[email protected] لا يختلف أحد " ظاهريا وعلانية على الأقل" فى وصف ما حدث خلال الفترة مابين 25/ يناير 2011 والحادى عشر من فبراير، على أنه ثورة شعبية، قال هذا المجلس العسكرى، ووزارة د. شفيق الأولى والثانية، قالته أيضا محطات التلفزيون الحكومى والمحطات الخاصة، قاله رؤساء ما يسمى بالأحزاب المصرية الرسمية، والشخصيات العامة، أصر عليه ممثلى الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدنى.. وقبل كل هؤلاء وبعدهم قاله الثوار من أبناء الشعب المصرى العظيم وأبائه وأمهاته وعماله وفلاحيه ومثقفيه، أصحاب هذه الثورة ومفجريها وشهدائها. ولم يقف الأمر على الداخل المصرى، بل إن أحد أهم إنجازات هذه الثورة، هى أنها قد حصدت الإعتراف والإعجاب الدولى على كل الأصعدة الشعبية والرسمية، حتى قبل خلع الرئيس السابق مبارك. وقد نبهنا فى المقال السابق "مصر من مزارع الغضب.. إلى آفاق الأمل.. ياشباب مصر إقتلع قممك".. إلى الثورة المضادة التى تتبدى فى محاولة إعادة إنتاج النظام "الذى سقط رأسه ولم يسقط بنيانه بعد".. هذه المحاولة التى ما تزال مستمرة.. وبضراوة.. والتى تبدت فى أعمال الهجوم على الجهات والمؤسسات الرقابية، وأحداث إشعال الفتنة الطائفية فى صول، والتى نؤكد هنا أنها الأشكال الإلهائية لتحويل النظر عن الممارسات الحقيقية لإستيعاب الثورة وحصارها على طريق إعادة إنتاج النظام. هى........... ثورة!! هذه الثورة قد كانت الأولى فى التاريخ التى تنظف مكانها، قبل أن تنظف أوساخ النظام الذى قامت لإقتلاعه، وهى أيضا الثورة الأولى فى التاريخ، التى يطلب ممن قاموا بها وتحملوا تضحياتها ومخاطرها أن يعودوا إلى بيوتهم مشكورين، وسوف نقوم بالنظر فى مطالبكم التى أسقطتم النظام من أجلها!!. وصحيح أن الفارق بين هدم النظام وهدم الدولة كبير، ونحن من أنصار الأول ومن أعداء الثانى.. فالفارق أيضا بين بناء دولة الثورة، وإعادة بناء دولة النظام المخلوع أكبر، وتتجلى هذه المسألة فى قضية محاسبة النظام المخلوع.. خاصة وأن النظام المخلوع قد ترك لنا دولة ساقطة مهلهلة مديونة ومهددة بالإفلاس.. فإما أن يتم تناول محاسبة النظام على أساس جنائى "فى إطار رؤية حاكمة مفادها المسؤولية الشخصية لبعض أفراد النظام السابق" وليس النظام بمجمله، وهو ما يحدث حتى الآن، ولن يؤدى إلا إلى تقديم كباش فداء للحفاظ على النظام نفسه، أو تتم فى إطار المسؤولية السياسية للنظام وحزبه الحاكم، وعلى أرضية سياسية متجاوزة "للقوانين" التى وضعها النظام السابق لحماية نفسه من المحاسبة، تستند إلى شرعية الثورة، والتى تدين النظام الذى ثار الشعب لإقتلاعه، وهو الأمر الذى يؤسس لبناء دولة متجاوزة للنظام الذى خلع رئيسه، بإعتبار أن كل الجرائم التى إرتكبت فى حق شعب مصر، هى نتاج لنظام سياسى "بكل شخوصه وسياساته" إستحق للخلاص منه أن تقوم ثورة، وأن يسقط الشهداء فى شوارع المحروسة ومدنها وقراها، وأن يفقد الألاف من بنيها نعمة البصر، أو السير بطريقة طبيعية على أقدام لم تحطمها أدوات القمع لسلطة نظام مبارك... إلخ. الصراع الدائر بين دوائر إتخاذ القرار وجماهير الثورة المصرية، حول الدستور، وشروط المرشح للرئاسة، والجمعية التأسيسية، والقواعد الدستورية العامة المؤقتة التى يجب إصدارها لحين إنجاز الدستور الجديد، أو تعديلات دستورية محدودة، هو صراع بين إستمرار قيام دستور السلطة الساقطة " ولا أقول دستور الدولة " حيث لم يكن لدولة مصر سلطان على هذه العصابة التى مثلت النظام، ولم يكن للقانون فى سلطانها وجود، نقول أن كل هذه القضايا، هى الدليل على الإختلاف الواضح، بين من يعملون على إعادة إنتاج دولة النظام السابق، وبين من يحاولون بناء دولة الثورة الصاعدة. إن قوى الثورة المضادة لا تكمن وفقط فى مؤسسات البطش فى السلطة السابقة، وبعض رجال الأعمال الفاسدين، ولكن أخطرها يعيش فى ذهنية كبار المسؤولين فى قطاعات النظام المختلفة، الرسمية الحكومية، والحزبية، والثقافية، والأهلية، كما فى شبكة المصالح والقوى الإقتصادية والبيروقراطية والتكنوقراطية التى إستفادت من الفساد فى نظام مبارك الأب والإبن، ولعل هذا الخطر قد تبدى بوضوح فى التراخى الذى مايزال مستمرا فى تفعيل المساءلة السياسية.. التى هى جوهر الثورة، وموضوعها الرئيس.. وفى إصرار العديد من الشخصيات القيادية، الشريفة والمخلصة والوطنية.. وربما حسنة النية، على الاستناد إلى الشرعية القانونية وليس سواها فى مواجهة كل بلايا العهد السابق، والتى يعرف الجميع أن أخطرها لا يمكن مواجهته، أو المحاسبة عليه وفقا للقانون الجنائى. لقد ثمن الجميع الثورة، ومجدوها، واعترفوا بشرعيتها... ثم عادوا وحاصروها.. وحصروها.. فى الشباب أولا.. ثم فى الميدان ثانيا.. ثم صنفوا الميدان.. ثم عزلوه عن الحركة المطلبية المشروعة والتى كانت بصورة ما أبا للثورة، والداعم الحاسم لنصرتها، تحت تسمية "المطالب الفئوية"، والتى هى فى معظمها حركات لخلع رموز الفساد التى وضعها جهاز أمن الدولة المفضوح فى المؤسسات المختلفة، والتى تمثل الظهير الأساسى للثورة المضادة، كما كانت الأداة الرئيسية للفساد ولتطبيق نظام الوطنى الإستئصالى، وإخضاع المقاومين للفساد..... ثم ....، ثم...، ثم أنكروها وأنكروا شرعيتها ومشروعيتها وحقها فى القرار، وطالبوها بالعودة إلى الديار، حيث إتخذوا قرارا بأن الثورة قد إنتهت، وأن قرار إنتهائها قد إتخذ بالتفاهم مع من يعينيه الأمر من "شباب الميدان"..!!. ياشعب مصر العظيم، يا أصحاب الثورة من الأباء والأبناء والأمهات والمثقفين والعمال والفلاحين، يا من ما يزالون يرفعون أوساخ النظام السابق وشركات "نظافته" من شوارع مدن مصر فى كل المحافظات، إن من يسير نصف طريق الثورة يكتب شهادة وفاته بيديه، وإستكمال طريق الثورة لا يتأت إلا بنقل القرار من الموظفين إلى الثوار، ومن المكاتب إلى الشارع، وقد إتخذتم قراركم الواعى المتلخص فى: إعلان دستورى يشمل البنود الرئيسية والمبادئ العامة لممارسة الحقوق السياسية والحريات العامة وحرية الإعلام، وشروط الترشح لمنصب الرئاسة. مجلس رئاسى من ثلاثة شخصيات أو خمسة يمثل فيه المجلس العسكرى، لممارسة مهام رئيس الجمهورية بشكل مؤقت، لحين إنتخاب الرئيس على أساس الدستور الجديد. جمعية تأسيسية من الشخصيات الوطنية والعامة والقانونيين لوضع مشروع الدستور الجديد وطرحه لأوسع نقاش بين جماهير المصريين. البدء فورا فى المحاسبة السياسية للنظام السابق المخلوع وكف يد كل مسؤليه وقياداته فى كافة المجالات عن المستندات ومراكز القرار، وتطبيق قانون من أين لك هذا على كل رموز وقادة النظام الساقط. الإطلاق الفورى لحرية تكوين الأحزاب والنقابات، وإصدار وملكية الصحف وكافة وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، وبمجرد الإخطار. وتبدأ هذه الخطوات بالمشاركة الفعالة والنشطة، للتصويت ضد التعديلات الجزئية لدستور قد أسقطته الثورة، وهى بغض النظر عن قيام المجلس العسكرى بتولى مهام الرئيس.. وهو الأمر الذى يمثل إسقاطا كاملا للدستور.. طبعا بعد الثورة التى أسقطت النظام ودستوره، فهى تعديلات لا تفى بالحد الأدنى لمطالب الشعب، وتعطى المشروعية فى نفس الوقت لدستور 71 الساقط. أما الخطوة الثانية والتى يجب أن تبدأ بالتوازى مع رفض التعديلات الدستورية، فهى البدء فى تكوين قائمة مقترحة للجمعية التأسيسية من بين صفوف أبناء مصر المخلصين وأصحاب الفكر والرأى، ووضع أسماء لمرشحى الشعب للمجلس الرئاسى من المستقلين، يتوافق عليها غالبية المصريين، ونشر سيرتهم الشخصية والمعلومات الخاصة بهم لتعريف جموع المصريين بهم ولتلقى أوسع المساهمات سواء الداعمة، أو المعترضة على أسمائهم. لنعيد الثورة إلى موقعها الصحيح موقع إتخاذ القرار، وليس موقع من يطلب من صاحب السلطة المؤقتة، فالثورة التى أطاحت برأس النظام السابق، صاحبة الشرعية والمجد والفخار بإعتراف الجميع، والتى قدمت الشهداء هى صاحبة القرار وكل الموجودين فى المواقع المختلفة فى جهاز الدولة، هم منفذون " ولهم الشرف " لما يراه الشعب من قرارات. هكذا يكون الإعتراف بشرعية الثورة، وليس بكلمات التمجيد مع إصدار القرارات بالسك على الموضوع... ويبقى السؤال لمن يطالبون الثوار بالذهاب إلى بيوتهم، ليقوموا هم على رعاية مطالب "الثورة".. هل مازلتم ترونها ثورة تستحق التحية وموتاها شهداء ترفع لهم الأكف بالتحية؟! أشك.. كما أشك فى إمكانية إعادة إنتاج النظام الساقط مهما كانت القوى القائمة على هذه المهمة.. فالشعب قد أراد الحياة وقضى الأمر!.