تطور جديد بشأن حماية المسنين والقومي لحقوق الإنسان يعلق    خطيب الجمعة الأخيرة من شوال: يكفي الأمين شرفًا أن شهد له الرسول بكمال الإيمان    تراجع ملحوظ في أسعار السلع الغذائية بالأسواق اليوم    وزير التنمية المحلية: بدء تلقي طلبات التصالح على مخالفات البناء 7 مايو    المجتمعات العمرانية: تكثيف العمل للانتهاء من تطوير المنطقة الصناعية بالعاشر من رمضان    توريد 107 آلاف و849 طن قمح لصوامع وشون كفر الشيخ    نائب وزيرة التخطيط يفتتح أعمال الدورة الثالثة للجنة تمويل التنمية في الدول الأعضاء بالإسكوا    استلام 90 ألف طن قمح من المزارعين في المنيا    الشرطة الفرنسية تقتحم جامعة سيانس بو في باريس لتفريق داعمي فلسطين    تركيا: تعليق التجارة مع الاحتلال حتى وقف إطلاق نار دائم في غزة    نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين: 140 صحفيا فلسطينيا استشهدوا منذ 7 أكتوبر    كلوب يفتح النار قبل رحيله: بإمكان الناس البقاء على قيد الحياة بدون مباريات من وقت لآخر    علام يكشف الخطوة المقبلة في أزمة الشحات والشيبي.. موقف شرط فيتوريا الجزائي وهل يترشح للانتخابات مجددا؟    ضبط سيدة في بني سويف بتهمة النصب على مواطنين    تحرير 2582 محضراً في حملات تفتيشية ورقابية على الأنشطة التجارية بالشرقية    3.8 مليون جنيه إيرادات 4 أفلام بالسينما في يوم واحد    اليوم.. الإعلامي جابر القرموطي يقدم حلقة خاصة من معرض أبوظبي للكتاب على cbc    نقيب المهندسين: الاحتلال الإسرائيلي يستهدف طمس الهوية والذاكرة الفلسطينية في    أحمد السقا: التاريخ والدين مينفعش نهزر فيهم    التضامن تكرم إياد نصار عن مسلسل صلة رحم    «الإفتاء» تحذر من التحدث في أمور الطب بغير علم: إفساد في الأرض    هيئة الدواء تكشف طرق علاج قصور القلب، وهذه أهم أسبابه    المطران شامي يترأس خدمة الآلام الخلاصية ورتبة الصلب وقراءة الأناجيل الاثنى عشر بالإسكندرية    الوزراء: 2679 شكوى من التلاعب في وزن الخبز وتفعيل 3129 كارت تكافل وكرامة    وزير الرياضة يطلق شارة بدء ماراثون دهب بجنوب سيناء    برشلونة يستهدف التعاقد مع الجوهرة الإفريقية    صحف إيطاليا تبرز قتل ذئاب روما على يد ليفركوزن    زيادة جديدة ب عيار 21 الآن.. ارتفاع سعر الذهب اليوم الجمعة 3-5-2024 في مصر    أسعار الأسماك اليوم الجمعة 3-5-2024 في الدقهلية    "مضوني وسرقوا العربية".. تفاصيل اختطاف شاب في القاهرة    ضبط 101 مخالفة تموينية في حملة على المخابز ببني سويف    إصابة 6 أشخاص في مشاجرة بسوهاج    انقلاب سيارة ربع نقل بالمنيا وإصابة 6 أشخاص    البابا تواضروس يترأس صلاة الجمعة العظيمة    مصر أكتوبر: اتحاد القبائل العربية يعمل على تعزيز أمن واستقرار سيناء    خطوات التقديم على 3408 فرص عمل جديدة في 55 شركة    رئيس البرلمان العربي: الصحافة لعبت دورا مهما في كشف جرائم الاحتلال الإسرائيلي    الفلسطينيون في الضفة الغربية يتعرضون لحملة مداهمات شرسة وهجوم المستوطنين    مدير مكتبة الإسكندرية: العالم يعيش أزمة أخلاق والدليل أحداث غزة (صور)    الليلة.. تامر حسني يحيي حفلا غنائيا بالعين السخنة    قصور الثقافة: إقبال كبير على فيلم السرب في سينما الشعب.. ونشكر «المتحدة»    البنتاجون: نراقب الروس الموجودين في قاعدة يتواجد فيها الجيش الأمريكي في النيجر    «اللهم احفظنا من عذاب القبر وحلول الفقر وتقلُّب الدهر».. دعاء يوم الجمعة لطلب الرزق وفك الكرب    «أمانة العامل والصانع وإتقانهما».. تعرف على نص خطبة الجمعة اليوم    أيمن سلامة ل«الشاهد»: مرافعة مصر أمام العدل الدولية دحضت كافة الأكاذيب الإسرائيلية    لإنقاذ حياة المرضى والمصابين.. أمن بورسعيد ينظم حملة للتبرع بالدم    رئيس اتحاد الكرة: عامر حسين «معذور»    عبد المنصف: "نجاح خالد بيبو جزء منه بسبب مباراة ال6-1"    محظورات امتحانات نهاية العام لطلاب الأول والثاني الثانوي    السنوار يعارض منح إسرائيل الحق في منع المعتقلين الفلسطنيين من العيش بالضفة    هل مسموح للأطفال تناول الرنجة والفسيخ؟ استشاري تغذية علاجية تجيب    حكم لبس النقاب للمرأة المحرمة.. دار الإفتاء تجيب    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدد المرات.. اعرف التصرف الشرعي    تشكيل الهلال المتوقع أمام التعاون| ميتروفيتش يقود الهجوم    الناس لا تجتمع على أحد.. أول تعليق من حسام موافي بعد واقعة تقبيل يد محمد أبو العينين    «تحويشة عمري».. زوج عروس كفر الشيخ ضحية انقلاب سيارة الزفاف في ترعة ينعيها بكلمات مؤثرة (صورة)    رسالة جديدة من هاني الناظر إلى ابنه في المنام.. ما هي؟    أحكام بالسجن المشدد .. «الجنايات» تضع النهاية لتجار الأعضاء البشرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الذكرى ال42.. هل كانت حرب أكتوبر مسرحية من أجل النفط؟
نشر في الشعب يوم 11 - 10 - 2015

42 عاما مضت على آخر حرب بين الجيش المصري والعدو الصهيوني، ورغم ان مجريات الحرب لم تكن كلها في صالح مصر، بل أن بعض التحليلات ترى ان الحرب كادت أن تكون نكسة جديدة لولا التدخل الدولي ووقف إطلاق النار، لاسيما بعد أزمة الثغرة وحصار الجيش الثالث، لكننا نتمسك اولا بالجزء الاول من الحرب وتقوم دعايتنا كلها علي العبور العظيم وكأن الحرب لم تكن سوى العبور والضرب الجوية رغم انها احداث اليوم الاول فقط.
لكن، في هذا الملف، وللمرة الأولى، سنستعرض الجانب الاقتصادي لحرب أكتوبر 1973، نقلا عن خبير ومستشار النفط العالمي الأردني الدكتور عبد الحي زلوم، وهو ما كشفه في كتبه التي نشرت بالغتين العربية والانجليزية.
وقد أعاد زلوم نشر المعلومات الموثقة على شكل سلسلة مقالات في موقع رأي اليوم، و"الشعب" جمعت هذه السلسلة وتعيد نشرها، وتضعها أمام القارئ حتى يتسنى له الحكم عليها:
الحلقة الأولى: الأهداف الاستراتيجية والتخطيط السري لحرب أكتوبر.. كيف حول “أشباه الرجال” انتصارات الجيوش إلى هزائم
في البداية يجب أن نترحم على الشهداء الأبطال الذين شاركواً في تلك الحرب واعطواً أرواحهم رخيصة في سبيل عزة دينهم ووطنهم. كان تخطيط قيادتهم العسكرية مفخرة في العلوم العسكرية وأثبتواً أن الجيوش المصرية والعربية قادرة على التصدي لخرافات تفوق الجيش الاسرائلي الذي لم يحقق يوماً نصراً إلا نتيجة تقاعس أو غباء أو خيانة قيادته السياسية. وليست حرب أكتوبر سوى مثال ناصع على ذلك.
ولقد كتب عزيزنا دكتور محيي الدين عميمور) ذكريات حرب أكتوبر: الرجال وأنصاف الرجال(مشكوراً ثلاث حلقات لتاريخ كتابة هذه السطور. معتمداً على مصادر عربية . ولان هذه الحرب كانت موامرة غربية فمصادري كلها غربية . ولاني أعتقد أن هذه الحرب كانت لها أبعاد إستراتيجية ونفطية وإقتصادية وسياسية ، ولاني عشت في عالم النفط وشركاته العابرة للقارات والوطنية أكثر من نصف قرن وكتبت كتباً عن هذا الموضوع فسأدلي بدلوي مضيفاً تفسيراً لبعض ما أورده الأخ الدكتور عميمور ومستطرداً إلى البعدين الاقتصادي والسياسي الذي أسس إلى مرحلة العولمة التي نعيشها ألان .
أثناء تلك الحرب وبعدها بحوالي عشر سنين كانت شركتي الاستشارية في شوؤن النفط حديثة التكوين وكانت/كنت مستشاراً لمنطقة الشرق الأوسط لمعهد البترول الفرنسي المملوك من الحكومة الفرنسية والذي يضم جامعة البترول للدراسات العليا بالاضافة إلى 15 شركة في مجال النفط )والطريف أني لا أعرف كلمة واحدة بالفرنسية ولكني أعرف النفط (. بعد أن وضعت الحرب أوزارها وأثناء الغداء في إحدى زيارتي الشهرية لباريس سألنى أحد كبار المدراء ما رأيي فيما يحصل. أجبته بإختصار وانا حزين انها حرب تحريك وحرب نفطية وأن اللاعبين فيها لا يتفقون على بداية شهر رمضان لذلك أقول بأسف شديد أن هذا التنسيق لا يمكن حصوله إلا بغطاء أمريكي. قال السائل، هذا ما نعتقده أيضاً.
طبقًا لدراسة حالة صدرت عن كلية الإدارة بجامعة هارفارد ، بعنوان “السيطرة على النفط العالمي: 1920 – 1974″ :
“طبقًا لأحد التقارير (نشرته النيويورك تايمز “المجلة”) عام 1973، فإن الرئيس نيكسون اقترح على الملك فيصل المساعدة على إقناع السادات بالتحرك لتخفيف حجم الوجود السوفيتي في مصر، مقابل ممارسة الولايات المتحدة الضغط على إسرائيل للانسحاب من أراض عربية احتلتها عام 1967. ومع أن الملك فيصل فعل ما طلبته واشنطن،إلاّ أن نيكسون, وكما هو واضح ، لم يتحرك لتنفيذ الجانب المطلوب منه طبقًا للصفقة”.
كتب نيكسون إلى كيسنجرطالباً تنفيذ الاتفاق مع الملك فيصل:
:” لقد حان الوقت للتخلّي عن الانصياع لموقف اسرائيل المتصلّب ، فقد قادتهم تصرّفاتنا في الماضي إلى الاعتقاد بأننا سنقف إلى جانبهم بغض النظر عن مدى لا معقوليتهم.”
بعدها بدأت فضيحة ووترجت والتي تبين لاحقاً أن أحد كبار مدراء مكتب التحقيقات الفدرالي كان يدير عمليات عزل الرئيس نيكسون من وراء ستار! . الواقع أن نيكسون كان منشغلاً تماماً بفضيحة ووترغيت ، الأمر الذي جعل من كيسنجر الرئيس الفعلي للولايات المتحدة. والمتحكم بالقرار الأمريكي.. لم يخفي كيسنجر صهيونيته ومعارضته لمطالب الرئيس الأمريكي الذي تم تحييده بفضيحة ووترجت بواسطة الوشنتون بوست ( المملوكة من اليهود) بالتعاون مع أحد كبار مدراء مكتب التحقيقات الفدرالي )الصهيوني( . كتب كيسنجر لاحقاً في مذكراته:
“كانت نقطة البداية لدي تقع عاطفياً لدى الجانب الآخر) أي إسرائيل (.. وعلى الرغم من عدم ممارستي شعائر عقيدتي الدينية ، فلم يكن بمقدوري نسيان أعضاء أسرتي الثلاثة عشرالذين ماتوا في معسكرات الاعتقال النازيّة، ولم يكن في قدرتي احتمال هولوكوست آخر من قبل سياسات حسنة النية يمكن لزمامها الإفلات من السيطرة”
بعبارةأخرى قال كيسنجر فليذهب نيكسون إلى الجحيم.أضاف كيسنجر في كتاب سنوات الغليان:
:”شارك نيكسون الفئة الدنيا من الطبقة الوسطى في كاليفورنيا شاركها تحاملاتها وضغائنها، فقد اعتقد أن اليهود يشكلون مجموعة قوية متجانسة داخل المجتمع الأميركي وأن سيطرتهم على وسائط الإعلام تجعل منهم خصوماً خطرين ، وفوق كل شيء فانه يتوجب إرغام إسرائيل على تسوية سلمية وأنه لايجوز السماح لها بتعريض علاقات أميركا العربية للخطر”.
في شهر اذار 1973 زارت جولدامائير رئيسة وزراء إسرائيل الولايات المتحدة ، وعارضت وبشكل مطلق موقف نيكسون ، ورفضت أية ضغوط لتعديل موقف اسرائيل المتشدّد ، كما أبلغت نيكسون بأنه ليس لدى العرب خيارعسكري ، وأن الأمور لم تكن بأفضل مما هي عليه الآن بالنسبة لإسرائيل. يبدو أنها كانت تعرف خطة كيسنجر. \
جاء في مقال الأخ دكتور عميمور نقلاً عن هيكل:
“وما لم نكن نعرفه آنذاك هو تفاصيل رسالة بعث بها الرئيس السادات إلى هنري كيسنجر عن طريق حافظ إسماعيل…كان ذلك صباح يوم 7 أكتوبر، أي اليوم الثاني للحرب، …جاء فيها أن مصر: “لا تعتزم تعميق مدى الاشتباكات أو توسيع المواجهة”، ولا يعرف أحد هل كانت هناك برقيات سابقة ومتى أرسلت وبأي مضمون.”
فأقول: لم يكن هناك برقيات سابقة فحسب بل لقاءت سرية جداً .كانت حرب أكتوبر مسرحية كاملة الأركان وضع فصولها الأيدي الخفية التي تدير النظام العالمي بواسطة شبكة من المنظمات السرية وشبه السرية والتي تتحكم في تنفيذها عبر وكالات المخابرات الخاضعة لها وعملاء تلك المخابرات في دول العالم. وكان حافظ إسماعيل ممثل السادات في هذه الموامرة
. جاء في ص 141 من كتابي )مستقبل البترول العربي في كازينو العولمة تحت فقرة : مفاوضاتٍ سرّية مع السادات:
“عندما طرد السادات عشرات الآلاف من المستشارين السوڤيات من مصر كجزء من خطة بلاده للابتعاد عن الاتحاد السوڤياتي )كما كان التنسيق بين السادات والولايات المتحدة والسعودية عير كمال أدهم( ، حث ميلفن ليرد وزير الدفاع نيكسون على بدء مفاوضاتٍ سرّية مع السادات ، غير مدركٍ أن القنوات كانت مفتوحة– أصلا – على وسعها منذ بعض الوقت . وفي هذه الأثناء ارتقى كيسنجر بمستوى صلته المصرية الخاصة ، ففي زيارة لحافظ اسماعيل – مبعوث السادات- الى الولايات المتحدة في شهر شباط 1973 ، قام بوضع برنامج يمكنه من الاجتماع خفيةُ بكيسنجر بعد انتهاء واجباته الرسمية ، فتالياً لاجتماعاته بنيكسون وممثلي الخارجية – كان اسماعيل – كما كتب كيسنجر في كتابه ” سنوات الهياج” … سوف ينسلّ بنفسه في 25 شباط إلى نيويورك ، ومن هناك يتوجه إلى موقع اجتماع سري في الضواحي .. بيت خاص استؤجر لهذا لغرض– حيث هو وأنا نتباحث ليومين في مراجعة كاملة وخاصة للعلاقات المصرية الأميركية”
وأضاف كيسنجر : ” لا أنا ، ولا أي عضو من معاونيّ ، كان ضمن مناقشات إدارة الخارجية ، بينما إدارة الخارجية حتى لم تعرف بلقائي السرّي مع اسماعيل” .
كانت خطة كيسنجر متمشيّةً مع قرار مجلس الوزراء في إسرائيل الذي تم اتخاذه في 19 حزيران 1967 ، على أنه يمكن بحث جبهتي مصر وسوريا والتفاوض حولهما ، اما الضفة الغربية وغزّة فلا، والتي كان مجلس الوزراء الإسرائيلي قد أصرّ على ضمهّا الى اسرائيل ، أو إعطاء السكان حكم ذاتي كما هو الحال في سلطة عباس اليوم . وحيث أن الضفة الغربية كانت جزءاً من الأردن قبل حرب 1967 ، فقد عهد كيسنجر للسادات و العرب الآخرين من ” أصدقاء ” الولايات المتحدة المعروفين إلى استبعاد الأردن كلية عن مسألة مفاوضات الضفة الغربية الفلسطينية باعتبار منظمة التحرير وحدها الممثل الوحيد .. وكما تم تنفيذه فعلاً في قمة الرباط بعزل الاردن عن القضية الفلسطينية. وحيث أن الاردن كان الدولة التي تم إحتلال الضفة الغربية منها وبالتالي ألحق باسترداد اراضيها المحتلة فاصبحت حسب الرواية الاسرائلية مناطق متنازع عليها.
وفي 6 آذار 1973 ، تم تزويد السعوديين بإيجاز عن اجتماع كيسنجر مع اسماعيل ، وذلك على أساس ” العلم بالشيء في حدود ما يلزم فقط”، حيث أن العربية السعودية – البلد النفطي الرائد – سوف يكون لها دور في حظر النفط وزيادة سعره مستقبلاً .” وهذا يفسر ما جاء في مقال الأخ دكتور عميمور:
“ويكشف هيكل بعد ذلك ما سمعه من الرئيس السادات بأنه : “من بين إخواننا العرب، فإن الملك فيصل هو الوحيد الذي يتم إخطاره مقدما، بدون تحديد اليوم والساعة، … ويُشير هيكل في موقع آخر … إلى لقاءات بين الرئيس السادات والسيد كمال أدهم، مدير المخابرات السعودية، موضحا علاقات السيد أدهم بالمخابرات المركزية الأمريكية.”
ليس هذا سراً فقد جاء من مصادر عدة إن كمال أدهم قد جند السادات بينما كان من أركان نظام عبد الناصر وأنه كان يتقاضى راتباً شهرياً بواسطته كما جاء في كتاب بوب وودورد، الصحفي من جريدة الوشنطن بوست ووثيق الصلة بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
وفي 11 نيسان انعقد اجتماع آخر بين اسماعيل وكيسنجر ، وكانت القوات العربية وفي معظمها من البلدان الأشد تحالفاً مع الولايات المتحدة قد بدأت في شباط 1973 التحرك ، بما في ذلك طائرات سعودية إلى مصر وقوات مراكشية إلى سوريا . وتوافق المصادر العليمة على أن مثل هذه القرارات لم. يكن لها لتتخذ دون موافقة الولايات المتحدة
جاء في مقال الأخ دكتور عميمور
“ لكن كان واضحا أن السادات يريد القيام بعمل فردي يتحكم فيه وحده، وهو ما ثبت عبر حوار أورده الفريق الشاذلي في مذكراته” .
فأقول: لم يكن ذلك عفوياً ولكن كان مخططاً له. كان كل التخطيط لحرب أكتوبر يتم عن طريق حافظ إسماعيل أو المخابرات. عندما بدأ كيسنجر بدراسة ملف السادات لجأ إلى خبراء علم النفس في المخابرات الأمريكية والى اساتذة علم المفاوضات في جامعة هارفارد عن كيفية التفاوض مع زعيم سلطوي ، من منطلق استيعاب الأبعاد النفسية لشخصيته أكثر من الاعتماد على مهارة مساعديه. كانت التوصية، “خذ )بأسلوب شيخ القبيلة(. إذا تكلم فعلى الجميع السمع والطاعة ، إبدأ مفاوضات السادات منفرداً قبل الاجتماعات الموسعة”. ذكر كيسنجر أنه حين فاوض السادات على فك الإرتباط إجتمع منفرداً مع السادات في أسوان بعد قدومه مباشرة من إسرائيل حيث أخذ المقبول من إسرائيل بعدد وأنواع السلاح المصري في شرق القناه. قال كيسنجر أنه أراد أن يفاصل السادات حين إجتمع معه منفرداً في أسوان فأعطاه نصف الأرقام الاسرائيلية.تفاجأ كيسنجر حين قال له السادات:موافق ! في الاجتماع الموسع مع الخبراء المصريين، عندما ذكر كيسنجر ا الأرقام رفض رئيس الأركان الجمصي قائلاً: مستحيل. نظر كيسنجر إلى السادات، فقال السادات للجمصي: اسكت يا ابني. احنا اتفقنا. فبكى الجمصي في الاجتماع.
قال وليام كيسي William Casey مدير السي. آي. ايه السابق، في حديث للصحفي بوب وودوارد Bob Woodward من الواشنطن بوست Washington Post، بأن السادات كان معتاداً على بيع نفسه بنسبة 110% لأي كان ، وبأنه كان أقرب إلى كونه عميل (case officer)للسي. آي. ايه.
الحلقة الثانية: البعد النفطي لحرب أكتوبر: كيف رفع كيسنجر اسعار النفط.. وكيف اعاد تدوير عائداته
شهدت السنوات الثلاثة الاولى من عقد سبعينيات القرن الماضي أحداث مصيرية وخطيرة بالنسبة لامريكا ومشروعها الامبراطوري بل وحتى ديمومة وضعها الاقتصادي:
للمرة الاولى في تاريخها في 1970 أصبحت الولايات المتحدة مستوردة للبترول بعد أن كانت مصدرة له . كان تزويدها للنفط لبريطانيا سبب الحسم في هزيمة هتلر لإنعدام مصادر نفطية لديه ، فهل ستصبح الان الولايات المتحدة في هذا الوضع؟
بدأت الولايات المتحدة تتحمل عجوزات في ميزانيتها نتيجة إستيراد النفط والأنكى من ذلك دلت الدراسات أن العجوزات المستقبلية لا يمكن تحملها تحت النظام المالي الحالي فأصبح لزاماً لتغيير النظام المالي القائم.
كانت الولايات المتحدة تطبع دولارات أكثر من المسموح لها حسب إتفاقية بريتن وودز لتمويل حربها في فيتنام وهي مخالفة اكتشفها ديجول فتم ازاحته ، ولكن المشكلة بقيت، فتوجب إيجاد نظام مالي عالمي جديد وأصبح وضع الدولار مهدداً كعملة الإحتياط العالمية. فتم إلغاء إلتزام أمريكا بسعر الصرف الثابت في اغسطس 1971 الذي يعتمد على طباعة الدولارات بمقدار ما لدى الولايات المتحدة من احتياطات الذهب .
في النصف الثاني من الستينيات اكتشفت الشركات الأمريكية والبريطانية البترول في الاسكا ولكن بكلفة 5 دولارات للبرميل وفي بحر الشمال ولكن بكلفة 7 دولارات للبرميل في الوقت الذي كان فيه سعر البترول 2 دولار للبرميل. لتصبح هذه الاكتشافات مجدية يجب رفع أسعار البترول إلى 400%. ولكن كيف يكون ذلك؟
كما جاء تفصيله في كتابي “حروب البترول الصليبية” بعد أن رتب كيسنجر امره مع السادات بدأ بالترتيب مع مؤسسات الظل التي ترسم السياسات لتنفذها الحكومات. والبيلدربيرغ هي إحدى هذه المؤسسات التي عقدت اجتماعها في السويد.
في مايو 1973، عقد 84 من كبار رموز السياسة والمال في الغرب اجتماعا لهم في فيلا عائلة والنبيرغ Wallenburg المالية اليهودية المتنفذة في السويد ، والواقعه في جزيرة سولتجوبيدر Saltsjoeboder، وكان من بين الحضور هنري كيسنجر وعدد من كبار مدراء الشركات النفطية والمصارف والمؤسسات المالية العالمية . كان الموضوع الرئيسي قيد البحث هو الاستعداد) وليس منع (للزيادة المتوقعة في أسعار النفط في المستقبل القريب . استمع الحضور لعرض من والتر ليفي) وهو يهودي (Walter Levy حول هذا الموضوع ، وكان السؤال الذي يحاول المشاركون الإجابة عنه هو كيفية إدارة عملية ” إعادة تدوير تدفقات الدولارات النفطية ” إلى البنوك الأمريكية والبريطانية. كان من بين أبرز المشاركين في الاجتماع
من الولايات المتحدة : جايمس اكنز James Akins (البيت الأبيض) روبرت اندرسون Robert O.Anderson (رئيس مجلس إدارة شركة اتلانتيك رشيفيلد النفطية)، جورج بول George Ball (نائب وزير الخارجية الأسبق ، ومدير دار ليهمان برذرز Lehman Bros المصرفية)، زبيغنيو برزنسكي (مستشار الأمن القومي لاحقا)، وليام بندي William P. Bundy ( عضو مجلس العلاقات الخارجية ، نيويورك)، اي . جي . كولادو E.G. Collado ( نائب رئيس شركة اكسون النفطية ) ، آرثر ديين Arthur Dean ( شريك قانوني لدار سوليفان آند كرومويل Sullivan and Cromwell)، هنري . جي . هينز Henry J. Heinz II ( رئيس مجلس إدارة شركة هينز Heinz )، هنري كيسنجر (مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض)، وولتر ليفي Walter J. Levy (مستشار نفطي ومعد ورقة بيلدبيرغ)، روبرت ميرفي Robert D. Murphy (من كبار موظفي وزارة الخارجية سابقا )، جون تاور John G. Tower (سيناتور)، وكارول ويلسون Carroll Wilson (أستاذة في جامعة ام . آي . تي).
من بريطانيا العظمى : سير إيريك دريبيك Sir Eric Drake ( رئيس مجلس إدارة بريتش بتروليوم British Petroleum)، سير دينيس غدينهيل Sir Denis Greenhill ( مدير شركة بريتش بتروليوم British Petroleum) ، دينيس هيلي Denis Healey ( عضو برلمان ) سير إيريك رول Sir Eric Roll ( نائب رئيس شركة ووربيرغ Warburg وشركاة ) ، وسير ريجنالد مالدينع Sir Reginald Maulding ( عضو برلمان) .
من فرنسا: رينيه غداينير دو ليلياك Rene Granier de Lilliac ( شركة البترول الفرنسية)، البارون ادموند دي روتشيلد Baron Edmond de Rothschild (مصرفي).
من المانيا : ايفون باهر Egon Bahr ( وزير وزارة الحزب الاشتراكي الديمقراطي ) ، هيلموت شميدت Helmut Schmidt (وزير المالية، الحزب الاشتراكي الديمقراطي ) ، بريجيت برويل Birgit Breuel (مجلس مدينة هامبورغ ، الحزب الديمقراالمسيحي )، ثيو سومر Theo Sommer (ناشر صحيفة دي زييت Die Zeit) ، اوتو وولف فون اميرنوجن Otto Wolff von Amerongen (غرف التجارة الألمانية ).
من ايطاليا : جيفاني اغنيللي Givanni Agnelli ( شركة فيات FIAT) ، المركيز سيتاديني سيزي ورافائيل جيتروتي Merchese Cittadini Cesi, Raffaele Gitrotti (رئيس مجلس إدارة شركة ENI)، وراييغو ليفي Arrigo Levi (من جريدة لاستمبا La Stampa).
من السويد: أولوف بالمه Olof Palme (رئيس الوزراء)، ماركوس والنبيرغ Marcus Wallenberg (رئيس مجلس إدارة سي _ بانكين) كريستر ويكمان Krister Wickman (حاكم البنك المركزي).
من هولندا: اف.جي . فيليبس F.J. Philips ( رئيس مجلس إدارة شركة فيليبس Philips)، غيريت أ. واجنر Gerrit A. Wagner ، وماكس كوهنستامن Max Kohnstamm. ( رئيس مجلس إدارة شركة رويال دتش شل Royal Dutch Shell).
يلاحظ هنا تواجد كبار القائمين على الشركات النفطية الأمريكية والأوروبية، ورجال المال والمصارف، وهنري كيسنجر ممثلاً للبيت الأبيض، وخبراء الطاقة ومسؤولين سياسيين وحزبيين أوروبيين، تم في ذلك الاجتماع السري الاتفاق على العمل على رفع أسعار النفط لما فوق كلفه إنتاج بحر الشمال أي إلى 400% من السعر الدارج وكيفية إسترداد الدولارات الفائضة من الدول النفطية إلى البنوك والاقتصاد الأمريكي خصوصاً والغربي عموماً تحت مسمى تدوير البترودولارات. ونذكر أن هذا الاجتماع عقد قبل5 شهور من حرب أكتوبر!!!!
كما تم الاتفاق على عقد الاجتماع التالي للمتابعة بعد سنة ( أي بعد الحرب) في فيلا المصرفي اليهودي ، البارون ادموند دي روتشيلد Baron Edmond de Rothschild في فرنسا.
اندلعت حرب السادس من أكتوبر عام 1973 نجح المصريون في اقتحام خط بارليف Bar Lev line الدفاعي المنيع ، وفي وقت قياسي. خاضت القوات المصرية قتالاً جيداً في تنفيذ عملية تم التخطيط لها بصورة جيدة. كان اداء الجيش المصري قيادة وضباطا وجنودا أفضل بكثير مما كان متوقعا ومخططا له . فقد جاء استسلام القوات الإسرائيلية في منطقة القناة وتدمير أكثر من 300 دبابة إسرائيلية في الايام الاولى للقتال ، ليفتح الجبهة على مصراعيها أمام الجيش المصري.
يرى الاستراتيجيون العسكريون انه كان بإمكان الجيش المصري بل ويجب الاندفاع الى الممرات فورا وذلك لأن القيادة العسكرية الاسرائيلية كانت منهارة وستكون الممرات خط دفاع يسهل الدفاع عنه . كما أن مقتل اسرائيل كان لأنها تخزن دباباتها وكافة أسلحتها هناك . استيلاء الجيش المصري عليها قبل وصول قوات الاحتياط يحسم المعركة . لهذا انهار موشي ديان. لذلك طلب كيسنجر من السادات عدم التوسع في العمليات وبالتالي جاءت رسالة حافظ اسماعيل في 7 اكتوبر لتأكيد ذلك.
صحيح ان الاندفاع في اليوم الثاني بعد نطاق حائط الدفاع الجوي الصاروخي المصري كان سيعرض الجيش المصري الى خسائر ولكنه يكون قد حسم المعركة نهائيا لصالحه. اما الاندفاع كما فعل السادات (صوت سيده) بعد وصول قوات الاحتياط الى أسلحتها في الممرات ودخولها الخدمة القتالية عندئذ فخسارة القوات المصرية ستكون مضاعفة من الطيران بالاضافة الى القوات المدرعة من الاحتياط التي دخلت لتوها المعركة.
المأساة ان قيادة الجيش المصري كانت عالية الكفاءة والوطنية وكان على راسها جاهل في العلوم العسكرية وخبير ببيع نفسه للآخرين.
ومع تدمير الكثير من الدبابات والمعدات الحربية الإسرائيلية، بدأت الولايات المتحدة المرحلة الثانية من سيناريو الحرب، وشرعت في تنفيذ جسر جوي مكثف لنقل الأسلحة لإسرائيل. عندما أبلغ المستشار الألماني ويلي براندت Willy Brandt السفير الأمريكي في بون بأن ألمانيا ستتخذ موقفاً حيادياً حيال الحرب العربية الإسرائيلية ، ولن تسمح للأمريكيين باستخدام القواعد الجوية أو مخازن الأسلحة في ألمانيا في عملية إعادة تسليح إسرائيل، وجه كيسنجر رسالة شديدة اللهجة، رافضأ أن يكون لألمانيا الحق في اتخاذ موقف حيادي من الحرب، أو وقف إعادة تزويد إسرائيل بالأسلحة من الأراضي الألمانية . كانت الطائرات الأمريكية المحملة بالأسلحة والمعدات المتطورة المتجهة لإسرائيل تهبط على أراضي سيناء المحتلة بدلاً من المطارات داخل إسرائيل، وذلك كسباً للوقت ، إلى أن تمكنت إسرائيل من قلب الأوضاع العسكرية في المعركة على الخطوط العسكرية الضعيفة التي وضع السادات القوات المصرية فيها. بعدها دخلت الحرب مرحلتها الثالثة بهيمنة كيسنجر على المشهد السياسي بالكامل، حيث بدأت جولاته المكوكية الشهيرة، التي أدت إلى فرض الأجندة الإسرائيلية كما وضعتها حكومة تل أبيب بتاريخ 19 يونيو 1967، أي قبول إسرائيل الانسحاب من سيناء ومرتفعات الجولان من خلال المفاوضات المباشرة، مع استثناء الضفة الغربية وغزة، واللتان ستتركان إلى وقت لاحق باعتبارهما قضية منفصلة، وهو ما فعله كيسنجر بالتزام تام. جاءت جولات كيسنجر المكوكية لتستثني الأردن، الذي جردته قمة الرباط من حق التفاوض حول القضية الفلسطينية وبخاصة مستقبل الضفة الغربية وغزة واللاجئين.
جاء تنازل السادات عن أمور كثيرة دون مقاومة بمثابة مفاجأة للإسرائيليين ، فقد جاء ما حمله كيسنجر إليهم أكبر من توقعاتهم بكثير. فهذا عضو بارز في الوفد الإسرائيلي المفاوض يخاطب كيسنجر بلهجة غير المصدق لما حمله الوزير الأمريكي ، قائلاً “هل تعني بأن السادات لم يبدأ بطلب تواجد 300 دبابة؟”، وعندما أبلغ نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي إيغال الون Yigal Allon كيسنجر بأن إسرائيل ستقبل الاتفاقية التي “أبرمها” مع السادات ، انفجر كيسنجر ضاحكاً بالقول: “إنه انتصار كبير أن ننجح بإقناع إسرائيل بالقبول بالاقتراحات التي أعدتها بنفسها”. وعندما طلب آلون إدخال بعض التعديلات ، أجابه كيسنجر “لا مجال هناك لأي تغيير، لأن ذلك سيستغرق وقتاً طويلاً يسمح لمستشاري السادات الضغط عليه للتراجع عما وافق عليه”.
بعد الحرب طلب كيسينجر من شاه ايران وكان وقتها كلب حراسة الخليج أن يطلب من الدول المنتجة بالخليج زيادة الاسعار. صديقي الكاتب وليام ف انقدال الامريكي الجنسية المقيم في ألمانيا اخبرني أنه عندما سأل أحمد زكي يماني وزير النفط السعودي أثناء حرب اكتوبر عن اسباب زيادة الاسعار فأجاب اليماني: “عندما أخبرني الشاه بضرورة زيادة اسعار النفط سألته لماذا فأجابني . اطلب من مليكك أن يسأل كيسنجر فعنده الجواب .”
الحلقة الثالثة: البعد الاقتصادي لحرب اكتوبر، النفط بدل الذهب غطاء للدولار ومصائد الديون للدول النامية وعولمة الفقر
كانت زيادة أسعار النفط إلى 400% لتحقيق الأهداف التالية:
يجعل من نفط بحر الشمال ذا قيمة اقتصادية ، وتتحول بريطانيا معه إلى دولة منتجة للنفط بكل ما يعنيه ذلك من تحسين ميزان مدفوعاتها الذي كان في وضع حرج.
توفير مخزون نفطي طبيعي لقوات الناتو ، التي لن تعتمد بعدها على إمدادات نفطية بعيدة المصادر ومعرضة للمخاطر.
يجعل من نفط ألاسكا ، عالي كلفة الإنتاج ، ذا جدوى اقتصادية ، مما يخفف من واردات النفط الأمريكية ، بما يحمله من انعكاسات ايجابية على العجز التجاري الأمريكي، والذي بدأ من بداية السبعينات نتيجة استيراد النفط.
يعطي الولايات المتحدة ميزة تنافسية جديدة باعتبار أن منافسيها الصناعيين الرئيسيين ، اليابان وألمانيا ، أكثر اعتماداً على الواردات النفطية .
سيجعل الدولار عملة تسعير النفط ، مما يخلق طلباً اجبارياً على شراء الدولار من الدول المستوردة للبترول ، ومما يسهل طباعة المزيد من الدولارات الورقية بدون غطاء من الذهب .
ومع إصدار الولايات المتحدة المزيد من الأوراق النقدية ، ستجد هذه الدولارات النفطية طريقها عائدة إلى الخزينة الأمريكية بشكل سندات خزينة أو شراء اسلحة مما اصبحت خارج الخدمة.
سداداً للعجز التجاري الأمريكي.
قامت الولايات المتحدة سنة 1971 بالغاء التزامها حسب اتفاقية بريتون وودز ( سنة 1944) بأن تطبع الولايات المتحدة من الدولارات حسب كمية الذهب المتوفرة لديها وبإحتساب 35دولار للاونصة وهو التعهد التي قطعته على نفسها في تلك الاتفاقية لقاء سعر صرف ثابت للدولار مع باقي العملات العالمية مما جعل نظاماً مالياً مستقراً لا يسمح للولايات المتحدة بطبع ما تراه هي مناسباً من عملة الدولار والتي اصبحت عملة الاحتياط العالمي .
بعد تنصل الولايات المتحدة من الالتزامات المترتبة عليها بمبادلة اي كمية من الدولارات مقابل الذهب ستصبح عملتها للدولار ورقاً سيفقد قيمته لانه اصبح دونما غطاء لذلك جاءت حرب اكتوبر 1973 والتي نتج عنها زيادة الاسعار 400% . وعندما تمّ اجبار العالم كله بشراء النفط لعملة الدولار فقط مما يخلق طلباً اجبارياً على شراء الدولار من الدول المستوردة للبترول ، ومما يسهل طباعة المزيد من الدولارات الورقية بدون غطاء من الذهب .
إذا كان الدولار قد خسر دعم الذهب فقد وجد البديل الأفضل: الذهب الأسود، وفوق ذلك فإن فرض الدولار كعملة تسعير إجباري لشراء النفط ، خلق طلبًا لا ينقطع على العملة الأمريكية ، وهو وضع لم يتغير كثيرًا عبر السنوات الطويلة التالية. ففي عام 2013 كانت أسعار النفط تتراوح حول 100 دولاراً للبرميل. وإذا كان معدل الاستهلاك العالمي من النفط يصل إلى 90 مليون برميل يوميًا ، فإن الخزينة الأمريكية تطبع حوالي 9 مليارات ورقة دولار يوميًا (9000000000$) بكلفة 5 سنتات لورقة 100 دولار ، مغطاة في الأساس من النفط… لا عجب إذًا ، والحالة كذلك ، أن تسعى الولايات المتحدة حاليًا لإبقاء المصادر النفطية تحت سيطرتها العسكرية المباشرة.
المفجع حقاً هو أن الدول المنتجة للنفط لم تستفيد حقيقة من زيادة اسعار النفط الا بالقدر اليسير في ميزانياتها التي اعتمدت اساساً على الاستهلاك والبنية التحتية والعسكرية وما عدا ذلك اي معظمه ذهب لخزائن الولايات المتحدة . عن ذلك و كما جاء في كتاب اليد الخفية للهيمنة الامريكية(The Hidden Hand of American Hegemony:) ديفيد ي سبيرو، دار جامعة كورنل للنشر:
“تدّعي النظرية الرأسمالية أن أسواق المال تتأقلم أوتوماتيكياً بشكل جيد . فهي تدّعي أن الكميات الهائلة من الاموال التي ذهبت الى البلدان المنتجة للنفط تم تحويلها الى اقتصادات دول العالم الثالث، وهذه العملية تمّ تسميتها اعادة تدوير البترودولارات . ولكن …. اكثر تلك البترودولارات لم تذهب الى الدول الفقيرة المستوردة للنفط ، ولكنها ذهبت الى خزائن الولايات المتحدة عبر اتفاقيات سرّية بين دول النفط الكبرى والولايات المتحدة لتشتري تلك الدول سراً سندات الخزانة الامريكية …. بهذه الترتيبات قامت دول أوبك بشراء الديون الامريكية والتي بدون هذا الدعم لم تكن الولايات المتحدة تستطيع الاستمرار في سياسة المديونية العامة الكبيرة ، وكذلك لا يستطيع مواطنيها الاستمرار بالعيش على الديون من اجل المحافظة على انماطهم الاستهلاكية.” هذا بالصبط ما تمّ الاتفاق عليه في مؤتمر البيبلدربيرغ في مايو 1973 قبل 5 اشهر من حرب اكتوبر .
وطبقاً لدراسة أعدها البروفسور جورج . سي . لودج George C. Lodge ، وتشكل جزءاً من المنهج الذي يدرس لطلبة الماجستير في مساق شؤون النفط الدولي بكلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد ، فإن ضمان الإمدادات النفطية للغرب ليس وحده الذي يشكل أحد مطالب الأمن القومي فيما يتعلق بموضوع النفط ، بل هناك سعر النفط أيضاً. وقد خصصت الولايات المتحدة وظيفة المرجح (سونغ باور) للسعودية ترفع الانتاج لخفض السعر، وتخفضه لزيادة السعر. وبما أن السعر هو من مقومات الأمن القومي الأمريكي كما في دراسة هارفارد أعلاه فمن البديهي معرفة من هو صاحب الكلمة العليا والأخيرة في هذه العلاقة.
وجدت معظم الدول النامية نفسها في مواجهة الزيادة الكبيرة التي طرأت على أسعار واراداتها النفطية ، وبنسبة 400% ، وذلك في وقت لا تملك فيه المال لتسديد فاتورتها النفطية . وهكذا شهد العالم ظهور ما عرف بمصيدة الديون ، ومعها “الاقتصاد العالمي الجديد” ، يعتمد في الأساس على المضاربة والهيمنة على موارد الآخرين. والآن ، وبعد أن ارتبط النفط بالدولار ، فإن الولايات المتحدة تستطيع طباعة ما تشاء من الأوراق النقدية (بدون غطاء وبحيث لا تكلف ورقة المئة دولار أكثر من خمسة سنتات) ، وبإمكان البنوك إقراض الدول النامية بالدولارات هذه ، مع الكثير من الشروط بالطبع، وتكون النتيجة أن هذه الدول تعجز عن سداد ديونها في الوقت المحدد ، وعندها يتدخل صندوق النقد الدولي بشروطه المفروضة لإعادة جدولة الديون ، لتجد هذه الدول نفسها وقد فقدت استقلالية قرارها الاقتصادي والسياسي ، وأصبحت أسيرة هاجس تسديد الفوائد واستمرار دورة الديون إلى الأبد.
جاء في كتاب عولمة الفقر لاستاذ الاقتصاد في جامعة أتوا بكندا ميشال شدسفسكي :-
“كان مجموع الديون طويلة الأجل على الدول النامية عام 1970 حوالي 62 مليار دولار. وزادت سبع مرّات فوصلت إلى 480 مليار دولار سنة 1980 ثم زادت 32 مرّة لتصبح 2000 مليار دولار سنة 1996 … ولأن الدول قد اصبحت تنوء من ثقل ديونها ، فلقد مكن ذلك البنك الدولي ، صندوق النقد الدولي ، منظمة التجارة العالمية. من إجبار تلك الدول على إعادة تشكيل اقتصادها وقبول الشروط التي تتوافق مع مصالح أصحاب المال العالمي …. وأصبح الاقتصاد العالمي موجهاً لعملية تحصيل الديون… لما ينتج عن ذلك من زيادة في البطالة ، وتباطئ في النشاط الاقتصادي “.
لهذا تعسكر قوات الامبراطورية الأمريكية فوق حقول النفط مدفوعة الأجر من أصحاب النفط ) مرة لحمايتها من صدام حسين، واخرى من إيران واخرى من شبح جديد (لتتأكد أن سيل البترودولارات مستمر إلى خزانتها لانه بدونه فهي إمبراطورية من الورق أوهى من خيوط العنكبوت . ماذا لو أحسنا إدارة هذه الثروة؟؟؟
في مسرحية حرب اكتوبر 1973 كان الشيطان حاضراً وكان اصحاب القضية والنفط غائبون .
الحلقة القادمة يوم الاحد : ماذا قال الملك فيصل لكسينجر قبل اغتياله ؟ احتلال منابع النفط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.