لم يتوان سكان بلدة "ابوت آباد" الباكستانية فى ابداء الشكوك حول مقتل أسامة بن لادن زعيم "القاعدة" في عملية نفذتها قوات "كوماندوز" أمريكية ، فضلاً عن كونه كان موجودًا في مدينتهم من الأساس، منددين بما وصفوها "المسرحية الأمريكيةالجديدة" بباكستان. ويتولى شرطي منذ حوالي 15 ساعة الحراسة قرب حقل لزراعة البطاطا لإبعاد الفضوليين عن المنزل الذي أقام فيه بن لادن وانتشر حوله عشرات الجنود. لكن الشرطي نفسه لا يصدق بأن زعيم "القاعدة" قتل. وقال مشيرًا إلى المنزل الكبير المسور بجدران مرتفعة والواقع على مسافة قريبة "لم نر شيئا. طُلب منا أن نأتي في الساعة الثالثة صباحا لكن العملية كانت قد انتهت".
وعند ساعات الصباح الأولى ليوم الاثنين، وجد سكان ابوت آباد أنفسهم محط اهتمام العالم أجمع بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما فجأة أنه تم تحديد مكان وجود بن لادن وقتل ليلاً في عملية نفذتها وحدة "كوماندوز" أمريكية في هذا المنزل الواقع في حي بلال تاون.
لكن هذه الرواية لا تبدو قابلة للتصديق بين سكان هذه المدينة الجبلية، التي ظلت بمنأى عن أعمال العنف التي شهدتها سائر أنحاء باكستان خلال السنوات ال 10 الأخيرة، وفي مجتمع مستعد على الدوام لتقبل نظريات تشير إلى المؤامرات الأمريكية.
وتروي وكالة "فرانس برس"، أن بشير قرشي وهو رجل متقاعد في ال 61 كان يجلس مع حفيده أمام منزله الذي يقع على بعد بضع مئات من الأمتار من ملجأ بن لادن، حيث تناثر زجاج منزله خلال العملية التي نفذها الأمريكيون ليلاً وسقطت خلالها مروحية.
ويضع الرجل الذي ابتسم عند سؤاله كل ذلك في إطار "نظرية المؤامرة"، ويقول "لا أحد يصدق ما حصل. لم نر أبدا أي عربي في المنطقة".
ويستبعد سكان البلدة أن زعيم "القاعدة" الذي كان يعتقد بأنه في قرية نائية في المناطق القبلية شمال غرب باكستان، كان يقيم في المدينة خصوصًا وأنه على بعد اقل من كيلومترين يدرب الجيش الباكستاني كل يوم آلاف المجندين في أكاديمية كاكول العسكرية.
ويقول المهندس نعمة الله بصوت هادىء "كان يعيش بن لادن قرب كاكول وأجهزة الاستخبارات. لا أصدق ذلك. إنه إخراج خططت له الولاياتالمتحدة مع الحكومة الباكستانية".
وساهم إعلان واشنطن بعد ظهر الاثنين إلقاء الجيش الأمريكي جثة بن لادن في بحر عُمان، إضافة إلى غياب أدلة على مقتل زعيم "القاعدة"، في زيادة الشكوك والتساؤلات وانتشار النظريات.
ويقول شكير أحمد وهو صاحب صيدلية "إذا قتل لماذا لم نر جثته؟ إنه إخراج أمريكي"، من جهته قال وسيم إقبال الذي يعمل في بيع العقارات ساخرًا "سبق وأعلنوا مقتله عدة مرات. فكم مرة يقتل بن لادن؟".
ويعتبر شأنه شأن العديد من سكان الحي أن الولاياتالمتحدة خططت لتنفيذ العملية في هذه المدينة الحامية "لتشويه سمعة الجيش الباكستاني". ويقول شاكيل أحمد الموظف في شركة لإنتاج الادوية "تريد الولاياتالمتحدة الانسحاب من افغانستان وتؤكد الآن مقتل بن لادن وبالتالي لديها ذريعة لمغادرة" هذا البلد.
فيما ينظر عطاء الله شاه وهو طالب في ال 17 إلى الأمر برمته على "أنه مجرد لعبة. أن أوباما تعمد القيام بذلك قبل الذكرى العاشرة لهجمات 11 سبتمبر ولضمان فوزه في الانتخابات الرئاسية المقبلة".
وفي إسلام آباد قال المحلل السياسي امتياز غول "طالما أن الأمريكيين لن يقدموا أدلة" على مقتل بن لادن "لن تزول الشكوك" خصوصا في باكستان.
وثارت شكوك من قبل البعض حول مقتله، خاصة وأنه لم يتم حتى الآن عرض صورة للجثة التي قالت الإدارة الأمريكية إنها بحوزتها، فيما تضاربت الأنباء مع إعلان تقارير أمريكية، أنه تم دفن زعيم "القاعدة" في البحر بعد مقته برصاصة في الرأس.
وتعززت الشكوك خصوصًا مع اعتراف محطات تلفزيون باكستانية ب "فبركة" الصورة التي عرضتها الاثنين، باعتبارها لزعيم "القاعدة" ، مؤكدة أن الصورة ليست صحيحة وسحبتها.
وكانت عدة قنوات خاصة عرضت الصورة المزعومة، لكنها قالت إنها لم تتأكد من صحة كونها لأسامة بن لادن الذي أعلن عن مقتله ليل الأحد في غارة لقوات خاصة أمريكية في ابوت آباد التي تقع على بعد 50 كلم شمال غرب إسلام آباد.
وقال رانا جواد رئيس مكتب تلفزيون "جيو" في إسلام آباد لوكالة "فرانس برس": "كانت في الواقع صورة خاطئة، وكان سبق عرضها على الانترنت في 2009". وأضاف: "قلنا عند بثها إنه لا يمكننا حتى الآن تأكيد صدقيتها وبعد التثبت سحبناها من البث".
وحذت باقي القنوات حذو "جيو" الأكثر شعبية في باكستان. وكانت الصورة أظهرت وجها مشوها جزئيا.
وكانت حركة "طالبان باكستان" نفت في وقت سابق إعلان أوباما بشأن مقتل بن لادن، وأكدت أنه حي وفي مكان آمن، وفق ما أفاد مراسل فضائية "روسيا اليوم" في إسلام اباد. كما بثت قناة "جيو" الباكستانية خبرًا مماثلاً قالت فيه إن حركة "طالبان باكستان" نفت التقارير عن مقتل بن لادن.
شبيه بن لادن وفى السياق ذاته، كشف الكاتب البريطاني روبرت فيسك عن تلقيه اتصالات هاتفية من مصادر تؤكد أن الشخص الذي أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن مقتله بباكستان ليل الأحد ليس هو أسامة بن لادن بل شخص آخر شبيهه.
وقال فيسك في مقال نشرته صحيفة "اندبندنت" الثلاثاء، إنه تلقى أمس ثلاث مكالمات هاتفية من بعض العرب أجمعت كلها على أن شبيه بن لادن هو الذي قتله الأمريكيون، وذكر أن "القاعدة" ستعلن الأمر في الوقت المناسب.
وأضاف إنه "إذا كنا جميعا مخطئون وكان القتيل شبيه بن لادن فسيظهر شريط فيديو آخر من بن لادن الحقيقي وحينها سيخسر الرئيس باراك أوباما الانتخابات القادمة"، بحسب ما أورد موقع "الجزيرة نت".
وأشار إلى السعادة الغامرة التي شعر بها الأمريكيون واعتبار كثير من الدول الأمر نصرا مبينا. وتمنى بعد كل الضحايا الذين سقطوا على طريق البحث عن بن لادن على مدى عقد من الزمان -حيث مات ثلاثة آلاف أمريكي في 11/9 ونحو نصف مليون في العراق وأفغانستان- ألا يكون هناك انتصارات أخرى مدوية.
وأضاف أنه ربما سيكون هناك هجمات انتقامية من جماعات منشقة صغيرة في الغرب ليس لها اتصال مباشر بتنظيم "القاعدة"، وأكد أن هناك من يحلم بتشكيل "لواء الشهيد أسامة بن لادن" ربما يكون في أفغانستان بين "طالبان".
ورأى فيسك أن الثورات الجماهيرية في العالم العربي خلال أربعة الأشهر الماضية تعني أن "القاعدة" ماتت سياسيا، وروى أن بن لادن أبلغه ذات مرة أنه أراد أن يدمر الأنظمة الموالية للغرب في العالم العربي ودكتاتورية آل مبارك وآل بن علي وأنه أراد أن يكون خلافة إسلامية جديدة.
وأكد أن هذه الأشهر القليلة الماضية شهدت انتفاضة ملايين العرب الذين كانوا مستعدين لتضحيتهم الخاصة، ليس من أجل الإسلام ولكن من أجل الحرية والديمقراطية، وقال إن بن لادن لم يتخلص من الطغاة لكن الشعوب هي التي فعلت ذلك ولم يريدوا خليفة.
ورأى فيسك أن وفاة بن لادن تجعل باكستان في دائرة ضوء كئيبة، فمنذ أشهر والرئيس علي زرداري يقول إن بن لادن كان يعيش في كهف في أفغانستان، والآن تبين أنه كان يعيش في قصر في أبوت آباد بباكستان.
وقال إن هذا معناه أن بن لادن تعرض للخيانة على أيدي الجيش الباكستاني أو مخابراته أو كلاهما وباكستان كانت تعلم مكانه، ولم تكن أبوت آباد فقط مقر الكلية العسكرية لكنها كانت قيادة الفرقة الثانية لفيلق جيش باكستان الشمالي.
وتساءل فيسك: ألم يكن من الممكن إلقاء القبض على بن لادن حيا؟، وانتقد قول الرئيس الأمريكي بعد مقتله أن العدالة أخذت مجراها، وقال إن العدالة في قديم الزمان كانت تعني إجراءات قانونية وقاعة محكمة وجلسة استماع ودفاعا ومحاكمة. وأضاف أن بن لادن قتل كما فعل بأبناء الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
وأضاف أن المحاكمة كانت ستقلق أناسا أكثر من بن لادن، فربما تحدث الرجل حينها عن اتصالاته بالمخابرات الأمريكية أثناء الاحتلال السوفيتي لأفغانستان، تماما كما حدث مع صدام، الذي حوكم على قتل 153 شخصا فقط بدلا من آلاف الأكراد الذين قتلوا بالغازات السامة، والذي أُعدم قبل أن تتح له فرصة إبلاغ العالم بمكونات الغاز الذي أتى من أمريكا وصداقته لدونالد رمسفيلد وزير الحرب الأمريكي الأسبق والمعونة العسكرية الأمريكية التي تلقاها عندما غزا إيران عام 1980.