البلاد تمر بأزمة اقتصادية غير مسبوقة, وكل ضحاياها من الفقراء والطبقة المتوسطة, ورجال الأعمال المستفيد الوحيد. - الحكومت هدمت القطاع العام وقطعت بذلك الشريان الرئيسي للحياة الاقتصادية في البلاد. - سيرنا الكامل وراء توجهات صندوق النقد الدولي المعادي للفقراء سبب لنا اختلالا اقتصاديًا كبيرًا. - الاقتصاد قائم على مرتكزات غير مستقرة مثل السياحة ودخل قناة السويس بينما الدعائم الرئيسية مثل الزراعة والصناعة المستقرة التي تقيم اقتصادًا مستقرًا وصلبًا غائبة عن التطبيق. - إعادة بناء الجهاز الإداري, رفع مستوى معيشة الأفراد, وقف تغول رجال الأعمال, وتقليل درجة التبعية للمنظمات الاقتصادية الخارجية.. أهم الحلول. كتب: محمد أبو المجد تحت عنوان " الدولة والأزمة الاقتصادية الراهنة.. الدور الغائب" عقد حزب العمل ندوته النصف شهرية الدورية وذلك بمقر المركز العربي للدراسات, وذلك لمناقشة الأزمات الاقتصادية الطاحنة والمتلاحقة التي تشهدها البلاد وأسبابها وطرق معالجتها وما هو دور الدولة في هذا الأمر. وقد استضافت الندوة الدكتور محمد عبد الشفيع عيسى الأستاذ بالمعهد القومي للتخطيط بالقاهرة والخبير الاقتصادي, والذي تحدث عن حالة الركود الاقتصادي التي تمر بها البلاد وأثرها على الطبقات الاجتماعية, وبعض دورات صعود وهبوط الاقتصاد المصري منذ بداية عهد عبد الناصر وحتى الآن, وسبل مواجهة الأزمة الاقتصادية الراهنة التي تعاني منها مصر هذه الأيام. ركود اقتصادي غير مسبوق وفي بداية حديثه أكد عبد الشفيع أن البلاد الآن تمر بحالة غير مسبوقة من الكساد والركود الاقتصادي أثرت بشكل كبير على البنية الاقتصادية والنظام الاجتماعي للدولة, وكان لها دلالات متعددة مثل زيادة معدلات التضخم في الاقتصاد, والارتفاع المتواصل والجنوني للأسعار والذي أصبح ظاهرة خطيرة ظهرت منذ فترة طويلة ولكنها ازدادت وضوحًا منذ تولي حكومة عاطف عبيد المسئولية عام 2002 وقيامها بعدة إجراءات وصفها جميع الخبراء الاقتصاديون بالغباء وكان في مقدمتها قيام عبيد بتخفيض الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي بشكل فجائي غير متدرج "تعويم الجنيه" مما أدى إلى ارتفاع أسعار الواردات التي يقوم عليها الاقتصاد المصري وترتب عليه ارتفاع جنوني لأسعار كافة السلع الاستراتيجية والكمالية والوسيطة مما أثر بالسلب على النظام الاقتصادي ككل واشتعلت الأزمة الاقتصادية بشكل غير مسبوق, ونجحت حكومة عاطف عبيد بجدارة في الرجوع بمصر عشرات السنين في شهور معدودة. القضاء على الطبقة الوسطى وأضاف عيسى أن الإجراءات التي قامت بها تلك الحكومة في هذا الوقت أضرت بشكل كبير بالطبقة الوسطى وأصحاب الدخول الثابتة "الموظفون والعمال" والذين يعتبرون بمثابة رمانة الميزان للنظام الاجتماعي, هذا فضلاً عن القضاء على طبقة الفقراء ومحدودي الدخل والذين لم يعد لهم مكان في مصر بعد نشوب تلك الأزمة "العبيدية", أما رجال الأعمال – أو رجال "الأموال" كما يسميهم عبد الشفيع فكانوا باستغلالهم المستفيد الأوحد من سياسات الحكومة التي انتجت هذه الحالة من الركود الاقتصادي, حيث احتكروا السلع الاستراتيجية والتكميلية ورفعوا أسعارها بشكل مبالغ فيه وما نراه اليوم من ظهور امبراطوريات الحديد والأسمنت وتحديها للحكومة وإحداث أزمة في السوق هو أبلغ مثال على استغلال رجال الأموال السئ لهذه الحالة. انهيار القطاع العام واعتبر عبد الشفيع أن من أخطر النتائج التي أدت إليها سياسات حكومة "عبيد" هو انهيار القطاع العام الذي كان يمثل الشريان الرئيسي للحياة الاقتصادية في البلاد, فقد تخلت الحكومة عنه وضحت به من أجل إرضاء حفنة من رجال الأعمال, وانتهجت سياسة منظمة "لتخسير" مصانع وشركات القطاع العام حتى ولو كانت تحقق أرباحًا وذلك عن طريق القرارات التي أصدرها رئيس الوزراء والتي تمنع القطاع العام من الإحلال والتجديد في معداته القديمة أو المتهالكة بالإضافة إلى تكبيله بظروف يستحيل العمل بنجاح في ظلها, وبدأت أكبر عملية بيع لأصول القطاع العام بأبخس الأسعار في صفقات شابها الكثير والكثير من التجاوزات والتي كانت تقشعر لها أبدان الخبراء الاقتصاديون, وهو ما أدى في النهاية إلى انهيار القطاع العام بشكل سريع, وتفرد القطاع الخاص – بتحكماته- على عرش الاقتصاد واحتكرت طبقة بعينها السلطة والثروة ودخلنا عصر رجال الأعمال المطلق وأفلت شمس الفقراء والطبقة الكادحة من هذا الشعب. وبعد ذلك قام الدكتور محمد عبد الشفيع بعرض موجز لبعض التغيرات التي مر بها الاقتصاد المصري متأرجحًا بين الانتعاش والركود, حيث أوضح أن الاقتصاد المصري كان جيدًا نوعًا ما أيام حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر, حيث كان هناك مشروع لبناء كيان اقتصادي قومي, وكانت أحوال العمال والفلاحين جيدة وكان القطاع العام في أوج نشاطه وقد بدأت هذه الفترة في الخمسينات واستمرت بين الصعود والهبوط الشديد وتحديدًا أثناء نكسة 67 وفقدان الشعب الثقة بنفسه وقيادته حتى جاء عام 1973م بنصر أكتوبر الذي أعاد ثقة الشعب بنفسه وخلق نوعًا من التوازن الاقتصادي وأصبح هناك مناخ متفائل كان يمكن للقيادة السياسية استغلاله أفضل استغلال لبناء اقتصاد قوي ومجتمع قادر على الاعتماد على نفسه, ولكن القيادة السياسية التي أفشلت نتائج النصر وانتهجت كامب ديفيد لها سبيلاً اختارت الخيار الأسهل وهو الاعتماد على الخارج والمزيد من التبعية, وأدى ذلك إلى هجرة العمالة المصرية والطاقات البشرية الهائلة إلى الخارج والتي أسهمت في بناء اقتصاد معظم دول الخليج, وبدأت الأموال تتدفق من الخارج إلى مصر مسببة حالة من الانتعاش المؤقت للحركة الاقتصادية التي كانت قائمة بالأساس على تحويلات العاملين بالخارج, والنشاط السياحي بالإضافة إلى إيرادات قناة السويس وهي أشياء يمكن أن تنتهي أو تتأثر في أي وقت لذا لا يعقل قيام اقتصاد دولة على هذه الأشياء فقط! صندوق النقد الدولي.. بداية الانهيار وأكد عبد الشفيع أن مرحلة الركود الاقتصادي المزمن بدأت بحق منذ عام 1981م وبالتحديد منذ ان اتجهت الحكومة إلى الهيئات الاقتصادية الأجنبية لحل المشاكل الاقتصادية وعلى رأسهم صندوق النقد الدولي الذي لا يخفى على أحد اتجاهاته المنحازة بشكل صارخ لأصحاب رؤوس الأموال على حساب الفقراء, وقد قام صندوق النقد الدولي حينها بتقديم اقتراح إلى الحكومة المصرية لخفض نسبة العجز في الميزانية وكان يقضي بتقليل نسبة الدعم الذي تقدمه الدولة للفقراء ومحدودي الدخل تدريجيًا بدعوى أنه يأكل جزءًَا كبيرًا من الميزانية, بالإضافة إلى انتهاج سياسة رفع أسعار كافة السلع حتى يقل مستوى الاستهلاك ليصبح مقاربًا لمستوى الانتاج القليل أصلا بفعل سياسات الحكومة, وقام صندوق النقد الدولي بتوقيع اتفاقية مع الحكومة المصرية سميت باتفاقية "التثبيت" والتي تقضي بقيام صندوق النقد الدولي بدعم مصر بالقروض والمنح مقابل التزام الحكومة المصرية تمامًا بسياساته توجهاته الكارثية وعلى رأسها رفع الأسعار وتخفيض النفقات الاجتماعية, وبالفعل حققت الدولة نوعًا من التوازن الاقتصادي الوهمي أطلق عليه الخبراء "التوازنات الإسمية" في الميزانية والتي قللت صوريًا من مستوى العجز بها, ولكنها أحدثت اختلالاً كبيرًا في التوازن الاقتصادي الحقيقي في البلاد بشكل غير مسبوق وأسهمت في تدهور الأحوال الاقتصادية في المجتمع, فقد جاءت للأسف على حساب الفقراء والطبقة المتوسطة وأصحاب الدخول الثابتة الذين يمثلون أكثر من 80% من نسبة الشعب المصري والذين انخفض مستواهم المعيشي بشكل كبير حتى أصبح عدد لا بأس به منهم يرقد تحت خط الفقر, والفضل يرجع إلى حكومتنا الرشيدة الملتزمة بمنهج صندوق النقد أو "النكد" الدولي. وأضاف عيسى أن استمرار سير الحكومات المتعاقبة حتى الآن على نفس السياسات (رفع الأسعار مع ثبات الأجور وتقليل نفقات الدعم الاجتماعي) خلق حالة من السخط والتذمر بين أوساط العمال الذين عانوا الأمرين في ظل هذه السياسات والتي شهدناها مؤخرًا بمختلف مصانع مصر في صورة اعتصامات وإضرابات عمالية بصورة لم تشهدها مصر من قبل مما سبب إرباكًا للحكومة تعاملت معه بالمسكنات ولكن القضية تنتظر تصعيدًا آخر بعد انتهاء مفعول تلك المسكنات, ويبدو أن الحكومة لم ولن تتعلم الدرس!! التوازن الاقتصادي في الحضيض وأشار د. عبد الشفيع إلى أن رئيس الوزراء الحالي "نظيف" يزعم أن معدلات النمو الاقتصادي في مصر عالية هذه الأيام, وهو أمر حقيقي بالفعل ولكنه نمو غير حقيقي ناتج عن سياسات "الخصخصة" وبيع ممتلكات الدولة للأجانب, ولكن التوازنات الحقيقية منهارة ولذلك فإن الناس لا تشعر بأي تحسن في الأحوال الاقتصادية بل إنها تسوء يومًا بعد يوم في ظل انحياز الحكومة الكامل للأغنياء ورجال الأعمال على حساب الفقراء والطبقة الشعبية الكادحة. وأكد عيسى أن السياسات الحكومية فاشلة منذ عام 52 وحتى الآن, والاقتصاد قائم على مرتكزات غير مستقرة مثل السياحة ودخل قناة السويس بينما الدعائم الرئيسية مثل الزراعة والصناعة المستقرة التي تقيم اقتصادًا مستقرًا وصلبًا غائبة عن التطبيق, والاستثمارات التنموية تتجه معظمها إلى العاصمة وتحديدًا أعمال البنية التحتية وذلك على حساب الأقاليم وخاصة الصعيد المغضوب عليه. وحذر عبد الشفيع من استمرار تلك السياسات الحكومية التي تهدف إلى تحقيق "التوازنات الإسمية" ولا تعالج المشاكل الاقتصادية من جذورها, مؤكدًا أن ذلك من شأنه أن يسهم في توسيع الهوة - الكبيرة أصلا- بين الفقراء والأغنياء بشكل سيؤدي إلى قيام ثورة ستقضي على النظام الرأسمالي الحالي, مضيفًا أن استمرار سيرنا خلف سياسات صندوق النقد الدولي المضادة للفقراء سيورثنا مزيدًا من النكبات والأزمات الاقتصادية, مشيرًا إلى أن آخر تقارير الأممالمتحدة تؤكد أن أكثر من 44% من سكان مصر أصبحوا تحت خط الفقر, ودخول الناس أصبحت لا تتناسب مطلقًا مع الأسعار مما دفعهم لانتهاج أساليب غير سوية لتوسيع دخولهم فانتشرت الجرائم بجميع أنواعها ومعظمها يكون بدافع السرقة. الخروج من الأزمة ممكن.. ولكن وفي ختام كلمته أكد عبد الشفيع أن تجاوز الأزمة الاقتصادية الراهنة أمر ليس بالمستحيل, ولكنه يتطلب من الدولة أن تكون على مستوى المسئولية في إدارة اقتصاد البلاد, وحدد عيسى عدة نقاط من شأنها الخروج بمصر من حالة الركود الاقتصادي إلى بر الأمان وأجملها فيما يأتي: · تطوير الجهاز الإداري والانتاجي وهذا لن يتحقق إلا بإعادة إحياء القطاع العام من كل النواحي أو بناء قطاع عام جديد قادر على المنافسة والانتاج, بالإضاقة إلى الاهتمام بالزراعة والصناعة والخدمات المتقدمة "التكنولوجيا". · العمل على رفع مستوى المعيشة لأفراد الشعب وزيادة الإنفاق الاجتماعي وزيادة الاستهلاك الذي سيؤدي إلى زيادة الإنتاج الذي يتناسب طرديًا مع ارتفاع مستوى المعيشة, وتجربة الولاياتالمتحدة في استخدام الاستهلاك كقوة إنتاجية خير شاهد على هذا. · الابتعاد عن سياسة تصعيد رجال الأعمال إلى السلطة والتي قام بها النظام مؤخرًا بتعيين عدد منهم في بعض الوزارات السيادية, وهي محاولات غبية لا تعالج المشكلة من جذورها, فرجال الأعمال لهم رؤيتهم الخاصة التي غالبًا ما تتعارض مع مصالح الفقراء والطبقة الوسطى وهم يبحثون عن الربح السريع بغض النظر عن الاهتمام ببناء اقتصاد قوى بصبر. · يجب تقليل درجة التبعية للمنظمات الاقتصادية الخارجية مثل صندوق النقد الدولي الذي دمرتنا سياساته, ويجب قصر الاستيراد على الضروريات مع تشجيع الانتاج الوطني. · العمل على إقامة منظومة اقتصادية واجتماعية عربية متكاملة ذات نزعة استقلالية ومنفتحة على الأفق الوحدوي. غير أن عيسى شدد على أن الأهداف السابقة تتطلب سياسة وطنية عامة من الحكومة والشعب معًا, مؤكدًا أن الإصلاح السياسي أمر ضروري لتحقيق الإصلاح الاقتصادي, وهو ما تقضي عليه التعديلات الدستورية الأخيرة.