلب تاريخها، إلا أن شبه جزيرة سيناء لم تندمج حقيقة فى الأرض الأصلية لمصر. ومع ندرة السكان فيها، حيث لم يزيد عدد السكان المسجلين فى سيناء عام 1947 عن أربعين ألف نسمة، جرت العادة على إهمال سيناء. وتم السماح للبدو من أبناء سيناء الأصليين بالاحتفاظ بثقافتهم الخاصة، وحتى فى الوقت الحالى، لم يتبنَ البدو بعد اللهجة المصرية من اللغة العربية.
وفى الواقع، ظلت سيناء –التى تبلغ مساحتها 61 ألف كيلو متر مربع، وهو ما يعادل تقريبا ثلاثة أضعاف مساحة إسرائيل– منطقة منعزلة خلال أغلب فترات التاريخ، وبعيدة عن الانتفاضات الكبرى فى العالم العربى.
ولا يوجد فى سيناء حكومة خاصة بها، ولم تلعب شبه الجزيرة دورا مستقلا فى تشكيل مسار الأحداث. ويمثل البدو فى سيناء –الذين يزيد عددهم حاليا عن ثلاثمائة ألف نسمة– ما يقرب من 70% من إجمالى سكان سيناء، حيث إن الباقى من الفلسطينيين (10%)، ومهاجرين من منطقة قناة السويس (10%)، وسلالات من البوسنة وتركيا ومستوطنين آخرين من الفترة العثمانية، يقطنون فى الأساس بالعريش (10%). واتخذت هذه الجماعات كلها وضع المتفرجين بدلا من وضع الممثلين على مسرح التاريخ، وانغمست فى العديد من الحروب بين القبائل، والتى استمر بعضها لعدة عقود من الزمن. وحتى فى الحروب بين إسرائيل ومصر والتى أعقبت حرب عام 1948، لم ينخرط البدو فى القتال، على الرغم من أن الجانبين تمكنا من تجنيد بعض من أعضاء القبائل لأغراض استخباراتية ولعمليات سرية خلف الخطوط الأمامية.
ومع ذلك، خضعت سيناء مؤخرا لتغيير سريع وملحوظ، خاصة قبيل سقوط نظام حسنى مبارك فى القاهرة وبعده. ويحول سكان شبه الجزيرة المنطقة إلى لاعب شبه مستقل على الساحة الإقليمية، حيث اضطلع البدو لأول مرة بدور مستقل فى فرض السيطرة على شبه الجزيرة وعلاقاتها مع المناطق المجاورة. ونتيجة لذلك، تبرز سيناء على نحو سريع على أنها منطقة ساخنة جديدة فى الصراع العربى – الإسرائيلى المُعقد، وبها بنية تحتية مسلحة مُوسعة تجعل منها جبهة جديدة للصراع المحتمل. ويحتل البدو فى الوقت الحالى وضعا للتأثير على العلاقات الإسرائيلية – المصرية، حيث يستهلون أزمات لا تريدها أى من الحكومتين فى مصر وإسرائيل، فى الوقت الذى يؤثرون كذلك على الصراع بين إسرائيل وحماس.
وبعد ثلاثة عقود من التوقيع على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل فى عام 1979، يعتقد بعض القاعدة العسكريين الإسرائيليين أن الحدود مع مصر الممتدة لمسافة 240 كيلومترا لم تعد حدود سلام، بل على العكس حدود بها بعض من السلام. وقد أصبح الخطر من اندلاع نزاع على تلك الحدود قلقا مستمرا، بالإضافة إلى الخطر الخاص بأن تطورات محلية فى سيناء قد تُفسد السلام الثنائى الهش بين مصر وإسرائيل، الذى يواجه تحديا بالفعل يتمثل فى المطالب المتزايدة بعد حسنى مبارك بإلغاء أو مراجعة أو تعديل المعاهدة وما تبعها من جميع الاتفاقيات. وهذا يعنى أن شبه جزيرة سيناء تتحول إلى نوع من الهاوية التى تهدد بابتلاع مثلث السلام بين مصر وإسرائيل والأردن.
وعلاوة على ذلك، تتحول أجزاء من سيناء لكى تشبه امتدادا للساحة الفلسطينية، حيث إن جماعات بعينها تشكل علاقات وثيقة على المستويات العسكرية والسياسية والأيديولوجية والاقتصادية مع قطاع غزة المجاور. وبسبب تردد السلطات المصرية فى تأكيد سيطرتها على شبه الجزيرة، فقد نظرت حركة حماس إلى المنطقة على إنها مجال للنفوذ، حيث تتقارب مع سكان سيناء وتبدى ثقة متزايدة بقدرتها على الحصول على قدر هائل من الحرية للمناورة بأنشطتها فى سيناء.
ومعالجة هذه المشكلات ليس بالأمر السهل وستتطلب إجراءات مشتركة وأحادية الجانب من قِبل إسرائيل ومصر على جبهات عديدة. ولكن ضمان نجاح هذه الجهود – وإعطاء أولوية مناسبة للمساعدات الأمريكية لدعمها – يتطلب تفهما كاملا للأمور الراهنة، والعوامل التى أفرزتها، والمصالح الوطنية المحفوفة بالمخاطر إذا لم يتم القيام بعمل عاجل ومستهدف.
المحور الأول: شبكات مسلحة بارزة تنشط داخل سيناء:
تناول الخبير الإسرائيلى فى سياق المحور الأول من محاور الدراسة الحديث عن الشبكات المسلحة داخل سيناء، وأشار بقول "وسع عدد متزايد من تلك الشبكات من وجودها وأنشطتها فى أغلب أرجاء سيناء. وتمثل هذه الشبكات –بعضها سرى، وبعضها له حضور شعبى بارز– عصابات تهريب قديمة تحولت بشكل جزئى إلى العدوان ضد اسرائيل، وفصائل بدوية تشكلت حديثا وملتزمة بالمناهج الجهادية السلفية، ومنتسبين لمنظمات فلسطينية فى غزة؛ من بينها حماس والجهاد الإسلامى ولجان المقاومة الشعبية وجيش الإسلام بزعامة ممتاز دغمش.
كما كشفت السلطات المصرية تسللا لعناصر حزب الله إلى سيناء، واعتقلت العديد من أعضاء المنظمة وأصدرت أحكاما بالسجن بحقهم وصلت إلى 15 عاما فى عام 2010. ولكن أغلبهم تمكنوا من الهروب من سجنهم فى أثناء الثورة المصرية فى يناير 2011.
ومع ذلك، نفت مصر على نحو ثابت التقارير بشأن وجود لتنظيم القاعدة فى سيناء. وفى أغسطس 2011، ظهر إعلان عن تأسيس ما يزعم بأنه "تنظيم القاعدة فى شبه جزيرة سيناء" على المواقع الاليكترونية الرسمية، إلا أنه سرعان ما اختفى. كما تم توزيع منشورات تحمل هذا الإعلان فى أرجاء مدينة العريش الواقعة على الساحل الشمالى لسيناء.
وكرر هذا الإعلان شكاوى للبدو قائمة منذ فترة طويلة حيال سلوك قوات الأمن المصرية ودعت إلى صراع ضد اليهود. ومن المحتمل أن تكون إحدى الفصائل السلفية فى سيناء هى المسئولة عن توزيع المنشورات، وسيلة للتباهى بأنها أقامت علاقات بالفعل مع قيادة التنظيم فى الخارج. وعلى الرغم من أن الوجود الفعلى لمثل هذه العلاقات مشكوك فيه، إلا أن أيمن الظواهرى زعيم تنظيم القاعدة والقيادى السابق لتنظيم الجهاد الإسلامى المصرى أصدر بيانا فى أكتوبر 2011 يشيد فيه بالهجمات على إسرائيل والتى وقعت على حدودها مع مصر يوم 18 أكتوبر 2011 والتخريب المتكرر لخط أنابيب الغاز الطبيعى لإسرائيل. وفى 20 ديسمبر 2011، أعلن بيان آخر عن تأسيس جماعة جديدة فى سيناء مرتبطة بتنظيم القاعدة، تُدعى "أنصار الجهاد"، ومُخصصة للصراع ضد اليهود.
وعلى مدار العشرين عاما الماضية، كانت سيناء أيضا بمنزلة الممر الذى يسلكه جهاديون فلسطينيون الساعين وراء التسلل إلى الضفة الغربية أو إسرائيل عبر النقب، كما اتضح فى التفجير الذى وقع فى عام 2007 ونفذه عضو بالجهاد الإسلامى بأحد الأفران فى إيلات بإسرائيل. ومع ذلك، تحول التركيز مؤخرا إلى جماعات بدوية فى سيناء تهدد استقرار المنطقة الحدودية، بدعم فلسطينى أو دون. ويكشف تحليل هجمات 18 أغسطس 2011 –التى أسفرت عن مصرع ثمانية إسرائيليين وإصابة 31 آخرين– عن أن 12 من المنفذين كانوا من سكان سيناء، وأربعة منهم كانوا فى مهمة لتنفيذ هجوم استشهادى. ولم تكن هذه الحالة الأولى التى يتسلل فيها استشهاديون من سيناء إلى إسرائيل مرتدين أحزمة ناسفة بهدف قتل إسرائيليين. كما أنها كانت المرة الأولى التى يتم فيها إطلاق صواريخ مضادة للطائرات من جانب أشخاص من سيناء ضد مروحيات إسرائيلية. وبالإضافة إلى ذلك، عكست هذه العملية الفاصلة عزم البدو على تصعيد هجوم بالقرب من الموقع رقم 421 لقوات الأمن المركزى المصرية (شمال العريش)، بينما تأكد المتسللون الفلسطينيون على الدوام فى الماضى بالابتعاد عن المواقع المصرية.
والهجوم فى حد ذاته كان الأكثر تعقيدا من سيناء، حيث وظّف منفذوه تكتيكات جديدة لنصب كمين واستخدام مواد تفجيرية متقدمة.
وبالنظر إلى اختيار الهدف من الهجوم –على طول الطريق رقم 12 شمال إيلات مباشرة– فمن المحتمل أن هدف المهاجمين كان اختطاف إسرائيلى أو أكثر. ولكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الخطة المبدئية دعت إلى إخفاء رهائن فى سيناء أو نقلهم عبر أنفاق رفح إلى غزة.
وما جاء عقب الهجوم أظهر أيضا التهديد الشديد الذى تشكله الحوادث على حدود سيناء على سلام مصر مع إسرائيل. واحتجاجا على مقتل خمسة من رجال الشرطة المصريين خلال إطلاق النار، قام آلاف المصريين باقتحام السفارة الإسرائيلية لدى مصر يومى التاسع والعاشر من سبتمبر 2011. وقامت قوة كوماندوز مصرية بإنقاذ أفراد الحرس الإسرائيلى المحبوسين داخل مقر السفارة. وأجبر هذا الحدث إسرائيل على إجلاء طاقم سفارتها لدى القاهرة لأشهر قليلة وسط مجموعة من المطالب من مختلف الساسة المصريين بإغلاق السفارة الإسرائيلية واستدعاء سفير مصر لدى تل أبيب. وصاحب هذه الدعوات العديد من التعبيرات عن السخط تتعلق بمعاهدة السلام واقتراحات بتعديل "البروتوكول العسكرى" الذى يمنع إقامة وحدات للجيش المصرى بالقرب من حدود سيناء.
كما كان الهجوم الذى وقع فى أغسطس 2011 مختلفا عن النموذج الذى تم تطبيقه فى العمليات المسلحة البدوية السابقة، والتى استهدفت جميعها أهدافا داخل سيناء بدلا من إسرائيل. وعلى سبيل المثال، كانت الهجمات الدموية التى وقعت ما بين عامى 2004 و2006 موجهة ضد منتجعات سياحية على طول خليج العقبة: شرم الشيخ ودهب ونويبع وطابا. وكان أغلب الذين لقوا مصرعهم فى هذه الهجمات من المصريين، بينما كان الباقى من السياح الأجانب؛ من بينهم إسرائيلى. وكان مفجرون انتحاريون يتم توظيفهم فى ذلك الوقت، عقب النموذج الذى أرسته الانتفاضة الفلسطينية الثانية. وقبل ذلك بسنوات – فى 5 أكتوبر 1985 – لقى سبعة سياح إسرائيليين مصرعهم فى جنوب سيناء فى حادث فردى نفذه سليمان خاطر من جنود قوات الأمن المركزى المصرى، والذى قتل فى وقت لاحق بالسجن. وأعلنت جماعات معارضة مصرية أن خاطر بطل قومى.
ووفقا للسلطات المصرية، كان منفذو هجمات ما بين عامى 2004 و2006 أعضاء فى جماعة "التوحيد والجهاد" السرية التى أسسها فى عام 2000 خالد مساعد، وهو طبيب أسنان من قبيلة السواركة مع صديقه ناصر الملاحى، وهو فلسطينى من سيناء.
وكانت هذه المنظمة البدوية –الفلسطينية المختلطة على ما يبدو أول حركة مسلحة يتم تشكيلها فى شبه جزيرة سيناء من جانب نشطاء من أهل سيناء– وهو الجيل الأول من البدو الذين يتبعون على نحو نشط معتقداتهم الجهادية السلفية. وعلى الرغم من أنهم يتخذون من شمال شرق سيناء مقرا لهم، إلا أنهم بدأوا صراعهم المسلح ضد النظام المصرى على السواحل الجنوبية الغربية لشبه الجزيرة، حيث من الممكن أن يشكلوا تهديدا على مصالح اقتصادية حيوية. وفى النهاية، سحقت قوات الأمن المصرية جماعة "التوحيد والجهاد" من خلال حملة اعتقالات موسعة –تم خلالها اعتقال أكثر من ثلاثة آلاف من رجال القبائل– وعمليات اقتحام لمخابئ أعضاء الجماعة.
كما لقى زعماء الجماعة –من بينهم الزعيم العسكرى لها سالم خضر الشنوب– مصرعهم. ولكن أغلب الذين صدرت بحقهم أحكام بالسجن إما هربوا أو تم إطلاق سراحهم فى أثناء ثورة يناير 2011، مما يسمح لهم بالعودة إلى سيناء. وانضم عدد قليل منهم إلى الجماعات السلفية الجديدة فى سيناء، بالإضافة إلى العشرات –إن لم يكن الآلاف– من النزلاء الهاربين ذوى التوجه الجهادى من مناطق أخرى من مصر، خاصة محافظتى الدقهلية والشرقية فى شرق الدلتا.
وتُعتبر جماعة "التوحيد والجهاد" نتاجا للمذاهب السلفية التى انتشرت بين البدو منذ نهاية فترة الثمانينيات من القرن العشرين. وجاءت هذه المذاهب إلى سيناء من جانب طلاب بدو عائدين من جامعات من دلتا مصر، فضلا عن رجال القبائل الذين قضوا سنوات للعمل فى السعودية. وبما يتعارض مع ثقافة البدو، بدأت المنظمات السلفية فى سيناء السماح بزيجات بين أعضاء من قبائل متنافسة. كما اتبع السلفيون مقاطعة جزئية مع التعاملات مع المسئولين المصريين، وتحدوا سيادة المشايخ فى المجتمع البدوى وشنوا حملة للتعليم والوعظ الإسلامى. ومثال على ذلك، كان سليمان أبو أيوب –وربما يكون مستمرا– أبرز متحدث رسمى باسم الحركة السلفية فى سيناء.
وقبل هذا التحول الملحوظ، لم يكن معروف عن بدو سيناء ورعهم الدينى. وعلى الرغم من أنهم اعتبروا نفسهم على الدوام بأنهم مسلمين أصحاء، إلا أنهم أبقوا على مسافة بينهم وبين التيارات الأصولية فى العالم العربى.
فعلى سبيل المثال، كتب نعوم شقير –وهو ضابط مخابرات بريطانى مولود فى سوريا– فى كتابه عن سيناء عام 1916 قائلا إن البدو يعرفون بالكاد عن الصلاة وتعاليم الإسلام.
وبعبارة أخرى، يمثل البروز الأخير نسبيا لجماعات إسلامية مسلحة فى شبه جزيرة سيناء تطورا لم يسبق له مثيل بعيد عن العادات القائمة منذ فترة طويلة للبدو. ويتحول الدين إلى سمة مهمة فى النظرة العالمية للعدد المتزايد لرجال القبائل، والذى انعكس فى إقامة مئات المساجد الجديدة، وهى حملة مولتها الحكومة المصرية فى الأساس.
وبحلول مطلع عِقد التسعينيات من القرن العشرين، انخرط السلفيون فى مواجهة حادة مع الطرق الصوفية التى تأسست سابقا فى سيناء. وقبل ذلك بسنوات، جلب مشايخ أمثال محمد الصافين، وهو فلسطينى– الرسالة الصوفية إلى البدو، وبدأ الكثير من رجال القبائل الانضمام إلى طوائف صوفية فى أواخر عِقد الخمسينات من القرن العشرين. ونظر السلفيون بشكل واضح إلى الممارسات الصوفية على أنها غير إسلامية، بينما نزع الصوفيون إلى اتهام السلفيين بأنهم وهابيون يتلاعب بهم الغرب.
وأدت هذه المواجهة إلى انقسامات داخل وحدات قبلية وعائلية، مقوضة بذلك البناء الاجتماعى للكثير من الطوائف البدوية. ومحت شبكات التهريب واسعة النطاق التى برزت فى منتصف العقد الأول من القرن الحادى والعشرين التسلسل الهرمى التقليدى، محولة بذلك السلطة الفعلية من كبار زعماء القبائل إلى إسلاميين وقادة جماعات. وبإمكان المرء أن يجد فى الوقت الحالى، وفى جميع أنحاء شبه جزيرة سيناء، معسكرات سلفية جديدة مؤلفة من بدو تركوا قبائلهم لممارسة حياتهم اليومية وفقا لمعتقداتهم الإسلامية الجديدة.
ومن ناحية القيام بالعمليات، تعتمد العناصر الجهادية السلفية على البنية التحتية الواسعة التى تخدم تجارة التهريب، فضلا عن وجود منظمات فلسطينية فى شبه جزيرة سيناء. وفى أوائل عام 1995، وبعد فترة قصيرة من تأسيس السلطة الفلسطينية، شرعت حماس فى نشاط سرى فى سيناء، خاصة بين السكان الفلسطينيين للمنطقة الساحلية بين رفح والعريش. وانتهجت حركة الجهاد الإسلامى وجماعات أخرى الطريقة نفسها بعد ذلك بفترة قريبة. وقام الكثير من المناهضين لاسرائيل بحفر أنفاق تحت معبر فيلادلفيا الواقع تحت سيطرة إسرائيل، مما سمح بعبور الأسلحة من سيناء إلى غزة. ولم يكن بمقدور القوات الإسرائيلية على الإطلاق تدمير جميع الأنفاق، وبشكل ملحوظ للغاية فى الضواحى ذات الكثافة السكانية لرفح.
وبالإضافة إلى ذلك، غالبا ما أرسلت حماس رجالها عبر هذه الأنفاق إلى سيناء، ثم إلى إسرائيل والضفة الغربية، متجنبة بذلك المراقبة الإسرائيلية الصارمة للمعابر الحدودية والحواجز الأمنية التى تحيط بغزة نفسها.
ولكن التزايد الحقيقى فى مثل هذا النشاط جاء بعد فك الارتباط الإسرائيلى عن غزة فى عام 2005 وما تبعه من سحب القوات من الحدود بين سيناء وغزة، وهو ما وصفه أحد النشطاء السياسيين البدو "أشرف العنانى" بقوله "كرة من النار بدأت التدحرج فى شبه الجزيرة". وارتفعت أحجام التجارة غير الشرعية وتهريب الأسلحة إلى مستويات قياسية جديدة، بل وأصبحت قطاعات أكبر من سكان شمال سيناء مرتبطة بغزة، ووقعت تحت النفوذ السياسى والأيديولوجى لحماس. وتزايد التعاطف والتأييد للصراع الفلسطينى ضد إسرائيل؛ ووفقا لأشرف العنانى، كلما اقترب المرء من حدود غزة، كلما نزع الناس بصورة أكثر تجاه حماس. وباختصار، فعلى الرغم من أن أرائيل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلى فى ذلك الوقت أعرب عن أمله فى أن تضطلع القاهرة بمسئولية غير رسمية بشئون غزة، إلا أن الانسحاب الإسرائيلى من غزة سمح بدلا من ذلك لحماس بالتقارب أكثر إلى المصريين.
ومع سهولة الوضع نظرا للتزايد الملحوظ فى عدد الأنفاق –والذى لا يقل عن 1200 نفق– كان توسع نشاط حماس وأنشطة فلسطينية أخرى فى سيناء لم يسبق له مثيل. وفى الحقيقة، كثيرا ما انعكس تدفق الأسلحة، حيث تنتقل الأسلحة من غزة إلى سيناء. فعلى سبيل المثال، لاحظ المراقبون –فى أثناء ثورة يناير 2011 فى مصر– طلبا هائلا على الأسلحة النارية فى شبه جزيرة سيناء. وحتى فى أواخر عام 2010 –مع اقتراب الإطاحة بمبارك– كانت حماس تطلق صواريخ جراد وصواريخ القسّام بعيدة المدى. وفى 6 أكتوبر 2010، تعرض ميناء ""إيلات" وميناء "العقبة" الأردنى لقصف بوابل من الصواريخ انطلقت من سيناء. ووقعت الهجمات على الرغم من التحذيرات المصرية الصارمة لحماس بعدم استخدام شبه الجزيرة كمنصة لشن هجمات على إسرائيل. وفى رد أصبح المتعارف عليه منذ ذلك الحين، تجاهل القادة العسكريون لحماس الطلب المصرى ونفوا فى وقت لاحق مسئولية الحركة عن الهجوم، على الرغم من أن جهازى المخابرات المصرى والإسرائيلية كان لديهما معلومات أكثر من الكافية لإثبات مسئولية حماس.
وتُعتبر سيناء محصنة من الضربات الوقائية والانتقامية لإسرائيل. وتعلم المنظمات الفلسطينية جيدا أن مؤامراتها العديدة لقتل أو اختطاف سياح إسرائيليين على سواحل جنوب سيناء قد تم إحباطها من خلال تبادل وثيق وعملى للمعلومات الاستخباراتية بين مصر وإسرائيل. وعلى الرغم من ذلك، إلا أن هذه المنظمات الفلسطينية واثقة على نحو مبرر من التسليم بأن إسرائيل ستتجنب القيام بأى ضربات عسكرية استباقية داخل سيناء خوفا من تعريض معاهدة السلام مع مصر للخطر. ونتيجة لذلك، فقد واصلت حماس تواجدها فى جميع أرجاء شبه الجزيرة، سواء بين الطوائف الفلسطينية للممر الرابط بين العريش ورفح أو فى معسكرات البدو.
قامت حماس بتأسيس مكتب تنفيذى سرى فى القاهرة، والتى تميل السلطات المصرية إلى تجاهله. ويرتبط هذا المكتب بكل من قيادة كتائب عز الدين القسّام فى غزة والمجلس العسكرى لحماس فى دمشق. وحتى الآن، لم ترد مصر بشكل علنى على عروض حماس لتنسيق الأنشطة فى شبه جزيرة سيناء.
أصبحت سيناء منطقة لتزويد المؤن للقوات العسكرية لحماس فى غزة. وتنتقل مواد مزدوجة الهدف لإنتاج المتفجرات بانتظام إلى شبه جزيرة سيناء، مما يسمح لحماس بوضع جزء كبير من صناعتها العسكرية بعيدا عن إسرائيل. ولم يتم القيام بعمل حتى الآن للتعامل مع هذه الظاهرة الجديدة نسبيا.
وشبكة حماس فى سيناء مسئولة كذلك عن نقل أسلحة إلى غزة، أغلبها مُهربة من إيران عبر السودان إلى مصر، ومن هناك، عبر قناة السويس وشبه جزيرة سيناء. كما وصلت أسلحة من منطقة البلقان من وقت لآخر. وهذا الفيض من الأسلحة –الذى يتضمن صواريخ متقدمة من طراز فجر-3 وفجر-5 القادرة على الوصول إلى ضواحى تل أبيب– قد تم تكملته بمعدات مهربة من ليبيا، مثل صواريخ روسية متقدمة مضادة للطائرات من طراز إس إيه-14 وإس إيه-16 وإس إيه-18، والتى قد تشكل تهديدا على الطائرات الإسرائيلية وميناء إيلات الجوى. كما أصبح الجيل الثالث من الصواريخ المضادة للدبابات متاح فى هذه المنطقة، ومن الممكن استخدامها لاستهداف مدينة إيلات، فضلا عن قرى قريبة من الحدود بين سيناء وإسرائيل وكذلك السفن المبحرة عبر مضيق تيران عند مدخل خليج العقبة.
وعلى نحو أكبر، يُقدر مصدر بدوى أن العدد الإجمالى للأسلحة فى شبه جزيرة سيناء لا يقل عن مائة ألف قطعة من جميع الأنواع. ونظرا للطلب المتزايد، فقد وصلت الأسعار إلى مستويات قياسية جديدة، حيث بلغ السعر الحالى للبندقية الآلية الثقيلة "جيرانوف" خمسين ألف جنيه مصرى (8.300 دولار أمريكى).
إن المزج بين شبكات فلسطينية وبدو مسلحين من الجهاديين السلفيين وبنية تحتية وأنشطة موسعة للتهريب، حول شبه جزيرة سيناء إلى ملاذ آمن لجهاديين يحملون أسلحة ثقيلة ومتقدمة ويعملون بقدر أكبر من الحرية. وبعبارة أخرى، أصبحت سيناء مستودع ضخم للأسلحة وبها مئات – وربما آلاف – المسلحين العاقدين العزم على القتال من أجل قضاياهم. ووفقا لأحد التقديرات المصرية، تأوى المنطقة فى الوقت الحالى ما يقرب من 1.600 من المسلحين الجهاديين السلفيين. ولخصت الكاتبة الصحفية المصرية سكينة فؤاد الوضع فى سيناء بشكل صحيح على أنه "قنبلة زمنية موقوتة فى انتظار التفجير".
المحور الثانى: سلطة البدو المتنامية:
تناول الخبير الإسرائيلى فى سياق المحور الثانى من محاور الدراسة الحديث عن بدو سيناء، وأشار بقوله "تسارع انتشار معاقل المسلحين فى سيناء وزيادة الميليشيات القبلية المسلحة بصورة كبيرة مع انهيار قوات الشرطة المصرية فى جميع أنحاء سيناء خلال ثورة يناير 2011. وكان البدو فى شمال سيناء من ضمن الأوائل الذين انضموا للدعوات بإسقاط نظام مبارك وسارعوا لتدبير هجمات على العديد من مراكز الشرطة. وتعقب بدو مسلحون يركبون سيارات نصف نقل ودراجات بخارية أفراد قوات الأمن المركزى المصرية وأجبروهم على ترك قواعدهم والهروب. وتعرضت مستودعات الأسلحة والذخيرة إلى النهب، بينما تم إضرام النيران فى العديد من مراكز الشرطة. ولقى ما لا يقل عن مائة شخص –من بينهم الكثير من رجال الشرطة– مصرعهم فى مصادمات وقعت فى شهرى يناير وفبراير 2011. وسرعان ما فرض البدو هيمنتهم على محافظة شمال سيناء، وعجزت السلطات المصرية منذ ذلك الحين عن الاستئناف الفعّال لعملياتها فى مجموعات الشرطة فى المنطقة والبالغ عددها ثلاثة عشر مجمعا.
وفى الأشهر التى أعقبت الإطاحة بمبارك، عزز البدو من موقفهم من خلال القيام بالمزيد من الأعمال العدوانية. ففى 29 يوليو 2011، هاجمت قوة قوامها مائتان من البدو مركزا للشرطة فى مدينة العريش. كما أقامت جماعات بدوية مسلحة أخرى حواجز على الطرق على المحور الرئيسى لشبه جزيرة سيناء، لإظهار سيادتها العسكرية. وكثيرا ما قامت هذه الجماعات أيضا بقطع الطريق المؤدى إلى معبر العوجة التجارى على الحدود مع إسرائيل، وفى مناسبات عديدة، قطعت الطريق المؤدى إلى القاعدة الرئيسية للقوة متعددة الجنسيات والمراقبين، وهى قوات دولية مسئولة عن حفظ السلام بين مصر وإسرائيل. وتحولت منطقتى "وادى عمر" و"جبل الحلال" ومناطق أخرى إلى قواعد محصنة، وقام البدو من وقت لآخر باختطاف رجال شرطة مصريين. كما قام رجال قبائل بتفجير خط أنابيب الغاز الذى يمد إسرائيل والأردن بالغاز الطبيعى عشر مرات، مما تسبب فى فترات انقطاع طويلة لتدفق الغاز المصرى وخسائر تُقدر بحوالى نصف مليار جنيه مصرى (80 مليون دولار أمريكى).
وكانت بعض المتفجرات المزروعة فى محطات ضخ الغاز أو بطول خط أنابيب الغاز متقدمة إلى حد ما. فعلى سبيل المثال، تم تجميع شحنة تفجيرات بمهارة فى أحدى المرات لتفجير خط الغاز المؤدى إلى إسرائيل دون تعطيل الخط المغذى للأردن.
وبالإضافة إلى ذلك، نظم الكثير من البدو مظاهرات مسلحة للاحتجاج على سوء معاملة السلطات المصرية وقدموا قوائم مطولة من الشكاوى والمطالب. وتتضمن هذه القوائم إقالة محافظى ومديرى أمن سيناء، والاعتراف بامتلاك البدو للأرض، ومنح حق المواطنة لأكثر من مائة ألف بدوى لا يزالون محرومين من هذا الحق، وإلغاء القائمة المدرج عليها عشرة آلاف من رجال القبائل المطلوبين أمنيا، وإطلاق سراح البدو المعتقلين، وتوفير خدمات عامة للبدو، وما إلى ذلك. وعلى الرغم من أن البدو يصرون على إنهاء إهمال الحكومة المصرية لمطالبهم، إلا أنهم يعملون فى الوقت نفسه لتقليص تدخل الدولة فى شئونهم. ولا يزال البدو حقا يواصلون السعى وراء قبول القاهرة الفعلى لوضعهم المتبع بشبه حكم ذاتى. وعلى الرغم من أنهم يطالبون بالمزيد من الاستثمار فى سيناء والمزيد من فرص العمل ومنشآت أفضل فى مجالى الصحة والتعليم، إلا أنهم يطالبون أيضا بتقليص تنفيذ القانون وإنهاء تدخل القاهرة فى تحديد مشايخهم ونوابهم فى البرلمان المصرى.
وفى الماضى، اتهم مسئولون مصريون فى شبه جزيرة سيناء البدو بأنهم "يهود سيناء"، وأعربوا عن تشككهم فى ولائهم السياسى، وألمحوا إلى علاقات الصداقة بينهم وبين الإسرائيليين الذين سيطروا على المنطقة بين عامى 1967 و1982. ومن جانبهم، نظر البدو إلى وصول مسئولين رسميين من مصر إلى سيناء على أنه شكل جديد من الاحتلال. ولم يؤدِّ قمع الأجهزة الحكومية المختلفة للبدو، خاصة من جانب قوات الأمن المركزى، إلا إلى توسيع الفجوة بين بدو سيناء والقاهرة، مثلما فعلت جهود القاهرة لفرض مرشحيها كشيوخ لقبائل سيناء ونواب فى مجلس الشعب المصرى.
وعلى الرغم من التوترات المتزايدة والمصادمات المسلحة بين الجانبين، إلا أنه لم يتم القيام بجهد ممنهج لكبح بروز اقتصاد بدوى موازى يرتكز على التهريب وأشكال أخرى من التجارة غير القانونية. وبنهاية عام 2011، بلغ الحجم السنوى لهذا الاقتصاد ما يزيد عن ثلاثمائة مليون دولار أمريكى.
وبكل تأكيد، يعتبر التهريب عملا تقليديا للبدو، وليس تطورا جديدا. وتركز مثل هذا النشاط –لعشرات السنين– على نقل المخدرات وبضائع أخرى عبر الحدود الإسرائيلية بدون دفع جمارك وضرائب. ولم تصعد مصر ولا الأردن من إجراءاتهما لكبح التهريب إلى ومن إسرائيل؛ حيث كانت السياسة القائمة فى البلدين هى غض الطرف عن هذه المسألة.
وفى الحقيقة، كثيرا ما اشترك مسئولون مصريون ورجال شرطة فى سيناء فى عمليات التهريب، حيث ينالون نصيبهم من هذا العمل. كما أن غياب الحواجز الأمنية جعل العملية بأكملها سهلة بصورة نسبية.
وبحلول منتصف فترة التسعينيات من القرن العشرين، تم تكملة هذه الأنشطة بعمليات تهريب عبر أنفاق غزة. وتم رسم طرق جديدة، وتطورت عصابات التهريب بشكل تدريجى إلى شبكات أوسع غطت أغلب أنحاء شبه جزيرة سيناء وتحولت على نحو متزايد إلى أسلحة وذخيرة بالإضافة إلى مخدرات وما شابهها. وأصبحت قبائل مثل الرميلات والسواركة والترابين معتمدة على تجارة التهريب، وأقامت تحالفات مع عشائر فى رفح وسكان فلسطينيين فى سيناء. وتحكمت كل قبيلة فى القطاع الخاص بها، وتنال نصيبها من أى شخص يطلب الأذن بالعبور.
وكما سبق وصفه، انتعشت تجارة التهريب على نحو متزايد منذ انسحاب إسرائيل من غزة فى عام 2005، مما جلب رخاء ماديا لم يسبق له مثيل للكثير من البدو. ويتضح هذا الرخاء المادى الجديد –من ضمن أشياء أخرى– فى امتلاك العديد من المركبات، ممثلة بشكل أساسى فى سيارات نصف نقل وسيارات جيب وشاحنات كبيرة. ومع تزويدها فى الغالب ببنادق آلية أو قذائف آر بى جى، فقد أصبحت هذه الشاحنات رمزا لقوة البدو، وتوضح عزمهم على الدفاع عن حالة الرخاء الجديدة التى يعيشونها ورفضهم لسيطرة مصر وتدخلها فى شئونهم.
وربط انتعاش تجارة التهريب حقا بدو سيناء من الناحية الاقتصادية بقطاع غزة، الخاضع لحكم حماس منذ عام 2007. ومع تنامى الاعتماد المتبادل بين المنطقتين، تبع العلاقات الاقتصادية نفوذ سياسى وأيديولوجى. وأصبح البدو أكثر تعاطفا مع القضية الفلسطينية ومذهب حماس، وأكثر عداءً لإسرائيل لأنها عملت على وقف التهريب عبر الأنفاق.
وعلى هذه الخلفية، سرعان ما برزت جماعة الإخوان المسلمين فى مصر فى عام 2011 كأبرز حزب سياسى فى القطاع الساحلى المستقر على حدود البحر المتوسط.
وبالإضافة إلى ذلك، برزت جماعات سياسية أصغر وجديدة على نحو غير متوقع فى منطقة العريش تحت مسميات "شباب سيناء" و"ثوار سيناء" و"حكومة ظل سيناء".
وتسعى هذه الجماعات إلى إعادة تحديد العلاقة بين مصر والبدو وعرضت خدماتها للقيام بدور الوسيط بين الحكومة المصرية وشبه جزيرة سيناء. وإدراكا منها للثمن المحتمل لأى تجدد للصدام مع القبائل فى سيناء فى حقبة ما بعد حسنى مبارك، تحمست السلطات المصرية إلى فتح حوار مع قادة البدو، على الرغم من أنه لم يسفر حتى الآن عن نتائج حقيقية. وفى غضون ذلك، لم تتحقق وعود رسمية بالتعامل مع الشكاوى الرئيسية للبدو، ولا تزال الحكومة المصرية تعتبر المئات من رجال القبائل على أنهم خارجون على القانون، على الرغم من أنها لم تتعقبهم على نحو نشط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.