إثر اصطدامه برفض الشارع المصري للحديث عنه بل وتحديه لأن ذلك لم ولن يحدث أبدا، تراجع الدكتور حسام بدراوي عضو لجنة السياسات عن إعلانه بأن جمال مبارك نجل الرئيس هو أحد الكوادر التي يجري إعدادها حزبيا لتتولى منصب الرئاسة في انتخابات مقبلة، معتبرا أنه ليس مخولا رسميا التعبير عن وجهة نظر الحزب. وكان الدكتور حسام بدراوي أمين قطاع الأعمال بالأمانة العامة للحزب الوطني الحاكم في مصر والمقرب من نجل الرئيس المصري قد أثار جدلا واسعا بتصريحاته التي أدلى بها لصحيفة الوفد الحزبية باعتبارها المرة الأولى التي يعلن فيها مسئول في الحزب الحاكم أن نجل الرئيس مرشح لخلافة والده وهو ما دأبت رئاسة الجمهورية ودأب جمال مبارك على نفيه. واعتبر بدراوي في رسالة وجهها إلى الصحيفة في عددها الصادر أمس أن المانشيت الذي اختارته الصحيفة أدى لسوء فهم لم يقصده حيث فسر على أن الحزب الوطني يطرح جمال مبارك لتولي الرئاسة، وقال إنه لا يملك حق التحدث رسميا عن ترشيحات بعينها داخل مؤسسة الحزب الوطني دون الرجوع للأمانة العامة والمكتب السياسي بالحزب. وأكد انه عبر خلال الحوار عن رأيه الشخصي، وطالب بان يكون لدي جميع الأحزاب قيادات تقودها للمستقبل، وكوادر تصلح للترشح لرئاسة الجمهورية من خلال انتخابات وليس عن طريق الاستفتاء، وذلك ضمن نظام تعددي. وفي هذا الإطار فإن الحزب الوطني له الحق في طرح من يراه من كوادره لموقع رئاسة الجمهورية، طالما أننا في ظل نظام ديمقراطي تعددي يقوم علي الانتخاب بين أكثر من مرشح وليس بالاستفتاء علي مرشح واحد. وكان بدراوي سئل خلال مقابلة أجراها أسامة هيكل في صحيفة الوفد الليبرالية المعارضة عن خطط ضمن الحزب الحاكم لأن يتبوأ جمال مبارك الرئاسة في مصر، فقال –حسب النص الذي نشرته الصحيفة-: "نحن كحزب حاكم نتطلع للحفاظ على كراسي الحكم، وأن يكون هناك مرشحون للرئاسة، سواء كان الرئيس مبارك أو من يخلفه في مرحلة تاريخية قادمة.. والحزب الذي لا يعد كوادر لهذه المهمة يكون حزباً فاشلاً... وجمال مبارك هو إحدى هذه الشخصيات". وأضاف أن "هناك قيادات كثيرة داخل الحزب مؤهلة لهذا الدور، وهذا ليس خطأ.. والفكرة هنا أن يتم ذلك من خلال شرعية ووفق انتخابات بها شفافية ونزاهة، وأن يكون الاختيار بالأغلبية". ولم يفصح بدراوي عن أسماء الكوادر القيادية الأخرى الموجودة داخل الحزب الحاكم والمطروحة كمرشحين محتملين لخلافة الرئيس مبارك (78 عاما). واعتبرت مصادر تصريحات بدراوي تأكيدًا للتكهنات باعتزام الرئيس مبارك التنازل عن رئاسة الحزب الوطني خلال المرحلة القادمة وتهيئة لاستقالته من منصبه لأسباب صحية لاحقًا، الأمر الذي سيؤدي إلى فتح الباب على مصراعيه أمام ترشيح جمال مبارك لخلافة والده، يساعده في ذلك سيطرة الحزب الحاكم على المؤسسات التشريعية والمحلية بشكل يعجز أي حزب أو جماعة سياسية معارضة عن التقدم بمرشح منافس. ولفتت المصادر إلى أن حديث بدراوي عن اختيار جمال مبارك بشكل شرعي ووفق انتخابات نزيهة شفافة لا تعدو كونها ذرًا للرماد في العيون، مشيرة إلى أن النظام سينفذ في المرحلة القادمة مخططًا لرفع شعبية مبارك الابن وتحسين صورته في الشارع السياسي. ولفتت إلى أن هذا المخطط بدأ بالفعل منذ عدة أسابيع بتكثيف جمال مبارك زيارته للعديد من المحافظات ومنها الفيوم وكفر الشيخ والمنيا، وذلك بهدف تغيير الصورة النمطية عنه من أنه يعيش في برج عاج بعيدًا عن التجمعات الشعبية، فضلاً عن سعيه لخدمة مصالح رجال الأعمال والدائرة الضيقة المحيطة به. في سياق متصل، توقعت المصادر أن يشهد المؤتمر العام الرابع للحزب الوطني مجزرة داخل الحزب تتمثل في إبعاد جميع الشخصيات غير المؤيدة لما يطلق عليه الفكر الجديد داخل الحزب أو المتحفظين على خيار التوريث من جميع المناصب القيادية حتى تخلو الساحة من أجل توحيد الجهود لتمرير السيناريو. وفي هذا السياق قال السفير والمحلل السياسي أمين يسري: إن قطار التوريث يمضى بسرعة، معتبرًا أقوال جمال مبارك السابقة التي نفى فيها نيته الترشيح لرئاسة الجمهورية ينسحب عليها القول "يتمنعن وهن الراغبات". واعتبر أن سيناريو التوريث تم تنفيذه بالفعل وما يتبقى ليس سوى مجموعة من الإجراءات الشكلية فقط مشيرا إلى أنه يعكس نوعًا من الاستخفاف بعقول المصريين، مشككًا في قدرة الأحزاب والقوى السياسية في عرقلة مثل هذا السيناريو. ووافقه الرأي الدكتور مجدي قرقر الأمين العام المساعد لحزب العمل، الذي أكد أن النظام في مصر دأب على إطلاق بالونات الاختبار من هذا القبيل منذ تولي بشار الأسد رئاسة الجمهورية في سوريا خلفًا لوالده، بعد أن وجد أن هناك ردود فعل مضادة لهذا الخيار مما دفع النظام إلى تصعيد جمال مبارك خطوة خطوة، متوقعًا أن يتم تنصيبه أمينًا عامًا للحزب الحاكم خلال المؤتمر السنوي القادم. وتقول قوى وأحزاب المعارضة المصرية إن هناك اتجاها لتصعيد جمال مبارك ليخلف والده في الرئاسة أثناء أو بعد انتهاء ولايته الخامسة في عام 2011 . وظهرت حركات معارضة لإمكانية توريث جمال مبارك رئاسة الجمهورية منها الحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية) التي نظمت سلسلة من المظاهرات العام الماضي تحت عنوان "لا للتوريث..لا للتمديد". إلا إن جمال مبارك، الذي يشغل أمانة لجنة السياسات النافذة ومنصب الأمين العام المساعد للحزب الوطني الحاكم، كان نفى في تصريحات عديدة احتمال توريثه الحكم وان لم يستبعد إمكانية الترشح عن طريق الانتخابات.