أصبح الفساد سمة العصر أو علامة مميزة للمجتمع المصري في مختلف طبقاته.. هذا ما أكده التقرير الذي ورد في إحدى الصحف الفرنسية؛ حيث كشفت صحيفة لوبون الفرنسية عن حالة تضخم واضحة في حجم الفساد في الدول العربية ليصل - وفق تقرير البنك الدولي عام 2006 - إلى 300 مليار دولار و هو مبلغ يعادل الناتج القومي لمعظم الدول العربية كما يمثل ثلث حجم الفساد على مستوى العالم. وأرجعت لوبون هذه الزيادة في حجم الفساد إلى الأنظمة الديكتاتورية الحاكمة في منطقة الشرق الأوسط هي التي صنعت الفساد ووقفت وراءه ليصبح هو لغة الحوار الأولى لأن الديكتاتورية و محاولات القمع السياسي تؤدى إلى الإنفراد بالسلطة و أيضا استغلال النفوذ لضمان السيطرة و نهب ثروات الدولة، و هو ما تطبقه الأنظمة العربية و الأفريقية بجدارة. أضافت لوبون أنه من أهم أسباب قيام ثورة 23 يوليو 1952 التي احتفلت مصر بذكراها الشهر الماضي كانت محاولة القضاء على الفساد، غير أن قضايا الفساد في هذا الوقت كانت محصورة في أشخاص معينين داخل القصر الملكي و بعض الوزراء المقربين من الملك. و كانت الصحف المصرية وقتها تطلق مصطلح مثلث الفساد على ثلاثة أنواع من الصفقات و هي صفقات السلاح وبيزنس المضاربة بالقطن إلى جانب تهريب الآثار القديمة و هي أمور تمس أمن الوطن و استقراره و قد استطاعت الثورة تطهير البلاد من رموز الفساد . و انتقلت لوبون إلى مصر الآن حيث أكد تقريرها أن الفساد انتشر بقوة و شمل جميع مستويات الشعب المصري بداية من عصر الانفتاح الاقتصادى في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات و قد بدأت مظاهر الفساد بالواسطة وتطورت إلى الرشوة كما شهدت ال25 سنة الماضية زيادة غير مسبوقة في الكشف عن جرائم الفساد و ما تحويه من أرقام ضخمة و كم هائل من الأموال المنهوبة. و قالت لوبون إن هذه الجرائم لا يمكن أن تكون قد ارتكبت من دون غطاء و حماية على أعلى مستوى لأنه من الملفت أن أغلب قضايا الفساد لمسئولين و أصحاب مناصب سيادية أو شخصيات مقربة جدا من القيادات رغم أن مواقع هؤلاء الوظيفية تمكنهم من الحصول على مرتبات ضخمة و من المفترض أيضا أنهم أهل للثقة. و حتى ظاهرة الكشف عن الجرائم و الإيقاع بمرتكبيها لم تعتبره لوبون ظاهرة صحية بل أكدت أن القبض على المفسدين دائما ما يكون مرتبط بقرارات سياسية على وشك التطبيق كما يدخل في إطار صراع القوى الداخلية في مصر، حيث يسعى كل طرف للكشف عن فساد الطرف الآخر بهدف الحد من شعبيته سعيا وراء الإنفراد بالسلطة و في النهاية فإن المتضرر الوحيد هو الاقتصاد المصري الذي تزداد فرص انهياره بهذا القدر الهائل من الفساد و المعاناة .. هنا فقط تقع على كاهل الشعب الذي يعيش معظمة تحت خط الفقر وفقا للإحصائيات الدولية. و أخيرا تطرقت لوبون إلى قضية الفساد الأخيرة التي تم الكشف عنها في وزارة الثقافة و التي هي قيد التحقيقات حاليا حيث قالت إن المسئولين المتهمين في هذه القضية يتوليان إدارة بميزانية ضخمة جدا كما أنهما شباب صغار السن والخبرة مما يدل على أن الواسطة و المحسوبية هما المعيار الرئيسي لتولى الوظائف و هذا في حد ذاته فساد إدارى إلى جانب الفساد المالي و استغلال النفوذ الأمر الذي يؤكد وجود حماية و غطاء وربما مشاركة من قبل المسئولين في مستويات أعلى و ربطت الصحيفة بين تفجير هذه القضية في هذا التوقيت و بين قرب الإعلان عن تعديل وزاري من ناحية و عملية إعادة الهيكلة داخل الحزب الحاكم من ناحية أخرى، أما البعد الخارجي لهذة القضية فهو ترشيح فاروق حسنى وزير الثقافة لتولى منصب مدير عام اليونسكو و هو منصب تتنافس علية دول كثيرة. و اختمت لوبون تقريرها بأن المحصلة النهائية هي أن فساد الصغار ما هو إلا مرآة عاكسة لفساد الكبار لأنهم باختصار امتداد لهم، لذلك طرحت الصحيفة سؤالا شائكا و هو : هل يعيد التاريخ نفسه و تندلع في مصر ثورة جديدة قريبا مع توافر العوامل المؤدية اليها ؟ يقول النائب اشرف بدر الدين عضو لجنة الخطة و الموازنة بمجلس الشعب إن ظاهرة الفساد و التربح و استغلال النفوذ أصبحت سمة المجتمع المصري بشكل عام بدليل احتكار السلطات و الثروات في ايدى مجموعة معينة.