الأستاذ الدكتور.. الأمام الأكبر.. شيخ الجامع الأزهر.. ألقاب ومواقع لها فى النفس وقع, وأى وقع, ولكن ما يفعله الرجل يجعلنا لا نشعر هذا الأثر الكبير لما يحمله من ألقاب, وأحب قبل أن أطرح مسألة الفقه الطنطاوى أن أقر أمام القراء بأننى لست عالما أزهريا, ولست فقيها, ولكننى أحمده سبحانه وتعالى على نعمة العقل التى من بها على بنى آدم فجعلته أهلا لتقييم الأفعال وتبين حسنها من سيئها. والقصة تبدأ مع خبر قرأته فى إحدى الصحف عن فرض كتاب "الوسيط في الفقه الميسر على المذاهب الأربعة" على طلبة الثانوى الأزهرى بدلا من الفقه على المذاهب الأربعة بعد أن كان نفس كتاب الشيخ طنطاوى قد فرض على طلبة الإعدادى الأزهرى. وقد بدأ الشيخ لفت الأنظار بأعمال تثير الخلاف والاعتراض من علماء الأزهر منذ تعيينه فى منصبه.. وتوالت تصريحاته أو احتجبت حسب الطلب من السلطة السياسية بشكل أثار الغضب لدى العامة والعلماء على حد سواء.. فمن لقاءات بحاخامات اليهود الصهاينة الذين يعادون المسلمين والعرب جهرا فى مشيخة الأزهر.. إلى تجريم الوقفة البطولية للمقاومين العراقيين للمحتل الأمريكى البربرى.. إلى السكوت التام عما يحدث فى بر مصر المحروسة من اعتداءات على حرية الإنسان وكرامته.. إلى الهجوم على حرية الصحافة إلى حد الإفتاء بجلد الصحفيين... ولعل حصر ما قام به الرجل فى هذا الباب يحتاج إلى مركز متابعة كامل العدة والعدد. ويأتى إلغاء تدريس الفقه على المذاهب الأربعة لصالح كتابه المذكور ليضع علامة استفهام جديدة كبيرة على أهداف سياسة الرجل ودوافعه. الخبر الذى دفعنى للمتابعة يقول.. "المجلس الأعلى للأزهر اتخذ قرارا في اجتماعه الأخير 2-9-2007 بإلغاء تدريس الفقه المذهبي في المرحلة الثانوية من التعليم الأزهري، لينضم إلى قرار سابق اتخذ قبل عدة سنوات بإلغائه في المرحلة الإعدادية.وقرر المجلس الاكتفاء بتدريس كتاب "الوسيط في الفقه الميسر على المذاهب الأربعة" الذي ألّفه طنطاوى اعتبارا من العام الدراسي الحالي. ولاحظوا فى صياغة القرار كلمة "الاكتفاء" والتى تعنى الإقرار بالنقص فيما أكتفى به. وقد قفزت أسئلة كثيرة أمام عينى بمجرد قراءة الخبر.. فهل يمكن أن يكون خلف القرار مجاملة من المجلس للشيخ؟! وهل تستحق مثل هذه المجاملة إلغاء مكون أساسى من مكونات الفكر الأزهرى ألا وهو قبول تعددية الرؤى والاختلاف التى حفظت للأزهر مكانته كمؤسسة رمز لوسطية الإسلام؟! هل يمكن التضحية بدور الأزهر الاستراتيجى فى تعظيم مكانة مصر التى تكتسبها مما تعطيه لطلاب الأزهر الوافدين من بلاد آسيا وإفريقيا وأوروبا الذين يعودون إلى بلادهم سفراء للأزهر ولمصر وهم يحملون فكرا وعقيدة إسلامية صحيحة وسطية منفتحة؟! أم أن الشيخ قد انتقل بعد مرحلة تكسير ثوابت الصرح العظيم باستقبال حاخامات العدو وتوظيف الموقع لأغراض سياسة السلطة, إلى مرحلة أخرى أعظم خطرا تركز على عقول شباب الدعوة القادمين لإخراجهم إلى الناس وهم لا يعرفون إلا فقه الطنطاوى, ولا يفهمون أن خلاف الأمة فى الفقه رحمة ولا يمس إيمان ولا يمس إسلام أى من المختلفين؟! هل يريد الرجل أن يخرج لنا أزهريون ذوى عقول أحادية الرؤية لا يعرفون من الصواب إلا ما قاله ولا يعترفون بشئ لم يرد هو على ذكره؟! والأدهى أن الرجل الذى طالما نادى بأن نستفتى أهل التخصص, متخصص فى علوم العقيدة وليس متخصصا فى الفقه!! فهل أقفر الأزهر من أساتذة الفقه وعلمائه إذا لم يكن فقه الأئمة الأربعة لا يروقه؟! الدكتور أحمد طه ريان أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر وصف القرار بأنه " مأساة أطلت علي المسلمين" . وأضاف ان إلغاء تدريس الفقه المذهبي المأخوذ من التراث أمر خطير، لأنه يؤدي إلى الجهل بأحكام العبادات والمعاملات والأقضية والمواريث، وكل ما يتعلق بالأحكام الشرعية في المستقبل، لكل المسلمين في مصر ولغيرهم من شعوب العالم الإسلامي, كما حذر من أن إلغاء دراسة الفقه على المذاهب الأربعة فى المرحلة الثانوية سيلغى تراث الأزهر ويجعل الوافدين يعودون إلى بلادهم دون فائدة تذكر. الأخطر أن الدكتور ريان اتهم فضيلة الإمام الأكبر بعدم الوفاء بالوعد حيث قال أنه حصل منذ 4 سنوات على وعد من شيخ الأزهر بعدم إلغاء الفقه المذهبي التراثي من المرحلة الثانوية، وان الشيخ تعهد له بذلك، قائلا: إنني سأعقد لجنة المناهج وسنستدعيك لتقول رأيك. ولكن للأسف انتظرت 4 سنوات ولم يتم استدعائي، حتى صدر هذا القرار الخطير. وتسائل ريان: ''ماذا يبقى من الأزهر حينما يتم تقليص هذه الدراسة أو إلغاؤها؟''. ونحن نسأل بعد شهادة الشيخ الأزهرى ماذا يبقى من الشيخ الأمام الأكبر إذا صحت هذه الواقعة ولم يكن صادق الوعد ؟؟!! ولو أن هذه هى الواقعة الوحيدة من نوعها لوضعناها فى باب اختلاف التقديرات ولكنها ليست كذلك فقد أتت هذه الخطوة بعد سنوات من إلغاء كتب "النسفي وجوهرة التوحيد" من المناهج وتطبيق كتب لشيخ الأزهر أيضا! وقبلها إلغاء كتب المذاهب الأربعة في المرحلة الإعدادية وتطبيق كتاب الفقه الميسر للشيخ طنطاوي أيضا. المسألة إذن ليست صدفة ولا وجهة نظر فى مسألة تقديرية بل هى توجه مقصود لتقليص دور الأزهر فى حياة ليس مسلمى مصر وحدهم, بل فى حياة مسلمى العالم أجمع, والخطير فى الأمر أن هذا المنهج يؤدى إلى تخريج طالب لا يعرف المسائل الفقهية إلا بوجه واحدٍ قد يؤدي في النهاية إلى التعصب وإلغاء الفهم الآخر للنص, إنه منهج صناعة التعصب. ومسؤلية الحزب الحاكم وعلاقته بما يحدث لا تحتاج إلى عظيم جهد فالدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء ووزير شئون الأزهر, هو مصدر القرار بتغيير المنهج .. بل لا يكون افتئاتا على أحد أن نقول أنه وهو المسؤل عن سياسة الوزارة هو من طلب التغيير تماشيا مع متطلبات مرحلة مكافحة الإرهاب الأمريكية.. وكالعادة نفذ الشيخ ما طلب .. وليس هناك ما يمنع بالطبع أن يكون التنفيذ بكتاب للإمام الأكبر الشيخ الأستاذ الدكتور شيخ الجامع الأزهر.. أليس كذلك؟!!! ياوزراء مصر .. ياشيوخها الأجلاء إذا اعتبرتم أن مصر قد دانت لكم وأصبحتم لها مالكين.. فرفقا بأنفسكم من الافتئات على من لا ينفع يوم الوقوف بين يديه مال ولا سلطان.. وإن هذا اليوم لقريب.