على الرغم من ممارسات جنود الاحتلال وانهاجهم لسياسة تكسير العظام وإطلاق الرصاص على المتظاهرين واعتقال آلاف الشبان ، إلا أن الانتفاضة الفلسطينية الأولي التى اندلعت في أوائل شهر ديسمبر من عام 1987 ، استمرت ست سنوات، واستطاعت أن تفرض نفسها على الكيان الصهيوني الذي عجز عن القضاء عليها بشتى الطرق. وأوجدت الانتفاضة حالة من الوعي الوطني في صفوف الفلسطينيين تحت الاحتلال وفي الخارج ، ولدى الجماهير العربية بشكل لم يسبق له مثيل منذ سنوات طويلة ، إذ دخلت الانتفاضة وجدان العرب ، الذين التفوا حولها ودعموها ، كما فضحت الانتفاضة ، الإرهاب الصهيوني الممنهج ضد الفلسطينيين، وسلطت الأضواء على المطالب الفلسطينية الداعية إلى إنهاء الاحتلال الصهيوني للضفة الغربية وقطاع غزة. وحددت الانتفاضة مطالبها في البيانات التي كانت تصدرها القيادة الموحدة للانتفاضة ، مثل إطلاق سراح المعتقلين، ورفض الاستيطان ، وسياسة الإبعاد والاعتقال الإداري ، ووقف الممارسات القمعية ضد السكان المدنيين وضد المعتقلين ، وإلغاء سياسة المنع من السفر والمضايقات والتوقف عن نشر الرذيلة والفساد والوقوع في شباك المخابرات والمخدرات، ومنع جمع الضرائب الباهظة. ولا شك أن الفلسطينيين قد عانوا كثيرًا خلال سنوات الانتفاضة، ليس من ممارسات جنود الاحتلال فحسب، بل من سياسة الإغلاق والتنكيل بالمعتقلين، ومصادرة الأراضي، والحصار الاقتصادي ، وإغلاق الجامعات والمدارس الفلسطينية ، وتسليح المستوطنين. وقد استشهد خلال الانتفاضة الأولي أو انتفاضة الحجارة كما أُطلق عليها ، نحو 1.392 شهيدًا ، سقط 88 % منهم بالرصاص الحي ، والباقي نتيجة الضرب المبرح والتعذيب. علماً بأن الفلسطينيين لم يستعملوا السلاح في الانتفاضة بل كانت مقاومتهم مدنية ، من خلال رمي الحجارة على جنود الاحتلال والمستوطنين ، والاضرابات العامة والمظاهرات ومقاطعة شراء البضائع الصهيونية. ويمكن إجمال الظروف التي ساهمت في انطلاقة الانتفاضة الفلسطينية بالأسباب التالية:- - تراجع الاهتمام العربي بالقضية الفلسطينية ، خاصة بعد انعقاد مؤتمر القمة العربي في عمان ، الذي لم يبحث في إزالة الاحتلال الصهيوني عن الضفة الغربية وقطاع غزة ، وشعور الفلسطينيين بأن عليهم أن يأخذوا المبادرة بأنفسهم ، ويعملوا من أجل الضغط على الكيان الصهيوني لكي ينسحب من الأراضي الفلسطينيةالمحتلة. - خروج مصر من ساحة الصراع "العربي - الصهيوني" ، بعد توقيعها على اتفاقيات كامب ديفيد ومعاهدة السلام مع (إسرائيل)، وافتقاد الجماهير الفلسطينية الأمل بحل عربي يزيل الاحتلال الإسرائيلي عنهم، بسبب عدم إمكانية حدوث مواجهة عربية ضد (إسرائيل) من دون مشاركة مصر. - خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان، بعد اجتياح بيروت في أوائل الثماننيات من القرن الماضي ، وابتعاد القيادة والثورة الفلسطينية عن فلسطين ، مما أوجد الخشية لدى الفلسطينيين في الداخل، بأنهم أصبحوا بعيدين عن التأثير على صانع القرار الفلسطيني، وأنه لا بد من العمل من أجل إبقاء النضال في الداخل الأساس في تحرك قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في الخارج. - الممارسات االصهيونية ضد الفلسطينيين في الداخل المحتل ، واستمرار الاحتلال طيلة عشرين سنة، من دون وجود بوادر أمل على نهايته ، ومصادرة الأراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات ، ومحاصرة المدن والقرى الفلسطينية واعتقال القيادات في الداخل ، مما أوجد حالة من الإحساس الوطني بضرورة التصدي للاحتلال الإسرائيلي والعمل على إزالته. وقد انطلقت الانتفاضة الفلسطينية الأولى يوم 8 ديسمبر عام 1987 ، على أثر صدم شاحنة صهيونية عمدًا لسيارتين فلسطينيتين كانتا تقلان عمالًا من مخيم جباليا في قطاع غزة. وأسفر الحادث عن مقتل أربعة فلسطينيين وجرح تسعة آخرين من ركاب السيارتين مما أثار سكان المخيم الذين خرجوا إلى الشوارع يرشقون جنود الاحتلال الصهيوني بالحجارة ، وانتشرت التظاهرات المعادية للاحتلال في جميع أراضي قطاع غزة والضفة الغربية.