هذا المقال نشره الكاتب الفلسطيني، علاء أسعد الصفطاوي، عام 2009، وقد أعاد الكاتب نشره على صفحته الشخصية للتأكيد على موقف المجاهد مجدي أحمد حسين، ونعيد نشره اليوم للأهمية ولرغبة الكاتب فى ذلك. بقلم : علاء أسعد الصفطاوي رن موبايلي فجأه وسمعت صوته .. يقول : فينك يا مولانا..فقلت له كعادتي ..أنا هنا ..أين أنت ..ولم أكن أتوقع دخوله الى أرض غزة عبر أحد الأنفاق ..لكنه فعلها..فرد بأنه في غزة..فقلت له : بتهزّر ..فأجاب بالنفي ..عندها اشتعل موتور سيارتي التي كان القصف قد أصاب جزءا منها ..وطاردت الدقائق والثواني ..للقائه ..والتقينا ..وكان لقاءا حارا والله ..وذلك قرب ربوه فوق منطقه عزبه عبد ربه بالقرب من جبل الكاشف الذي شهد أعظم ملاحم المعركه البطوليه للمجاهدين في مواجهه الصهاينه ..احتضنته كأجمل مجاهد ..وشممت فيه عطر مصر ونكهه نيل مصر وعبير هواء..ورائحه غبار خير أجناد الأرض جند مصر . وكان معه نائبان كويتيان سمح مبارك لهما بالدخول رسميا ..أما هو ..ولأنه هو..ولأنه ليس محسوبا على تيارهم ..فممنوع من الدخول عبر معبر رفح ..فلم يشفع له كونه أمين عام حزب هام في مصر ولا كونه عضوا سابقا في مجلس الشعب ..ولا كونه ابن القائد المجاهد ..أحمد حسين ..كل هذه المسميات لا قيمه لها عند نظام مبارك المتآمر ..قيمتك عندهم تأخذها فقط بقدر اقترابك من المحور الصهيوني الأمريكي الذي يمر عبر العديد من عواصم الهزيمة وينتهي في البيت الأسود .. تركته فليلا يتجول بين ركام مئات البيوت المدمره وكانت عيناه تبرق أحيانا بوميض بعض الدموع التي كانت تنزل على لحيته الكريمه متأثرا من حجم الدمار ..عدت على عجل الى البيت حيث ذهبت لاحضار وجبه جاهزه مع معرفتي أنه لم يأكل من ساعات طويله على أن يوصله مرافقي الى البيت. ..في البيت طلب أن ينام على فراش على الأرض ورفض أن ينام على سرير..أقنعني بصعوبه أن ذلك أكثر راحه له لأنه كان لا يزال يعاني من آلام كان تسببت بها زنازين مبارك( البطل ) لا زالت تلسعه بين الفينه والأخرى، ثم بعدها بدأت الاتصالات تنهال علينا ..من كل الجهات ..من أعضاء في مجلس الوزراء ، ومن الشخصيات الوطنيه والاسلاميه..المؤسسات ..أصدقاء قدامى له ..حتى المسجد قرب منزلي فلم يقبل إمامه أن يغادر أبو أحمد صلاه العشاء فيه دون أن يلقي كلمه في جموع الناس التي أتت من حي التوام والاسراء والعطاطره ..هذه الأحياء التي شهدت هي الأخرى ملاحم بطوليه في المواجهه مع جنود الصهاينه المهزومين، ارتاح قليلا ..ثم تركته مع المرافق .. بعد يومين من تركي له ..برفقه إخوه أحباء في الحركة الاسلامية وأعضاء سابقين في فتح ظل مجدي حسين يجوب غزه وأحيائها المنكوبه ويُعاين كل مواطن القصف والدمار فيها ليرى بعينيه مافعلته آله الحرب الصهيونيه الهمجيه الحاقده ..ويرى بعينه كيف كان يقاتل أبناء المساجد .. وكنت أتصل به بين الفينه والأخرى للاطمئنان ..والسؤال .. وأحيانا أخرى للترويح عن نفسه وسط كل مشاعر الألم والغصه التي كانت تنتابه.. وأحيانا كان هو يبادرو يباغتني بالرنين على موبايلي بكلمات مازحا مثل : (..يا مولانا أنا مخطوف ..تعال وخدني عندك ..، فينك يا راجل ..ده أنا اشتقت للمنسف والمقلوبه )..وهي أكلات فلسطينيه لذيذه لطالما دعوته لتناولها وعزمته عليها وهو في مصر ليتناولها في بيتي حين مجييئه الى غزه..ولكن وفي كل مره كنت أصر عليه فيها ليأتي لتناول الغداء عندي كانت المواعيد والاجتماعات والندوات التي ارتبط بها تمنعه من ذلك ..حتى أرسلت له رساله على الموبايل قلت له فيها :..يا أبا أحمد أنا لستُ رجل رسمي في هذا البلد ..ولم أعد قائدا في أي ميليشيا ..ولا زلت أعمل بعيدا عن الأضواء .. ولكني أشعر أن حقي عليك أكبر من حقوق غيري عليك ..فتعال عندي واتركهم ..وإلا فسأزعل منك والله ، ..وما هي الا سويعات الاّ واتصلت بي "أم أسعد" لتقول لي أن مجدي حسين في البيت وهو جالس الآن مع الأولاد يسألونه ويجيبهم ويحدثهم عن مصر ونيلها وأبطالها وتاريخها ..فاستأذنت تاركا عملي في دار البلديه ووصلت البيت .. وتعانقنا من جديد وكأننا لم نلتق من قبل ..وعندها قال لي سأغلق كل الهواتف ..ونريد أن نتحدث طويلا عن الأوضاع ..وأريد رأيك وأسمع تحليلاتك فيما يحدث في مصر وفي الأوضاع الاقليميه بشكل عام ..وهو يعرف مدى حبي لمصر بلد أجدادي وقيمتها العظمى في قلبي ..فجلسنا بعد الغداء لوحدنا من الظهر حتى العشاء حيث صلي بي خلالها العصر والمغرب إماما..وكانت جلسه رائعه ..أحسب أنني أفرغت كل ما في جعبتي من أفكار فيها ..وعرفت بتفاصيل أكثر من أبو أحمد حول آرائه في الكثير من الأمور والتفاصيل السياسيه في مصر التي لم أكن أعلم لها تفسيرا.. بعدها ..فتح موبايله فإذا بالاتصالات تتزاحم عليه من كل حدب وصوب ..صحفيين ..سياسيين .. أئمه مساجد .. رؤساء جمعيات .. ، عندها قلت له :..انهم يطلبونك ..الآن أنت مفرج عنك من عندي ..وبالفعل ..جاءته سياره لتأخذه الى احد المسئولين البارزين في الحركه الاسلاميه ..ليبيت عنده في تلك اليله ....ولكن استوقفني سؤال وجهته له وهو يغادر بيتي : ألا تخشى أن يقصفوك وأنت في بيت المسئول الذي ستذهب اليه ؟ ..فرد قائلا .."دي أحلى وأجمل أمنياتي" ..نظرت عندها في عينيه ..فتأكدت والله أنني أمام أسد من اسود مصر ..والحمد لله رب العالمين.. قبل أن يغادر نهائيا الى مصر بساعات حيث كان متأكدا من أن جند أمن مبارك سيعتقلونه .. دعوته أنا والعديد من إخواني لتناول العشاء في مطعم جميل قرب بحر غزه ..ورغم ما كان يبدو على وجهه من قلق قبل المواجهه مع مخابراتهم ..الا أنه حاول أن يبدده مندمجا في جو اللقاء الأخير ..حقا لقد كانت ليله جميله ..تسامرنا فيها تحت ضوء قمر حاول الصهاينه وحلفاؤهم من بني جلدتنا طويلا أن يحجبوه عن ليل غزه بل وعن فلسطين السليبه ..دون جدوى ..والتقطنا الصور التذكاريه مع بعضنا البعض ثم .. ثم ماذا ؟.. ودعناه .. والدموع تنهمر من المآقي .. من عيون ما بكت والله يوما الا من خشيه الله ..من عيون تحب والله أن تبيت دوما لتحرس في سبيل الله .. وعاهدناه أن نلتقي معه مره ثانيه ..في مصر الحبيبه الغاليه على قلوبنا ..أو في سجن فرعونها الجديد مظلومين لا ظالمين.. أو في الموت عند أكناف بيت المقدس ..أو في ظل ورده قرب نيلها العزيز ..! لك مني أجمل ورده يا أسد مصر ..ومن "بتول" و"أحمد" اللذان يسألون عنك دوما.. أجمل القبلات فوق جبينك الكريم العالي ..يا ابن الأكرمين .. مصر قادمه يا جماعه..لا محاله ، والله قادمه ..فلا تيأسوا من رحمه الله .. مصر ولاّده ..يا اولاد مصر ..وستبقى كذلك لأنها ولدتك يا مجدي حسين .. فالسلام عليك وأنت تحاصرهم في سجنك الرائع .. حيث تكبر كل يوم ..وهم يصغرون .. حيث تصبر كل يوم .. وهم يضجرون .. حيث تنتصر كل يوم .. وهم ينهزمون .. علاء أسعد الصفطاوي غزه هاشم – الشام – مصر . * هذا المقال كتبته ونشرته في أواسط العام 2009م