تحولت مواقع قيادات وزارة الإسكان من متابعة الإنشاءات الجديدة إلى الوقوف أمام دوائر المحاكم، والنيابات، وأقسام الشرطة، وتصدر المشهد إبراهيم سليمان وزير الإسكان السابق الذي تواصل نيابة الأموال العامة العليا حاليًّا تحت إشراف المستشار علي الهواري المحامي العام الأول تحقيقاتها في القضية 408 لسنة 2009م، حصر أموال عامة عليا، والمتعلقة بالاتهامات التي وجهتها هيئة الرقابة الإدارية ل"سليمان" بالتربح من المال العام من خلال تخصيص أراضٍ، وفيلات، وشقق فاخرة بالمدن الجديدة لأبنائه، وأقاربه، وعددٍ من رجال الأعمال؛ وذلك بالمخالفة للقانون. ولاحقت سليمان مستندات جديدة قدَّمها النائب المستقل علاء عبد المنعم للنيابة تحتوي على قرارات بخطِّ يده اعتمدها أثناء توليه الوزارة لتخصيص قطع أراضٍ للسكنى له، ولأسرته، ولعددٍ من رجال الأعمال، وأسرهم بالمخالفة للقواعد، والقوانين المعمول بها في هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة. كما لاحقه بلاغ قدمه سعد الحسيني عضو الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين، وأكثر من 43 نائبًا من الإخوان، والمعارضة والمستقلين، للنائب العام ضد "سليمان" بخصوص التحقيقات التي تقوم بها النيابة العامة معه بشأن تجاوزات تُنسب إليه، من خلال التصرف بشكل غير قانوني في أراضي الدولة؛ ما يمثِّل إهدارًا للمال العام وتفريطًا في أملاك الدولة؛ بإعطائها لمن لا يستحق من أصحاب النفوذ والحظوة.
وكشف البلاغ عن مخالفات بعشرات المليارات، وتجاوزات هائلة لوزير الإسكان السابق؛ ما يدعو إلى مساءلته قانونًا، متسائلاً عن أصحاب الحظوة الذين كانوا وراء التفريط في ثروات شعب مصر؟ وما اشتراطات نظم التخصيص؟ وما أسعار التخصيص؟ ولماذا لم يتم التصرف في هذه الأراضي بأسلوب المزاد العلني؟.
كما تقدم كل من د. عبد الجليل مصطفى منسق حركة كفاية، ود. نادر فرجاني، ود. يحيى القزاز أستاذ الجيولوجيا بجامعة حلوان وعضو حركة 9 مارس، وجورج إسحق القيادي بحركة كفاية، ود. كريمة الحفناوي الناشطة السياسية، ومحمود العسقلاني المتحدث باسم حركة "مواطنون ضد الغلاء" ببلاغ إلى النائب العام، وجهاز الكسب غير المشروع في عام 2008م ضد التصرف غير القانوني في أراضي الدولة لصالح الكبار دون أن يتم فتح التحقيق فيه.
وطالبوا بتشكيل لجنة من الجهاز المركزي للمحاسبات لفحص ملف تخصيص الأراضي خلال السنوات العشر الأخيرة وتقديرها بشكل قانوني، وتحصيل فروق أسعارها لصالح الخزانة العامة لبناء العشوائيات التي تشكِّل حزامًا ناسفًا حول القاهرة، وجميع المحافظات، واستكمال التخطيط العمراني للأجزاء الباقية من هذه الأراضي، واعتبار هذه المطالب أمرًا عاجلاً، ومسألة أمن قومي للوطن.
شركات وشخصيات
وأورد البلاغ عددًا من أسماء الشركات، والشخصيات الذين حصلوا على تلك الأراضي، وهي: شركة "إعمار" التي حصلت على 4 ملايين متر مربع بالهضبة الوسطى بالمقطم، مجموعة طلعت مصطفى "14 ألف فدان"، ومحمود الجمال، والذي حصل على آلاف الأفدنة في المدن الجديدة، وبخاصة في الساحل الشمالي بجوار منتجع مارينا، ومجدي راسخ، والذي حصل على آلاف الأفدنة على طريق مصر- الإسكندرية الصحراوي، والمهندس أسامة طه، عديل الأخير، وشريكه أشرف فرج، واللذان يملكان منتجعات كاملة حصلا عليها، وعماد الحاذق وحصل على ألف فدان بالتجمع الخامس، والشقيقان وجدي وعماد كرارة وحصلا على أراضٍ شاسعة في العبور والقاهرةالجديدة ومكسيم في مارينا، ويسري سعد زغلول صاحب شركة "المهندسين المصريين" وحصل على 875 فدانًا، وعزت رسلان زوج بنت الدكتور مصطفى السعيد وزير الاقتصاد الأسبق، ورئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب، وحسين سالم الذي حصل على مدن كاملة بشرم الشيخ، والبحر الأحمر، والغردقة، ومرسى علم، ومنصور عامر الذي حصل على بورتو مارينا، وبورتو السخنة، وغيرهما من المساحات الشاسعة، وأحمد جمال صاحب شركة كنوز للأنتيكات وحصل على 547 فدانًا على طريق مصر الفيوم، وسمير زكي عبد القوي وحصل على 22 ألف فدان ضمن أراضي الحزام الأخضر حول مدينة أكتوبر، والشركة المصرية- الكويتية وحصلت على 26 ألف فدان في الصف، والعياط، بالإضافة إلى أباطرة الطريق الصحراوي مدحت بركات، والدكتور سعد مالك شركة الريف الأوروبي، وعلي ورور رئيس شركة "ريجوا"، وآل منصور "أقارب المهندس محمد منصور الوزير السابق الذين حصلوا على آلاف الأفدنة على الطريق الدولي الجديد، وهيئة الرقابة الإدارية، والتي حصلت على 2000 فدان ضمن أراضي الحزام الأخضر، ووزَّعتها بواقع عشرة أفدنة على عدد 200 ضابط في الجهاز الرقابي.
فيما حصل هتلر طنطاوي الرئيس السابق لهيئة الرقابة الإدارية على الباقي، وسليمان عامر الذي حصل على 2000 فدان في منتجع العزيزية، وحسن الأشقر الذي حصل على 3000 فدان على طريق مصر الإسكندرية الصحراوي، والنائب محمد أبو العينين رئيس لجنة الصناعة في مجلس الشعب وحصل على 1500 فدان في منطقة مرسى علم و20 كيلومترًا على طريق مصر- السويس الصحراوي، وشريف حجازي وحصل على ألف فدان بسعر 50 جنيهًا للفدان على طريق مصر- الإسكندرية الصحراوي، والمهندس أحمد عز رئيس لجنة الخطة والموازنة وحصل على أراضٍ شاسعة لبناء مصانع في مدينة السادات، وفي السويس وغيرهما من البلاد.
وأكدوا أن هذه القائمة ليست حصرًا بأسماء الذين حصلوا على أراضِ بتراب الفلوس، وبأسعار زهيدة، بل هي مجموعة منتقاة؛ معظمهم يرتبط بعلاقات وطيدة مع السلطة؛ إما مصاهرة أو مسئولين بالحكومة أو أتباعًا لمسئولين أو مستندين على شخصيات متنفذة في الدولة.
وأشاروا إلى أن هذه الأراضيَ التي تقدَّر ب400 مليار جنيه كانت كفيلة ببناء مساكن للفقراء قاطني عشوائيات الموت بدلاً من التسول باسم الناس، واستغلال فقرهم لجلب المعونات من دول مثل دولة الإمارات العربية بهدف تطوير منطقة الدويقة، وأكدوا أن معظم عمليات التخصيص تمت بالأمر المباشر، وبأسعار متدنية، مشيرين إلى أن هناك من لم يدفع قيمة الأرض، وكأنها هبة من الدولة للأغنياء المساكين!!.
وشددوا على أهمية سرعة التحقيق في هذه المعلومات، وتشكيل لجنة لتقصي حقائق الموضوع في الحالات المماثلة، ولجنة من العلماء المتخصصين للبحث في أسباب الكارثة، وتحديد المسئولية التقصيرية للموظفين العموميين؛ بدايةً من رئيس الدولة باعتباره مسئولاً عن أعمال تابعيه طبقًا للمادة 147 من القانون.
فساد قيادات الوزارة
قضايا الفساد طالت عددًا كبيرًا من قيادات الوزارة والحقتهم بالسجون؛ حيث قضت محكمة جنايات جنوبالقاهرة برئاسة المستشار طه شاهين مؤخرًا بالسجن المشدد للدكتور أشرف كمال مساعد نائب رئيس هيئة تنمية المجتمعات العمرانية بوزارة الإسكان، وعضو أمانة السياسات بالحزب الوطني 5 سنوات، مع تغريمه 800 ألف جنيه في قضية رشوة وزارة الإسكان، كما قضت بالسجن المشدد 3 سنوات لعلي مصطفى الجمل القيتاني صاحب شركة مقاولات عمومية بمدينة السادس من أكتوبر، وتغريمه 100 ألف جنيه.
كما قضت المحكمة بعد مداولتها التي استمرت ما يقرب من 5 ساعات بمصادرة جميع مبالغ الرشوة التي تبلغ 8 ملايين جنيه، وبراءة باقي المتهمين وعددهم 7.
وكانت النيابة العامة قد اتهمت ال9 في 4 قضايا رشوة منذ شهر نوفمبر 2008م، بإجمالي مبلغ 8 ملايين جنيه، وبتلقي رشوة وتسهيلهم للحصول على أراضٍ، بلغت مساحتها 89 فدانًا في المشروع القومي لإسكان الشباب بمحافظة 6 أكتوبر، وعلى رأس المتهمين الدكتور أشرف كمال مساعد نائب رئيس هيئة تنمية المجتمعات العمرانية بوزارة الإسكان وعضو أمانة السياسات بالحزب الوطني.
ولم تتوقف ساحات القضاء خلال الفترة الماضية عن استقبال دعاوى قضائية ضد مسئولي وزارة الإسكان؛ حيث أعلنت جمعية "ابني بيتك" عن تداخلها التضامني في قضية "الرشوة" للمشروع القومي للإسكان الاجتماعي، والخاصة بمشروع "ابني بيتك" في مدينة 6 أكتوبر، في الجلسة القادمة المقرر عقدها في 7 مارس الجاري بمحكمة جنايات القاهرة، والتي اتُهم على إثرها بعض من مهندسي الجهاز التنفيذي لمياه الشرب والصرف الصحي، ورئيس قطاع القاهرة الكبرى لشركة النصر للمباني والإنشاءات.
دعاوى قضائية جديدة
كما قام عدد كبير من مستفيدي المرحلة الثانية في مشروع "ابني بيتك"، بإقامة دعاوى قضائية جديدة ضد شركة النصر للإنشاءات، وهيئة المجتمعات العمرانية ممثلةً في جهاز 6 أكتوبر؛ بعد أن تسببت شركة الإنشاءات في "خفض" منسوب منازل المستفيدين مترًا كاملاً، نتيجة أخطاء في تنفيذ بالوعات الصرف الصحي.
ولم تكن الوزارة بعيدة عن حملات ووقفات الغضب الشعبي؛ حيث دشنت اللجنة الشعبية للدفاع عن أرض مطار إمبابة حملة تطالب بإقالة الوزير أحمد المغربي وزير الإسكان؛ لما يمارسه من تعنتٍ معهم في إخفاء بنود وتفاصيل المشروع الذي يخص أهالي، وجماهير منطقة إمبابة.
وقدمت مذكرة للرئيس مبارك للتدخل في ما يحدث من جانب وزارة الإسكان من تعتيمٍ في الممارسات الخاصة بالتطوير في أرض المطار، فضلا ًعن عدم تنفيذ قرارات المحكمة التي تفيد بضرورة تقديم الحكومة لخرائط واضحة؛ حيث إنها شككت في الخرائط التي قدمتها الحكومة، والتي تحتوي على بعض الخرائط المبهمة.
وتظاهر العشرات من أهالي مدينة السادات بمحافظة المنوفية أمام مجلس الشعب؛ احتجاجًا على تراجع اللواء محمد عصام مساعد أول وزير الإسكان عن وعوده بحل مشكلاتهم، وتقدم الأهالي بشكوى إلى لجنة الشكاوى بالمجلس طالبوا خلالها بإسقاط الفوائد، وتقسيط أصل الدين المتراكم على مساكنهم التي استلموها منذ نحو 4 سنوات، كما تظاهر العشرات من متضرري الإسكان في مدينة الرياض بمحافظة كفر الشيخ ضد إهمال مسئولي الإسكان.
ويشهد مجلس الشعب معارك برلمانية متواصلة ضد المهندس أحمد المغربي وزير الإسكان، كان آخرها حيث ختم مجلس الشعب دورته البرلمانية الرابعة بمناقشة 46 طلبَ إحاطة وأسئلة للمهندس أحمد المغربي وزير الإسكان تتناول قضية كردونات المدن والقرى، وأسباب عدم انتهاء الوزارة منها، بعد ما تبيَّن مسئوليتها عن البناء العشوائي، والاعتداء على الأراضي الزراعية، والتضييق على المواطنين في إقامة مساكنهم.