السياسة الخارجية الامريكية تواجه ازمات متفجرة في العراق وافغانستان، ولكن ازمتها الاكبر تتمثل في الانهيار المتسارع في شعبية الرئيس الباكستاني برويز مشرف، ووقوف بلاده علي حافة الانهيار الامني الكامل، وانتشار حالة من الفوضي الدموية، الامر الذي يعني فشل الحرب علي الارهاب التي تشنها حاليا ادارة الرئيس بوش في المنطقة. قبضة الرئيس مشرف علي الحكم في اسلام اباد تضعف يوما بعد يوم. فالمؤسسة القضائية باتت خارج سيطرته وتعمل ضده، والمخابرات العسكرية الباكستانية الذراع القوية للمؤسسة العسكرية ما زالت تدعم حركة طالبان في السر، اما الجماعات الاسلامية المتطرفة فقد اعلنت الحرب علي نظام مشرف واكدت نواياها للاطاحة به. عمليات القتل والتفجير لم تتوقف في باكستان منذ ازمة المسجد الاحمر، ولا يمر يوم دون حدوث هجمات تستهدف الجيش في مناطق متعددة من البلاد، ولم يحقق الاجتماع الاخير لزعماء القبائل في المناطق الحدودية الباكستانية مع افغانستان إلا تقدما محدودا للغاية رغم الآمال العريضة التي بنيت عليه. وازمات الرئيس مشرف ليست داخلية فقط، ومن قبل اعدائه الاصوليين، وانما ايضا من حلفائه الامريكيين الذين انهكوا حكمه، وهزوا صورته، بتدخلاته العلنية في شؤون افغانستان، وانتقاداتهم المتواصلة لطريقة حكمه والاتفاقات التي وقعها مع زعماء القبائل في المناطق الحدودية لوقف المواجهات مع الجيش. ولعل الضربة الكبري للرئيس مشرف جاءت من السيدة كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية التي هاتفته فجرا، وطلبت منه التراجع عن خططه لاعلان الاحكام العرفية وحالة الطوارئ وحل الحكومة والبرلمان للسيطرة علي حال الفلتان الامني التي بدأت تسود البلاد. هذا التدخل الامريكي السافر حول الرئيس مشرف الي دمية في نظر معظم الباكستانيين، سواء كانوا من انصار الجنرال مشرف او في خندق اعدائه، الامر الذي دفع الكثير من المراقبين الي اعتبار مكالمة السيدة رايس الهاتفية للجنرال مشرف هي بداية العد التنازلي لنهاية فترة حكمه. الجنرال مشرف حاول ان يلجأ الي خصومه مثل السيدة بنازير بوتو رئيسة الوزراء السابقة، وكذلك نواز شريف الذي اطاح بوزارته اثناء انقلابه العسكري ونفاه الي المملكة العربية السعودية، حيث يعيش حاليا. ولكن محادثاته مع الطرفين توصلت الي طريق مسدود، لان الجنرال مشرف اراد ان يستمر في جمعه بين منصبي القائد الاعلي للقوات المسلحة، ومنصب رئيس الجمهورية. الادارة الامريكية تقف الآن امام خيارين رئيسيين في باكستان، الاول ان تعمل علي ترتيب انقلاب عسكري ابيض ضد مشرف يأتي بجنرال آخر يكون حارسا امينا للترسانة النووية الباكستانية، ويستمر بشكل اقوي في الحرب ضد الارهاب في افغانستان. اما الخيار الثاني فهو محاولة اقناع الرئيس مشرف بالتنازل عن صلاحياته، والقبول بالسيدة بوتو رئيسة للوزراء مع تعيين جنرال جديد لقيادة القوات المسلحة، اي ان يظل الجنرال مشرف رئيسا للجمهورية فقط. الرئيس مشرف يصر علي البقاء في منصبه كقائد للقوات المسلحة في اي تسوية مقترحة، لانه يدرك جيدا ان تنازله عنه سيعني نهايته وربما محاكمته في فترة لاحقة، ولهذا ستجد الادارة الامريكية صعوبة كبيرة في تمرير اقتراحها الساعي لاعادة السيدة بوتو رئيسة للوزراء، في تقاسم للسلطة يجمع بين الديمقراطية والدكتاتورية العسكرية تحت سقف واحد. باكستان تنحرف بسرعة نحو العنف واللااستقرار، وقد تتحول قريبا الي دولة فاشلة علي غرار افغانستان والعراق، ومن المستبعد ان تنجح جهود امريكا في انقاذ مشرف ونظام حكمه ليس لانها متأخرة، وانما لانها غير عملية ايضا. عن القدس العربى