تشهد السواحل المصرية المطله على البحر المتوسط، حالة شديدة من الذعر والفزع، وذلك بعد غزو قناديل البحر المهاجرة من المحيط الهندي إلى البحر المتوسط بشكل غير مسبوق مع بداية فصل الصيف، مما أزعج المصطافين خاصة مع تعرض العديد منهم للإصابات، فيما يحذر بعض العلماء من بداية موجة جديدة لغزو كائنات بحرية أخرى خلال الفترة القليلة المقبلة. قال الدكتور مصطفى محمد -أستاذ العلوم بجامعة قناة السويس- إن الدولة استخفّت بغزو قناديل البحر ولم تتعامل معه بالشكل المناسب، وأغفلت أنها من القناديل المتنقلة السامة "Rhopilema nomadica، وأنها جزء من مشكلة أكبر، حيث تم رصد أسراب من أسماك الشيطان السامة في الطريق إلى شواطئ المتوسط وهي متراكمة الآن في منطقة الخليج، وستتبعها أسراب من نوعين من الأسماك هما القراض السامة، والأرنب الرخامية، التي تتغذى على الطحالب والأعشاب، ثم نوع من ثعابين البحر والقروش، وهي جميعا تتجه إلى المتوسط فى تجمعات تم رصدها في مناطق مختلفة بالبحر الأحمر. وأكد أستاذ العلوم أن هذه الكائنات غزت المتوسط العام الماضي في نفس التوقيت بكميات ضئيلة وسببت العديد من المشكلات، لكنها ستزيد بشكل خطير هذا العام، حيث استقطبت قناة السويس الجديدة المزيد من الكائنات البحرية الضارة من البحر الأحمر إلى المتوسط، هربا من برودة البحر الأحمر مهددة التوازن البيئي، حيث سيكون البحر المتوسط مسكنا لها، إذ إن حفر القناة الجديدة زاد من المساحة المائية التي ستشجع هذه الكائنات على النزوح لمناطق البحر المتوسط، وستسبب اضطرابًا في البيئي وعمليات الصيد. وأضاف: توسعة القناة أشبه بفتح طريق للحيوانات الغازية أو ممر في اتجاه واحد للغزو، فقناة السويس كان بها حاجز طبيعي لمنع هذه "الغزوات" وهو سلسلة من المناطق المالحة اسمها “البحيرات المرة”، الأكثر ملوحة من المياه المحيطة بها، وعملت دائما على منع الحيوانات البحرية الأخرى من المرور عبر قناة السويس، لكن أعمال التوسع الأخيرة دمرت هذا الحاجز الطبيعي، وسهلت نقل الحياة البحرية من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط، حاملة الكائنات الأكثر خطورة وسمّية عبر هذا الطريق السريع. وأوضح محمد، أن أحياء البحر الأحمر تعيش في واحدة من أكثر البيئات البحرية إجهادًا نظرًا لملوحة المياه التي تصل إلى 39 جزءًا من ألف، مقارنة ب30 جزءًا من ألف في البحر المتوسط، وترتفع حرارة الماء بشكل أسرع من أي مكان على الكوكب، وفقًا لدراسة أُجريت في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية عام 2011، وتابع: هذه الظروف شديدة القسوة، والمنافسة الشرسة بين الأحياء على الموارد الغذائية أدت إلى تطور قدرات تكيُّفية غير اعتيادية لدى أنواع البحر الأحمر، ما يجعلها منافِسة شرسة لنظيراتها في البحر المتوسط. وقالت الدكتورة منال محمد، الأستاذة بمعهد علوم البحار، إن المعهد رصد نزوح 7 كائنات بحرية وصل بعضها إلى منطقة الخليج وبعضها الآخر في اتجاهه لمياه البحر المتوسط، مؤكدة أن أغلبها كائنات خطيرة وضارة، مشيرة إلى أن المعهد رصد نزوح هذه الكائنات إلى المتوسط العام الماضي، لكن بكميات قليلة بخلاف ما تم رصده بكميات كبيرة هذا العام، والتي كان أولها غزو قناديل البحر "المتنقلة" بهذه الكميات. وأكدت أن القناديل سيتبعها سمكة الشيطان النارية، وهي أسماك غازية لها أشواك سامة وتم رصدها فى منطقة الخليج باتجاه المتوسط، ثم يتبعها سمك الأرنب، وسمك القراض السامSiganus luridus وSiganus rivulatus وهي أسماك تهدد الأسماك المتوطنة العاشبة "البريم، والببغاء" وتعمل على تشريدها، بالإضافة إلى قنافذ البحر، التي تتغذى على النباتات، وسمكة الأرنب الرخامية السامة، وهي أسماك تتغذى على الطحالب والشعاب المرجانية، وسمكة الكاردينال وسمك العلجوم فضية الخدين، القادمتين من المحيطين الهندي والهادئ، وهى من أسماك البخاخ السامة التي تتسب في شلل بالعضلات، وثعبان البحر السلور المخطط ولها أشواك سامة في زعانفها، فضلا عن نوعين من أسماك القرش، وكلها أنواع تم رصدها بكميات وأسراب باتجاه المتوسط، ويمكنها التهام أي طحالب في ثوان معدودة وتجعلها مناطق قاحلة ما يهدد الأسماك والكائنات بالمناطق التي تغزوها، ولا توجد خطة واضحة لصدها، معربة عن توقعها أزمة كبيرة على كافة المستويات السياحية والبيئية بسبب غزو هذة الكائنات. وطالبت أستاذة علوم البحار بخطة عمل للحدّ من الغزوات بشكل سريع خاصة أن البحيرات المرّة لم تعد تجمع ما يكفي من ملح الأرض لكي توقف مرور الكائنات البحرية إلى المتوسط، ولفتت إلى ضرورة إنشاء “ستارة فقاعات”، لضخّ الهواء في أنابيب تمتد تحت الماء تتخللها ثقوب دقيقة لخلق دوّامات تردع الأسماك. وقال إسماعيل محمد، أحد الصيادين بمنطقة خليج السويس، إن كميات من أسماك الشيطان شديدة السمية علقت فى شباكهم وتسببت في أضرار كبيرة لهم، ويستغرق تخليصها من الشباك ساعات طويلة كونها تحمل العديد من الزعانف والأشواك التي تعلق بأي شيء، فضلا عن هروب كافة الأسماك منها واختفائها حتى لا تلتهمها أو تتعرض للدغتها القاتلة، مؤكدا أنهم لم يتشهدوا هذه الأسماك السامة بمثل هذه الكميات من قبل. وأضاف أن شباكهم أصبحت لا تأتى سوى بقناديل البحر وأسماك الشيطان والقراض السامة، الأمر الذي يهدد أرزاق حوالي 1500 صياد، مؤكدا أنهم تقدموا بعدد من الشكاوى لنقابتهم وهيئة الثروة السمكية لنجدتهم، متوقعا غلاء أسعار الأسماك بشكل كبير نظرا لاختفائها بسبب هذه الكائنات التى احتلت المنطقة بأسراب كبيرة. وطالب بكري أبو الحسن، شيخ الصيادين، بضرورة البحث عن حلول لإيقاف غزو الكائنات البحرية التي تسببت في اختفاء الأسماك وتهدد بتشريد آلاف الصيادين، خاصة بعد تضييق الخناق عليهم ومنعهم من الاقتراب من قناة السويس أو جزيرتي تيران وصنافير، وحصرهم في منطقة خليج السويس.