بدعوة من الهيئة القومية للإستشعار من البعد وعلوم الفضاء تم عقد ورشة عمل عن التنمية المتكاملة لسيناء على مدى يومين (19-20سبتمبر ۲۰۱۱). شارك فى الورشة لفيف من الخبراء وأساتذة الجامعات والمسئولين الحكوميين حيث ناقشوا الإمكانيات التنموية لسيناء والمشروعات الممكنة فى المناطق الواعدة ومنها ما تم البدء فيه ولم يستكمل لسبب ما أو لآخر. إستعرض المشاركون أيضا العديد من الأطروحات والبيانات التى تسهم فى إقامة مجتمعات عمرانية ترتكز على أنشطة لإستغلال ثروات سيناء الطبيعية: التعدينية والزراعية والمائية والسمكية والسياحية ومصادر الطاقة المتجددة. كانت أهم توصيات هذا اللقاء - وهو ما إتفق مع توصيات ندوات ولقاءات مماثلة نظمتها هيئات حكومية وأحزاب سياسية وقنوات إعلامية - هو مواصلة الحوار حول هذا الموضوع الهام الذى يتعلق بالأمن القومى والمستقبل الإقتصادى والتوزيع الجغرافى لسكان مصر والمتوقع أن يصل تعدادهم إلى 115 مليون نسمة بحلول عام 2050.
فى إطار هذه التوصية أود أن أساهم فى الحواربالرؤى الآتية.
أولا: تنمية سيناء يجب أن تكون مشروعا قوميا مصريا خالصا يلم شمل المصريين ويستنفر همتهم ويعيد إحياء نخوتهم. لقد إنطلقت الفكرة وإستمدت أولويتها من ثنايا ثورة مصر التى نفخر بأنها كانت ثورة مصرية خالصة، لم يكن للناتو فيها فضل علينا ولم تكن لأى قوة دولية أى دور فى إنجازها. ثورة مصر هى صناعة مصرية 100٪ وكذلك يجب أن يكون المشروع القومى لتنمية سيناء. هذا لايعنى رفض الخبرات والتمويلات الأجنبية، فمن الواجب الإستعانة بها لكنها يجب أن تأتى بميزان ووفقا لشروطنا، فلا يجب أن تصبح أداة لإستئناف التبعية للأجنبى كما حدث فى الماضى وأدى إلى تخريب إقتصاد مصر بل ومسخ هوية شعبها بتعظيم الأجنبى على حساب الوطنى.
مشروع تنمية سيناء يجب أن يكون تعبيرا عن إسترداد إرادتنا وحقنا فى تحديد أهدافنا. الحقيقة التى لايجب أن نتغافل عنها أن الضغوط الخارجية لعرقلة مشروعات تنمية سيناء ستكون شديدة، لكن الحقيقة الأعظم أنه قد آن الأوان لتخرج مصر من فخ التبعية للغرب بعد أن بزغ فجر الإستقلال بعد الثورة وهتفت الملايين لأول مرة بصوت هادر "الشعب يريد".
ثانيا: ينبغى إشراك سكان سيناء الأصليين (ممن يطلق عليهم بدو سيناء - وإن كنت أفضل عدم إستخدام هذا التعبير لما قد يتركه من إنطباع بدونيتهم مقارنة بسكان الوادى) فى الحوار الدائر وبالذات عن خطط إعمار سيناء بملايين من سكان الوادى. هؤلاء السكان لم يصبحوا حتى الآن مكونا أصيلا فى نسيج الشعب المصرى. أهل الوادى لايعرفون عنهم الكثير والدولة المصرية دأبت على تجاهلهم. لانريد للملايين المقرر تهجيرها إلى سيناء أن يكونوا مستوطنين غرباء عن أهلها، بل نريد أن ينصهر الجميع فى هويتهم المصرية الجامعة. هناك علماء ونشطاء أجلاء لهم باع طويل فى العمل الميدانى فى سيناء ويجب الإستعانة بخبراتهم القيمة. الإعتراف بالتنوع والتعددية سيكون فيه إثراء للتجربة التنموية فى سيناء وفى أى منطقة صحراوية فى مصر.
ثالثا: ينبغى أيضا تطوير مشروعا للتنمية المتكاملة لسيناء. هناك بالطبع مشروعات محدودة تهدف إلى تنمية المجتمعات المحلية أو إنشاء صناعة معينة فى منطقة تتوافر فيها الخامات اللازمة، كما أن هناك مشروعات إستثمارية ذات عائد مالى سريع وضخم مثل بناء قرى سياحية على الشواطئ وهو ما إستكثرنا منه فى العقود الأربعة الماضية، لكن هذه المشروعات - وإن كان يمكن أن تندرج فى إطار مشروع للتنمية المتكاملة - إلا إنها لا تشكل قلب هذا الإطار.
التنمية المتكاملة تعنى إنشاء مجتمعات تتعدد فيها الأنشطة الإقتصادية داخل المجتمع الواحد. بمعنى أن نقيم مجتمع صناعى زراعى فى منطقة يتوافر فيها الرمل الزجاجى النقى مثلا مع وجود تربة صالحة للزراعة وبعض موارد للمياه والطاقة الشمسية، أو مجتمع ساحلى سياحى لإستغلال الثروة السمكية وعناصر السياحة، أو مجتمع زراعى رعوى مع وجود مدينة تعليمية بحثية. وترتبط هذه المجتمعات بشبكة للطرق والتليفونات والمعلومات. التنمية المتكاملة تعنى أيضا إعمار كل سيناء وبالذات منطقة الوسط - والتى وصفها الدكتور جمال حمدان بأنها كالقلب الفارغ - لأن بها الممرات بين التضاريس الجبلية والتى ينفذ منها العدو لتهديد سكان الوادى.
رابعا: بناء على ذلك فإن تطوير مشروع للتنمية المتكاملة لسيناء يستلزم مشاركة أطراف عديدة تضم مراكز علمية ومعاهد تخطيط حكومية وهيئات تنفيذية وأحزاب سياسية بالإضافة إلى المؤسسة العسكرية التى يوكل إليها تحديد المناطق اللازمة لتأمين مصر عسكريا والتى لا يجب أن تندرج فى مخططات التنمية.
لهذا يجب التأنى فى الحوار والتنسيق بين جميع الأطراف لكى تتبلور ملامح المشروع المتكامل، ففى التأنى السلامة. نحن لا نبغى إقامة مشروعات صغيرة متناثرة نتعجل فى إبرازها إعلاميا وتعظيم قيمتها بل نبغى إقامة مشروعا قوميا متكاملا يكون ثمرة دراسات مستفيضة وحوارات جادة مثمرة.
خامسا: بالتوازى مع تنسيق الجهود بين الأطراف المعنية كما سبق القول فلابد أيضا من توجيه هذه الجهود فى إتجاهات معلومة ومتوافقة مع معالم ومتطلبات التغيير بعد الثورة وبالذات فى مجال التوجه الإقتصادى والأمنى. التحدى المتعلق بهذه النقطة أن هذه المعالم لم تتضح بعد. هل نريد إستمرار الإعتماد على أموال المستثمرين أم نريد إستعادة لدور الدولة فى تمويل المشروعات الكبرى؟ هل نريد الإقرار بأن التوسع الصهيونى هو أكبر خطر على الأمن القومى المصرى - وبالتالى يكون تعمير سيناء هو الضمان الوحيد لدرء هذا الخطر - أم نريد أن نتمادى فى سياسات "السلام" والتغافل عن هذا الخطر؟ هل نريد تحويل مصر إلى دولة صناعية أم لازلنا نقنع بأن الإستثمار فى مجالات السياحة والترفيه فيه الكفاية على ما فيه من مخاطر كما شهدنا فى تراجع السياحة بعد الثورة وأثناء الأزمات الإقتصادية؟ الإجابات على هذه الأسئلة تنطوى على محددات خطة التنمية المتكاملة لسيناء. وبنا أننا لازلنا فى مرحلة بلورة هذه الإجابات فيجب التأنى فى بلورة معالم وتفاصيل الخطة كما أشرنا فى البندالسابق.
علينا لكى نضع محاور وأولويات لمشروع قومى لتنمية وتعمير سيناء أن نواصل الحوار حول هذا الموضوع ونتوجه إلى جميع الكفاءات التى يمكن أن تسهم فى هذا العمل وأن نحسن السمع والتحاور لكى نتعرف على كوامن قدراتنا ونحسن إستغلالها. وللحديث بقية.