"أدوية بير السلم" تمثل 30% منها.. والعقوبة ضعيفة للغاية انعدام الرقابة و"المرتجعات" وراء تفشى الظاهرة 650 مليون جنيه خسائر الصيدليات سنويًّا بسبب الأدوية المغشوشm حجم الإنفاق على الأبحاث الدوائية فى مصر 0.24 % من الميزانية د. أحمد عادل: حجم الأدوية المغشوشة فى الفيتامينات والفياجرا لا يقل عن 30% وفى الأدوية العلاجية 5 - 6% لا تزال قضية انتشار الأدوية المغشوشة، أو ما تسمى "أدوية بير السلم" فى السوق تثير جدلا واسعا، خاصة بعد تضارب الأقوال حول نسبة تلك الأدوية من حجم تجارة الدواء فى السوق المصرية. هناك بلاغات يومية عن حدوث مضاعفات لدى متعاطى العقاقير الطبية المغشوشة، وهناك نسبة كبيرة من هؤلاء يتعرضون لأمراض فيروسية وحالات تسمم خطيرة قد تودى بحياتهم. وطبقا لتقارير منظمة الصحة العالمية، فإن 10% من الأدوية المتداولة فى الأسواق مغشوشة. وتحتل مصر المركز الثانى كموطن للدواء المغشوش فى العالم بعد الهند وقبل الصين؛ إذ وجدت مصانع "بير السلم" سوقا رائجة فى صناعة الأدوية؛ نتيجة عدم وجود هيئة رقابة مسئولة عن متابعة مصانع الأدوية ومطابقة مواصفاتها. وتعتبر منظمة الصحة العالمية الدواء مغشوشا إذا خلا من المادة الفعالة، أو إذا وجدت فيه بكمية غير مناسبة، أو إذا احتوى على مكون خاطئ، أو وضع علامة تجارية غير صحيحة، أو جرى التلاعب بتاريخ انتهاء صلاحيته. وفى مصر تتراوح نسبة الأدوية منتهية الصلاحية من 2% إلى 3% من إجمالى الأدوية المتداولة فى السوق؛ ما يشكل خسارة تزيد عن 650 مليون جنيه لأصحاب الصيدليات؛ بسبب رفض شركات الأدوية تسلمها للتخلص منها، ولضمان عدم طرحها فى الأسواق مرة أخرى بالتلاعب فى تاريخ الصلاحية. "الشعب" التقت عددا من المهتمين بهذا المجال لتحليل تلك الأزمة والأسباب الخفية وراء تفشى ظاهرة الأدوية المغشوشة.
إنفاق "هزيل" فى البداية، أكدت الدكتورة إيمان العيوطى الباحثة بالمركز المصرى للدراسات الاقتصادية، التى أعدت دراسة عن "صناعة الأدوية فى مصر"؛ أن مصر من أكثر الدول التى تنتشر بها مصانع "بير السلم" التى تصنع الأدوية المقلدة. وأوضحت العيوطى أن القيمة المضافة للناتج القومى المصرى من عائد الصناعات الدوائية، تتراوح بين 5% و6% فقط من إجمالى الناتج، وهى نسبة ضئيلة جدا مقارنة بالدول الأخرى المهتمة بصناعة الأدوية، كما أن العمالة فى سوق صناعات الدواء المصرى تبلغ نسبتها 3,5% من إجمالى حجم العمالة، فى وقت تصل فيه نسبة تصدير الدواء 3% فقط من إجمالى الصادرات المصرية. كما أشارت الباحثة إلى أن مصر تتذيل قائمة الدول من حيث حجم الإنفاق على البحث العلمى فى مجال الأدوية، وأن النسبة لا تتجاوز 24 من ألف من الميزانية، فيما ينفق العدو الصهيونى على الأبحاث الدوائية 4,5% من ميزانيته سنويا. تغليظ العقوبة وقال الدكتور مصطفى إبراهيم وكيل وزارة الصحة لشئون الصيادلة ومدير عام التفتيش الصيدلى سابقا؛ إن القضاء على غش الدواء لن يتم إلا بالتعاون الكامل بين جهاز التفتيش الصيدلى والمباحث العامة؛ فالمعلومات تأتى إلى المباحث أو وزارة الصحة ثم تجرى الضبطية فتكون ناجحة، وهو ما كان يحدث فى السابق، لكن فى ظل الانفلات الأمنى أصبح الأمر صعبا. وطالب إبراهيم بضرورة تغليظ العقوبة على مهربى الأدوية أو من يصنعونها فى "بير السلم"؛ لأن تجارة الدواء مثلها مثل التجارة فى المخدرات والممنوعات. وأضاف مدير عام التفتيش الصيدلى سابقا، أن هذه الأفعال تعد قتلا عن عمد مع سبق الإصرار، ويجب أن تصل عقوبتها إلى الأشغال الشاقة المؤبدة والإعدام. أما العقوبة الحالية فهى ضعيفة، وتقضى بالبراءة أو الغرامة على أقصى تقدير. وأوضح إبراهيم أنه من المفترض أن تُعدم الشركاتُ الأدويةَ منتهية الصلاحية بالتعاون فى وجود ممثل للتفتيش الصيدلى التابع للإدارة المركزية للشئون الصيدلية؛ بحيث يرجع التفتيش الصيدلى إلى الشركة ليسألها عن الأدوية المرتجعات والمنتهية الصلاحية لديها. وعلى شركات الأدوية الموردة جمع الأدوية منتهية الصلاحية وإعدامها تحت إشراف وزارة الصحة بمحضر رسمى. وأشار وكيل وزارة الصحة لشئون الصيادلة سابقا، إلى أن أكثر الأدوية المعرضة للغش هى الأدوية المرتفعة الثمن، مثل المضادات الحيوية، ويجرى تأمينها بوضع علامات مائية وشريط بلاستيك على العبوة، مستنكرا غش أدوية معالجة لمرض "السرطان". صراع رأسمالى وقال الدكتور طارق الصاحى مدير عام الإدارة العامة للتفتيش على مصانع الأدوية السابق؛ إن موضوع غش الدواء صراع رأسمالى ضخم؛ فارتفاع الدواء مع فقر المريض يجعل مصانع الأدوية لا تلتزم بالمواصفات الفنية والجودة الموضوعة، فتقل القيمة الفعالة بالدواء. وأوضح أن فى المفتشين على الصيدليات نقصا حادا، مشيرا إلى أن حجم تجارة الأدوية المغشوشة يشكل نحو 30% من إجمالى الدواء المتداول بالسوق التى تبلغ 12 مليار جنيه؛ ما يعنى ضياع مليارات الجنيهات شهريا. وأرجع المدير العام الأسبق للإدارة العامة للتفتيش على مصانع الأدوية؛ سبب إقبال المواطنين على الدواء المهرب أو المصنوع فى "بير السلم" إلى عدم تسجيل هذه الأصناف لدى وزارة الصحة؛ لوجود اتفاقية التجارة العالمية التى تنظم مسألة التجارة العالمية وتحدد فترات احتكار أصناف الدواء الجديدة لصالح الشركة المخترعة، فلا يستطيع أحد تصنيع هذا الصنف. جريمة قتل من جانبه، قال الدكتور أحمد عادل وكيل وزارة الصحة السابق، إنه ما دام نظام التأمين الصحى السليم غير موجود، والأدوية يرتفع ثمنها بالنسبة إلى دخل الفرد الضعيف؛ فإن معدومى الضمير سيغشون الدواء. وقال عادل إن العقوبات الواقعة على مرتكبى تلك الجرائم ضعيفة جدا، وأغلبها غرامات مقابل مكاسب رهيبة يحصلون عليها من صناعة الدواء، فضلا عن قتل النفس الذى لا تعدله عقوبات، مشيرا إلى أن مشكلة الدواء المغشوش ليست فى أنه لا يصير غير فعال فقط، بل يضيع فرصة للشفاء. أما عن التفتيش الصيدلى، فلم يؤدِّ دوره الأمثل، والسبب فى ذلك عدم إجراء عملية التغيير الدورى للمفتشين بمدة لا تقل عن 6 أشهر؛ لأن ذلك يخلق صداقة بين الصيدلى والمفتش، كما أن التفتيش روتينى، ولا يبالى بكيفية التصرف فى الأدوية منتهية الصلاحية أو المغشوشة. وأوضح وكيل وزارة الصحة سابقا، أن حجم تجارة الأدوية المغشوشة، خاصة فى الفيتامينات والفياجرا، لا تقل عن 30%. أما فى الأدوية العلاجية للأمراض فلا تزيد عن 5% أو 6%. ظاهرة عالمية وقال د. محمد نبيل يوسف أبو العينين أستاذ الكيمياء الصيدلية والطبية بالمركز القومى للبحوث؛ إن الأدوية المغشوشة ظاهرة منتشرة على مستوى العالم، موضحا أن الأدوية الأكثر عرضة للغش التجارى هى الأدوية المرتفعة الثمن، كأدوية القلب والسكر والسرطان والضغط، بالإضافة إلى الأدوية المخدِّرة، كالفوترين والزناكس. وأشار أستاذ الكيمياء الصيدلية إلى أن حجم تجارة الدواء وصل إلى ما لا يقل عن 3 أو 4 مليارات جنيه؛ منه ما لا يقل عن 20% إلى 30% مغشوش. وقال إن المرتجعات ظاهرة طبيعية تعانى منها دول العالم أجمع، إلا أنها تظهر بنسبة أكبر بمصر، مؤكدا أن قيمة الأدوية المنتهية الصلاحية فى السوق الدوائية المصرية يقدر بملايين الجنيهات، مشيرا إلى أن وجود هذا الكم الهائل من الأدوية التالفة بالسوق، شجع بعض المنحرفين على إعادة تغليف هذه الأدوية وبيعها وتسريبها مرة أخرى إلى الصيدليات فتصل إلى المريض، وهى ما تعرف ب"الأدوية المغشوشة" التى تصنع فى مصانع "بير السلم". غش المستلزمات الطبية وقال د. مصطفى المسيرى أستاذ الصيدلة بالمعهد القومى للبحوث؛ إن العاملين بمجال الأدوية المغشوشة هم بلا ضمائر، فى ظل غياب الأمن والرقابة غير الكافية، فضلا عن جشع التجار لتحقيق مكاسب خيالية؛ هذا عدا أن نقص الأدوية فى السوق أفضى إلى انتشار الأدوية المقلدة التى تستخدم أسماء الأدوية الحقيقية نفسها. وأوضح المسيرى أن حل مشكلة أدوية "بير السلم" تتمثل فى الرقابة على أرقام التشغيلات الخاصة بالأدوية فى المصانع، والرقابة على الصيدليات بالتفتيش الصيدلىن بالإضافة إلى التوعية، والجمارك لا بد أن تكون عليها رقابة. ليست الأدوية العلاجية فقط هى المعرضة للغش، بل المستلزمات والإكسسوارات وكل ما يدخل فى الصناعات الكيماوية أيضا، مثل "الشامبوهات والكريمات" بمختلف أنواعهما. وتأثير هذه الأدوية لا يتوقف عند عدم فاعليتها فقط بل تحدث أضرارا بالجسم وتسممه. غياب الرقابة أكد الدكتور السيد أبو الفتوح رئيس نادى أعضاء هيئة البحوث ورئيس شعبة الصيدلة بالمركز القومى للبحوث سابقا؛ أن أسباب انتشار الأدوية المغشوشة هو عدم إعمال القانون الذى يجرِّم مثل هذه الأمور، وعدم تطبيق معايير الرقابة بالمواصفات القياسية للأدوية، والمغالاة فى أسعار بعض الأدوية، بالإضافة إلى عدم الرقابة الجيدة على منافذ دخول بعض هذه الأدوية؛ لأن بعضها يكون مهربا ومصنوعا فى دول خارجية. الموقع غير مسئول قانونا عن التعليقات المنشورة