بمجرد أن قام وزير الدفاع «عبد الفتاح السيسي» بالانقلاب على الرئيس محمد مرسي في الثالث من يوليو 2013، أصبح بطلًا في عيون بعض المصريين، وحصل على تأييد إعلامي كبير حفزّه من أجل الترشُّح للرئاسة. وبالتالي حظي الرجل بدعم هائل في مواجهته مع «الإخوان». ولكن في ظل كل هذا الدعم الإعلامي والمؤسساتي، لماذا يُصّر السيسى على أن يحصل على مزيد من النفوذ، بشكل يُخّل بالعلاقة بين السلطات الثلاث في مصر لمصلحة توحُّش السلطة التنفيذية بشكل كبير؟ فهل بعد مرور عام من "استيلاءه على السلطة" يشعر السيسي بأنه ضعيف؟ أصدر السيسي أكثر من مئتي قرار بقانون، بحكم أنه يحظى دستوريًا بالسلطة التشريعية، وهذا بالتأكيد كمّ كبير من القوانين التي يتم العمل بها بمجرد إقرارها من الرئيس. وهذا العدد تمَّ تنقيحه من قرارات التعيينات والنقل وخلافه، علماً أنه يتوجّب على مجلس النواب القادم بحكم الدستور أن يناقش هذه القرارات جميعاً خلال أسبوعين فقط من انعقاده وفقًا للمادة 156 من الدستور. وحتى يتم انتخاب مجلس للنواب؛ فإن هذا العدد من القرارات مرشح للزيادة، وهو ما يطرح تساؤلا مهماً حول قدرة مجلس النواب على مناقشة هذه القرارات في تلك الفترة الوجيزة. وبالتالي، فمن المتوقع أن يقوم مجلس النواب المنتخب بإقرارها بعد التصويت عليها حزمةً واحدة، أي أنها سوف تحظى بموافقة البرلمان من دون مناقشة فعلية برغم أهميتها الكبيرة، حسب الخليج الجديد. وكان السيسى قد أصدر مؤخرًا القرار رقم 89 لسنة 2015 بشأن حالات إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم، وهو قرار يُعيد للأذهان مرة أخرى فكرة توحُّش السلطة التنفيذية على تلك الهيئات التي ينص الدستور على استقلاليتها بشكل كبير، وهو كذلك ما يتعارض مع ما بشّر به السيسي من ضرورة مواجهة الفساد المستشري في المؤسسات. يرى البعض أن الأمر يتصل بمواجهة المستشار هشام جنينه، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات الذي يقوم بكشف العديد من قضايا الفساد والذي لديه علاقة متوترة مع بعض أجهزة الدولة مثل وزارة الداخلية بسبب كشفه مخالفات مالية ضخمة قامت بها. علماً أن البعض يرى أن هذا القانون مخالف لنص المادة 216 من الدستور، التي تُحصِّن مناصب رؤساء الأجهزة الرقابية من العزل أو الإعفاء من مناصبهم. وفي السياق ذاته، فقد طُرح مشروع قانون مثير للجدل يتعلق بمكافحة الإرهاب، وهو متوقف فقط على توقيع رئيس الجمهورية كي يتم العمل به. ومشروع قانون بمثابة حصان طروادة الذي يتم من خلاله إعادة تمرير قانون الطوارئ وتفعيله مرة أخرى بكل سيئاته، حيث ينص على سبيل المثال في المادة 33 منه على حبس أيّ صحافي ينشر بيانات تخالف البيانات الرسمية، وهو ما يؤثر في حرية الإعلام والصحافة في مصر، التي جاءت في المرتبة 158 في التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي نشرته منظمة «مراسلون بلا حدود» مطلع العام 2015. هذا بالإضافة إلى العديد من المواد الفضفاضة الأخرى في القانون التي يمكن أن تُشكّل أداة للانقضاض على الحقوق والحريات بداعي مكافحة الإرهاب. ويأتي الجدل المصاحب لهذا المشروع مصاحبًا لعملية جديدة قام بها تنظيم «ولاية سيناء» بالقرب من القنصلية الإيطالية، والتي أودت بحياة شخص وإصابة عشرة، وهي عملية كان الهدف منها إيصال رسالة بأن الإرهاب يستطيع بسهولة الوصول مرةً أخرى إلى قلب القاهرة، وهو ما يعكس الفشل الأمني الذريع، خاصة أن السيارة التي تم تفجيرها كانت تحوي حوالي 450 كيلوغراما من المتفجرات، وهي بالتأكيد مرّت على العديد من الكمائن الأمنية، علماً أن التفجير يأتي على بُعد أمتار قليلة من القضاء العالي. إن هذا الكمّ من القرارات الصادرة من السيسى يعكس حالة كبيرة من التخبُّط، فبدلًا من الإسراع بانتخاب برلمان، يتم تأجيل هذا الاستحقاق في ظل استحواذ السيسى على السلطة التشريعية. وهذا ربما يعكس قلق السلطة التنفيذية من مستقبل مجلس النواب القادم، خاصة في ظل عدم وجود أحزاب قوية. من جانب آخر، فإن النتائج ما زالت أقل من المتوقع. وليس أدلّ على ذلك من انقلاب أحد أعضاء حملته الرئاسية عليه مؤخرًا، حيث انتقد الناشط حازم عبدالعظيم على صفحته على «تويتر» عدم وجود برنامج رئاسي حتى الآن مصوّباً على عاطفيته في طرح القضايا، وعلى شعوره بامتلاكه الحقيقة المطلقة، وحبسه العديد من الشباب المنتمين ل«ثورة يناير». ويبدو أن تلك القرارات التي يصدرها السيسى نيابة عن البرلمان الغائب أو المُغيَّب، بالإضافة إلى محاولات تأميم المجال العام والانقضاض على الحريات وتقنين الانتهاكات، بجانب استمرار العمليات الإرهابية ووصولها إلى قلب القاهرة مرةً أخرى وبالقرب من مؤسسات وأماكن حيوية، علاوةً على انخفاض شعبية السيسي وانقلاب بعض المؤيدين عليه، أمور تؤكد التخبُّط من جانب ومحاولة السياسى زيادة قوته من جانب آخر لموازنة هذه الخسائر.