ولد عمر مكرم بن حسين السيوطي في أسيوط عام 1750م وتوفى 1822م وتعلم في الأزهر الشريف وولي نقابة الأشراف في مصر سنة 1793م في عمر 43 عاما قاد حركة شعبية ضد ظلم الحاكمين المملوكيين "إبراهيم بك" و"مراد بك"، عام 1210ه (1795م) *** خبير الكر والفر: عندما اقترب الفرنسيون من القاهرة سنة 1798م قام السيد عمر مكرم بتعبئة الجماهير للمشاركة في القتال إلى جانب – خصومه - الجيش النظامي "جيش المماليك في ذلك الوقت " وعندما سقطت القاهرة بأيدي الفرنسيين، عرض عليه الفرنسيون عضوية الديوان الأول (المجلس الانتقالي الأول) إلا أنه رفض ذلك، بل فضل الهروب من مصر كلها حتى لا يظل تحت رحمة الفرنسيين. عاد عمر مكرم إلى القاهرة وتظاهر بالاعتزال في بيته ولكنه كان يعد العدة مع عدد من علماء الأزهر وزعماء الشعب لثورة كبري ضد الاحتلال الفرنسي تلك الثورة التي اندلعت في عام 1800م (ثورة القاهرة الثانية) وكان عمر مكرم من زعماء تلك الثورة، فلما خمدت الثورة أضطر إلى الهروب مرة أخرى خارج مصر حتى لا يقع في قبضة الفرنسيين الذين عرفوا أنه أحد زعماء الثورة وقاموا بمصادرة أملاكه بعد أن أفلت هو من أيديهم، وظل السيد عمر مكرم خارج مصر حتى رحيل الحملة الفرنسية سنة 1801م. *** ثورة شعبية ضد تعسف الوالي العثماني وليست ضد الدولة العثمانية: خرج الشعب المصري بعد جلاء الاحتلال الفرنسي أكثر قوة وصلابة فقاد عمر مكرم النضال الشعبي ضد مظالم الأمراء المماليك عام 1804م، وكذا ضد مظالم الوالي خورشيد باشا سنة 1805م. وفي 2 مايو سنة 1805 م بدأت الثورة ضد تعسف الوالي (وليس ضد الدولة العثمانية رغم رفضهم الاحتلال الفرنسي)، وعمت الثورة أنحاء القاهرة واجتمع العلماء بالأزهر وأضربوا عن إلقاء الدروس وأقفلت دكاكين المدينة وأسواقها، واحتشدت الجماهير في الشوارع والميادين يضجون ويصخبون، وبدأت المفاوضات مع الوالي للرجوع عن تصرفاته الظالمة فيما يخص الضرائب ومعاملة الأهالي، وعندما فشلت المفاوضات طالبت الجماهير بخلع الوالي، وقام السيد عمر مكرم وعدد من زعماء الشعب برفع الأمر إلى المحكمة الكبرى وسلم الزعماء صورة من مظالمهم على المحكمة وهي: عدم فرض ضريبة على المدينة إلا إذا أقرها العلماء والأعيان، وأن يجلو الجند عن القاهرة وألا يسمح بدخول أي جندي إلى المدينة حاملا سلاحه. *** لماذا اختار المصريون محمد علي الألباني واليا عليهم ولم يختاروا عمر مكرم المصري؟ وفي يوم 13 مايو قرر الزعماء في دار الحكمة عزل خورشيد باشا وتعيين محمد علي بدلا منه بعد أن أخذوا عليه شرطًا: "بأن يسير بالعدل ويقيم الأحكام والشرائع، ويقلع عن المظالم وألا يفعل أمرًا إلا بمشورة العلماء وأنه متى خالف الشروط عزلوه". وفي 16 مايو 1805م صدرت فتاوى شرعية من المحكمة على صورة سؤال وجوابه بشرعية عزل الوالي خورشيد باشا، وانتهي الأمر بعزل الوالي خورشيد باشا، ونجاح الثورة الشعبية. وكان السيد عمر مكرم هو زعيم هذه الحركة الشعبية ومحركها، وفي ذلك يقول الرافعي: "كان للشعب زعماء عديدون يجتمعون ويتشاورون ويشتركون في تدبير الأمور، ولكل منهم نصيبه ومنزلته، ولكن من الإنصاف أن يعرف للسيد عمر مكرم فضله في هذه الحركة فقد كان بلا جدال روحها وعمادها". استمرت هذه الثورة المسلحة بقيادة "عمر مكرم" 4 أشهر، وأعلنت حق الشعب في تقرير مصيره واختيار حكامه، وفق مبادئ أشبه بالدستور تضع العدل والرفق بالرعية في قمة أولوياتها. أجاب على التساؤل عاليه (لماذا اختار المصريون محمد علي الألباني واليا عليهم ولم يختاروا عمر مكرم؟) الأستاذ طارق البشري في ندوة له بجمعية مصر للثقافة والحوار منذ سنوات بقوله – فيما معناه – إن ثورة الشعب المصري كانت ضد تعسف الوالي خورشيد باشا ولم تكن ضد الدولة العثمانية ومن هنا فقد اختاروا محمد علي الذي كان ممثلا للدولة العثمانية بعد الوالي .. هذا الشعب نفسه الذي ثار ضد الاحتلال الفرنسي وقاومه لأنه لم يكن يعتبر الدولة العثمانية دولة احتلال بل دولة خلافة. *** تصديه لحملة فريزر ونفيه مرتين وموته: وفي إطار جهاد عمر مكرم ضد الاحتلال الأجنبي، نجد أنه قاد المقاومة الشعبية ضد حملة فريزر الإنجليزية 1807م، تلك المقاومة التي نجحت في هزيمة فريزر في الحماد ورشيد مما أضطر فريزر إلى الجلاء عن مصر. وحينما استقرت الأمور لمحمد علي خاف من نفوذ رجال الدين فنفى عمر مكرم إلى دمياط في 9 أغسطس 1809م، وأقام بها أربعة أعوام، ثم نقل إلى طنطا واستمر في منفاه ما يقرب من 10 سنوات وعاد إلى القاهرة في 9 يناير 1819م ليبتهج الشعب بعودته فهو لم ينس زعامته له، وتقاطرت الوفود عليه. أما الرجل فكانت السنون قد نالت منه؛ فآثر الابتعاد عن الحياة العامة، ورغم ذلك كان وجوده مؤرقًا لمحمد علي. عندما انتفض القاهريون في (جمادى الآخرة 1237ه = مارس 1822م) ضد الضرائب الباهظة نفاه محمد علي مرة ثانية إلى خارج القاهرة وهو الرجل الذي يشرف على الموت خوفًا من أن تكون روحه الأبية وراء هذه الانتفاضة، لكن الموت كان في انتظار الزعيم الكبير حيث توفي في ذلك العام بعد أن عاش آلام الشعب، وسعى لتحقيق آماله، وتحمل العنت من أجل مبادئه. ***** المصادر: 1) محمد مورو: السيد عمر مكرم ومناهضة الاستعمار والاستبداد. 2) أبو الهيثم محمد درويش. "عمر مكرم العالم المناضل". طريق الإسلام. 3) الرافعي، عبد الرحمن (2000). "اختفاء الزعامة الشعبية من الميدان". تاريخ الحركة القومية، وتطور نظام الحكم، ج3 عصر محمد علي. مكتبة الأسرة. القاهرة: مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب. 4) عمر مكرم العالم المناضل". طريق الإسلام. اطلع عليه بتاريخ 14 مايو 2011.