تشهد الدول العربية موجة من محاولات الانتحار حرقًا، محاكاة للشاب التونسي محمد البوعزيزي، آخرها حادثتان وقعتا، اليوم الثلاثاء، في مصر ما يعكس أزمة اجتماعية وسياسية عميقة في هذه المنطقة. وبعد البوعزيزي الذي تُوفي إثر إضرام النار في نفسه في 17 ديسمبر الماضي، وقعت 9 محاولات مشابهة، أدت إلى وفاة شخص وإصابة اثنين في مصر، وجرح 5 آخرين في الجزائر، وإصابة شخص في موريتانيا، وحاول محام في العقد الخامس من عمره، اليوم الثلاثاء، وضع حد لحياته بإشعال النار في نفسه أمام مقر مجلس الوزراء، بينما توفي في الإسكندرية شاب في الخامسة والعشرين من عمره، قالت السلطات إنه "عاطل عن العمل ومختل عقليا"، متأثرا بحروق أصيب بها. بينما توفى الشاب الجزائرى، محسن بوطرفيف، إثر إحراق نفسه على الملأ، عقب لقائه مع رئيس بلدية بوخضرة، السبت الماضى، الذى أبلغه بعدم استطاعته توظيف أى أحد.
وتم تجنب حالة ثالثة عندما سيطرت الشرطة على محاسب متقاعد، كان يستعد لإشعال النار في نفسه أمام مقر مجلس الشعب، وانخفض المؤشر الرئيسي للبورصة المصرية بنسبة 3.1% اليوم، إذ أعرب بعض المستثمرين عن مخاوفهم من أن تنتقل عدوى الانتفاضة في تونس إلى مصر.
وأجمع أطباء نفسيون على أن الانتحار بالحرق واحدة من أصعب طرق التخلص من الحياة، وأن تنفيذه أمام أماكن لها دلالات سياسية يهدف إلى لفت أنظار المجتمع إلى أزمة صاحبه، مؤكدين أنها "حالات انتحار حقيقية وليست وهمية".
قال الدكتور أحمد عكاشة، رئيس اتحاد الأطباء النفسيين العرب، إن الانتحار على الملأ وأمام "أماكن النظام السياسى" يعتبر احتجاجاً ناتجاً عن إحباط شديد وإحساس باليأس والعجز عن الإصلاح فى حياة المنتحر نفسه، مضيفاً أن المنتحر يريد لفت أنظار الجميع إليه من خلال تلك الأماكن، وذلك ما ساعدت عليه وسائل الإعلام.
وأشار "عكاشة" إلى أن حالات الانتحار، حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية، وصلت إلى مليون منتحر سنوياً، بواقع حالة انتحار كل 17 ثانية تقريباً، مضيفاً أن 70% من حالات الانتحار فى العالم ترجع إلى أسباب اقتصادية واجتماعية ونفسية.
ووصف الدكتور أحمد شوقى العقباوى، الانتحار حرقاً بأنه "أسوأ أنواع الانتحار على الإطلاق". وأوضح الدكتور أنور الأتربى، أستاذ الأمراض العصبية بطب عين شمس، أن حالات الانتحار الثلاث "حقيقية" وليست "وهمية"، مؤكداً أن الانتحار المزيف، علمياً، لا يمكن فيه أن يؤذى الشخص نفسه، وما حدث هو العكس. وأضاف الأتربى أن حالات الانتحار الأخيرة تعبر عن "يأس مطلق من الحياة"، واصفاً إياها بأنها "صرخات احتجاجية".
الانتحار بالحرق يعكس حالة اليأس العام وفى السياق، يرى الدكتور عمرو حمزاوي، الخبير في مؤسسة كارنيجي الأمريكية، أن محاولات الانتحار حرقا تعكس "اليأس الكامل" لجزء كبير من الشعوب العربية، وعدم قدرة الأنظمة الاستبدادية التي تحكم هذه البلاد على التعامل مع هذه الأوضاع.
وأضاف حمزاوي: إن هذه الأفعال "مستوحاة بشكل واضح من أحداث تونس"، حيث انتحر الشاب محمد البوعزيزي (26 سنة) بإضرام النار في نفسه، مفجرًا الاحتجاجات الشعبية التي انتهت بسقوط الرئيس زين العابدين بن علي، وفراره خارج البلاد يوم الجمعة الماضي.
ويقول الدكتور عمرو الشبكي، الخبير في مركز "الأهرام" للدراسات السياسية والإستراتيجية، إنه "كانت هناك من قبل محاولات انتحار احتجاجية في مصر، ولكنها المرة الأولى التي نرى فيها أشخاصًا يشعلون النار في أنفسهم".
ويقول الدكتور قدري حفني، أستاذ علم النفس السياسي في جامعة عين شمس: إن محاولات الانتحار بإضرام النار في النفس، هي رسالة يأس موجهة إلى السلطات في منطقة لا تتيح فيها الحياة السياسية والاجتماعية أي وسيلة للتعبير عن الغضب، ويؤكد حفني أنه "لا فرق بين الانتحار غرقا أو الانتحار حرقا، ولكن الأخير يتضمن رسالة إلى السلطات تقول (إنني أحتج)".
الوضع في تونس والدول العربية ويهيمن الوضع في تونس وتداعياته المحتملة في العالم العربي، على القمة العربية الاقتصادية التي تبدأ، اليوم الأربعاء، في منتجع شرم الشيخ، وتعاني دول عربية عدة من مشكلات مماثلة لتلك التي فجرت الانتفاضة التونسية، وخصوصًا على المستوى الاجتماعي، مع نسب بطالة مرتفعة وزيادة في أسعار السلع الأساسية أخيرًا.
وعبر محمد السالم الصباح، نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الكويتي، عن هذا القلق بوضوح في كلمة افتتاحية ألقاها قبيل الاجتماع التحضيري للقمة الذي بدأ قبيل ظهر اليوم الثلاثاء في شرم الشيخ، على مستوى وزراء الخارجية.
وقال الصباح إن "العالم العربي يشهد اليوم حراكًا سياسيًّا، فهناك دول تتفكك ودول تشهد انتفاضات مما يدعو إلى التساؤل: هل يستطيع النظام العربي أن يواكب هذه التحركات، وأن يواكب المعاناة بما يضمن للمواطن العربي أن يعيش بكرامة إنسانية؟".
أما الأمين العام للجامعة العربية، عمرو موسى، فقال إن على الدول العربية الاستفادة من "الدرس التونسي"، مشيرًا إلى أن المنطقة العربية فيها العديد من عناصر التشابه مع تونس، ولذلك فإنه لا يمكن اعتبار ما شهدته تونس "حدثًا معزولاً".
الأزهر: الإسلام يحرم الانتحار من جهتها، أكدت مؤسسة الأزهر الثلاثاء، أن الإسلام يحرم إزهاق الأرواح لأي سبب كان، وقال المتحدث الرسمي باسم الأزهر، محمد رفاعة الطهطاوي: إن "القاعدة الشرعية العامة تؤكد أن الإسلام يحرم الانتحار تحريمًا قطعيًّا لأي سبب كان، ولا يبيح للإنسان أن يزهق روحه كتعبير عن ضيق أو احتجاج أو غضب".