الحرب الشرسة التى يقودها "السيسى" وبن زايد وينوب عنهم فيها خليفة حفتر، فى ليبيا، هى بسبب أن ثوار ليبيا الذين أرادوا التقدم لبلادهم يتحركون تحت الغطاء الإسلامى، فى الوقت الذى لا ينتمى الكثير منهم إلى تيار بعينه، لكنهم أدركوا أنه لا تحرر من الاستعباد والطغاة، وتنفيذ مطالب الثورة إلا بالمشروع الإسلامى. وهذا ما جعل تلك الفرقة التى يلتف حولها العديدين من أبناء ليبيا، تحقق انتصارات متتالية على تنظيم الدولة فى أكثر من موقعة بالبلاد، فى الوقت الذى فشل فيه الانقلابى خليفة حفتر، الذى يستمر دائمًا فى حديثه عن وجود دعم دولى وإلخ.. من أجل أن يحرر بلاده التى انقلب على شرعيتها من التنظيم، وبالرغم من الامكانات الكبيرة التى لديه، إلا أنه فشل حتى الآن فى ذلك، لأنه يعمل وفق أجندة معينة أدركها الجميع ليس من بينها تحرير بلاده من تنظيم الدولة، بل من الثوار والإسلاميين منهم خاصًة، فالمشروع الإسلامى هو الأزمة الأكبر بالنسبة لحفتر وشركائه فى مصر والإمارات والغرب. تضحية يتبعها انتصار للتأكيد على أن الحياة للثورة وثوارها فقط فقدت شهدت الساحة الليبية انتصارًا آخر للثوار بسرت على تنظيم الدولة رغم امكاناتهم القليلة، وهو الانتصار الذى يحتسب لثورات الربيع العربى، ويفضح حجج "السيسى" وحفتر وبن زايد، فعلى الرغم من التغطية على ذلك الانتصار من عدة جهات اعلامية كبيرة بالوطن العربى، إلا أن الانتصار تأكد وقاموا بطرد التنظيم من مدينة سرت. وكانت حكومة السراج قد أطلقت عملية"البنيان المرصوص" بمساعدة كبيرة من ثوار ليبيا الذين قادوا العمليات العسكرية فى المدينة الساحلية التى احتلها التنظيم العام الماضى، ورغم الإمكانات المتواضعة قياسيا بما تملكه دول التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة في سورياوالعراق، إلا أن ثوار ليبيا تمكنوا من إحراز نصر حاسم، وتحرير المدنية الساحلية من عناصر التنظيم. سقط خلال هذه المعارك أكثر من سبعمائة قتيل وثلاثة آلاف جريح منذ بدء العملية العسكرية. وفي ظل حسم المعركة، يبقى باب التساؤلات مفتوحا على مصراعيه بشأن ما بعد استعادة سرت. ويجدر الإشارة هنا، أن هذه هي المرة الثانية التي يحقق فيها ثوار ليبيا انتصارا على داعش، فقد فعلوا ذلك في مدينة درنه في الشرق الليبي قبل ذلك، غير أن شوكة التنظيم وإمكانياته لم تكن تبلورت بهذه الصورة على النحو الذي حدث في سرت، والتي وصلت إلى حد انتشار تقارير عن انتقال زعيم داعش "أبو بكر البغدادي" من الموصل إلى سرت لاتخاذها عاصمة أكثر أمنا وأكثر إحكاما من الموصل والرقة. وبحسب مراقبين، فإن هناك "4" مكاسب تحققت لثوار ليبيا من هذه العملية العسكرية الناجحة، رغم التجاهل الدولي والإعلامي لهذا النصر العظيم. انتصار للربيع العربى يتسبب فى فضحية للسيسى وحفتر لا شك أن انتصار الثورات العربية، واحراز المشروع الإسلامى أى تقدم بأى شكل من الأشكال فى أى مجال، يؤكد أن أهل الثورة المضادة سوف تقترب نهايتهم مع مرور الوقت، وهذا التقدم بكل تأكيد يُفشل مخطط "السيسى" مع بن زايد، فى دعم الانقلابى "حفتر"، الذى يحارب الثوار ويقتل المدنيين، ويزعمون أن دعمه من أجل تحرير ليبيا. لكن انتصار الثوار فى سرت أبطل كل ذلك، ويبدوا أن هذا سبب زيارات حفتر المتكررة خلال الأيام القليلة الماضية إلى القاهرة، بعد أن تم فضح نظامى العسكر فى مصر والتآمرى فى الإمارات، الذين يعادون ثورات الربيع العربى بجانب آخرى بالطبع. ففكرة أن "حفتر" هو الوحيد المؤهل لطرد تنظيم الدولة الإسلامية من ليبيا، بعد الدعم الدولى له، أصبح سيناريو مفضوح كشف كذب طارحه، بقيادة العسكر فى مصر والإمارات، وهو خطاب قصد به تسويق الجنرال المتمرد دوليا لمحاولة تنصيبه حاكما عسكريا لليبيا، ومنع تشكيل حكم ديمقراطي يستوعب الطيف الليبي ويحقق السلام الاجتماعي هناك ويعمل على نهضة البلاد التي عانت من التدخلات الإقليمية المتشعبة لإفشال ثورته المظفرة ضد القذافي، وهي التدخلات الإقليمية التي أدت إلى تمزق النسيج الليبي والانقسام الحالي بين حكومة طبرق غير الشرعية وحكومة طرابلس حكومة الوفاق، التي يعترف بها المجتمع الدولي. عن هذا المعنى، يقول منصور الحصادي، نائب رئيس لجنة دعم الأمن والاستقرار ومكافحة "الإرهاب" بالمجلس الأعلى للدولة والتابع لحكومة الوفاق: "أتمنى أن يكتشف المجتمع الدولي من هي القوى الحقيقية التي تكافح "الإرهاب" في ليبيا، من تلك التي توظفه سياسيا". حزن شديد فى عواصم الثورات المضادة بعد انتصار الثوار وأكد الحصادي، بحسب الجزيرة نت، أن "عملية الكرامة" التي شنها اللواء المتقاعد خليفة حفتر منذ أكثر من سنتين بذريعة محاربة "الإرهاب" لم تحقق أهدافها، ولا الاستقرار في عموم الشرق الليبي، وفي خصوص مدينة بنغازي. الصمت والكآبة التي تظلل الدبلوماسية الرسمية والإعلام الرسمي في عدة عواصم إقليمية تجاه هزيمة داعش في سرت، وحالة الحزن التي تتسلل من خلال التعليقات المتحفظة على ما جرى، كاشفة بوضوح لحقيقة أن الكثير من الأنظمة كانت تتاجر بقضية داعش والنفخ فيها، لتقول إنها وحدها التي تحارب الإرهاب وتنوب عن العالم كله في مواجهته، لتمرير تآمرها على الربيع العربي ووقف المسار الديمقراطي ومحاصرة الشعوب وقهرها وحرمانها من أشواق الحرية والكرامة والعدالة. والآن وبعد تحرير سرت، تم إبطال وفضح هذه المشروعات المشبوهة وكشف زيفها، بل تآمرها وتوظيفها لمشروع داعش؛ لتمرير تآمرها على الربيع العربي الضامن الوحيد لدحر الإرهاب وتحقيق الاستقرار للمنطقة كلها. المجتمع الدولى يجدد الثقة فى ثوار ليبيا وأدى هذا النصر الذي حققه ثوار ليبيا على داعش مرتين، في درنه ثم في سرت، أوصل الرسالة للمجتمع الدولي، فصدر بيان عن مجلس الأمن الدولي يؤكد فيه أنه لا يعترف بشرعية في ليبيا إلا شرعية حكومة الوفاق في طرابلس، المظلة السياسية التي تعمل تحتها كتائب ثوار ليبيا، وأكد دعمه السياسي لها، وهذا يعني أن مشروع حفتر أفقه مسدود، وسقف طموحه الآن يقف عند فرصة أن يكون وزيرا للدفاع يعمل تحت قيادة سياسية لحكومة الوفاق، وحتى هذا السقف لم يعد متاحا؛ لأن الغالبية العظمى من ثوار ليبيا ترفض أي دور له بعد الجرائم التي ارتكبها، وشهوة الحكم الطاغية التي بدت في سلوكياته حتى مع برلمان طبرق الذي يرعاه سياسيا. انتصار للربيع العربى وبحسب محللين، فإن انتصار ثوار ليبيا على داعش وتحرير سرت بنصر حاسم أعاد الاعتبار لثورات الربيع العربي، وأكد من جديد أن الشعوب إذا امتلكت إرادتها وقرارها فإنها قادرة على حسم المعركة ضد الإرهاب وتطهير البلاد منه خلال أشهر قليلة. ولفت إلى أن جيوشا نظامية بميزانيات تسليح وتدريب مفتوحة وضخمة كما هي الحال في العراق ودعم عسكري هائل من عشرات الدول، لم تفلح بعد سنوات في تحرير الموصل أو تحرير الرقة السورية حتى الآن، وهذا ما أضعف الخطاب السياسي المعادي للربيع العربي والذي حاول تشويهه على أنه صانع للإرهاب وممكن له. الآن ثبت- من خلال تجربة الرجال في ليبيا- الذين يقتدون حقًا بالمشروع الإسلامى، أن الربيع العربي، وليس الجنرالات، هو الضمانة الحقيقية ضد الإرهاب، وهو القادر على سحقه وحماية الإنسانية من شره.