التعليم العالي: تقدم 28 جامعة في تصنيف التايمز العالمي للجامعات الناشئة 2024    طلاب الشهادة الإعدادية في البحيرة يؤدون امتحان العلوم    المجلس الأعلى للحوار الإجتماعي يستكمل جلساته برئاسة وزير العمل    «الصحفيين» تدعو قيادات الصحف للاجتماع التحضيري للمؤتمر العام الثلاثاء المقبل    مفتى الجمهورية: الالتزام بالقوانين المنظمة للحج ضمن شرط الاستطاعة ويجب عدم مخالفتها    برلماني عن قانون إدارة المنشآت الصحية: من فشل في الإدارة لن يكون كفء في الرقابة    توريد 200 ألف طن من محصول القمح لصوامع البحيرة    وصول 96 ألف طن قمح على متن سفينتين لصالح هيئة السلع التموينية والقطاع الخاص    مؤتمر أخبار اليوم العقاري | أحمد العتال: أسعار العقارات لن تنخفض خلال الفترة القادمة    الرئيس السيسي يهنئ نظيره التشادي بفوزه في الانتخابات الرئاسية    محمد حمزة يهزم لاعب التشيك ويضمن ميدالية لمصر في بطولة الجائزة الكبرى لسلاح الشيش    وسام أبوعلي: سنقاتل للفوز بدوري أبطال أفريقيا    مصدر من نادي إينتراخت فرانكفورت يكشف ل في الجول مصير عملية مرموش الجراحية    ياسر إبراهيم: جاهز للمباريات وأتمنى المشاركة أمام الترجي في مباراة الحسم    إصابة طالبة بإعدادية الأزهر بالزائدة الدودية في الشرقية    أمن الجيزة يضبط طرفي مشاجرة بالأسلحة البيضاء داخل مدرسة بفيصل    متى تبدأ العشر الأوائل من ذي الحجة 1445 وما الأعمال المستحبة بها؟    السجن 3 سنوات ل حارس عقار و2 آخرين بتهمة «السرقة بالإكراه» في منطقة التجمع الخامس    «دراما الشحاذين» يستهل فعاليات المهرجان الختامي لنوادي المسرح ال31    خفة ظله «سر» شهرته.. ذكرى وفاة الفنان حسن مصطفى    تعرف على النجم الأقل جماهيرية في شباك تذاكر أفلام السينما السبت    «القومي للبحوث» يوجه للأمهات بعض النصائح للتعامل مع الجدري المائي    نصائح مهمة من «الصحة» بسبب الطقس الحار.. تجنبوا الخروج واغلقوا النوافذ    الوقوف فى طابور وحفر المراحيض وصنع الخيام..اقتصاد الحرب يظهر فى غزة    ولي العهد السعودى يبحث مع مستشار الأمن القومى الأمريكى الأوضاع فى غزة    أوكرانيا: القوات الجوية تسقط 37 طائرة روسية دون طيار    المصرين الأحرار عن غزة: الأطراف المتصارعة جميعها خاسرة ولن يخرج منها فائز في هذه الحرب    ضبط 100 مخالفة متنوعة خلال حملات رقابية على المخابز والأسواق فى المنيا    إصابة 4 مواطنين فى مشاجرة بين عائلتين بالفيوم    رئيس النواب: القطاع الخاص لن يؤثر على تقديم الخدمة للمواطن أو سعرها    رئيس جهاز السويس الجديدة تستقبل ممثلي القرى السياحية غرب سوميد    وزير المالية: حريصون على توفير تمويلات ميسرة من شركاء التنمية للقطاع الخاص    وزيرة التضامن الاجتماعي تشهد إطلاق الدورة الثانية لملتقى تمكين المرأة بالفن    عماد الدين حسين: تعطيل دخول المساعدات الإنسانية لغزة فضح الرواية الإسرائيلية    توقعات الأبراج 2024.. «الثور والجوزاء والسرطان» فرص لتكوين العلاقات العاطفية الناجحة    وزيرة التضامن تلتقي بنظيرها البحريني لبحث موضوعات ريادة الأعمال الاجتماعية    مدينة مصر توقع عقد رعاية أبطال فريق الماسترز لكرة اليد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 19-5-2024    ترامب ينتقد بايدن مجددًا: «لا يستطيع أن يجمع جملتين معًا»    صور| باسم سمرة ينشر كواليس فيلمه الجديد «اللعب مع العيال»    وزير الصحة: التأمين الصحي الشامل "مشروع الدولة المصرية"    طريقة عمل الكمونية المصرية.. وصفة مناسبة للعزومات    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    الأمور تشتعل.. التفاصيل الكاملة للخلافات داخل مجلس الحرب الإسرائيلي    رفع اسم محمد أبو تريكة من قوائم الإرهاب    بيت الأمة.. متحف يوثق كفاح وتضحيات المصريين من أجل استقلال وتحرير بلادهم    رئيس النواب يفتتح أعمال الجلسة العامة    إقبال الأطفال على النشاط الصيفي بمساجد الإسكندرية لحفظ القرآن (صور)    «البحوث الإسلامية» يوضح أعمال المتمتع بالعمرة إلى الحج.. «لبيك اللهم لبيك»    أسعار الدولار اليوم الأحد 19 مايو 2024    كيف تستمتع بنوم عميق في الطقس الحار؟    حقيقة فيديو حركات إستعراضية بموكب زفاف بطريق إسماعيلية الصحراوى    إصابات مباشرة.. حزب الله ينشر تفاصيل عملياته ضد القوات الإسرائيلية عند الحدود اللبنانية    الحكم الشرعي لتوريث شقق الإيجار القديم.. دار الإفتاء حسمت الأمر    تعليق غريب من مدرب الأهلي السابق بعد التعادل مع الترجي التونسي    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    عماد النحاس: وسام أبو علي قدم مجهود متميز.. ولم نشعر بغياب علي معلول    الأزهر يوضح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تبعية نظام مبارك للحلف الصهيوني الأمريكي كانت هي أصل الداء.. وهذا أهم سبب لإصرار العسكر على فرض شفيق.. وهذا أهم سبب يدعونا للتصويت لمرسى
نشر في الشعب يوم 13 - 06 - 2012

هناك قانون عام يحكم حياة الأمم عموما ، وهو ترابط السياسة الداخلية والخارجية معا ، فالواقع أن كل مجتمع له توجه عام ينعكس على كل من السياستين الداخلية والخارجية ، وأن الفصل بينهما إدعاء غير مقبول . لذلك لايصح علميا القول إن سياسة النظام الفلانى ( مبارك مثلا ) ناجحة فى السياسة الخارجية وفاشلة فى الداخلية ، وهذا ماكان يروجه البعض عن نظام مبارك تحديدا . وإذا كان هذا القانون ينطبق على كل البلاد عموما فإنه ينطبق على مصر خصوصا ، وبشكل مضاعف أكثر من كثير من الأمم . فمن حيث الموقع والموضع والدور والحضارة فإن مصر من أكثر دول العالم تأثرا بالعالم الاقليمى المحيط بل بالوضع الدولى ككل . ولذلك فإن إدراك النخبة الحاكمة المصرية لهذه الأبعاد ، وحسن إدارتها لعلاقات مصر الخارجية يكون من أهم عوامل فشل أو نجاح السياسات الداخلية فى شتى المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية . بمعنى أن بعض البلاد يكون عندها خيار العزلة النسبية عن العالم الخارجى ، وقد تكون هذه هى السياسة الخارجية الملائمة لها ، وإذا نظرنا على خريطة العالم سنجد أمثلة كثيرة لهذه البلاد ، وهى البلاد التى عادة مالاتسمع عنها كثيرا فى نشرات الأخبار!!
استعراض معمق وتحليلى لتاريخ مصر يؤكد هذه الحقيقة ، وهذه دراسة قيد الإعداد أرجو أن انتهى منها قريبا ، حتى يوقن المصريون أن هذا قدرهم ، وهو أمر جوهرى فى مسيرة البشرية بدليل ماورد عن مصر فى القرآن والسنة ، ومختلف الكتب السماوية حتى وصفت مصر بأنها موئل الأديان . ولكن الأحداث تجرى سريعا ولابد من تحليل هذه اللحظة من حياة الثورة المصرية ، من هذه الزاوية .
إن ماعرف عن ثورة 25 يناير بأنها بدون قيادة تنظيمية واضحة انعكس على غياب خطها وبرنامجها السياسى والفكرى . وكان الاخوان المسلمون هم القيادة الخفية للثورة بعد يومها الثالث بحكم أنهم أكبر قوة منظمة . ولكن لا الاخوان المسلمون ولا المجموعات الشبابية التلقائية ولا المجموعات الوطنية المنظمة ، وضعت قضية الاستقلال الوطنى فى مكانها المستحق بين أهداف الثورة ( لاحظ شعار عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية ) . حقا تم حرق العلم الاسرائيلى فى ميدان التحرير .. تم الهتاف بأن مبارك عميل الأمريكان .. وكتب ذلك على الجدران ، ولكن لم تكن هناك قيادة تضع أولويات وتصدر بيانات باسم الشعب توضع فيها أهداف الثورة . وقيل أننا نركز على شعار واحد هو إسقاط مبارك ، وهذا تكتيك صحيح ، ولكن لايمنع من تقديم جرعات متزايدة من المواقف الإجماعية فى صورة بيانات باسم مجلس قيادة الثورة ، الذى عجزت الثورة عن تشكيله حتى الآن!!
وكان من أكبر وأهم أخطاء الموافقة على ترك السلطة للمجلس العسكرى بالتراضى الشعبى ، عدم وضع هذا البعد الخارجى فى الاعتبار، وقد دفع الاخوان المسلمون فى هذا الاتجاه ، وهم الآن يدفعون الثمن ، ولكن الهم الأكبر أن مصر كلها تدفع الثمن . وقد كنا نتصور ونأمل ( بعد إنقطاع الحوار تماما مع الاخوان المسلمين بعد أن لاحظنا عدم جدواه ) أن الاخوان توصلوا إلى تفاهم مع العسكر على مساحة مشتركة للخلاص من التبعية لأمريكا بالتدريج . وليس لدينا مانع أن نراجع مواقفنا وأن نكتشف خطأنا إذا كان قد حدث ، فلعل التدرج البطىء يصلح فى حالة مصر ، ولكن أثبتت الأيام أن مصر كانت فى حاجة لسنة الطفرة ( القفزة ) فى خضم الثورة كباقى ثورات العالم الناجحة . بل ثبت شىء مؤلم آخر وهو أن توافق الاخوان والعسكر ، كان تحت مظلة التفاهم مع الأمريكان . حقا إن الأمريكان كانوا يتباحثون مع كل طرف على حدة ، ولكن كان الحوار ثلاثيا على أرض الواقع . وجرت منافسة سخيفة بين المجلس العسكرى والاخوان للحصول على الضوء الأخضر للامريكان فى هذا الموقف أو ذاك . وهى منافسة خاسرة لأن المجلس العسكرى هو الطرف الموثوق فيه أمريكيا ، والمختبر خلال 30 عاما ، بل توجد علاقات عضوية مع بعض أفراده على أساس المنافع المشتركة . وهذا المجلس لم يختلف مع مبارك إطلاقا حول علاقات الذل والتبعية مع أمريكا ومن ثم مع اسرائيل . بل كان يمضى وفقا لتعليماته فى كل مجال . ولكن قيادة المؤسسة العسكرية استفادت من الثورة للخلاص من جمال مبارك ، والثلة الضيقة المحيطة به . وأمريكا وافقت تماما على ذلك . وهذا من أهم عوامل الاطاحة بمبارك خلال 18 يوما.( أقصد فى قصر المدة ) . وقد جرت منافقة الثورة من قبل العسكر والاعلام الرسمى بل وبتصريحات عجيبة من أوباما نفسه وغيره من قادة الغرب ( مثلا : على الشباب الأمريكى أن يتعلم من شباب مصر ). بغرض احتواء الثورة وإنهائها باعتبارها قد حققت أهدافها كاملة . ونذكر أن أمريكا ألقت بثقلها وراء خيار عمر سليمان كنائب لمبارك حتى شهر سبتمبر 2011 . ولكن الجماهير رفضت ، وكانت خطة أمريكا الاعتماد على المجلس العسكرى لترتيب أوضاع مابعد مبارك. وبالقطع نحن لانسوى بين المجلس العسكرى (وشفيق ) والاخوان ، فالاخوان يناورون مع الأمريكان بنية خديعتهم ، والأمريكان يقدرون ذلك ويضعون الاخوان على مزيد من المحكات والاختبارات ، وهم لم يطمئنوا بالكامل لهم ،وهو يوافقون أن يكونوا جزءا من المشهد السياسى كما هو الحال الآن ، ولكنهم يطمئنون إلى شفيق أكثر ، وبالتالى فإن وضعهم تحت الاختبار فى السلطة التشريعية لمدة 5 سنوات هو الوضع الأمثل . وهذا التحليل ظهر أخيرا على لسان عملاء لأمريكا وفى كثير من التحليلات فى الصحف الأمريكية المهمة ، وهذا يتناسب مع تحليلاتنا المكتوبة من قبل ويمكن الرجوع إليها . وهذا بالمناسبة لصالح الاخوان من زاوية نفى أنهم وقعوا صك الاستسلام النهائى لأمريكا ، ولكن ليس لصالحهم فيما يتعلق بسوء إدارة الصراع ، حيث تخلوا عن مكامن القوة الأساسية ، وهى الالتحام الدائم بجماهير الثورة ، ورفض خيار المجلس الثورى لقيادة الثورة الذى كان يتعين تشكيله والضغط الجماهيرى من أجل تسلمه السلطة التنفيذية .لقد سحبهم المجلس العسكرى والأمريكان بعيدا عن جماهير الثورة. ثم تم سحبهم للبرلمان بدون صلاحيات حقيقية ، ثم تم تعميق الهوة بينهم وبين القوى العلمانية ، وتم استخدام قوة نيران مكثفة فى الاعلام الرسمى والخاص ( لاحظ أن الخاص ممول أمريكيا فى أغلبه وأهم قنواته وصحفه)، ثم تم إظهار شفيق من العدم ، الذى أصبح مرشح المجلس العسكرى ونظام مبارك القائم الذى لم يسقط ( طنطاوى والجنزورى رجال من؟!) والحزب الوطنى الذى لم يعد منحلا ، والمجالس المحلية التى لم تعد منحلة ، ورجال الأعمال التابعين لجمال مبارك ، وأمريكا واسرائيل ودول الخليج. وبالتالى فرغم كل أخطاء الاخوان فلا سبيل أمامنا سوى دعم مرشحهم للرئاسة بل ودعوة الناس لانتخابه . لأن شفيق هو جزء لايتجزأ من ماكينة التبعية لأمريكا واسرائيل . وإعادته للحكم مكان المخلوع هو أنسب وسيلة لتثبيت هذه الماكينة ولانقول إعادة إنتاج النظام السابق وكأنه قد زال ، فهذه الماكينة اختلت فى الفترة الانتقالية وتحتاج إلى إعادة تثبيت وربط للصماويل والمفاصل ، ثم إعادة تشحيم وتزييت . ولم يجدوا أنسب من الأسطى شفيق . وقد نتعجب لماذا لم تجد المؤسسة العسكرية وأمريكا شخصا جديدا حتى يقال إنه سيتبع سياسة جديدة على سبيل الخداع . المسألة يبدو تتعلق بالمواجهة السافرة : نعم نحن نريد حكم مبارك ولكن بدون شخص وأسرة مبارك ، والعلاقات مع أمريكا واسرائيل ليست عورة بل من مفاخر عهد مبارك . كذلك يبدو من الصعب أن تحصل على عميل سمعته نظيفة ، بل من الضرورى أن يكون ملوثا حتى يمكن التحكم فيه.
ونعود مرة أخرى لخطأ فكرة الفصل بين السياستين الداخلية والخارجية ، وهذه الفكرة يروجها أنصار نظام مبارك ، للتأكيد على صحة سياسته الخارجية مع تقزيم أخطاء سياسته الداخلية فى بعض أخطاء أبنائه وزوجته. وقد ركز الاعلام الرسمى والخاص على فضائح الأسرة المالية والأخلاقية على شكل الفرقعة الاعلامية بدون أن يؤدى ذلك إلى أى نتيجة قضائية أو عملية ( باسترداد أموال الشعب المنهوبة ) . كذلك تمت الاشارة لكثير من مشكلات النظام السابق فى المجال الاقتصادى والاجتماعى . ولكن لم تهتم أغلب النخبة والقوى السياسية بربط كوارث نظام مبارك بتبعيته للحلف الصهيونى الأمريكى ، ولم يكن ذلك دائما على سبيل السهو أو الخطأ فى التحليل ولكن كان أيضا يعبر عن موقف بعض القوى والتيارات العلمانية الموالية للغرب . فى حين رأينا فى حزب العمل ولانزال أن الاستقلال هوالقضية المركزية . الاستقلال هو علامة ممارسة الأمة لشخصيتها ومعتقداتها وضمانة تحقيق مصلحتها . وهو حرية الوطن التى بدونها لاتتحقق حرية المواطن . والاستقلال هوأساس وجود الأمة . ولذلك قاتلت الأمم جميعا حتى الموت دفاعا عن استقلالها وحرمة أراضيها ضد أى عدوان أو احتلال أجنبى ، بل عرفت كثير من الكائنات ( الحيوانات والحشرات) التى تعيش فى جماعات فى مكان محدد نفس الموقف الغريزى .( راجع دراستى : العصيان المدنى .رؤية اسلامية ).
الهيمنة الأمريكية الصهيونية فرضت على بلادنا استغلالا لاتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام ، حيث استغلت أمريكا إعادة سيناء للمقايضة عليها باستقلال مصر ( راجع دراسة : كامب ديفيد فى الميزان ) . تستهدف أمريكا من السيطرة على مصر تحقيق عدد من الأهداف الاستراتيجية :مصر مفتاح المنطقة وعن طريقها يتم إحكام السيطرة على المنطقة العربية بأسرها ، فعندما كانت مصر فى موقف معاداة أمريكا واسرائيل التفت المنطقة حولها ، وعندما سارت فى طريق كامب ديفيد التفت المنطقة حولها . مصر القوية المستقلة تقود المنطقة العربية للوحدة ، اذن لابد من إضعاف مصر ، لأنها الدولة الوحيدة المؤهلة لزعامة المنطقة أو على الأقل أقرب الدول للقيام بهذا الدور. وفى المقابل فان أمريكا تسعى لتكون اسرائيل هى الدولة القائدة فى المنطقة وهذا لايتم بدون تفكيك فكرة القومية العربية وتسييد فكرة الشرق الأوسط ، وأيضا بالمزيد من تفكيك الدول العربية ، وهذا لايتم أيضا بدون المزيد من إضعاف مصر. ويتفرع عن ذلك أهمية موقع مصر عالميا ( قناة السويس ) وقربها من مكامن النفط الأهم فى العالم ، وقربها من القدس كرمز عالمى للغرب ( الذى يسمونه أحيانا : الحضارة اليهودية المسيحية ) . وقد ثبتت أهمية مصر الاستراتيجية فى حروب الولايات المتحدة الأخيرة ، حيث كانت محطة رئيسية ومعبر للحشود العسكرية الجوية والبحرية فى العدوان على أفغانستان والعراق ، بل استخدمت سواحلها لقصف العراق بالصواريخ. ويمكن أن يكون لها نفس الدورفى أى حرب أمريكية على إيران . واستخدم موقعها ولايزال فى خنق قطاع غزة لصالح اسرائيل .وتحقيق كل هذه الأهداف يتطلب كسر الإرادة الوطنية المصرية حتى تقوم بكل هذه الأعمال التى لاتحقق لمصر أى مصالح ، إلا على طريقة الرشوة البسيطة التى لاتسمن ولاتغنى من جوع ، بل يحصل عليها بالأساس الحكام العملاء دون الشعب.واستمرار إبعاد مصر عن دورها الطبيعى كقائد للمنطقة ، يتطلب مواصلة إضعافها ، ولايعنى ذلك الإضعاف العسكرى فحسب بل هذا يسير عن طريق التحكم فى مصادر التسليح بالمعونة الأمريكية التى تعطى سلاحا أمريكيا لايصلح لمواجهة اسرائيل من حيث الكفاءة ، وأيضا من حيث ضمان تدفق قطع الغيار والذخيرة والتسليح التعويضى لما يفقد فى المعارك والتدريب. هذا أيسر السبل وأسهلها لإضعاف مصر ، ولكن المسألة أكبر وأخطر وأعمق من ذلك ، فالمعروف أن العلم هو أساس القوة الاقتصادية ، والقوة الاقتصادية أساس القوة العسكرية والسياسية ، لذلك لابد من إبعاد مصر عن العلم والتكنولوجيا ، فى المجالات السلمية والعسكرية على السواء لأن المجالين مترابطان ، حقا هناك مصريون يدرسون فى الداخل والخارج ويحاولون متابعة آخر تطورات العلم . ولكن هناك آلية لمنع هذه الكفاءات من العمل داخل مصر فهى إما تنزوى أو تهاجر للخارج .
هناك آلية محكمة صارمة تمنع التحاق مصر بركب التطور العلمى والتكنولوجى فى كل المجالات ، لأن هناك طبقة مستفيدة من الاعتماد على الغرب فى كل المجالات مقابل العمولات ، وأحيانا يتطلب الأمر إصدار أوامرأمريكية شفوية صريحة بوقف بعض المشروعات : الطاقة النووية ، الصواريخ ، السيارات ، الأقمار الصناعية ،الطيران بكل أنواعه المدنية والعسكرية.وهذه مجرد أمثلة ، ويصل الأمر إلى حد التدخل فى المحاصيل التى نزرعها وتلك التى لانزرعها . مثلا هناك قرار أمريكى بمنع مصر من الاكتفاء من القمح . والمقصود هنا ليس الجانب التكنولوجى ولكن جانب الاعتماد على الخارج فى الحاجات الاستراتيجية.
وإفقار الجماهير ليس بعيدا عن سياسة التدخل الأمريكى فى شئوننا الداخلية عن طريق صندوق النقد الدولى والبنك الدولى ، فهذان الذراعان للهيمنة الاقتصادية الأمريكية لا يستهدفان الخير لأى دولة من دول الجنوب ، ومن باب أولى بلد بحجم وأهمية مصر . إن المستهدف منهما فتح بلدان الجنوب للرأسمال الأمريكى والغربى، وأن يكونوا مجرد أسواق مفتوحة لسلع الغرب وقروضه وشركاته . وقد كان الصندوق السبب المباشر وراء العديد من ثورات وانتفاضات دول الجنوب ، ولم تتقدم دولة آسيوية أو افريقية أو لاتينية إلا برفض مشروعاته واقتراحاته . ولكن نظام مبارك كان المطيع الأمين لروشتة صندوق النقد وهذا هو السبب الرئيس وراء الخراب الاقتصادى المصرى ، وليس أحمد عز وجمال مبارك فمثل هؤلاء هم مجرد دمامل وفسافيس وطفح على جلد الوطن للمرض الأصلى ، ولذلك لم يعدم نظام مبارك من التقارير الدولية التى تشيد بمعدلات نموه!! رفع الدعم وبيع القطاع العام بهذا الشكل السفيه الذى تم به ، ورفع أسعار النقل والكهرباء والمياه والعلاج والتعليم ، كل هذا هو تنفيذ لتعليمات الصندوق .أما فساد جمال وأصحابه فهذا جزء لايتجزأ من الخطة لإحكام السيطرة وكسر العين.
حتى فى الأمور التى قد تبدو عادية ولكنها مهمة جدا لمصلحة مصر كان يمكن أن تتوقف لصدور فيتو اسرائيلى . أعنى بناء جسر يربط بين مصر والسعودية ، وقد كان أمرا سيسهل رحلات العمرة والحج البرية ، ويربط مصر بالسعودية ودول الخليج بشكل أكثر يسرا ، بل هو مشروع استراتيجى بالفعل لأنه يربط بسهولة ويسر بين مشرق ومغرب الأمة العربية. فى عهد مبارك نشر أن العاهل السعودى سيصل لمصر لوضع حجر الأساس للمشروع ، واعتبرت اسرائيل أن هذا المشروع يضر بأمنها القومى !!! فاتصلت بمبارك لوقف المشروع واستجاب مبارك فورا ، واتصل بالعاهل السعودى للاعتذار رغم أن السعودية كانت هى المتكفلة بتكاليف المشروع . وأعلن الاعلام المصرى إن زيارة العاهل السعودى لمصر لوضع حجر أساس الجسر إشاعة لا أساس لها من الصحة . وهذا مثال لكيف كان نظام مبارك يتخذ قرارات لصالح اسرائيل وفى غير صالح مصر ، فهذا الجسر كانت له أهمية كبرى لانعاش التفاعل الاقتصادى بين البلدين وبين المشرق والمغرب العربيين. ولكن مسار التبعية اتجه إلى منحى أكثر تدميرا : الكويز الذى ربط صناعة النسيج درة الصناعة المصرية باسرائيل ، ثم تصدير الغاز لاسرائيل على حساب الاحتياجات المصرية وبأسعار رمزية . وأصبحنا نعقد اتفاقات كارثية مع شركات البترول الدولية حيث بدأت تحصل على 100% من الانتاج وأصبحنا نستورد بترولنا من هذه الشركات بالأسعار العالمية !!بل وصل الأمر إلى استيراد مواد غذائية وزراعية ضارة بالانسان والتربة والكائنات من اسرائيل بمعرفة الحكام ، وهى جريمة إبادة جماعية مع سبق الإصرار والترصد ، ولكنها تحت إشراف وبتعليمات أمريكية.
وهكذا تم حصار مصر داخل حدودها بعيدا عن مجالها الحيوى العربى الاسلامى ،وتم ضرب أى إمكانية لنهضتها فى الداخل ، ولم يعد لديها سوى التسول من أمريكا والغرب . مع ملاحظة أن مصر ممنوعة من تطوير العلاقات ليس مع ايران فحسب ، بل مع الهند والصين وروسيا والنمور الاسيوية وجنوب افريقيا وأمريكا اللاتينية .
وبالتالى ماكان للثورة أن تحقق أهدافها فى الحرية والعدالة والتنمية بدون إنهاء علاقات العبودية مع أمريكا والصهيونية . وهذا هو الركن الغائب فى حوارات الفضائيات وبرامج الأحزاب ، وهذا ما سنليه أهمية خاصة فى المرحلة القادمة.
ولكننا نركز اليوم على أن الموقف الوطنى الوحيد الآن فى هذه الانتخابات الرئاسية هو إسقاط شفيق وانتخاب مرسى ، لأن أى موقف آخر بما فى ذلك المقاطعة أو إبطال الصوت هو تصويت غير مباشر لشفيق ، وشفيق يمثل استمرار الماضى بكل كوابيسه : مبارك مثله الأعلى ، أول بلد سيزورها أمريكا ، وطبعا سيزور اسرائيل اذا جاءته دعوة !
وهذه بعض المقتطفات القليلة :
تقول صحيفة الجيروزاليم بوست الاسرائيلية :
إن كثيراً من المصريين ينظرون إلى شفيق باعتباره حسنى مبارك الثانى، وكذلك يعتبره المسئولون الإسرائيليون رجلاً عملياًَ حريصاً على استمرار تحالف الرئيس المخلوع مع واشنطن وشراكته الاستراتيجية مع إسرائيل. ولفتت إلى قوله، إنه لو أصبح رئيساً ربما يقوم بزيارة إسرائيل لو فى ذلك مصلحة لمصر.
ويرى ورثمولر أنه لو أصبح مرسى رئيساً سيعمل على الأرجح مع البرلمان على تفكيك معاهدة السلام، من خلال عملية تدريجية تتم على مراحل. ورأى خبير معهد هدسون أن شفيق موقفه بالتأكيد أكثر إيجابية إزاء المعاهدة، بعد تعهده بالحفاظ عليها لصالح أمن واستقرار مصر.
من ناحية أخرى، قال رافئيل إسرائيلى، المتخصص فى شئون الشرق الأوسط فى الجامعة العبرية بالقدس، إن شفيق هو الأمل الوحيد لإسرائيل
أما روبرت فيسك فقال فى صحيفة الاندبندنت :
"أعلم أن مؤيدي شفيق في واشنطن يريدون نجاحه لكي يستعيد علاقة مصر مع إسرائيل، لكنهم في الحقيقة يريدون استعادة ديكتاتورية مبارك، أي إعادة النموذج القديم (إما مبارك "الاستقرار" أو فزاعة الإخوان المسلمين)، كما يريدون إذكاء مخاوف المسيحيين وتخويف الغرب من فظاعة الأصوليين..
ورأت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن فوز الفريق "أحمد شفيق" في جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية في مصلحة الولايات المتحدة وإسرائيل، حيث إنه المرشح الوحيد الذي لن يتحدى الشراكة الدولية التي أنشأها نظام مبارك، وسيسير على نهجه وسياساته الخارجية.
ولفتت المجلة إلى تصريحات شفيق السابقة التي أكد فيها أن الولايات المتحدة ستكون أول دولة سيزورها في حال انتخابه.
ورأت المجلة أنه على الرغم من ترويج خطاب إدارة الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" الداعم للثوار في مصر منذ أكثر من عام، إلا أنه يكشف الآن عن حاجته السياسية لاحتضان شفيق، خاصة حينما تندلع الاحتجاجات التي لا مفر منها في القاهرة في حال فوزه.
وتابعت المجلة قائلة:"إذا كان شفيق ليس بالاختيار الأفضل لأمريكا فإنه على الأقل لن يكون أكثر خطورة من غيره، فرئاسة "محمد مرسي" تمثل كارثة بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل"، موضحة أن التحديات التي يشكلها مرسي، المرشح الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين، الذي وصف المواطنين الإسرائيليين بأنهم قتلة ومصاصو دماء، واضحة تماما.
الاعلام الاسرائيلى والأمريكى ينضح ويطفح بهذا الموقف ، ولم نكن فى احتياج للاستدلال به ، فالمنطق والتحليل السليم يقول بذلك . فالمسألة ليست فساد شفيق لأنه تربى فى فساد مبارك ، وليس مسألة عمولات حصل عليها مبارك وشفيق ، هذه مظاهر مهمة للمرض العضال الأصلى : فشفيق هو رجل أمريكا الذى تم إعداده وتجنيده ، وأمريكا لاتثق إلا فى العميل المرخص. والعمالة لأمريكا هى الباب الملكى للعمالة لاسرائيل . سنعود لفتح هذا الملف على أوسع نطاق : ملف عملاء أمريكا واسرائيل فى الطبقة العليا المصرية بعد انتخابات الرئاسة . أما الآن فإننا لانحتاج لأكثر ممانشر عن شفيق لنتأكد أنه عدو الشعب المصرى وعدو مصر .
ونكتفى بما ذكرته الوول ستريت جورنال عام 2010 بأن شفيق هو المرشح لخلافة مبارك أكثر من جمال مبارك وعمر سليمان . وهذا ما أكدته مؤخرا الديلى تلغراف البريطانية : أن أحمد شفيق رئيسا قرار أمريكى صدر للمجلس العسكرى والمجلس العسكرى ينفذ صاغرا.
ولكن ستظل الكلمة النهائية للشعب المصرى اذا شعر بالخطر على ثورته ورفض هذه الدعوات غير المسئولة بالمقاطعة أو بإبطال الصوت، فنزوله للانتخاب سيسقط شفيق ويحرس الصناديق ويرهب المزورين اذا فكرواأن يتلاعبوا بالنتيجة .
إسقاط شفيق المدخل لمواصلة تفكيك ماتبقى من نظام مبارك.
المجد والخلود لشهداء الثورة
لن تهزم الثورة وسنستشهد دون ذلك
الله أكبر ويحيا الشعب
الله أكبر والمجد لمصر
مساء الثلاثاء 12 يونيو 2012
[email protected]
الموقع غير مسئول قانونا عن التعليقات المنشورة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.