إعادة تعيين قائد شرطة جامعة كاليفورنيا بعد هجوم على طلاب مناصرين للفلسطينيين    من حضر مراسم تأبين الرئيس الإيراني في طهران من الوفود الدبلوماسية العربية والدولية؟    رحيل نجم الزمالك عن الفريق: يتقاضى 900 ألف دولار سنويا    اللعب للزمالك.. تريزيجيه يحسم الجدل: لن ألعب في مصر إلا للأهلي (فيديو)    نشرة «المصري اليوم» الصباحية..قلق في الأهلي بسبب إصابة نجم الفريق قبل مواجهة الترجي.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم قبل ساعات من اجتماع البنك المركزي.. الأرصاد تحذر من طقس اليوم الخميس 23 مايو 2024    شاب يطعن شقيقته بخنجر خلال بث مباشر على "الانستجرام"    ناقد رياضي: الأهلي قادر على تجاوز الترجي لهذا السبب    أول دولة أوروبية تعلن استعدادها لاعتقال نتنياهو.. ما هي؟    موعد مباراة الزمالك وفيوتشر اليوم في الدوري المصري والقنوات الناقلة    سيارة الشعب.. انخفاض أسعار بي واي دي F3 حتى 80 ألف جنيها    برقم الجلوس والاسم، نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 محافظة بورسعيد    والد إحدى ضحايا «معدية أبو غالب»: «روان كانت أحن قلب وعمرها ما قالت لي لأ» (فيديو)    سر اللعنة في المقبرة.. أبرز أحداث الحلقة الأخيرة من مسلسل "البيت بيتي 2"    وأذن في الناس بالحج، رفع كسوة الكعبة المشرفة استعدادا للركن الأعظم (صور)    أسعار الفراخ والبيض في الشرقية اليوم الخميس 23 مايو 2024    إحدى الناجيات من حادث «معدية أبو غالب» تروي تفاصيل جديدة عن المتسبب في الكارثة (فيديو)    ارتفاع عدد الشهداء في جنين إلى 11 بعد استشهاد طفل فلسطيني    رئيس الزمالك: شيكابالا قائد وأسطورة ونحضر لما بعد اعتزاله    هل يجوز للرجل أداء الحج عن أخته المريضة؟.. «الإفتاء» تجيب    الإعلان الأوروبى الثلاثى.. ضربة جديدة للأوهام الصهيونية    محافظ بورسعيد يعتمد نتيجة الشهادة الإعدادية بنسبة نجاح 85.1%    ضبط دقيق بلدي مدعم "بماكينة طحين" قبل تدويرها في كفر الشيخ    والدة سائق سيارة حادث غرق معدية أبو غالب: ابني دافع عن شرف البنات    بالأسم فقط.. نتيجة الصف الخامس الابتدائي الترم الثاني 2024 (الرابط والموعد والخطوات)    قبل ساعات من اجتماع «المركزي».. سعر الذهب والسبائك اليوم بالصاغة بعد الارتفاع الأخير    المطرب اللبناني ريان يعلن إصابته بالسرطان (فيديو)    الزمالك يُعلن بشرى سارة لجماهيره بشأن مصير جوميز (فيديو)    4 أعمال تعادل ثواب الحج والعمرة.. بينها بر الوالدين وجلسة الضحى    أمين الفتوى: هذا ما يجب فعله يوم عيد الأضحى    تسجيل ثاني حالة إصابة بأنفلونزا الطيور بين البشر في الولايات المتحدة    البابا تواضروس يستقبل مسؤول دائرة بالڤاتيكان    سي إن إن: تغيير مصر شروط وقف إطلاق النار في غزة فاجأ المفاوضين    بالأرقام.. ننشر أسماء الفائزين بعضوية اتحاد الغرف السياحية | صور    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23 مايو في محافظات مصر    ماهي مناسك الحج في يوم النحر؟    وزير الرياضة: نتمنى بطولة السوبر الأفريقي بين قطبي الكرة المصرية    الداخلية السعودية تمنع دخول مكة المكرمة لمن يحمل تأشيرة زيارة بأنواعها    محمد الغباري: مصر فرضت إرادتها على إسرائيل في حرب أكتوبر    محلل سياسي فلسطيني: إسرائيل لن تفلح في إضعاف الدور المصري بحملاتها    محمد الغباري ل"الشاهد": اليهود زاحموا العرب في أرضهم    بسبب التجاعيد.. هيفاء وهبي تتصدر التريند بعد صورها في "كان" (صور)    ماذا حدث؟.. شوبير يشن هجومًا حادًا على اتحاد الكرة لهذا السبب    22 فنانًا من 11 دولة يلتقون على ضفاف النيل بالأقصر.. فيديو وصور    مراسم تتويج أتالانتا بلقب الدوري الأوروبي لأول مرة فى تاريخه.. فيديو    بقانون يخصخص مستشفيات ويتجاهل الكادر .. مراقبون: الانقلاب يتجه لتصفية القطاع الصحي الحكومي    حظك اليوم وتوقعات برجك 23 مايو 2024.. تحذيرات ل «الثور والجدي»    احذر التعرض للحرارة الشديدة ليلا.. تهدد صحة قلبك    «الصحة» تكشف عن 7 خطوات تساعدك في الوقاية من الإمساك.. اتبعها    أستاذ طب نفسي: لو عندك اضطراب في النوم لا تشرب حاجة بني    هيئة الدواء: نراعي البعد الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين عند رفع أسعار الأدوية    عمرو سليمان: الأسرة كان لها تأثير عميق في تكويني الشخصي    "وطنية للبيع".. خبير اقتصادي: الشركة تمتلك 275 محطة وقيمتها ضخمة    إبراهيم عيسى يعلق على صورة زوجة محمد صلاح: "عامل نفق في عقل التيار الإسلامي"    البطريرك مار إغناطيوس يوسف الثالث يونان يلتقي الكهنة والراهبات من الكنيسة السريانية    حظك اليوم| برج الحوت الخميس 23 مايو.. «كن جدياً في علاقاتك»    محمد الغباري: العقيدة الإسرائيلية مبنية على إقامة دولة من العريش إلى الفرات    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن فى مستهل التعاملات الصباحية الاربعاء 23 مايو 2024    أدعية الحر.. رددها حتى نهاية الموجة الحارة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إيران كانت معقل السنة والعراق كانت معقل الشيعة!!
نشر في الشعب يوم 25 - 03 - 2017

هذه الحلقة الثانية من دراسة (أمريكا زرعت قنبلة الشيعة والسنة)
تقسيم قلب الوطن العربي والاسلامي (المشرق العربي + مصر) خطة أمريكية – يهودية تعاونت في وضعها أجهزة الأمن الأمريكية والاسرائيلية مع مراكز البحوث الأساسية في البلدين ولأن تقسيم مصر أصعب بكثير فقد كان التركيز على المشرق اعتماداً على الفالق السني الشيعي، أما الأقلية المسيحية في مصر فيصعب إقامة دويلة على أساسها وان كان الأمر غير مستبعد في خططهم وفي خطواتهم العملية حتى الآن. ولكن الفالق السني- الشيعي أكثر جهوزية وأكثر إلحاحاً لسببين:
(1) التقارب العددي بين السنة والشيعة في العراق ولبنان والبحرين والتقارب العددي بين ايران مع أقليات شيعية في الخليج وباقي دول المنطقة التي يغلب عليها السنة مع ملاحظة وجود أقلية سنية في ايران. ولو جمعنا هذا الخليط (ايران + المشرق العربي الذي يضم الخليج واليمن) فربما يدور الرقم بين 50% و50% وهذا شرط موات للتخطيط لاحداث فتنة مذهبية. خاصة وأن معظم دول المنطقة تحت الهيمنة الأمريكية.
(2) الثورة الايرانية التي أطاحت بنظام الشاه والموال للغرب كانت زلزالا هز المنطقة بأسرها، وكانت هي السبب المباشر لحياكة مشروع الفتنة كأسلوب ناجع للتصدي لها. وهنا كان التحالف الأمريكي مع أنظمة الخليج والعراق ومصر والأردن. وكان التشجيع الأمريكي للعراق لغزو ايران، وتقديم كافة التسهيلات لذلك ومن بينها صور الأقمار الصناعية بينما كان دور دول الخليج بداية الاصدارات الواسعة لكافة المطبوعات لاثارة الخلافات المذهبية والتفتيش في كتب الثراث عن كل ما يفرق بين السنة والشيعة بينما كان العراق يتحدث عن الصراع العربي- الفارسي حتى لا يثير شيعة العراق عليه وهم منخرطون في أجهزة الدولة والجيش. وكان دور نظام مبارك بيع الأسلحة للعراق وتقديم المشورة العسكرية والسماح بتطوع المصريين للحرب مع العراق. كذلك قامت دول الخليج بتمويل المجهود الحربي العراقي.
ولم تكن هذه الحملة الاعلامية التي بدأت عام 1979 ولم تتوقف حتى الآن (وإن كانت تهدأ في أوقات الهجوم على نظام صدام حسين) لم تكن هذه الحملة بسبب شيعية ايران أو بسبب فارسيتها!! ولكن بسبب ما مثلته الثورة من نموذج فريد في الاطاحة بأعتى نظم الاستبداد من خلال ثورة شعبية سلمية، وأيضا لأنها أطاحت بالوجود الأمريكي والصهيوني على أرض ايران.
وهذا هو الخطر الذي مثلته الثورة على الأنظمة العربية الاستبدادية وعلى علاقات التبعية مع أمريكا.
بينما كانت شعوب المنطقة في فرحة وحبور واندلعت المظاهرات المؤيدة لسقوط الشاه في كثير من المدن العربية، ويوم سقوط الشاه أطلقت المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية طلقات نارية في الهواء في بيروت ابتهاجا بانتصار الثورة. وخرجت المظاهرات الطلابية في القاهرة خاصة عندما أعلن السادات أنه سيستقبل شاه ايران المخلوع في مصر، بعد تخلي الولايات المتحدة عنه!
ولا يزال الاعلام الرسمي العربي يشن الحملات تلو الحملات على النظام الايراني لأنه يريد أن يعزل هذا النموذج حتى لا ينتشر في الربوع العربية وهو نموذج ثوري سياسي تحرري وهذا هو الوجه الأبرز له، وليس الوجه الشيعي، لأن شاه ايران كان شيعياً وكان يجد من يؤيده ويسانده من رجال الدين الشيعة في الحوزة العلمية بقم، وعلى رأسهم آية الله شريعة مداري وقد كان منافساً لآية الله الخميني.
إذن إذكاء الفتنة يستهدف حصار الحالة الايرانية وهي الحالة التحررية من عبودية التبعية لأمريكا والغرب واسرائيل. ومنع تمددها في محيطها العربي الاسلامي وقد نجح الأعداء في ذلك إلى حد كبير فلم تستطع إيران أن تجد حليفا عربيا سنياً كبيراً تركن إليه في معركتها مع أمريكا واسرائيل، لم تجد إلا المقاومة الفلسطينية ممثلة في ياسر عرفات وفتح ومنظمة التحرير الفلسطينية ثم فيما بعد حماس والجهاد ومعظم الفصائل الفلسطينية التي ما تزال تقاوم كالجبهة الشعبية والجبهة الشعبية القيادة العامة وألوية الناصر صلاح الدين...الخ بالاضافة لحالة شعبية تحيط بمقاومة حزب الله داخل وخارج لبنان، ومن بين الأنظمة لم يكن هناك سوى النظام السوري لحافظ الأسد ثم بشار الأسد ثم النظام السوداني للرئيس البشير وكانت علاقات متعثرة ثم انتهت حاليا بالانحياز الكامل للنظام السوداني لصالح النظام السعودي في الأزمة الأخيرة. ومن الطريف أن علاقات تجارية واقتصادية كثيفة كانت ولا تزال بين ايران والامارات، رغم صراخ عرب آخرون (كالاعلام المصري) على جزر الامارات. (أكثر من 37 رحلة جوية يوميا بين دبي وطهران بينما لا توجد رحلة واحدة بين القاهرة وطهران). وأيضا توجد علاقات هادئة مع سلطنة عمان في إطار سياسة خاصة محايدة للسلطنة.
وسنعود للعلاقات الخاصة مع النظام السوري العلماني، وهو ليس نظاماً شيعياً كما يشيع الاعلام الاسلامي، فالطابع العلوي الذي يغلب على العمود الفقري للنظام ليس شيعيا، لأن العلوية- من وجهة نظر المذهب الجعفري الاثنى عشري- فرقة مارقة، والعلويون ليس لهم مساجد ولا يؤدون الفرائض لاسلامية ولا يحجون، فهو مذهب باطني، وهم يصلون في البيوت كما يقولون، ويقدسون سيدنا علي بن أبي طالب، ويؤمنون برجعته أو يؤلهونه، وهذه الطائفة غير موجودة إلا في سوريا وتركيا.
وسنعود للعلاقات السورية- الايرانية ولكن لابد من استكمال الأوضاع في العراق لأنها كانت نقطة الانطلاق في توسيع دائرة الفتنة.
عودة إلى الجذور التاريخية:
قلنا ان تولي شيعة العراق لزمام الحكم في بغداد بالتعاون مع الاحتلال الأمريكي كان بداية الأزمة. لكن من المهم أن نتوقف قليلا بطريقة (الفلاش باك) السينمائية ونعود إلى تاريخ العلاقات الايرانية العراقية ولو بشكل من الاختصار فهذا يفسر الكثير من تعقيدت هذه العلاقة الآن.
وهو أمر لا يفهمه المصريون بسهولة، فمصر كانت محاطة بسياج يحميها من البحرين المتوسط والأحمر، وسياج من الصحراء الغربية والشرقية بما في ذلك سيناء، وهذا المحيط الاسفنجي من الرمال والبحار جعل مصر قادرة على الحفاظ على شخصيتها، وغير معرضة لهجوم مباغت من الخارج بين عشية وضحاها. أما في العراق فيمكن أن تستيقظ صباحاً فتجد غزاة أجانب فوق رأسك، حقاً ان مصر تعرضت للغزوات الخارجية، ولكنها لم تكن لتفلح إلا بسبب ضعف أساسي في بنية الحكم المصري والمجتمع المصري، ثم كان لديها من الوقت ومن الخبرة كي تمتص غزاة الخارج بحيث تظل تحافظ على شخصيتها.
كان العراق حدوده مفتوحة من السهل اجتيازها في وقت قصير من الأناضول شمالاً ومن بلاد فارس شرقاً أو حتى ما وراء بلاد فارس. أو من الغرب (بلاد الشام) وهذا من أسباب اهتمام العراق بتطوير الأسلحة وبإختراع العجلة ولكن يظل (لا يغني حذر من قدر!!). وهذا الوضع ينطبق على ايران ولكن بدرجة أقل نظراً لوجود هضاب ومناطق جبلية.
لسنا في مقام عرض التاريخ العراقي ولا حتى العرض التاريخي لعلاقة العراق ببلاد فارس، ولكننا نشير إلى بعض الملامح التي لا خلاف عليها من أبسط قراءة للتاريخ.
عندما دخل الاسلام إلى فارس أو ما نسميه الفتوحات الفارسية، فإن ذلك قد جرى على أرض العراق أو ما كان يسمونه (أرض السواد) نظراً لتربة العراق السوداء الخصبة الصالحة للزراعة.
كانت الامبراطورية الفارسية تحتل العراق وتضمه إليها منذ زمن طويل. وكانت تعتبر العراق جزءاً لا يتجزأ من الامبراطورية . وعندما يقرأ التلميذ الفارسي تاريخ بلاده فإنه يتعلم أن العراق كان جزءاً من ايران. وإلى وقت قريب كانت هناك حالة من التداخل والسيولة بين العراق وايران، حتى ان العثمانيين كانوا يستخدمون مصطلح "عراق العرب" و "عراق العجم" للتفرقة بين العراق وايران. وهي أمور لا نشعر بها في مصر فرغم القرب الجغرافي والعاطفي بين مصر وليبيا ورغم أنهما كانا في فترات من التاريخ في دولة واحدة خاصة الشرق، فإن لمصر شخصيتها الآن ولليبيا شخصيتها وكذلك مصر والسودان، وكذلك مصر وفلسطين، وكذلك مصر وجزيرة العرب. فمصر محاطة جغرافياً من النواحي الأربعة بسياج محكم، تتفاعل مع الآخرين ولكن تحتفظ بنفسها وشخصيتها المتميزة.
ولا شك أن حالة السيولة بين العراق وايران توقفت بعد سقوط الدولة العثمانية وظهور دولة العراق ودولة ايران ولكن هذه- بمعيار التاريخ- فترة قصيرة جدا. وظلت الحدود بين البلدين من بواقي مرحلة السيولة، وما أكثر المشكلات الحدودية بين العراق وايران خاصة في منطقة شط العرب.
العراق وايران في الدولة الاسلامية:
كما كانت الفتوح الاسلامية لبلاد فارس تعني العراق وايران وما بعد ايران فقد ظلت حالة السيولة موجودة في اطار تعدد الولايات في اطار تعدد أشكال الدولة الاسلامية، بين الوحدة والتعدد.
ومن الطريف أن تعرف أنه في القرن الرابع الهجري كانت أصفهان (المدينة الايرانية الشهيرة وعاصمة ايران التاريخية) مركز أهل السنة الجماعة، كذلك كان الفرس من حاملي لواء السنة إلى حد التطرف حتى إنك إذا أخطأت في حق معاوية أثناء حديثك في مكان عام يمكن أن تتعرض للضرب المبرح.
وفي ذلك الوقت كانت الكوفة العربية في (العراق) هي مركز حركة التشيع الذي ساد في العراق، والمعروف أن الحركة العباسية نشأت بين الفرس ولكن عندما انتصرت انشق العباسيون (نسبة للعباس عم الرسول عليه الصلاة والسلام) عن المنتسبين لسيدنا على ابن أبي طالب .
وفي إطار الخلط بين المذاهب والأجناس، كان معظم فقهاء السنة وأئمة الحديث من بلاد الفرس وما بعدها من العجم (وهذا مهم لوقف حالة التعصب ضد الفرس الآن) ومنهم:
النيسابوري- البخاري- الترمزي- الرازي- الطبري- الغزالي- الخراساني- الشهرستاني- الكيلاني- الاسترابادي- الخوارزمي- الجرجاني- الأصفهاني.
ومن طرائف الزمان أن أبا حنيفة- على احدى الروايات- قتل على يد المنصور لتأييده ثورة محمد بن عبد الله الحسني (الشهرستاني في الملل والنحل+ ابن حجر+ الزمخشري) وهو من آل البيت. ودفن في الأعظمية، وعلى الضفة الأخرى لنهر دجلة مدفون الامام الكاظم (الكاظمية) الذي قتله الرشيد. أي أن الاثنين قتلا على يد العباسيين لتأييدهما ثورة آل البيت العلوية عليهم والآن فإن العداء مستحكم بين الحييين (الأعظمية- الكاظمية)!
ونحن نشير هنا إلى السيولة بين جذور السنة والشيعة فالرموز واحدة كالجعفر الصادق مثلا.. فيكتب عنه فقهاء السنة كالشيخ محمد أبو زهرة باعتباره من رموز السنة، فيما المذهب الجعفري الشيعي ينسب نفسه للجعفر الصادق وهو من آل البيت. وسنصل في دراستنا هذه للخلاف العقائدي وكيف نشأ؟ وماهي حدوده الآن؟
ولكننا نتحدث هنا عن السيولة في الأرض بين العراق وايران والسيولة في الموقف العقائدي، فلم تكن ايران موئل الشيعة، ولم تكن العراق موئل السنة، في كل مراحل التاريخ الاسلامي.
الدولة الصفوية:
الدولة الصفوية في ايران هي التي شيعتها وتقول روايات التاريخ ان ذلك تم بالاكراه. ويرى أصحاب المذهب الجعفري الاثنى عشري وهو المذهب الأساسي الآن للشيعة ان الدولة الصفوية كانت دولة علمانية ولم تكن شيعية بالمعنى الديني للكلمة وهم يرون أن النظام الايراني الحالي هو أول نظام يلتزم بالمذهب الشيعي على أساس عقائدي ديني.
ما يهمنا الآن في هذا السرد التاريخي المختصر ان حالة السيولة بين العراق وايران بلغت الذروة في القرن السادس عشر الميلادي من خلال الصراع بين الدولتين الصفوية والعثمانية، حيث يمكن لمدينة ما أن تبيت سنية تبع الدولة العثمانية وتصبح شيعية تبع الدولة الصفوية وبالعكس.
بل ان هذا التداول ينطبق على العاصمتين: بغداد وتبريز (كانت تبريز عاصمة أذربيجان وهي جزء من ايران- وكانت أحيانا تكون مقر الحاكم الايراني). وكانت سيولة الحدود العثمانية شرقاً يقابلها سيولة حدود الدولة الصفوية شمالاً وشرقاً فنجد أن غرب أفغانستان وأذربيجان جزء من الدولة الصفوية، وهذا سبب انتشار اللغة الفارسية والمذهب الشيعي في غرب أفغانستان الآن، وانتماء أغلب أذربيجان للمذهب الشيعي وان كانت الشيوعية السوفيتية محت الثقافة الدينية.
هذا المسار لا تعرفه مصر، فمصر مستقرة حتى وإن خضعت لاحتلال قوة أجنبية فانها تستقر لفترة، ولكنها لا تمر بتجربة أن تمسي تحت سيادة دولة وتصبح تحت سيادة دولة أخرى!!
يتعين على المصريين وأمثالهم من بلاد الشمال أفريقيا المستقرة أن يدركوا طبيعة منطقة الشرق العربي وما يليه من بلاد آسيوية والتي تتسم ب "الفسيفساء" وتداخل الحدود، وتنازع الأعراق والمذاهب والقوميات واللغات والأديان والتي تصل إلى ذروتها في الهند، وإن كانت الهند قد أنتجت نظاماً عبقرياً يستوعب هذا التعدد الرهيب بالمئات.
ولكننا نركز الآن على ما نسميه السيولة أو التداخل العراقي الايراني، حتى يمكن لكل طرف أن يدعي تبعية أي جزء من الطرف الآخر له، أو على الأقل يششعر بحنين إليه.
كما نعلم سقطت بغداد في يد التتار عام 1258 ميلادية وانتقلت الخلافة العباسية إلى القاهرة شكلاً بينما كانت في الواقع في يد المماليك.
بعد سقوط بغداد ظلت في أيدي أحفاد تيمور لانك المغولي ثم في يد دويلة تركمانية، ثم ظهر الشاه اسماعيل صاحب الدولة الصفوية عام 1507 ميلادية واعتدى على بغداد ولكنه لم يستقر فيها وعاد أدراجه إلى أذربيجان (التي كانت ضمن دولته) وعاد وسيطر على بغداد عام 1532 التي دخلها دون حرب أو قتال.
عندما أسند الشاه اسماعيل حكم بغداد إلى "ذو الفقار خان" تراجع المذكور عن المذهب الشيعي وأرسل مفتاح بغداد للسلطنة العثمانية التي أرسلت له قوات لحمايته. لاحظ كيف تتقلب تبعية بغداد بين عشية وضحاها.
* في العام التالي مباشرة 1533 قام رجل أو رجلان باغتيال ذو الفقار بتحريض من الشاه اسماعيل الصفوي، وعادت بغداد بسهولة لحكم الصفويين!!
* في نفس العام انشق سلطان أذربيجان عن الدولة الصفوية وأعلن تبعيته للسلطنة العثمانية وأخضع الأكراد المتمردين في كردستان أيضا للعثمانيين.
* في 1534 بعد سنة واحدة زحف الجيش العثماني على أراضي الدولة الصفوية (وليس بغداد) واستسلمت له عدة مدن وقلاع (عاد لجواز- أرجيش- أخلاط- وان) وكذلك استسلمت مواقع في كردستان،- الأكراد كانوا بين شقي الرحى بين الدولتين العثمانية والصفوية فيميلون مع الأقوى!! (لاحظ سيولة هذه المنطقة عموما) فيكفي أن ترسل مفتاح القلعة لأي طرف كي تكون تابعا له ويثبتك في مكانك عادة!).
* في ذلك الوقت هرب اسماعيل شاه من عاصمة تبريز إلى خراسان (ولاية في ايران)، وقدم الجيش العثماني قرب تبريز وتقول المصادر العثمانية: أن سادات وعلماء وصلحاء تبريز استقبلوا العثمانيين بالعزة والاجلال وسعدوا بمقدمهم الشريف. لاحظ أن كثير من التطورات تحدث بدون حروب مباشرة!!
وتمت إقامة قلعة محكمة (بناء مذهب السنة والجماعة بشكل مستقر) هكذا قال أعيان تبريز!
وجاء السلطان العثماني (سليمان) وشرع أهالي تبريز في بسط أنواع الأقمشة اللائقة تحت أقدام جواده.
* طبعا في أعقاب ذلك وبدون قتال هرب والي بغداد الصفوي ودخل العثمانيون بدون قتال. ودخل السلطان بغداد وزار قبر الامام الأعظم أبي حنيفة (الأعظمية الآن) وزار قبر الامام (موسى الكاظم) من رموز الشيعة (الكاظمية الآن) ثم زار قبر علي والحسين.
وفي هذه الأثناء اعتنق غازي خان حاكم خراسان (الايرانية) المذهب السني وأعلن الطاعة ولكنه كان مخادعاً وعاد لطاعة الشاه اسماعيل.
* عاد الشاه اسماعيل إلى تبريز بينما السلطان العثماني ما يزال في بغداد!!
* القصة طريفة كما ترون.. عاد السلطان العثماني فوراً إلى تبريز ودخلها بدون عناء أو قتال شديد.
* دخول البصرة (جنوب العراق) في طاعة الدولة العثمانية بدون قتال.
* تكرر دخول الصفويين لبغداد بعد استعادة تبريز وعودة العثمانيين لطردهم من المدينتين عام 1548 وعودة العثمانيين للاستيلاء على قلاع مواقع صفوية. وفتح ممالك شروان الصفوية.
* ضياع تبريز ودخول العثمانيين إليها مرة أخرى واستمرار السيطرة على القلاع والمدن.
* تعيين "القاضي ميرزا" حاكما لبلاد الفرس وهو منشق عن الشاه اسماعيل، وقام باجتياح قم وأصفهان وكاشان.
* عودة الصفويين للاستيلاء على عدة مواقع وقلاع.
نواصل (لعبة الصفويين مع العثمانيين حتى صدام حسين وشاه ايران الأخير، واستمرار عملية تفكيك العراق وايران بصورة متبادلة). (يتبع)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.