في ذكرى رحيله ال18| الأب "متى المسكين" رمز الكنيسة القبطية.. عاش حياة الرهبنة كما يجب أن تكون    التنظيم والإدارة يعتمد 8 مراكز تدريبية خلال مايو الماضي    وزير المالية: نتوقع نمو الإيرادات العامة إلى 2.6 تريليون جنيه لنجاح صفقة «رأس الحكمة»    في ثالث أيام عيد الأضحى.. سعر الدولار مقابل الجنيه اليوم الثلاثاء 18 يونيو 2024    أسعار الفاكهة فى أسواق الإسكندرية ثالث أيام عيد الأضحى 18 يونيو 2024    وزير الإسكان: تنفيذ 23 مشروعاً لمياه الشرب والصرف الصحي بالوادى الجديد    أسعار الخضراوات والفاكهة اليوم الثلاثاء 18 يونيو 2024 ثالث أيام عيد الأضحى    سعر طن الأسمنت اليوم الثلاثاء 18-6-2024 في مصر    17 شهيدًا بمخيمي البريج والنصيرات جراء غارات إسرائيلية على قطاع غزة    قيادي بحماس: المقاومة الفلسطينية فككت مجلس الحرب الإسرائيلي    شيخ الأزهر يهنئ خادم الحرمين وولي العهد السعودي بنجاح موسم الحج    بكين: فقدان 4 أشخاص جراء الفيضانات الجبلية في منطقة شينجيانج بشمال غربي الصين    الرئيس الأمريكي يرحب بدعم حلفاء الناتو لأوكرانيا    جدول ترتيب الدوري المصري قبل مباراة الأهلي والاتحاد السكندري    الحرس القديم سلاح البرتغال في يورو 2024    مواعيد مباريات الثلاثاء 18 يونيو - الأهلي ضد الاتحاد.. والظهور الأول ل رونالدو في اليورو    «عملاق الصيف».. الأرصاد تحذر من منخفض الهند الموسمي: يضرب البلاد في هذا الموعد    فريق محميات البحر الأحمر يشن حملات تفتيشية مفاجئة خلال إجازة عيد الأضحى    "الشئون الدينية" ترفع جاهزيتها لاستقبال الحجاج المتعجلين لأداء طواف الوداع    بعثة الحج السياحي: إعادة 142 حاجًا تائهًا منذ بداية موسم الحج.. وحالة مفقودة    إجمالي إيرادات فيلم عصابة الماكس في 4 أيام عرض (مفاجأة)    تركي آل الشيخ يعيد عمرو دياب إلى السينما مع نانسي عجرم    مفتي الجمهورية: نثمن جهود السعودية لتيسير مناسك الحج على ضيوف الرحمن (صور)    دار الإفتاء: الأضحية سنة مؤكدة وترك مخلفات الذبح في الشوارع حرام شرعًا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 18-6-2024    دعاء الأرق وعدم النوم.. لا إله إلّا الله الحليم الكريم    دعاء الانتهاء من الحج.. صيغ مختلفة للتضرع عند اكتمال المناسك    «المهايأة».. كيف تتحول شقة الميراث إلى ملكية خاصة دون قسمة؟    الصحة: تنفيذ 454 زيارة مفاجئة للمستشفيات ومراكز الرعاية الأولية ب23 محافظة خلال عيد الأضحى    «الصحة»: فحص 13.6 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الاعتلال الكلوي    «هيئة الدواء» تسحب مستحضرا شهيرا من الصيدليات.. «غير مطابق للمواصفات»    بوتين: أمريكا تريد فرض نظام دكتاتوري استعماري جديد على العالم    «الصحة» تكشف حالات الإعاقة المستحقة لكارت الخدمات المتكاملة    أسعار عملات دول البريكس اليوم الثلاثاء 18-6-2024في البنوك    إصابة 7 أشخاص فى 3 مشاجرات متنوعة بالجيزة    سعر كيلو اللحمة في منافذ التموين اليوم الثلاثاء 18-6-2024    أخبار الأهلي : الزمالك يتلقي صدمة جديدة بعد التهديد بعدم مواجهة الأهلي    "سويلم" يوجه باتخاذ الإجراءات اللازمة للاطمئنان على حالة الري خلال عيد الأضحى    17 شهيدا إثر غارات الاحتلال على وسط وجنوبى قطاع غزة منذ فجر اليوم    طريقة عمل الطحال المحمر على طريقة نجلاء الشرشابي.. «أسهل وصفة»    إعلام إسرائيلي: غانتس أبلغ المبعوث الأمريكي بأن الوقت للتوصل إلى اتفاق تسوية على الحدود مع لبنان ينفد    مشاهير القراء، الخريطة الكاملة للتلاوات بإذاعة القرآن الكريم اليوم    أزمة قلبية أم الورم الأصفر، طبيب يكشف سبب وفاة الطيار المصري على متن الرحلة    بينهم مصريون، مصرع 11 وفقدان أكثر من 60 في غرق قاربي مهاجرين قبالة سواحل إيطاليا    عبدالحليم قنديل: طرحت فكرة البرلمان البديل وكتبت بيان الدعوة ل25 يناير    إسعاد يونس: عادل إمام أسطورة خاطب المواطن الكادح.. وأفلامه مميزة    إيهاب فهمي: بحب أفطر رقاق وفتة بعد صلاة العيد وذبح الأضحية    «لازم تعاد».. سمير عثمان يكشف مفاجأة بشأن ضربة جزاء الزمالك أمام المصري البورسعيدي    ملف يلا كورة.. حكام أجانب لمباراة القمة.. بيان الزمالك.. وفوز فرنسا في يورو 2024    ضحايا الحر.. غرق شخصين في مياه النيل بمنشأة القناطر    افتتاح وحدة علاج جلطات ونزيف المخ بمستشفيات جامعة عين شمس.. 25 يونيو    مقتل عنصر إجرامي في تبادل إطلاق النار مع الشرطة بأسيوط    محمود فوزي السيد: عادل إمام يقدر قيمة الموسيقى التصويرية في أفلامه (فيديو)    تهنئة إيبارشية ملوي بعيد الأضحى المبارك    البطريرك يزور كاتدرائية السيّدة العذراء في مدينة ستراسبورغ – فرنسا    ملخص وأهداف جميع مباريات الاثنين في يورو 2024    بعد الفوز على الزمالك| لاعبو المصري راحة    «حضر اغتيال السادات».. إسماعيل فرغلي يكشف تفاصيل جديدة عن حياته الخاصة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أربع سنوات على احتلال العراق.. اربع سنوات على المقاومة
نشر في الشعب يوم 17 - 03 - 2007


بقلم: حسن بيان- لبنان- المحامي

مقدمة:

أربع سنوات مرت على الاحتلال الاميركي للعراق، وخلال هذه الفترة الفاصلة عن بدء الغزو القوات الاميركية ومن تحالف معها وساعدها وقدم التسهيلات الميدانية لها وحتى اللحظة ،لم تشهد الساحة العراقية استكانة سياسية وأمنية .

بل على العكس من ذلك ،فإن الشعار الذي طرحته الادارة الاميركية عقب احتلالها للعراق ،بأن ذلك سيكون نقطة الانطلاق لاقامة ما سمته الشرق الاوسط الكبيرارتكز على أن الامور في العراق

ستستقر على الصعيدين الامني والسياسي وبما يمكنها ذلك من تركيب سلطة جديدة بعدما اتخذت قرار تفكيك مؤسسات الدولة العراقية ظناً منها أن ذلك يساعد في تسهيل مهمتها لانتاج سلطة جديدة في ظل تركيب جديد لمنظومة دولة جديدة.



لكن كما وقعت أميركا في خطأ التقدير للنتائج السياسية التي ستترتب على احتلالها العراق استناداً الى ما اعتبرته انتصاراً عسكرياً حققته آلتها الحربية المتطورة والمتفوقة كمّاً ونوعاً،وقعت أيضاً في خطأ التقدير لمدى قدرة المنظومة الامنية والسياسية التي استولدتها قرارات حاكمها على الامساك بالوضع الداخلي وادارة هذا الوضع سياسياً وأمنياً بما يخدم الموقع المفصلي في الخطة الاميركية.



وبعجالة سريعة ،تكفي الاشارة ،الى أن اعلان بوش بعد شهر على احتلال العراق،بانتهاء العمليات العسكرية الكبرى وأنه حقق نصراً في العراق سقط على أرض الواقع العراقي وقبل تمكن الرئيس الاميركي من تسويق انجازه في الداخل الاميركي.



ان الذي أسقط اعلان بوش ،هو المقاومة التي انطلقت بسرعة وفعالية فاجأت أميركا،كما فاجأت كثيرين من الذين راهنوا على القوة الاميركية في فرض الخيارات السياسية داخل العراق وخارجه.



وانه منذ اللحظة التي بدأت فيها المقاومة في العراق ،مواجهة الاحتلال الاميركي وكل مزركشات القوى الدولية التي انضوت تحت يافطته وأيضاً مواجهة المنظومة السياسية والامنية التي استولدها الاحتلال أصبحت هذه المقاومة ،هي الحاضر الاكبر في حياة العراقيين،والمعطى الابرز لقوى عربية واقليمية ودولية ،الذي تستند اليه ،اما لتحسين موقع الممانعة لديها ضد المشروع الاميركي،

واما لتحسين شروطها في التفاوض مع الادارة الاميركية ،واما لتوظيف المأزق الاميركي في العراق، لاعادة صياغة منظومة جديدة لعلاقات دولية.



اذاً، خلال هذه المدة الفاصلة عن وقوع العراق تحت الاحتلال،برز طرفان أساسيان على الساحة العراقية،أميركا كقوة احتلال اساسية ومركزية بكل شبكة علاقاتها الداخلية والاقليمية والدولية،

والمقاومة التي يتبوأ حزب البعث الموقع الاساسي والمركزي فيها بكل تلاوينها السياسية والشعبية.



أميركا تسقط نظام العراق والمقاومة تسقط ادارة الحرب:

هذه المقاومة التي استطاعت أن تؤكد حضورها الفعّال رغم تعقيدات الوضع الداخلي العراقي والمحاصرة السياسية والاعلامية التي تحيط بوضعها خارج ساحة العراق،استطاعت فك الحصار السياسي والاعلامي ،ليس من خلال منابرها الاعلامية أو مؤسساتها السياسية المكشوفة الاطر والاسماء ،بل من خلال ابراز تأثيراتها على الطرف الاخر والمقصود بذلك ،ادارة الاحتلال بموقعها السياسي وتموضعها العسكري والامني.



فالمقاومة التي تنفذ عملياتها على طول وعرض مساحة العراق الجغرافية ،لم تستطع ادارة الاحتلال أن تخفي أو أن تتستر على هذه العمليات وعلى ما توقعه من خسائر في قوات الاحتلال .ويأتي الاعلان الاميركي عن الخسائر البشرية والمادية في صفوف القوات المحتلة ليلعب دور الاعلان والاعلام بالنيابة عن اعلام المقاومة الذي حالت تعقيدات كثيرة دون أن يكون بحجم الحضور الميداني للمقاومة .



هذا العجز الاميركي ومعه البريطاني عن التستر عن حجم الخسائر التي تمنى بها قوات الاحتلال ،لم يكن ليحصل لو لم تكن الخسائر كبيرة الى الحد الذي لم تعد أميركا قادرةً على مواصلة التغطية والتعمية على الخسائر البشرية بشكل خاص.



هذا الاعلام أو الاعلان الاميركي عن حجم الخسائر البشرية في صفوف الجيش الاميركي وقوات النخبة ،كان بمثابة كرة الثلج التي تدحرج ويكبر حجمها كلما طال أمد الاحتلال ،ومعه تحول السجال الخارجي الذي كان قائماً قبل الاحتلال وبعده حول مشروعية غزو أميركا للعراق ومبرراته الى سجال في الداخل الاميركي في استحضار للمشهد السياسي الذي ساد أميركا قبيل انسحابها من فييتنام.

وعندما يتحول الموقف الاميركي من الاحتلال الاميركي للعراق ،الى مادة سجالية في الداخل الاميركي،ومعه ترتفع نسبة المعارضين لهذه الحرب بكل مبرراتها ولاستمرار التواجد الاميركي في العراق فهذا يعني ان الادارة الاميركية التي روجت للحرب على العراق وزينت لها كل عناوينها وادارتها لا بد وأن تدفع أثماناً ان على مستوى الموقع وان على مستوى الشكل السياسي للادارة.

وان تدحرج الرؤؤس في هرم الادارة الاميركية الواحد تلو الاخر ،هو المؤشر الفعلي على حجم التأثير الذي فرضته نتائج مقاومة الاحتلال على ادارة الاحتلال وفي عقر دارها.



واذا كانت النتائج السياسية التي أسفرت عنها انتخابات الكونغرس الاميركي،هي الخطوة التالية التي أعقبت تساقط الرؤؤس الحامية في الادارة الاميركية ،فإن المؤشرات القوية تشير الى أن الادارة الاميركية التي خططت للحرب وادارتها هي قيد السقوط النهائي ،وأن هذا السقوط سيبلغ مداه الاكثر تأثيراً عندما تخسر الادارة الجمهورية الحالية الموقع المقرر في النظام الاميركي ،الى موقع الرئاسة وأن هذا لم يعد مثار احتمالات لأن المقدمات لابد وأن تفرز نتائج ملاءمة مع معطيات هذه المقدمات.



على هذا الاساس ،فإن الادارة الاميركية التي أسقطت النظام السياسي في العراق بفعل الاحتلال ،هي اليوم تسير بخطى متسارعة نحو السقوط السياسي .وبذلك تكون المقاومة بعد استيعابها الضربة الاولى،استطاعت أن ترد بالضربة الثانية الا وهي اسقاط الادارة السياسية التي خططت للحرب وادارتها ،بكل رموزها رداً على اسقاط النظام السياسي في العراق.



المقاومة العراقية وتجاوزها للشخصنة:

ان المقاومة العراقية التي استطاعت بتأثير فعاليتها ان تضع الادارة الاميركية الحالية على سكة الاسقاط السياسي من خلال المقدمات والمؤشرات الملحوظة ،محققة بذلك انجازاً توازنياً في التأثير المتبادل على الادارة التي أدارت الصراع بجانبه السياسي قبل الاحتلال ،فإن هذه المقاومة بما استطاعت ان تحقق من خلال ادارتها لسياقات المواجهة استطاعت أن تبرز وجهاً آخراً لانجازها المقاوم.



هذا الانجاز الذي يجب تسليط الضوء عليه ،هو أن المأزق الاميركي في العراق والذي انعكس سجالاً سياسياً حاداً في الداخل الاميركي ،لم تقتصر آثاره الاولية على وضع الادارة الحالية على سكة الاسقاط الكلي لموقعها في السلطة ،بل لان الانجاز الاهم،هو أن المقاومة في العراق استطاعت أن تفرض على أميركا تعديلاً في استراتيجتها الكونية الشاملة ،وهذا التعديل الذي بدأت ملامحه بالظهور من خلال التعاطي الاميركي مع العديد من الملفات الدولية،يؤشر على أن أميركا هي على عتبة تغيير في الاسس التي بنيت استراتجيتها السابقة مع وصول ما يسمى بالمحافظين الجدد الى موقع القرار في هرم الادارة الاميركية.



ان التراجع الاميركي عن الترويج لما سمته الشرق الاوسط الكبير أو الجديد كما سمته ابان العدوان الصهيوني على لبنان، أصبح واضحاً في وسائل الاعلام الاميركي،وأن بدء مراكز الدراسات الاستراتيجية بالتركيز على اعادة الاعتبار لاستراتيجة الاحتواء بدل الاستراتجية القائمة على الاحتلال ،يؤشر على الاتجاه العام الذي سيضبط الايقاع العام للتعامل الاميركي مع الازمات خارج حدودهها وإنه ضمن هذا السياق يأتي التعامل الاميركي مع الملف النووي الكوري ،وأيضاً التعامل مع الملف الايراني فضلاً عن ملفات ساخنة أخرى.ولهذا جاء تقرير بيكر –هاملتون، ليحدد أي اتجاه ستنحوه السياسة الاميركية الجديدة بعدما تبين أن الحرب على العراق قد وصلت الى الطريق المسدود بنتائجها التي أريد لها أن تتجاوز ساحة العراق.



ان هذا ان عنى شيئاً ،فإنما يعني،أن المأزق الاميركي،والذي بدأ يعطي اشارات واضحة على هزيمة اميركية في العراق لم يسقط الاحتلال لهذه البقعة الجغرافية وحسب ،بل أسقط المشروع الاميركي الاشمل انطلاقاً من العراق لاقامة ما يسمى بالشرق الاوسط الكبير.



وبذلك تكون المقاومة في العراق في تأثيراتها السياسية قد تجاوزت حدود اسقاط الادارة الاميركية التي خططت للحرب وادرتها ونفذتها ،الى اسقاط مشروع سياسي ودولي كان يراد من خلالها احكام الاطباق الاميركي على العالم من خلال الاطباق على حوضه الاساسي بشقيه العربي والاسيووسطي وبذلك تكون المقاومة قد ساهمت بخلق أرضية جديدة لفرض توازنات جديدة تمهيداً لصياغة منظومة علاقات دولية،لا تعود أميركا هي صاحبة القول والفعل، وان كانت ما تزال القوة الاكثر تأثيراً في السياسة الدولية.



ان المقاومة بتجاوزها شخصنة الصراع مع الادارة الاميركية ،استطاعت أيضاً ،أن تجسد في حضورها حركة شعب بكل أطيافه السياسية المقاومة للاحتلال والعاملة لاعادة بناء عراق عربي وديموقراطي موحد.وعلى أساس هذه الرؤية لموقعها ودورها، فإنها لم تتشخصن ولم تتمحور حول الرمزية في تفعيل دورها.ولهذا أسقطت كل المراهنات الاميركية وكل من راهن بأن اسقاط النظام السياسي وأسر رموزه الاساسية،سيوفر آمناً لقوات الاحتلال ولمن يدور بفلكها ومن يأتمر بأمرتها.والدليل الشاهد على ذلك ،أن أسر واعتقال عشرات القيادات السياسية والكوادر العسكرية والامنية لم يؤثر على فعاليات المقاومة ،بل العكس هو الذي حصل.



وكما بنت أميركا أوهاماً بأن اسقاط النظام السياسي وتفكيك مؤسسات الدولة واعتقال وأسر قادة العراق سيطفىء جذور المقاومة ،حصدت أميركا نتائج عكسية .وليس أدل على ذلك سوى المحاكمات الصورية التي أدارتها محكمة تفتقر الى المشروعية الدستورية والقانونية ولم تستند في اجراءاتها الى أية معايير قضائية وقانونية ،سوى تحولها الى ساحة مواجهة مع المحتل ورموزه وادواته.



ان ادارة الاحتلال التي عوّلت على أسر الرئيس صدام حسين ،ومنّت النفس بآمال تبين أنها كانت سراباً ،ثم عوّلت على تصفية الرئيس بعملية اغتيال سياسي صبيحة عيد الاضحى المبارك للتأثير على فعاليات المقاومة ولحد من قدرتها وتأثيرها ،حصدت أيضاً نتائج عكسية.اذ تحولت محاكمة الرئيس صدام حسين والقادة الاخرين الى محاكمة للمحتل ،ومعها تحولت قاعة المحاكمة الى ساحة منازلة سياسية بين الرئيس ورفاقه واداة الاحتلال القضائية ،وما لم يتمكن الرئيس قوله يوم كان يمارس مهامه الميدانية في قيادة المقاومة وتفعيل أدائها قاله أمام المحكمة وان ما سمحت به ادارة الاحتلال من بث اعلامي كشف للشعب في العراق والامة العربية وشعوب العالم،بأنه مع البطلان السياسي لمبررات الحرب جاء البطلان القضائي ليعطي دليلاً جديداً على أن ما بني على باطل فهو باطل.



واذا كانت ادارة الاحتلال والادارة الواجهية التي نصبها المحتل حاولت أن تثأر من الرئيس ودوره في المقاومة وكشف زيف المحاكمة وبطلانها بتنفيذ عملية اعدامه نهاية عام 2006 ،فإن هذه العملية والصورة التي برز فيها الرئيس الشهيد ،أكدت بأن الرئيس الذي واجه جلاديه الظاهرين والمستورين بصلابة الموقف وقوة الايمان بقضية قدم حياته بعضاً من ثمنٍ أعطت نتائج عكسية ،بحيث اتضحت الصورة الحقيقية لشخصية صدام حسين كما هي وليس كما حاولت وسائل الاعلام أن تصوره.



وعلى هذا الاساس ،فإن كل ما راهنت عليه ادارة الاحتلال بجعل الاسر ومن ثم المحاكمة والاغتيال السياسي ، يفرز نتائج سلبية على واقع المقاومة ، كان العكس هو الصحيح أيضاً ،لأن المقاومة اتسعت مدياتها وزاد تأثيرها الميداني واثبتت مرة أخرى بأن هذه المقاومة وعلى أهمية الموقع الذي كان يتبوأه الرئيس الشهيد في التخطيط والتنفيذ والتكيف ،انما كان حركة شعب تحمل لواء مشروع سياسي هو النقيض الموضوعي لمشروع الاحتلال بكل افرازاته وادواته وتلاوينه.



من هنا،فإن المقاومة التي استطاعت أن تتجاوز شخصنة الطرف الاساسي المقابل ،انطلاقاً من كون الهزيمة الاميركية في العراق لن تسقط الادارة السياسية التي خططت للحرب وادارتها وحسب ،بل ستسقط المشروع السياسي الاميركي الشامل فإنها أيضاً استطاعت اسقاط الخطة الاميركية الرامية الى شخصنة المشروع المقاوم انطلاقاً من تقدير بأن اسقاط الشخصية الرمزية سيسقط المشروع المقاوم بكليته.وهذا ما لم يحصل لأن المقاومة التي ثبت أنها تعكس طموح شعب وحركته نحو التحرر والتقدم لم تكن الشخصية الرمزية مهمة الا يقدر حملها لهذا المشروع.



لا حلول خارج التفاوض مع المقاومة:

إن الصراع الدائر على أرض العراق هو صراع بين مشروعين سياسيين متناقضين ،مشروع الاحتلال ومشروع المقاومة،والاخير هو مشروع للمستقبل ،لأنه مشروع أصيل في مواجهة حالة طارئة وهو المهيأ لرسم معالم العراق الجديد انطلاقاً من كون طرفي الصراع الاساسيين باتا واضحين ،الاحتلال الذي تتبوأ أميركا الموقع المركزي في ادارته ، والمقاومة الي يتبوأ حزب البعث الموقع المركزي في تكوينها وادارتها وفعاليتها .واذا كانت ساحة المواجهة للمحتل تشهد بعض العمليات ذات الاثارات المذهبية والطائفية ،فهذه العمليات هي غريبة عن المقاومة كضربة العمالة عن الوطنية.وان المقاومة تدين هذه العمليات لأنها تندرج في اطار التشويش على دورها .



ان المقاومة تحمل لواء مشروع وطني شامل ذي أبعاد توحيدية ومضامين وطنية وديمقراطية ،وهي المؤهلة لأن تقود العراق الى مستقبل جديد.وهي قادرة على ذلك لأن من يستطيع أن يهزم محتلاً كالمحتل الاميركي ،وبكل التسهيلات والمساعدات التي حظي بها من دول الجوار العربي والاقليمي قادر على اعادة الحياة للعراق على قاعدة تأسيس سلطة جديدة تعيد للعراق اعتباره الوطني ودوره بعد اعادة توحيده على الاسس الوطنية والديمقراطية.



وانطلاقاً من موقع المقاومة في تصديها للاحتلال وتمكنها من تحقيق مواقع سياسية متقدمة في التأثير على هذا الاحتلال،فإن العراق الجديد لن تستقيم ركائز تأسيسه الا اذا كانت المقاومة بما تمثل هي صاحبة الدور الاساسي في اعادة صياغة بنيته إن على المستوى الكيانية الوطنية وإن على مستوى النظام السياسي.



ولهذا فإن كل بحث في مستقبل العراق السياسي بمعزل عن موقع المقاومة ودورها وشرعيتها التمثيلية ،هو بحث عقيم ،ولن تستقيم أية حلول سياسية والمقاومة خارج اطارات البحث في صيغ الحلول.وبما أن الطرفين الاساسيين المؤثرين في تحديد الاتجاهات السياسية لواقع العراق حالياً ومستقبلاً هي قوى الاحتلال من جهة المقاومة من جهة ثانية ،فإن من يعتبر نفسه معنياً بالبحث عن حلول سياسية لمستقبل العراق،عليه أن يتوجه الى مراكز القرار الفعلي.



واذا كانت الادارة الاميركية تمثل مركز القرار الفعلي في اصطفاف القوى التي أوصلت العراق الى ما هو عليه،فإن المقاومة هي مركز القرار الفعلي في قوى الاعتراض على الاحتلال وهي التي تتحمل العبء الاكبر في تصديها له بتشكيلاته العسكرية واداراته الواجهية من سياسية وعسكرية وأمنية.



وعلى هذا الاساس فإن كل الاطارات التي تتشكل والمؤتمرات التي تعقد بمعزل عن البحث مع الطرق الاساسي في العراق،لن تسفر عن أية نتيجة .لأن هؤلاء الذين يلتقون ثنائياً أو جماعياً تحت عناوين مؤتمر دول الجوار أو مؤتمرات أخرى مطعمة بمزركشات دولية، هي لقاءات الفريق الواحد مع نفسه.

وهذا ينطبق على الاجتماع الذي عقد في بغداد في 10/3/2007 كما غيره من الاجتماعات.



ان هؤلاء الذين التقوا في بغداد يعرفون جيداً أو على الاقل بعضهم ،بأن البحث في مستقبل العراق لن يقرره هؤلاء الذين اجتمعوا لساعات في مقر لم تستطع قوات الاحتلال أن توفر مكاناً آمناً لهم.لأن الغالبية الساحقة من الذين اجتمعوا في بغداد ساهموا بشكلٍ أو بآخر في توفير التغطية السياسية أو وفروا التسهيلات الامنية والميدانية لقوى الاحتلال وبالتالي هم مسؤولن بشكلٍ أو بآخر عما آلت اليه الامور في العراق ،وبالتالي لا يمكن النظر عما ساهم في تدمير العراق أن يكون عاملاً مساعداً في اسقاط الاحتلال وما أفرزه من نتائج.



ولهذا فإن البحث في مستقبل العراق يجب أن يتم عير سبلٍ آليات مختلفة عن تلك التي يروج لها أو تسوق من هذا الطرف أو ذاك وهم لا يريدون للعراق أن يعود بلداً موحداً قوياً ومقتدراً وان المقاومة من خلال موقعها التمثيلي والشرعي لشعب العراق مطلوب منها اطلاق مبادرة سياسية متعددة العناوين والاتجاهات



أما عن ماهية هذه العناوين والاتجاهات فيمكن حصرها بثلاثة:

العنوان الاول : أن تلتقط المقاومة معطى اللحظة السياسية الراهنة في اميركا الذي تعيشه أميركا ،وبداية البحث الجدي في مراكز صياغة القرار الاميركي يوضع آلية للانسحاب الاميركي من العراق.وذلك بإبداء استعدادها للتفاوض مع الجانب الاميركي مع استمرارها بعملها المقاومة،وقياساً على ما حصل في تجارب شعوب آخرى خاضت كفاحاً تحررياً كما في الجزائر والفييتنام وبهذا تقدم المقاومة شحنة سياسية لقوى الداخل الاميركي المطالبة بالانسحاب من العراق لتقوية مواقعها وتأثيرها لوضع خطة الانسحاب من العراق موضع التنفيذ العملاني.



العنوان الثاني: ان تبادر المقاومة بإطلاق مبادرة سياسية تتوجه فيها للخائفين والقلقين من انتصار المقاومة ،بأن انجاز التحرير، ليس انجازاً فئوياً ولا طائفياً ولا مناطقياً،بل هو انجاز وطني عام واهداؤه لكل الشعب العراقي بكل مكوناته واطيافه السياسية والاجتماعية.



ان خطاباً سياسياً تطمينياً يخاطب الجميع على قاعدة المساواة في انتماء المواطنية،يعيد كثيرين ممن جذبتهم الانتماءات والولاءات المناطقية والطائفية الى التظللل بالخيمة الوطنية الواحدة.



العنوان الثالث: أن تتوجه المقاومة وعصبها حزب البعث بمبادرة نحو المرجعية في النجف كي تلعب دورها الوطني ،أولاً برفع الغطاء عمن يتعامل مع الاحتلال ،وثانياً بتوفير الغطاء لمن ينخرط في مقاومة الاحتلال ،وحتى يشعر العراقيون أنهم ساهموا جميعاً في تحقيق النصر واعادة بناء العراق الحديث.



وفي موازة مخاطبة الحوزة بروحية الموقف الوطني الجامع ،تكتسب أهمية مخاطبة أبناء العراق في شماله وعبر اطلاق موقف بأن وحدة العراق لا تستقيم دون شماله،وأن موقعهم السياسي في عراق موحد سيكون أفضل من موقعهم في عراق مقسّم.



هذه المبادرة بعناوينها الثلاثة ،مطلوبة من المقاومة،لانها هي التي تدير الموقف النقيض للاحتلال،ولأن هذا الاحتلال الذي بدأ العد العكسي لوجوده في العراق،سيجر مع انسحابه كل الذين دخلوا على متن دباباته وكل الذين عاشوا فساداً وتخريباً في العراق في رعاية الاحتلال لهم.



ان المقاومة ورغم الظروف المحيطة بوضعها هي في الموقع القوي ومن يكون قوياً وشرعياً ،يكون مبادراًوتكون لديه الجرأة لاتخاذ الموقف وتحمل تبعاته.



ان من اتخذ قرار مقاومة أعتى قوة في العالم وجعلها تعيش مأزقاً حاداً ،وتبدأ رحلة الانسحاب من عراق أرادت أن يكون قاعدة لمشروعها الاشمل فإذ به يتحول الي مقبرة لجنودها،يستطيع أن يتخذ قرار الانفتاح في الداخل وقرار التفاوض مع الخارج وعلى قاعدة الشروط الوطنية التي الف بائها انسحاباً كاملاً غير مشروط لقوات الاحتلال ،وتكوين جبهة وطنية داخلية، تضع حداً لكل أشكال التدخل الاجنبي في شؤون العراق الداخلية تحت أي مسمى كان ،وبهذا تكون التضحيات التي قدمت قد وظفت التوظيف النضالي المطلوب ،وتكون مسيرة التحرير قد استكملت كامل مراحلها.

هذه هي خلاصة أربع سنوات من الاحتلال وأربع سنوات من المقاومة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.