شاع كثيراً في وسائل الإعلام ووسط الناس أن السلفيين عندهم حداثة سياسية و أنهم لا يفهمون في السياسة ، بل زاد هذا الأمر وتم استخدامه بشكل كبير في الدعاية الإنتخابية ضدهم حتى وصل الأمر إلى أن بعض منتسبي التيار السلفي نفسه فقد الثقة وصدق هذا الأمر وذلك لسببين:- 1-الصخب الإعلامي الضخم مع سكون التيار السلفي عن الرد في الفترة الماضية. 2-أقوال شيوخ كبار في المنهج السلفي في هذا المضمار وخاصة الذين لهم أصحاب يسمعون لهم ويطيعون ، ولكن الحقيقة عكس ذلك ؛ ولك أن تقارن بين فعل السلفيين وفعل غيرهم من التيارات الأخرى في استخدام هذه الأقوال . أولاً: هناك حقيقة واحدة ؛ وهي أن كل الأحزاب الجديدة والقديمة لم تمارس السياسة الحقيقية وهي الحكم وتنفيذ السلطة على أرض الواقع ، وهذا لم يتمكن الا لحزبين الأول كان الوفد وذلك قبل الثورة ، والثاني كان الوطني وهذا منذ تأسيس الأحزاب في عهد السادات وحتى نهايته بيده حينما ظن أنه لا يوجد غيره يفهم ويستطيع أن يقود هذه الأمة ، وأما الباقي بما فيهم الحرية والعدالة ذراع الإخوان ينطبق عليه ذلك لأن الدخول في العملية السياسية قديما كان من باب المعارضة غير الحقيقية والمناوشة و لا يعني ذلك قدرته على الحكم وهو رعاية مصالح الناس والحفاظ عليهم وهو مفهوم السياسة الحقيقية ، ولكن بالنظر إلى التيار السلفي وذراعه حزب النور نجده قد ظل متمسكاً بمبادئه طوال أربعين سنة دون أن يفرط في هذه المبادىء و كان له السبق في ذلك . فالتيار السلفي أبداً لم يدخل في صراع مسلح مع الدولة ، ولم يحاول قتل المصريين أو غيرهم ، ولم تُلوث يده بدم أحد على كثرة ما عانى من الظلم ، والذي تشدق به الغير وجعله كالمحرقة النازية المزعومة ، و كأن غيره لم يصبه أذى بل أتهم أنه كان عميلاًَ للأمن ، الكل كان سواسية أمام النظام السابق في السجون والتعذيب والإقصاء وتفاوت الأمر حسب مصلحة النظام السابق في ذلك ، بل إن صاحب الصوت العالي كان يُعامل أفضل ممن ليس له صوت ، والمشارك في اللعبة السياسية مع النظام السابق كان يسمح له أن يتفاوض مع الدولة على مقاعد ، ويدخل في الوساطة على الجانب الفلسطيني الحماسي ، إذن هو مسموح له ومعه صوت عالي ، أما الضرب بيد من حديد كان على الذي ليس له صوت ، وكنا نتمثل في هذه الفترة بقولنا "إن تركنا للسياسة لهو من السياسة" ، ثم جاء حكم المحكمة في التسعينيات يقضي بأن: "كل قانون يخالف المادة الثانية من الدستور هو قانون لاغٍ طبقاً للمادة الثانية" ، ومعني هذا أن التيار السلفي الذي كان لا يجيز الدخول في البرلمانات ، لأن التشريع مخالف للمادة الثانية قد تم تصحيح ذلك بحكم المحكمة ، لكن التيار السلفي أيضا لم يشارك في انتخابات 2000 ولا 2005 لقناعته أن ذلك كله يتم بالتزوير وأنه يجب على من يدخل الإنتخابات أن يقدم تنازلات عن الثوابت الشرعية، لكن شاء الله أن تأتي الثورة ، وكانت المعجزة بكل المقاييس وظهر فيها الشعب المصري بكل طوائفه وأفراده واضحاً في الميدان ، وإن زادت الكثرة لفريق على فريق حسب رؤية كل فريق للمصلحة والمفسدة المترجحة عنده ، "وكانت قمة السلبية عند الشعب المصري هي قمة الإيجابية" . إن أي ثورة تعتمد في نجاحها على فكرة العصيان المدني بالدرجة الأولى ، وهو ما يسرع من وتيرة الثورة ويعجل بنجاحها، هذا وإن كان معلوماً أن وقودها هو الدماء التي تسيل من أجل الحرية ، إن الشعب المصري جلس منه قطاع عريض من الناس في حالة سلبية في البيوت والطرقات حفاظاً على الأمن المفقود وذلك بعد يوم 28 يناير ، لم يخرج الناس للعمل ، وطبقوا فكرة العصيان المدني دون أن يدعو إليها أحداً مما عجل بالظالم أن يتخلى عن ملكه وكرسيه ، و انظر في حال الدول من حولنا أن مدة الثورة طالت عندهم لكون أن الشعب يتحرك ويمارس حياته اليومية مما يزيد فترة الثورة وتتزايد معها التضحيات من الشعب، النتيجة بعد الثورة أنه أصبح الكل يتمتع بحق التعبير السياسي عن إرادته وإنشاء الأحزاب ، واتخذت الدعوة السلفية أول خطوة بعمل مؤتمرات ضخمة في كل المحافظات للحفاظ على المادة الثانية من الدستور ، والكل كان يستغرب من هذا بل وصل الأمر بالتيارات الأخرى ومنها الإسلامية أن تقول أن هذا ليس وقته ، وأنتم تفسدون روح الثورة بذلك ، لكن الله أراد أن ينصر شريعته فكان لها أعظم الأثر الذي أدى بالتيارات السياسية الليبرالية والعلمانية أن تعترف صراحة بالمادة الثانية وبل وترفع هذا في إعلانات كبيرة في الميادين والشوارع لتحافظ على مصداقيتها بين الناخبين ، ثم جاء الإستفتاء على التعديلات الدستورية ، وظهرت قوة التيار السلفي مما أدى إلى الحرب الشرسة عليه ، والتي أثرت سلباً على العوام والبسطاء من الناس ، ورسالة التخويف من التيار السلفي، وكذلك تم تهميشه من كافة القوى السياسية وعدم الإعتناء به من السلطة الحاكمة والمتمثلة في المجلس العسكري حتى جاءت جمعة 29/7 والمسماه من قِبل التيار الليبرالي العلماني "جمعة قندهار" ، و بدأ الكل يعيد ترتيب أوراقه للتعامل مع التيار السلفي وحزب النور ، ودخل حزب النور التحالف الديمقراطي والذي سرعان ما اكتشف التيار السلفي وحزب النور أن هذا التحالف سوف يفشل لإختلاف الأيدلوجيات بين الفرقاء السياسيين ، وتحققت توقعات الحزب مع أن الكل كان يضحك على كلامنا ، بل أتهمونا بالحداثة السياسية ، وأصر الحزب على أن يدخل الإنتخابات بقائمة منفردة ، وكان ذلك من القرارات التي ظن التيار السياسي الباقي أنها قاصمة الظهر للتيار السلفي وحزب النور، وكان العكس ونجحت قائمة النور نجاحاً باهراً أفقد الجميع توازنه ، وجعله يعيد حساباته ويلملم أوراقه وصارت الأحزاب الإسلامية الأخرى التي كانت تنادي بالتواصل مع حزب رجال المرحلة إلى العودة إلى النور بعد أن أخلف حزب رجال المرحلة وعوده معهم وعاملهم معاملة الدونية في هذا التحالف ، واستقبلهم النور وفتح لهم أبوابه ، وجعلهم على قوائمه ودخلوا البرلمان وذلك بفضل الله ثم بجهود حزب النور الذي صنع رجاله المعجزة وهم المتهمون بالتخلف السياسي . إن قدرة حزب النور والتيار السلفي على استيعاب الآخر هو أعظم ما يتميز به التيار السلفي وحزب النور ، لكن هذا الاستيعاب مبني على قواعد شرعية ولا يبني على مصالح ولا ينتهي هذا الإستيعاب بإنتهاء المصلحة ، وهذا يرفضه حزب النور والتيار السلفي فالأصل أن تحكمنا قواعد شرعية فقهية وسياسة شرعية لا تعرف الخداع . أقول أن الحداثة السياسية المتهم بها التيار السلفي وحزب النور محض افتراء مع إنجازات الحزب والتيار السلفي خلال الفترة الماضية ، وهي القصيرة جداً في عهد الأمم ، لكن توفيق الله كان دائماً وراء ذلك فله الفضل والمنة . E-mail:[email protected] ------------------------------------------------------------------------ التعليقات مواطن بجد الخميس, 05 يناير 2012 - 11:56 pm تحليل ممتاز أحيى الشيخ راضي شرارة لتحليله الدقيق و الوافي ، و المسألة ليست تنافس بين الإخوان و السلفيين و لكن الحق دائما أحق أن يتبع ، و مع الخبرة التنظيمية العالية للإخوان تأتي أهمية الخبرة الدعوية الطويلة لدعاة السلفية و أرى أنه لابد أن يتعلم كل من الفريقين ما يتميز به الآخر لتنتفع البلاد بالطاعة و التقدم في آن واحد. فهل يستطيع الفريقين فهم نقاط قوة الطرف الآخر و يتكامل العمل بينهما . نسأل الله لهما التوفيق و السداد و الهداية و الختام بالأعمال الصالحة.آمين العربي الجمعة, 06 يناير 2012 - 11:21 am ادبيات الامس القريب....غريب امرنا نحن السلفيون بالامس القريب كان ادبيات وفقهيات التيار السلفي ان الاحزاب بدعة والانتخابات تشبه بالكفار وان ممارسة السياسة نزاع لولي الامر....واليوم انقلب الراي ....غريب امر نا نحن السلفيون حسام الدين الجمعة, 06 يناير 2012 - 08:56 pm انهم سياسيون من قال انهم ليسو سياسيين الايكفي انهم عندهم من الايمان بمبادئهم و اهدافهم ما يجعلهم لا يقايضون بها مال و كراسي الارض اليست مبادئهم افضل المبادئ و هي القران و السنه و قد يقول قائل انهم لا يفقهون في الاساليب الملتوية و الخداع و الصفقات كغيرهم اقول ان هذه الاساليب قد ضرت صاحبها اكثر ما افادته ونحن لا نحتاج غير اصحاب المبادئ و كفانا لصوصا و مخادعين محمود السبت, 07 يناير 2012 - 09:06 am الدعوة السلفية تظن أن الخلافة الإسلامية أقيمت ومن ثم لا داعي للتضحيات !!!!! التيار السلفي لم يدخل في أي صراع مع الدولة لا مسلح و لاسياسي وغاب عن هذا التيار النموذج الصابر كأحمد بن حنبل الثابت كالطود أمام سلطان العباسيين وغاب كذلك عن التيارالسلفي النموذج الصلب بن تيمية رحمه الله في جهاده بالسيف أو بالكلمة ضد جحافل التتار .. فالتيار السلفي - الذي لم يلوث يده بدماء الظالمين - لم يجهد لسانه أيضا بكلمة حق - مسجلة على شريط أو مطبوعة في كتاب - يواجه بها فرعون أو حتى يناقش قضية سياسية إلا إذا كانت النتيجة يرضى عنها السلطان كرأيهم في المظاهرات أو دخول مجلس الشعب محمد شعبان الشيخ الأحد, 08 يناير 2012 - 04:18 pm ابناء مدرسة محمد وأحفاد الصحابة سر على بركة الله يا أبا انس وبين الحق واربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل وإياك من تنكب طريقنا فهو طريق الحق بمنهجه وأخلاقه وهديه ومن توكل على الله فلا ضل ولاذل ولا قل فهو حسبنا ونعم الوكيل