بقلم : جورج علم منتصف ليل الغد تعبر الأزمة المتفاقمة ضفة العام 2006 الى العام ,2007 وسط تجاذب حاد، الاول تعبوي ويدعو الى رفع السقف، والإقدام على المزيد من الخطوات التصعيديّة. والثاني توفيقي يدعو إلى المزيد من المشاورات الهادفة الى تثمير عدد من المقترحات المتداولة للوصول الى حلول متوازنة تحت شعار «لا غالب ولا مغلوب». أخطر ما في هو متداول على هامش لعبة «عضّ الاصابع» المتمادية بين فريقي الموالاة والمعارضة، ما يروّجه بعض سفراء دول الوصاية، وتحديداً السفيرين الاميركي والفرنسي في بعض مجالسهم الخاصة، من أن لبنان مقدم على أجندة جديدة مختلفة بموضوعاتها عن تلك المتداولة والتي لخصتها بكركي «بالثوابت الوطنيّة»، بحيث يتغلّب فيها البعد الإقليمي على كلّ ما هو محلي، وتصبح المعالجات متأثرة أكثر فأكثر بمصالح الاطراف الاقليميّة الدوليّة المتواجهة، وهذا من شأنه أن يعقد مسار المعالجات بمواصفاته الراهنة، ويفقد «لبننة الحل» الكثير من بريقه ومن فاعليته. بعض ما هو متداول من عناوين هذه الاجندة، خطاب «حال الامة» الذي سيلقيه الرئيس جورج بوش مطلع هذا العام، ويحدّد فيه نظرة إدارته الى واقع المنطقة من العراق حتى فلسطين، مروراً بالوضع في لبنان، وخطاب السنة الاخيرة من ولاية الرئيس جاك شيراك في قصر الاليزيه، خلال استقباله أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمد في فرنسا، والذي سيختصر فيه نظرة إدارته في التعاطي مع المشكلات المطروحة في العديد من النقاط الساخنة في العالم، خصوصاً في لبنان، والشرق الاوسط بشكل عام. أضف الى ذلك بدء تطبيق القرار 1737 الخاص بفرض عقوبات على إيران النووية، والتداعيات التي قد يخلفها على مستوى المنطقة ككل، وأخيراً وليس آخراً، حال العراق بعد صدام حسين، إذا ما نفذ فيه حكم الإعدام. وأخطر المتداول أن الدعم الذي تكيله الإدارة الأميركيّة لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة، والقوى الداعمة لها، سيبدأ من خلال المحكمة حيث يوجد مشروع قرار هو حاليّاً قيد التداول قد يتمّ اللجوء إليه، وتمريره في مجلس الامن تحت الفصل السابع، إذا ما مرّت الفرصة المتاحة من دون التوصل إلى تفاهمات لبنانية لبنانية على النظام الخاص بها، وتمريره عبر القنوات الدستورية بشكل توافقي. إن هذا القرار، في حال السير به وهذا ما تتمناه الادارة الاميركيّة سيكون سياسيّاً بامتياز، وبمثابة سيف مصلت على رؤوس من يعارض توجهاتها ليس ما يتعلق بالجانب الامني القضائي، بل بمعظم المواضيع التي قد تخوض بها، وهذا يعني دخول لبنان عمليّا تحت الوصاية الاميركيّة في ظلّ مظلة من القرارات الدوليّة التي وفرتها من خلال مجلس الامن منذ ايلول ,2005 تاريخ صدور القرار ,1559 ولغاية القرار .1701 ويقول دبلوماسيون لبنانيون وعرب آتون من الولاياتالمتحدة لتمضية إجازة الاعياد، إن الاولوية عند الادارة الاميركيّة، والتي لا تتقدم عليها أي أولوية أخرى تجاه لبنان هو القرار ,1559 وليس المحكمة ذات الطابع الدولي، وإذا كان لا بدّ من شيء من التفصيل، لأمكن القول بأن القرار 1559 هو الغاية، فيما المحكمة هي الوسيلة، وإن الهدف هو السلاح، والجناح العسكري ل«حزب الله»، وبعد ذلك الانصراف الى ترتيب الوضع على الحدود مع إسرائيل من خلال الاقدام على العديد من الخطوات الترويجيّة كوضع مزارع شبعا تحت انتداب (اليونيفيل)، وإجراء عملية تجميلية لبلدة الغجر، والعودة الى التداول باتفاق الهدنة المبرم بين لبنان وإسرائيل بإشراف الاممالمتحدة في 23/3/,1949 مع ما يعني ذلك من ترتيبات خاصة على الحدود الدولية مع فلسطينالمحتلة، فضلاً عن الاجتماعات التنسيقيّة المفترضة مداورة بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي تارة في لبنان وتارة أخرى في إسرائيل بإشراف الاممالمتحدة... وما يعزز من صحة هذا المنعطف، أن هذه المعلومات ليست بتوقعات على الإطلاق، ولا مطلقوها هم من جماعة السحرة والمنجمين، بل هم من أهل الاختصاص المقرّبين من مطابخ القرار إن على مستوى الكونغرس الاميركي او على مستوى الادارة التي يشغلها الملف اللبناني بقدر ما يشغلها ملف المصالح الاميركية في الهند الصينية، او الملف النووي لكل من كوريا الشمالية وإيران، او ملف توازع منابع النفط والطاقة في العالم. وإذا كان الاسلوب هو السهل الممتنع في تقديم الاولويات الاميركيّة، فإن ما يسمعه هؤلاء الدبلوماسيون من صنّاع القرار الاميركي بسيط للغاية، وسهل الفهم «ليس المطلوب من الحكومة اللبنانية وثورة الارز سوى المساعدة على تنفيذ القرارين ,1559 و,1701 بكامل مندرجاتهما، ومن ضمن الاستفادة طبعاً من وجود أكثر من 15 ألف جندي قررت الحكومة اللبنانية وتعهدت أمام المجتمع الدولي من نشرهم ما بين خطيّ الليطاني والازرق معززين ب15 الف ضابط وجندي دولي من قوات (اليونيفيل) مع كامل الاسلحة اللازمة، فضلاً عن البوارج والتقنيات الحربية العالية، لدعم الحكومة اللبنانية المنتخبة ديموقراطيّاً، وبرنامج عملها للوصول الى لبنان سيّد حرّ مستقل له حدود آمنة مع إسرائيل يرعاها اتفاق الهدنة، وقرار جديد لوقف اطلاق النار لا بدّ من ان يصدر في الوقت المناسب عن مجلس الأمن، كما له حدود آمنة مع سوريا برعاية دولية بعد إنجاز ترسيم الحدود، وإقامة العلاقات الدبلوماسيّة بين كلّ من بيروت ودمشق، وعلى غرار ما أقدمت عليه العاصمة السورية مؤخراً تجاه بغداد. في ظلّ هذه الاجندة، وبانتظار هذه الاولويات يعترف أكثر مصدر أن في صفوف المعارضة او في صفوف الموالاة، بأنه في كل مرّة كان يتوصل فيها الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى الى مقاربة مقبولة لأحد المواضيع الخلافية كان الوحي يهطل في اللحظة المفصليّة ليبدد كل شيء، ويعيد الأمور الى نقطة الصفر بما يتناقض تماماً مع ما سمعه من دعم خارجي لمبادرته هو القائل بأن هذه المبادرة قادرة ان تحاكي الجميع، وقادرة أن تحاكي الدول العربية، والدول الاقليمية والمجتمع الدولي، لكن من خلال الممارسة واحتكاكه مباشرة بالصعوبات الماثلة على الأرض، وفي كلّ مرة كان يتمّ فيها الدنو من ساعة الحقيقة، كانت النتائج تأتي مغايرة للالتزامات الشفهيّة والتي كانت تستند اليها المبادرة، حيث بيّنت التجربة بأن المهمة الاصيلة لبعض سفراء دول الوصاية تعطيل أي حلّ، وتفشيل أي جهد يمكن أن يؤدي الى إخراج الازمة من النفق المظلم، لأن المطلوب منهم أن يكون لبنان مجرد ساحة، وورقة «غب الطلب» في زمن الصفقات والتسويات عندما يحين أوانه في المنطقة. في ظلّ هذا المناخ الدولي الاقليمي، ومع انتقال الازمة من ضفة العام 2006 الى ضفة العام ,2007 يبقى السؤال التحدي برسم جميع القيادات إن في خندق الموالاة او خندق المعارضة: ماذا فعلتم كي تستحقوا لبنان الوطن؟ وماذا تفعلون لإنقاذه من لعبة الامم؟! عن السفير