بقلم محمد السخاوي [email protected] تعيش الأمة هذه الأيام فتنة شديدة ، دول سايكس بيكو في حالة حرب باردة بين البعض منها و ساخنة بين البعض الأخر ، وداخل كل دولة من هذه الدول بدأت بوادر فتنة أكبر بين مكونات الأمة الطائفية و العرقية ، و تظهر هذه الفتنة الآن بدرجات متفاوتة حسب ظروف كل دولة ، فهي مشتعلة في بعضها و زاحفة في بعضها الآخر . و كما ذكرت مرارا و أشدد عليه في هذه المقالة ، فإن وجود الطوائف و القبائل و العشائر ظاهرة طبيعية في كل الأمم ، و ليست دليلا على عدم نضج تكونها ، بل العكس هو الصحيح تماما ، فهي دليل على التعددية و التنوع في إطار الوحدة القومية للأمة و بقدر ما تحافظ الوحدة القومية على هذا التعدد و التنوع بدون طغيان ، و بقدر ما تحافظ هذه التعددية و التنوع على الوحدة القومية للأمة ، بقدر ما حققت الأمة نهوضها ، و بتعبير آخر ، كلما انتظمت العلاقة بين تعددية مكونات الأمة و بين وحدتها القومية بشكل جدلي كلما وضعت الأمة نفسها على طريق النهوض و الإنتصار على أعدائها . و أداة كل أمة في تحقيق هذه العلاقة الجدلية بين تعددية مكوناتها ووحدتها القومية هي الدولة ، فالدولة القومية أو بتعبير أدق دولة الأمة على كامل ترابها القومي ، هي أداة تطورها ، هي الجهاز السياسي و القانوني و الإداري لتوظيف إمكانياتها الروحية و المادية لتحقيق نهضتها و اشباع حاجات جماهيرها المادية و الروحية المتجددة و مواجهة كل التحديات ، و لذلك فإن لكل أمة الحق في دولتها على كامل ترابها الوطني ، و اذا فقدت الأمة دولتها بسبب احتلالها من قبل أمة أو أمم أخرى ، فانها تكون قد فقدت القدرة على التطور و اشباع حاجات شعبها الروحية و المادية ، و يكون التحدي رقم 1 لهذه الأمة هو سحق الاحتلال حتى تتمكن من معاودة النهوض ، و كذلك اذا جزئت الأمة بين العديد من الدول ، فإن هذه التجزئة لأسباب عديدة تحرم الأمة من القدرة على التطور و النهوض ، و الحالتين مترابطتين ، لأن سببهما واحد و هو الاستعمار ، فالاستعمار هو الذي يفقد الأمة دولتها القومية التي هي أداتها للتطور ، و الاستعمار هو الذي يفتت الأمة و يوزعها بين العديد من الدول ، و في الحالتين تفقد الأمة سيطرتها على مقدراتها و تسقط في مستنقع التبعية و التخلف و الفتن و قبضة العملاء ، و في هذه الحالة تكون الامة مهددة في وجودها ذاته ، و الوجود شرط التطور ، فلا تطور بدون وجود ، و لذلك يظل التحدي رقم 1 في حالة التجزئة هو سحق الاحتلال و سحق التجزئة في نفس الوقت لأن التجزئة هي صناعة المحتل ، و هي حارسة مصالحة على حساب مصالح الأمة ووجودها ، التجزئة هي هي الاحتلال بصورة أخرى ، أو بتعبير أدق ، الاحتلال هو أحد أوجه العملة الاستعمارية و التجزئة هي الوجه الآخرلهذه العملة ، التجزئة هي امتداد طبيعي للوجود الاستعماري ، تعمل على ضرب وجود الأمة في الصميم ، و لقد وعت كل الأمم هذه الحقيقة ( القانون ) و أصبح لكل أمة الحق في تقرير مصيرها بدولتها ، و ناضلت الأممالمحتلة لكي تتحرر و الأمم المجزئة لكي تتوحد ، ناضلت فرنسا بقيادة الجنرال ديجول لتحرر أرضها من الاحتلال النازي و تستعيد دولتها ، و ناضلت الأمة الفيتنامية و هزمت الاحتلال الأمريكي و التجزئة فتحررت و توحدت ، و ناضلت الأمة الالمانية ضد كابوس التجزئة فتحررت و توحدت رغم أنف القطبين الدوليين أنذاك أمريكا و الإتحاد السوفييتي ، و تناضل الأمة الكورية الآن من اجل التحرر والوحدة ، و هذا نضال مشروع لأن التحرر القومي و الوحدة القومية بالدولة القومية على كامل التراب القومي شرطان ضروريان لتطور كل الامم . و الأمة العربية تخضع لهذا القانون و لا تفلت من فاعليته ، و لوعي قوى الاستعمار العالمي و الصهيونية بفاعلية هذا القانون ، فإنها بعد أن أجهزت على دولة الخلافة و فرضت هيمنتها على الأمة العربية ، عملت على تحقيق شيئان في الأمة متكاملين يتعايش كل منهما مع الآخر ، الأول التجزئة أي تجزئة الأمة بين مجموعة دول ( معاهدة سايكس بيكو ) ، و ضمان هذه التجزئة بإنشاء كيان مصطنع صهيوني على الأرض العربية في فلسطين يكون حاجزا بين مشرقها و مغربها و يحول بينها و بين وحدتها و يزرع الفتن بين دولها و طوائفها و قبائلها و عشائرها ( وعد بلفور ) ، الثاني هو التغريب بخلع الأمة من عقيدتها و هويتها الحضارية الإسلامية العربية ، و ذلك حتى تكون التجزئة الاستعمارية الصهيونية بحق هي الامتداد الاستعماري الصهيوني في الأمة و لكن بصورة غير مباشرة ، فالتجزئة و الإغتراب وجهان لعملة الاحتلال الصهيوني الاستعماري للأمة العربية ، بل نستطيع القول أن التجزئة هي القضية الأم لكل القضايا ، فهي قاعدة الفشل الدائم و الاستبداد و التبعية و الفساد ، التجزئة هي المنتج لحالة الأمة الراهنة . بعد الحرب العالمية الثانية و منذ منتصف القرن الماضي انقسمت دول التجزئة العربية بين معسكرين المعسكر الغربي و المعسكر الشرقي ، و خاضت هذه الدول فيما بينها معاركها ، و لم تكن نتائج هذه المعارك تصب في المصلحة الاستراتيجية للأمة بل في المصالح الاستراتيجية لكل من المعسكرين ، و في ظل هذا الانقسام انتصرت دولة العصابات الصهيونية و توسعت في عامي 1956و 1967 ، و تم احتواء انتصار أكتوبر و تحويله إلى هزيمة سياسية استراتيجية لصالح العدو بعد أن اعترفت به مصر ووقعت معه اتفاقية كامب ديفيد و معاهدة السلام ، و لم تكن كامب ديفيد و معاهدة السلام مجرد اعتراف بالعدو الصهيوني و انما فوق ذلك اصبحتا القاطرة التي تشد دول التجزئة كلها لمزيد من التدهور و التبعية و العمالة للعدو الأمريكي الصهيوني ، ان هذا العدو بدأ يرتكز على و ينطلق من قاعدة التجزئة التي صاغ الأوضاع السياسية و القانونية للأمة على أساسها منذ بدايات القرن الماضي لتحقيق المزيد من التفتيت لهذه الأمة الممزقة ، فاتفق العدو الأمريكي الصهيوني على تفكيك البنية التحتية للدول العربية على أسس طائفية و عرقية و جهوية ، لأن هذا التفكيك يشكل عند العدو ، الضمانة الموضوعية للإنهاء على وجود الأمة العربية الذي لم تستطيع تجزئة سايكس بيكو الإجهاز عليه فتبلورت هذه الاستراتيجية التفتيتية ( تجزئة التجزئة ) عند العدو منذ نهاية السبعينات و بداية الثمانينات من القرن الماضي ، و لم يكن هذا سرا من أسرار العدو الاستراتيجية ، ففي عام 1982 نشرت مجلة ( كيفونيم ) التي تصدرها المنظمة الصهيونية العالمية وثيقة بعنوان " استراتيجية اسرائيلية للثمانينات " ، و من بنود هذه الوثيقة يتضح أن تقسيم العراق كأحد اهداف الحرب عليه هو أحد الأفكار الرئيسية الواردة في الوثيقة المذكورة ، و أن الخطط الحالية الساعية لفصل جنوب السودان و تقسيمه ، هي أيضا ضمن الأفكار الواردة في الوثيقة ، و أن الاعتراف الرسمي الأمازيغية كلغة ثانية بجوار اللغة العربية في الجزائر هي خطوة في سبيل تفتيت هذا البلد ، و تقسيم لبنان الى عدد من الدويلات الطائفية و كذلك سوريا هو أيضا جزء من المخطط الوارد في الوثيقة . الخلاصة أن التقسيم و التفتيت أمر معلن للعدو الأمريكي الصهيوني و هو الهدف الرئيسي للحملة الامريكية الصهيونية الراهنة على الامة ، الهدف هو ضرب الوحدة القومية للأمة العربية لحساب مكوناتها الطائفية و العرقية و الجهوية ، مستغلين في ذلك ضعف دول التجزئة و هشاشتها و عدم قدرتها على مواجهة التحديات المختلفة ، ذلك لأنه عندما تفقد الأمة دولتها أو تتوزع بين عدد من الدول فأن الأمة و دولها التجزئوية تكونا في حالة من الضعف الشديد ، و تفتقد الأمة الجهة المركزية التي توفر الأمن و الحماية و الاستقرار لمكوناتها الأجتماعية ، كما أن ضعف دول التجزئة يحول بينها و بين تحقيق هذه الحماية فيتولد المناخ المناسب لعلو الطائفية على حساب الأمة و على حساب دول التجزئة ذاتها . على الرغم من الإعلان عن هذه الاستراتيجية الأمريكية الصهيونية الراهنة ، و على الرغم من عشرات الكتب و مئات الدراسات و المقالات التحليلية التي تناولتها موضحة خطورتها أمام نظم و حكام دول التجزئة ، إلا أن هذه النظم و هؤلاء الحكام انخرطوا بفعل التجزئة كأدوات فعالة لتنفيذ هذه الاستراتيجية في الواقع العربي ، فدخلت معظم هذه النظم في تحالف تحت القيادة الأمريكية الصهيونية لتصفية العراق و ضربه بحجة اخراجه من الكويت ، و اشتركت كل الدول العربية مع التحالف الدولي لفرض الحصار على العراق و تجويع شعبة ووضع خطوط تقسيمه ، و ساهمت معظم الدول العربية بالتخطيط و توفير الامكانيات الاستراتيجية و التكتيكية و اللوجستية لغزو العراق لتفتيته ، و كنتيجة لكل ذلك يعيش العراق نبل المقاومة و محنة الطائفية و الاقتتال و لكن راية الطائفية أعلى ، و الخطر الأعظم أن هذه الطائفية في العراق بدأت تتمدد و تتوسع في كل ساحات الأمة في الخليج و السعودية و سوريا و لبنان و مصر و السودان و دول المغرب العربي ، لم تطل فرحتنا بهزيمة أمريكا في العراق و أصبحت كالمعلقة و لم تطل فرحتنا بهزيمة دولة العصابات الصهيونية في لبنان ، و لا بانتصار المحاكم الشرعية في الصومال و فرار أمراء الحرب الأمريكيين ، لم تطل فرحتنا لأننا صدمنا بعلو الطائفية و الاقتتال و التراشق الطائفي و العرقي . و الجديد في موقف بعض دول التجزئة هو اعلان انحيازها بالمال و السلاح و الرجال لطائفة دون الأخرى ، أن هذه الدول بقصد أو بغير قصد تسير على ذات الطريق الأمريكي الصهيوني لصب الزيت على نار الطائفية ، انهم يريدون مزيد من الاقتتال ، انهم يريدون أسلمة و تعريب الصراع بدلا من أن يكون صراع للأمة بكل طوائفها و مكوناتها ضد العدو لقد صنعوا مع العدو الفتنة في الأمة و يعملون على زيادة اشتعالها . الاكثر من ذلك أن هذه النوعية من دول التجزئة تتنصل من فضائحها و عمالتها و فتنها التي احدثتها في الواقع القومي العربي بتحميل إيران المسؤلية عما يحدث من فتن و انا هنا لا ادافع عن إيران ولا أنفي عنها قدرا من المسؤلية عما يحدث من فتن, بل لدي شخصيا ما يجعلني احملها قدرا من المسؤلية عن هذا الاقتتال الدائر في العراق,لكنني ادرك أيضا أن إيران أمة تمتلك دولتها القومية, و هي أمة جارة لنا ولها مصالحها و مجالات تحقيق هذه المصالح, و تعمل على تحقيق هذه المصالح, و لأنها جارة لنا فمصالحها في حالة تماس مع مصالحنا القومية,و المفروض أن الأمتين العربية و الفارسية تمتلكان مقومات تكامل لمصالحهما, و لكن أمتلاك الامة الإيرانية دولتها القومية في مقابل افتقاد أمتنا لهذه الدولة بالأضافة إلى تفتيت مقدراتها و قواها بين اكثر من عشرين دولة, هذه المعادلة جعلت أمتنا في حالة أستضعاف في مقابل قوة الأمة الإيرانية الصاعدة, و هذه الحالة بدورها جعلت مصالح الأمتين في حالة تقاطع أكثر مما هي في حالة تكامل...بهذا نفهم طبيعة التدخلات الإيرانية في بعض المناطق من أمتنا, فقد يكون هذا التدخل في مواجهة تزايد النفوذ الأمريكي في أمتنا المهلهلة و الذي يشكل خطرا على المصالح الإيرانية ... و في النهاية فإنه إذا هانت علينا أنفسنا فإنها ستهون أكثر على غيرنا. لن يكون الحل بتحميل مصائبنا لغيرنا من أمم و دول الجوار , و لكن الحل هو في الخروج من مستنقع التجزئة الاستعمارية الصهيونية لأمتنا, إن هذا الخروج يتطلب مقاومة ذات منهج قومي وحدوي تخوض معركة التحرير و التوحيد في وقت واحد .إن هذه المعركة التحررية الوحدوية لا تكون كذلك الا إذا تمت تحت راية الإسلام الذي يشكل عقيدة الأمة و هويتها الحضارية,و بدون هذه الراية لا تكون هذه المعركة تحررية ابدا , و انني اعتقد أن حالة الأمة الان مهيأة للدخول في هذه المرحلة الكفاحية التحررية الوحدوية ,فساحات الأمة في العراق ولبنان و فلسطين و الصومال و السودان تزخر بفصائل المقاومة التي تقاتل العدو الامريكي الصهيوني , مطلوب منها فقط أن تبتعد عن الأقتتال و ان تركز و تتفرغ لمقاتلة العدو الأمريكي الصهيوني على الأرض العربية ,و أن توحد معاركها في معركة واحدة متناغمة,و هذا التوحد لا يتحقق الا بوحدة الاستراتيجية الكفاحية لكل المقاتلين, و هذه الوحدة الإستراتيجية تتطلب الوحدة التنسيقية لكل الفصائل ...هذه هي بوصلة جهاد الأمة إذا كنا نريد لأمتنا النهوض, و تحمل رسالتها التي حملتها من قبل ,فهي أمة الدعوة. هذه رسالتنا ...و هذا نداؤنا لكل الطوائف و الاعراق و الفصائل في امتنا المجاهدة...الإسلام هو الحل ...و الوحدة هي الحل الإسلامي.