للإسلام نظرته إلى الحرية , وهي نظرة تتفوق وتسمو على نظرة المذاهب التي تسود النظم الوضعية , سواء كانت المذهب الفردي أو المذهب الجماعي. 1- والأمر واضح فى المذهب الجماعي أو الاجتماعي الذي يقوم على أساس تقديس الجماعة وتمجيدها , وإعلاء شأنها على الفرد والتضحية بمصالحه وحريته من أجل الجماعة . فلا قيمة للفرد مجرداً عن الجماعة . ويترتب على ذلك أن حقوق الفرد وحرياته هي مجرد منح من المشرع , هو الذي يحدد مداها ومضمونها وشروط التمتع بها , إن شاء منح أو منع , أو عدل أو سلب الحقوق والحريات . وهو ما يعني إهدار الحقوق والحريات باسم الجماعة. وتمثل الماركسية صورة قصوى من هذا المذهب , وهي تنكر على الفرد أن يكون له وجود مستقل عن المجتمع الذي يعيش فيه ومن ثم لا تعترف للفرد بأي حقوق طبيعية أو حريات يمارسها في مواجهة المجتمع . ففي مرحلة أولى – مرحلة دكتاتورية البروليتاريا – تعترف الماركسية بأن يكون الحكم ذا صبغة دكتاتورية , تمارس فيه سلطة القهر لإقامة الاشتراكية وإنهاء مقاومة الطبقة البورجوازية , ومن ثم لايكون للفرد أن يعبر عن رأي معارض للماركسية أو أن يعتنق فكراً آخر وإلا اعتبر من أعداء الشعب . وإذا كانت الماركسية ترى تحقق الحرية الكاملة في مرحلة ثانية , مرحلة الشيوعية , فهي فكرة نظرية خيالية لا تتحقق , إذ أن مواصفاتها أو معطياتها – وفقا للنظرية – هي : إلغاء الملكية الخاصة كلية , والقضاء على المجتمع الطبقي , وتحقق الوفرة الاقتصادية بحيث يصبح التوزيع على أساس " لكل بحسب حاجته " ( لا بحسب عمله ) وبحيث يعمل الإنسان لا لإشباع متطلبات الحياة الضرورية بل يعمل طواعية لإشباع الحاجة إلى العمل الكامنة عنده ولتأكيد ذاته , ويزول استغلال الإنسان للإنسان , وتزول الدولة , ويزول القانون الخ!!!!!. 2- والمذهب الفردي الحر إذا كان يؤكد وجود حقوق طبيعية للإنسان , ملزمة لسلطات الدولة لأنها حقوق ثابتة و أزلية , انطلاقا من أفكار كفكرة القانون الطبيعي التى تعني وجود قانون ينبع من طبيعة الإنسان , يسبق الجماعة ، ويسمو على الدولة , وأنه قانون يكشفه العقل إلا أن الفكرة المتقدمة فكرة فلسفية مجردة لا تبين مضمون القانون الطبيعي هذا ولا توضح معالمه , ولا تقدم وازعا كافيا للإلتزام بأحكامه , بل إن التشريع الوضعي وفقه القانون أصبحا يصدران – إلى حد كبير – عن فكرة مغايرة مفادها أن الفرد إنما يدين للقانون بالحرية التي يحدد المشرع مضمونها والتي يمكن للفرد أن يمارسها عملا . بل إن الفكر الديمقراطي ( الذى يرجع أصل السلطة ومصدرها إلى إرادة شعبية ) يمكن أن يؤدي إلى الاستبداد. ففي نظرية العقد الاجتماعي عند " روسو" تكون السيادة للجماعة السياسية الناشئة عن العقد , وإرادتها هي الإرادة العامة الممثلة في إرادة الأغلبية . هذه الإرادة العامة هي القانون الواجب الاتباع . وهكذا يمكن للأفراد الذين يتولون الحكم نيابة عن الشعب استغلال العصمة التى يفترضها مبدأ السيادة الشعبية فينالوا من حقوق الأفراد وحرياتهم ولذا قيل : كأننا نستبدل بعصمة الملوك التى كانت سائدة في الماضي , عصمة الشعب أو ممثليه. 3- أما الحرية في الإسلام فتتميز : أ – بالتوازن بين الفرد والمجتمع , ب- تأكيد كرامة الإنسان باعتبار أن الله هو الذي خلقه وخصه بهذه الكرامة والحرية – لا عبودية لغير الله – , ج – أن كثيرا من الحريات هي حقوق وواجبات معا , مما يعني وجوب ممارستها , وليس مجرد حق لصاحبه أن يمارسه أو يتخلى عنه إن شاء. , د- يقرر الإسلام مضمون الحريات العامة ونطاقها ويضع حدوداً للسلطة لحمايتها بمقتضى قانون أعلى - يتمثل فى الكتاب والسنة – يلزم المشرع وتتقيد به القواعد القانونية الموضوعة. وفى السياسة لا حظر على حرية الرأي ولا قيد على المعارضين ما قاموا على الطاعة وتأدية الحقوق كما يقول الماوردي , أي ماداموا لم يعلنوا شق عصا الطاعة والامتناع عن أداء الحقوق . وهذا ما فعله علي بن أبي طالب مع طائفة خرجت عليه بأن قال لهم : لكم علينا ثلاث ؛ لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله , ولا نبدؤكم بقتال , ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم معنا , أى ماداموا لم يحاربوا المسلمين فحرية الرأي مكفولة مادام التعبير عن الرأي لم يقترن باستعمال العنف والقوة.