هل يختلف أحد فى أن الإسلام هو الشريعة الخاتمة التى جاءت رحمة لكل العالمين ، وأنها حيث حلت وحكمت كانت رحمة وحافظة جامعة لكل الشعوب والطوائف مسلمين كانوا أم غير مسلمين. هل يختلف أحد أن الإسلام ليس شعائر عبادية فقط وقيم أخلاقية ، بل شريعة حاكمة وضابطة لكل السلوك والنشاط الحياتى للمؤمنين سواء كان هذا النشاط تجارى أو اجتماعى أو سياسى ..الخ، وحافظة فى نفس الوقت بنصوص مرنة - للنفس والعقل والنسل والمال والدين بالاضافة لحفظ النظام وإقامة للعدل والمساواة بين الناسوجلب المصالح ودرء المفاسد، بل لا يختلف أحد - إلا المرضى قلوبهم – من أن هذه الشريعة لا يحتكر فهمها أو تفسيرها كهنوت أو طائفة معينة معصومة من الخطأ والزلل وتتدعى نيابة الله فى الأرض، بل إن ذلك الفهم والتفسير مرهون بأصول علمية أكاديمية تمكن لأى متخصص الفهم و الاجتهاد فى نصوصها وسواء جاء هذا المتخصص من كلية الحقوق أو كلية الشريعة، كما أن أغلب هذه النصوص ظنية يجوز الاختلاف والتعدد فى فهمها وتفسيرها واختيار ما يحقق المصلحة ويدرء المفسدة. ومن هنا استقر الإيمان على أن الاسلام هو دين ودولة وعبادة وشريعة وسياسة وقانون، وأن القائمون على هذه الدولة أفراد يجوز الاختلاف معهم وعزلهم، كما استقر الفهم أيضا أن الدولة الإسلامية ذات طابع مدنى، تحفظ الحقوق لكل رعايا الدولة بكل طوائفهم. ومن هنا فالأصل أن المسلمين جميعا –بحكم إسلامهم- أمة سياسة وحزب سياسى، كما أن على المسلمين جميعا أن يمارسوا كل شئونهم الحياتية والمعاشية بحكم دينهم " وجوبا " لا اختيارا. فليس للمسلم اختيار فى أن يعاهد أو يقاتل أو يبيع أو يشترى أو يزرع أو يصنع أو يتزوج بعيدا عن أحكام دينه وبدون الرجوع إليها:" وان احكم بينهم بما أنزل الله واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك" . إذا فإن دستور المسلمين الأول هو شريعتهم التى قررها لهم دينهم، وفى أسوأ الأحوال أن تكون هى المرجعية الأساسية فى تقنين هذا الدستور، وعلى أن لا تصطدم بقية مصادر التشريع مع روح الشريعة ونصوصها. ومن هنا كان الأصل "الحاكم " لكل الأنشطة سياسية كانت أم اجتماعية هى تلك المرجعية الدينية، والاستثناء هو الرجوع والاستفادة من مصادر أخرى بشرط عدم التعارض. وهذا ما يتناسب مع صدقية التعامل مع المادة الثانية فى الدستور التى تقرر تلك المرجعية. وبناء عليه فإننا إذا كنا فى حاجة لإضافة مادة فى الدستور تنظم للحياة الحزبية والسياسية فى مصر فالأصل أن تقول ب: ( بناء على أن دين الدولة هو الإسلام وأن الشريعة الإسلامية هى المرجع الأساسى للدستور فإنه يحظر قيام أى نشاط أو أحزاب سياسية تتنافى أو تتعارض مع المرجعية الأساسية للدستور). أما أن يأتى من يشرع بعكس ذلك، بأن يحظر قيام أى نشاط أو أحزاب سياسية على مرجعية دينية ( المقصود طبعا الإسلامية) فهذا هو العجب العجاب ، وهو تحريم ليس ما أحل الله وفقط، بل تحريم ما أوجب الله، وهو إثم ما بعده إثم يشترك فيه كل من أقر بذلك أو وافق عليه. وتأسيس لدولة ولأمة لا دين لها أو لأمة تحتقر دينها، أو لأمة تفتقر لدين بلا شريعة حياتية، وهو ما يعد انقلاب على إسلامية الدولة والأمة والتفاف على المادة الثانية للدستور وتفريغها من محتواها. إنه لا يجوز بحكم المنطق والعرف العام، بل والعرف الديمقراطى أن يتخلى الأغلبية من أبناء الوطن عن شريعتهم السياسية التى لا يكتمل التدين بدونها، من أجل أقلية ليس لها تشريع عقدى، ولا تتضرر دينيا من شريعة الأغلبية التى حفظت كينونة –تلك الأقلية- ومكنت وجودها وحريتها الدينية بعد طول اضطهاد ونكران من الامبراطورية البيزنطية، فكان الاسلام وظلت شريعته الضمانة الحقيقية لعدم الجور على حقوق تلك الأقلية. ألا فليعلم جميع المصريين، أنه بحكم هذه المادة المقترحة، يتحول كل مصرى - مؤمن بالاحتكام لدينه فى الحياة ، ويحب أن يشارك فى الحياة العامة بدافع من واجبه الوطنى- إلى مواطن من الدرجة الثانية، ويحرم من حقوقه السياسية، ويعتبر فى حكم المطارد إن لم يبرأ من هذه المرجعية الشرعية، وإن جاهد ذلك بكل الأساليب المشروعة حتى التى أقرتها له القوانين الدولية، يصنف إرهابيا ويقع تحت طائلة مواد دستورية أخرى مزعومة تعود بنا إلى عصر التفتيش...بالملاحقات الأمنية والتحويل إلى محاكم عسكرية، والقضاء على آخر الحقوق الإنسانية فى الدستور، فضلا عن الغاء الإشراف القضائى على عملية الاقتراع فى أى انتخابات لضمان إستحالة الإصلاح السلمى وتبادل السلطة، وكل ذلك من أجل التأسيس والتمكين لحكم الاستبداد والفساد والتمهيد للحملة الأمريكية الصليبية الصهيونية إلى مصر...فهل عرفتم لماذا يتم إقصاء مرجعية الشريعة الإسلامية للعمل والنشاط السياسى..؟! إنها تعديلات باطلة ...شرعا ..وعرفا...وقانونا..وخيانة للوطن ..وانقلاب على الدستور والعقيدة . ومن شارك فيها فهو آثم ..آثم ..آثم ...