تعرض حزب "العدالة والتنمية"، حزب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى انتكاسة كبرى، الاثنين، بعدما أظهرت نتائج الانتخابات المحلية أن الحزب الذي يحكم البلاد منذ عقد ونصف خسر العاصمة أنقرة، وخسر اسطنبول، عصب الاقتصاد في البلاد. وتشكل خسارة أهم مدينتين في البلاد ضربة قاسية للرئيس إردوغان، الذي كان رئيسا من قبل لبلدية اسطنبول والذي حظي بقدرة لا مثيل لها في تاريخ تركيا على الفوز بشكل متكرر في الانتخابات. وانخرط إردوغان بقوة في الحملة الانتخابية فصوّر الانتخابات البلدية على أنها معركة حياة أو موت، لكن الاقتراع كان بمثابة استفتاء على حكم حزب العدالة والتنمية بعدما تباطأ الاقتصاد التركي لأول مرة منذ عقد. نتائج أنقرةواسطنبول وأعلن رئيس اللجنة العليا للانتخابات سعدي غوفن أن مرشح المعارضة لتولي رئاسة بلدية اسطنبول أكرم إمام أوغلو يتصدر النتائج بنحو 28 ألف صوت مع فرز معظم الأصوات. وحصل إمام أوغلو على قرابة 4,16 مليون صوت مقابل 4,13 مليونا لمرشح حزب العدالة والتنمية رئيس الوزراء السابق بن علي يلديريم. وفي أنقرة، تقدم مرشح المعارضة لرئاسة مجلس بلدية العاصمة منصور يافاش على مرشح حزب العدالة والتنمية محمد أوز هسكي بحصوله على 50,89% من الأصوات مقابل 47,06% بعد فرز 99% من صناديق الاقتراع. بدورهم، أكد مسؤولون من حزب العدالة والتنمية أنهم سيتقدمون بطعون لإعادة النظر في صلاحية عشرات آلاف الأصوات التي اعتبرت لاغية في المدينتين الرئيسيتين. وتحمل خسارة اسطنبول على وجه الخصوص حساسية بالنسبة لإردوغان الذي ترعرع في حي قاسم باشا في المدينة الذي يقطنه أفراد الطبقة العاملة ولطالما كرر لأعضاء حزبه أن الفوز في المدينة يساوي الفوز بتركيا كاملة. وقالت استاذة العلوم السياسية في جامعة الشرق الأوسط التقنية في أنقرة ايسي اياتا إن “اسطنبول هي قلبه وتحمل أهمية بالغة بالنسبة إليه. إنها المكان الأول الذي بدأوا (العدالة والتنمية) بالفوز فيه”. وأضافت “هناك نوعان من النتائج في الانتخابات. حافظوا على الأغلبية بما مجموعه 51 بالمئة وهو أمر غاية في الأهمية. ولولا ذلك، لطرحت تساؤلات بشأن شرعيتهم”. أسباب الخسارة ومخاطرها في مقال له تعليقا على نتائج الانتخابات البلدية التركية، قال الكاتب عبدالباري عطوان إن هُناك نظريّة مُتداولة في أوساط النخب السياسيّة التركيّة تقول بأنّ من يفوز في الانتخابات البلديّة في أربع مدن كبرى هي إسطنبولوأنقرة وإزمير وأنطاليا يكتسح الانتخابات التشريعيّة، ومن ثم الرئاسيّة، ويضرِبون مثلًا بحزب العدالة والتنمية، ورئيسه رجب طيّب أردوغان الذي وصل إلى سُدّة الحُكم عبر بوّابة رئاسة مجلس إسطنبول البلديّ عام 1994. صحيح أن ائتلاف حزب العدالة والتنمية مع الحزب القومي حصل على 51 بالمِئة من الأصوات وأغلبيّة المقاعد في المجالس البلديّة حتى في المُدن الأربع الكبرى، ولكنّها هزيمة كُبرى للرئيس أردوغان شخصيًّا الذي لم يعرِف طعم الهزائم على مدى رُبع قرن تقريبًا، قضاها في السّلطة كرئيس بلديّة أو وكرئيس وزراء، أو رئيس للدولة، يعتبر إسطنبول بمثابة قلبه، لكونها محور طُموحاته بإحياء “العثمانيّة” في صُورتها الجديدة، بحسب "عطوان". تراجع الوضع الاقتصاديّ، والانخفاض المُضطرد لسعر الليرة، والتوقّعات بحُدوث ركود اقتصاديّ في تركيا في أواخِر العام الحالي وأوائل العام المُقبل، وزيادة مُعدّلات التضخّم والبطالة، كلها عوامل لعِبت دورًا رئيسيًّا في انخفاض شعبيّة حزب العدالة والتنمية، مُضافًا إلى ذلك تراجع الاستقرار السياسيّ الذي يُعتبر خطوةً رئيسيّة للاستقرار الاقتصادي. أيضا الحرب المُدمّرة التي أعلنها الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب على الاقتصاد التركيّ ساهمت بدور أو بآخر في تقليص شعبيّة الرئيس أردوغان وحزبه، خاصّةً في أوساط الشّباب حيث ترتفع مُعدّلات البطالة، ولكن هُناك عوامل أُخرى داخليّة وخارجيّة لا يُمكن القفز فوقها، أبرزها سوء إدارة الرئيس أردوغان للحملات الانتخابيّة، والثّقة الزائدة بالنّفس، وتصويت الأكراد لصالح المُعارضة، كرد فعل على اعتقال قيادتهم الحزبيّة (حزب الشعوب الديمقراطي)، مُضافًا إلى ذلك الخِلافات مع دول الجوار الأُوروبي والشرق أوسطي، وليس هُنا المجال للإطناب والشّرح. أردوغان المسئول عن الخسارة أحد المصادر الدبلوماسيّة عالية المُستوى في الحكومة التركيّة أبلغ صحيفة “رأي اليوم” أنّ الرئيس أردوغان شخصيًّا يتحمّل مسؤوليّة تراجُع حزبه في الانتخابات البلديّة لأنّه فرض مُرشّحين مُعيّنين خِلافًا لرأي اللجنة العُليا لاختيار المُرشّحين التي أوصت بشخص غير بن علي يلدريم، ومن أبناء المدينة، لخوض الانتخابات في إسطنبول الذي لا يُعتبر من أبناء المدينة، ولكن الرئيس أردوغان أصر عليه، وتمسّك برأيه. وأكّد هذا المصدر أن ما هو أخطر من هذه الخسارة حالة التذمّر المُتنامية داخل الحزب الحاكم، خاصّةً في أوساط القيادة التاريخيّة التي جرى إبعادها وتهميشها مثل عبد الله غول، رفيق أردوغان والرئيس السابق، وأحمد داوود أوغلو، رئيس الوزراء، وتزايُد الاتُهامات للرئيس أردوغان بالفرديّة والديكتاتوريّة، وعبّر المصدر نفسه عن اعتقاده بأنّ هذه “الصّدمة” التي جاءت في الوقت المُناسب ستُؤدّي إلى “صحوة” تقود إلى مُراجعات شاملة داخل الماكينة الحزبيّة ستتمخّض حتمًا عن تغييرات شِبه جذريّة في الهيكليّة والمناصب العُليا.