بقلم: منير شفيق منذ ان تسلمت ادارة الرئيس الامريكي جورة دبليو بوش مهامها في بداية عام 2001 ولها الاستراتيجية نفسها بالنسبة الى العلاقة بالسياسات الاسرائيلية ازاء فلسطين والفلسطينيين خصوصاً، ونحو العرب والمسلمين عموماً. وقد اشتهر وصف العلاقة بين السياستين والاستراتيجيتين الامريكية والاسرائيلية، طوال الست سنوات الماضية، بالتماهي، او التطابق.
البعض اعتبر ان الادارة الامريكية اصبحت تابعة لحكومة شارون، ومن بعده حكومة اولمرت، والبعض الآخر عاد ليؤكد تبعية الحكومة الاسرائيلية. وقد جاءت بعض الاستشارات خلال حرب يوليو لتدل على ان قراري الحرب واستمرارها كانا امريكيين.
ولكن التدقيق اكثر في طبيعة هذه العلاقة واسباب ذلك التماهي والتطابق بين الحكومتين الامريكية والاسرائيلية خلال الست سنوات الماضية يوصل الى تفسير آخر وهو وجود قيادة «اسرائيلية»، او ما فوق «اسرائيلية»، في البيت الابيض نفسه وفي أروقة مراكز القرار الامريكي ذاتها.
فالمحافظون الجدد او الذين سموا بالعصابة التي تحكمت في القرار الامريكي، تبنوا استراتيجية اسرائيلية للمنطقة راحت تفرض نفسها، من موقعها الامريكي، على القرار داخل الكيان الصهيوني نفسه، تماماً، كما لو كانت الطرف «الاسرائيلي» الأقوى داخل الحكومة والكينيست الإسرائيليين.
ظهرت هذه السمة منذ التقرير الذي أصدره قادة المحافظين الجدد في العام 1996-1997م في اثناء تولي بيل كلينتون الإدارة الأمريكية، ونتانياهو للحكومة تماماً سياسات اتفاق أوسلو ويعود لاحتلال مناطق «أ» وينهج سياسة أشد حزماً مع الفلسطينيين والعرب «مصر وسوريا والسعودية في حينه»، الأمر الذي يدل على وجود قيادة اسرائيلية نحو أمريكا تنافس قيادة الدول العبرية.
هذا التقرير يبين ان المحافظين الجدد الذين أصبحوا المؤثر الأول في القرار الأمريكي من خلال علاقتهم بالرئيس ونائبه ووزير دفاعه «بوش - تشيني - رامسفيلد» ليسوا قادة امريكيين يتعاطفون ويدعمون الحكومة الاسرائيلية أو المشروع الاسرائيلي للمنطقة كما كان الحال في السابق وانما هم أصحاب مشروع «إسرائيلي» للمنطقة يتجاوز حتى القيادات الصهيونية الأوروبية أو الاسرائيلية من حيث التطرف وكيفية إدارة الصراع وكيفية تحويل الدولة العبرية الى الدولة المهيمنة في المنطقة المسماة «زوراً» منطقة الشرق الأوسط، طبعاً يلقى استعداداً لدى القيادات الصهيونية فوق أرض فلسطين، واذا حدث تناقض أو اذا طرح السؤال من يقود الآخر، فالجواب يكون لصاحب النفوذ الأقوى في الاطار الصهيوني العام أي الطرف الذي يسيطر على القرار الأمريكي بالضرورة بسبب قوة أمريكا نفسها ودورها في دعم الكيان الصهيوني وحمايته.
من هنا فإن السمة الجديدة هي أن قيادتين للمشروع الإسرائيلي قامتا لتتنافسا، إحداهما مقرها الحكومة في الدولة العبرية وجيشها والثانية في البيت الأبيض والبنتاجون ومجلس الأمن القومي. وكانت الغلبة، بالضرورة، للقيادة في الولاياتالمتحدةالأمريكية. أي أن إسرائيل الأمريكية هي التي قادت «إسرائيل» الإسرائيلية في فلسطين.
أما ما يجري الآن وبعد سلسلة الإخفاقات التي منيت بها إدارة الرئيس بوش في فلسطين ولبنان والعراق (خصوصا في العراق) وفي أفغانستان وعلى نطاق داخلي أمريكي وعالمي عموما، أخذ نفوذ المحافظين الجدد يضعف، وإن بقي نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني القوي النصير الأول لذلك النفوذ. وهو ما يجعل صورة الحرب (العدوان) على إيران قوية داخل مراكز القرار الأمريكي ويجعل القرار الإسرائيلي حول هذا الموضوع قويا داخل تلك المراكز كذلك. ولهذا تسربت أخبار تتحدث عن تناقض بين ديك تشيني وكونداليزا رايس في السياسة المتعلقة بفلسطين والعراق وسوريا، وإن لم يمتد إلى الموضوع الإيراني بعد كما يبدو.
من هنا تفهم الخطة الأمنية الأمريكية في الموضوع الفلسطيني التي تستهدف إنقاذ أولمرت من السقوط كما تستهدف تهدئة الأوضاع خدمة للتحضير للحرب ضد إيران. ولكنها على المستوى الفلسطيني كارثية وما ينبغي التجاوب معها. لأنها تحرم الشعب الفلسطيني من مقاومته وممانعته في ظروف تدهور حكومتي أولمرت وبوش. أي إمكان فرض تراجع جديد إذا ما تصلب الموقف الفلسطيني والعربي وتصاعدت المقاومة والممانعة.