قال البيت الابيض الامريكي ان زعيم القاعدة أسامة بن لادن لم يكن مسلحا عندما اقتحمت قوات أمريكية خاصة مجمعه في باكستان وقتلته رميا بالرصاص وتعهد بالسعي لمعرفة كامل أبعاد الحقيقة وما اذا كانت اسلام اباد قد ساعدته في الافلات من الملاحقة طوال عشر سنوات. وواجهت باكستان يوم الاربعاء ضغوطا متزايدة لتقديم تفسير عن كيفية تمكن أبرز الرجال المطلوبين في العالم من العيش طوال سنوات في بلدة ابوت اباد التي تشبه الحصن العسكري ولا تبعد عن العاصمة اسلام اباد سوى بنحو 60 كيلومترا. وتنفي باكستان انها وفرت ملاذا لبن لادن. والكشف عن ان بن لادن كان أعزل يتناقض فيما يبدو مع ما قاله مسؤول أمن امريكي من قبل بأن زعيم القاعدة "شارك" في تبادل اطلاق نار مع قوات الكوماندوس الامريكية التي نقلتها طائرات هليكوبتر.
ويوم الثلاثاء قدم جاي كارني المتحدث باسم البيت الابيض رواية أكثر تفصيلا عن العملية. وعزا المعلومات غير الصحيحة في بادئ الامر الى "ضباب الحرب" وهو تعبير اقترحه أحد الصحفيين.
وقال كارني للصحفيين وهو يتلو بيانا أعدته وزارة الحرب "بأوامر الرئيس هاجم فريق أمريكي صغير مجمعا امنا في حي راق من اسلام اباد للقبض على أسامة بن لادن أو قتله."
واذا صحت معلومة قتل بن لادن وهو أعزل فقد يزيد ذلك من صعوبة تحسين العلاقات مع العالم الاسلامي بعد حربي العراق وأفغانستان في صراعات تفجرت بعد هجمات 11 سبتمبر ايلول عام 2001 على الولاياتالمتحدة التي دبرها بن لادن.
ويدرس المسئولون الامريكيون أيضا معضلة نشر صور لجثة بن لادن الذي أطلق عليه الرصاص في الرأس والتي تقدم دليلا على مقتله لكنها قد تغضب المسلمين.
وقال كارني "من الانصاف القول انها صورة رهيبة".
وصرح مدير وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية (سي.اي.ايه) ليون بانيتا لشبكة تلفزيون ان.بي.سي الاخبارية يوم الثلاثاء بأن الولاياتالمتحدة ستنشر في نهاية الامر صورة لجثة بن لادن لكن البيت الابيض قال مجددا انه لم يتخذ قرار بعد في هذا الشأن.
وقال بانيتا حسبما ورد في نص المقابلة التلفزيونية "من الواضح ان الحكومة تبحث افضل السبل لعمل ذلك لكني اعتقد انه ما من شك في أن صورة ستنشر على الملا في نهاية الامر."
وبينما اشادت اسلام اباد بقتل بن لادن ووصفته بالحدث المهم في الحرب على الارهاب قالت وزارة الخارجية ان باكستان عبرت عن "مخاوف عميقة" بسبب تنفيذ العملية دون اخبارها بها مسبقا.
ونفت باكستان يوم الثلاثاء أي علم مسبق لها بالغارة الامريكية التي قتلت زعيم تنظيم القاعدة لكنها قالت انها تتبادل المعلومات مع المخابرات المركزية الامريكية بشأن المجمع المستهدف منذ عام 2009 .
وقالت الوزارة في بيان مطول "لم تستخدم القوات الامريكية أي قاعدة أو منشأة داخل باكستان. كما لم يقدم الجيش الباكستاني أي مساعدة تتعلق بالعمليات أو بالامداد والتموين لتلك العملية التي نفذتها القوات الامريكية."
وقالت وكالة المخابرات المركزية الامريكية انها لم تطلع باكستان على العملية خوفا من وصول المعلومات الى بن لادن وهو ما يكشف عن انعدام الثقة بين الحليفين المفترضين.
واستخدمت طائرات الهليكوبتر الامريكية التي تحمل قوات الكوماندوس الخاصة أجهزة تعتيم في المنطقة الوعرة على الحدود الافغانية لتدخل المجال الجوي لباكستان دون ان ترصدها الرادارات فجر يوم الاثنين.
وقال المتحدث باسم البيت الابيض ان زعيم القاعدة قاوم أثناء العملية واستطرد كارني "كان هناك خوف ان يقاوم بن لادن عملية الاعتقال وفي الواقع فانه قاوم."
وأضاف قوله "اندفعت امرأة.. زوجة بن لادن نحو المهاجم الامريكي واطلق عليها النار في ساقها ولكنها لم تقتل. ثم اطلق الرصاص على بن لادن وقتل. ولم يكن مسلحا".
ورفض كارني ذكر تفاصيل عن شكل مقاومة بن لادن او حجمها.
وقال "المقاومة لا تقتضي ان تكون بسلاح ناري. وانا علي يقين ان مزيدا من التفاصيل سيكشف عنه حينما يصبح متاحا".
وصرح بانيتا مدير السي.اي.ايه بأن فريق الهجوم الامريكي كان "مخولا بشكل كامل" بقتل بن لادن.
وكان مسئول أمريكي قد أبلغ "رويترز" يوم الاثنين ان المهمة كانت "مهمة قتل" وان أضاف ان بن لادن كان "سيعتقل حيا اذا استسلم"، وفق زعمه.
وكان مسئولون امريكيون قد أكدوا مرارا على مقاومة زعيم القاعدة لتفسير لماذا قتل ولم يعتقل.
وقال كارني "توقعنا قدرا كبيرا من المقاومة وقوبلنا بقدر كبير من المقاومة. وكان هناك اناس كثيرون مسلحون.. في المجمع".
كما تراجع مسئولون امريكيون عن تصريحات سابقة بأن زوجة بن لادن تم استخدامها كدرع بشرية.
وقال بانيتا في مقابلة مع تلفزيون (بي.بي.اس) ان الفريق المهاجم فتح النار ردا على "تحركات تنطوي على تهديد" بعد ان وصل الى غرفة في الطابق الثالث من المجمع حيث وجدوا بن لادن.
وقال بانيتا "التفويض هنا كان بقتل بن لادن. لكن من الواضح وطبقا لاحكام القتال اذا كان قد رفع يديه مستسلما ولم يبد انه يشكل اي تهديد حينها كانوا سيعتقلونه. لكن كان لديهم تفويض كامل بالقتل."
وعلى الرغم من ترحيب الكثير من زعماء العالم بالعملية الامريكية التي انتهت بقتل بن لادن لاحت بوادر قلق في بعض دول أوروبا من ان الولاياتالمتحدة اخطأت حين تصرفت كشرطي وقاض ونفذت الحكم.
ودافع وزير العدل الامريكي اريك هولدر عن العملية وقال يوم الثلاثاء انها قانونية لكن البعض في أوروبا قال انه كان من الواجب اعتقال بن لادن وتقديمه للمحاكمة.
وتعرضت باكستان لمزيد من الضغوط الدولية وثارت تساؤلات حول مدى قدرة أجهزتها الامنية على الامساك ببن لادن او انها كانت تعرف اين يختبيء او ربما كانت متواطئة معه.
وقال ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني في حديث مع هيئة الاذاعة البريطانية (بي.بي.سي) ان على اسلام اباد ان تجيب على اسئلة متعلقة بما اسماه "شبكة الدعم" لزعيم القاعدة في البلاد.
أوباما مجرم الحرب إلى ذلك، رحج عدد من الحقوقيين تورط إدارة الرئيس الأمريكى، باراك أوباما، فى جريمة حرب إذا ثبت أنه كان بقدرتها اعتقاله قبل قتله، مشيرين إلى إن الولاياتالمتحدة جعلت من بن لادن "هدفاً مشروعاً" ولا يدخل فى نطاق الحرب، مطالبين بالكشف عن تفاصيل عملية الاغتيال.
وأكد بهى الدين حسن، مدير مركز القاهرة لحقوق الإنسان، أن عملية قتل بن لادن تدخل فى نطاق الحرب، وأن الولاياتالمتحدة تعاملت مع بن لادن على أنه أصبح هدفاً مشروعاً لها، خاصة وأنه مطلوب دوليا منذ فترة طويلة.
وشدد حسن على أن التخلص من الجثة يدل على مخاوف الولاياتالمتحدة من أن يتحول قبر بن لادن إلى مزار، وهو ما يعد مخالفة واضحة لكل المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، لافتاً إلى أن تذرع الولاياتالمتحدة برفض عدد من الدول تسلم جثته لدفنها أمر "غير مبرر".
وأشار حسن إلى أن دفن جثمان بن لادن شأن لا يخص الولاياتالمتحدة، ويخص أسرة بن لادن فقط، فهم وحدهم من يملكون حرية دفن الجثة فى أى دولة، أو حتى دفنها فى البحر، مؤكداً أن استمرار إخفاء الجثة يعد جريمة فى حق الإنسانية.
ولفت إلى أن المجتمع الدولى لو تعامل مع قضية "جثة بن لادن" سيملك الحق فى إدانة الولاياتالمتحدة بتهمة جرائم الحرب، والتمثيل بجثث الأسرى، وفقاً لاتفاقيات جنيف. وقال ناصر أمين، مدير المركز العربى لاستقلال القضاة والمحاماة، إن عدم ظهور جثة بن لادن يعد "مخالفة واضحة وصريحة" لمبادئ حقوق الإنسان، ومخالفة لكل المواثيق الدولية الحقوقية. وأشار أمين إلى أنه حتى لو تم التعامل مع عملية قتل بن لادن فى إطار الحرب بين القاعدة والولاياتالمتحدةالأمريكية، فلابد من الكشف عن تفاصيل العملية، لأنه فى حالة ثبوت أنه كان يمكن اعتقاله أو القبض عليه وتم قتله، سيدخل القتل فى نطاق "جريمة الحرب وقتل الأسرى".
وشدد أمين على أن عملية القتل نفسها تمت بصورة مخالفة لكل مبادئ حقوق الإنسان، خاصة فى ظل عدم كشف الولاياتالمتحدة عن أسباب قتله وعدم اعتقاله.
وأكد نجاد البرعى، المحامى والناشط الحقوقى، أن الوقت لايزال مبكراً للحكم على موقف الولاياتالمتحدة من التعامل مع الجثة، خاصة فى ظل التصريحات التى صدرت عن البيت الأبيض والتى أكدت أن التعامل مع الجثة تم وفقاً للشريعة الإسلامية. واستبعد البرعى أن يكون لدى الولاياتالمتحدة مخاوف من أن يتحول قبر بن لادن إلى مزار، لأنهم تركوا من قبل جثة صدام فى العراق، وقام بعض العراقيين ببناء ضريح له وتحويله إلى مزار. وأضاف "عملية قتل بن لادن لم تكشف عن تفاصيلها بعد ولابد من الانتظار حتى معرفة التفاصيل، خاصة وأن العملية تدخل تحت نطاق الحرب بين الولاياتالمتحدة والقاعدة، والهدف منها رجل إرهابى ومن المتوقع أنه لم يستسلم بسهولة".